عنب بلدي – جنى العيسى
بحضور حكومي ورسمي واسع، على رأسه وزير الاتصالات وتقانة المعلومات السوري، عبد السلام هيكل، أُطلقت منصة “هدهد” كأول منصة رقمية تهدف إلى تصدير المنتجات السورية إلى الأسواق الخارجية، لتربط المنتج المحلي بالمستورد الخارجي بشكل مباشر.
قال وزير الاتصالات، في كلمته الافتتاحية خلال مؤتمر “نهضة تك” الذي أقيم في العاصمة السورية دمشق على مدار يومين في 10 من أيار الحالي، والذي جرى خلاله إطلاق المنصة، إن “هدهد” تهدف إلى تصدير المنتجات السورية إلى الأسواق الخارجية، وتعزيز حضورها الرقمي عالميًا، كما ستعمل كبوابة إلكترونية متكاملة تتيح ربط المنتج المحلي بالمستورد الخارجي بشكل مباشر.
وتحاول الحكومة، عبر عدة قرارات سابقة، دعم التحول التقني في مختلف مجالات الحياة التي تلامس السوريين، إلا أن هذا التحول قد يصطدم بعدة معوقات، منها ما هو مالي أو تقني.
التجارة الإلكترونية (E-commerce) هي عملية بيع وشراء المنتجات أو الخدمات عبر الإنترنت.
تشمل التجارة الإلكترونية العديد من الأنشطة، مثل التسوق الإلكتروني، البنوك الإلكترونية، حجز التذاكر، وتقديم الخدمات عبر الإنترنت.
وتتيح للأفراد والشركات الوصول إلى سوق عالمي، حيث يمكنهم بيع وشراء المنتجات والخدمات بسهولة وكفاءة.
من سوريا إلى دول الخليج
أوضح المدير التنفيذي في منصة “هدهد”، رائد صقر، في حديث إلى عنب بلدي، أن “هدهد” تُعد السوق الإلكتروني العربي الأول من نوعه، بدأ بتصدير المنتجات التركية، واليوم يركّز على دعم وتصدير المنتج السوري، ويهدف إلى توفير بديل عربي عن المنصات العالمية، وتمكين المنتجين المحليين من الوصول إلى أسواق الخليج والدول الأخرى قريبًا.
“هدهد” هي شركة خاصة مسجلة رسميًا في تركيا عام 2022، ثم توسعت وحصلت على ترخيص في قطر عام 2024.
وحول المكاسب التي سيحصل عليها التجار السوريون في حال رغبتهم بالاستفادة من هذا التطبيق، أوضح صقر أن تطبيق “هدهد” يقدّم حاليًا تسجيلًا مجانيًا للتجار، مع تسويق شامل لمنتجاتهم عن طريق البيع بالجملة أو بالمفرق، كما يوفّر فرصة لفتح أسواق جديدة للتصدير بدءًا من دول الخليج، مع وجود خطط للتوسع في دول أخرى.
ومقابل تقديم هذه الخدمات للتجار، يحصل أصحاب المنصة على نسبة من المبيعات دون وجود رسوم ثابتة، كما يضمن القائمون عليها تحويل الأموال من خلال نظام مالي شفاف وآمن، بالشراكة مع شركات تحويل أموال موثوقة، بحسب إجابات رائد صقر على أسئلة طرحتها عنب بلدي تتعلق بمكاسب أصحاب المنصة، وكيفية ضمان تحويل الأموال للتجار.
ويرى صقر أن التجارة الإلكترونية تفتح الأسواق العالمية أمام المنتج السوري، وتقلل من التكاليف التشغيلية، وتمنح مرونة في التوسع والنمو رغم التحديات المحلية.
أرقام خجولة للمبيعات والزوار
أشار موقع After Ship، المتخصص في تقديم بيانات حول التجارة الإلكترونية، في إحصائية تتعلق بالتجارة الإلكترونية في سوريا لعام 2025، إلى وجود 146 متجرًا إلكترونيًا في سوريا.
ويتصدّر قطاع الأعمال والصناعة القائمة بـ19 متجرًا (13.01% من الإجمالي)، يليه قطاع الملابس بـ17 متجرًا (11.64%)، ثم قطاع الصحة بـ12 متجرًا (8.22%).
وفق الإحصائيات المفصلة، فإن 66 متجرًا تحقق مبيعات شهرية تقل عن 100 دولار أمريكي، ما يمثل 100% من المتاجر ذات المبيعات المعلومة.
أما من حيث عدد الزوار الشهري، فإن 140 متجرًا (88.05%) لا يتجاوز عدد زوارها 100 زائر شهريًا، فيما يتراوح عدد زوار 16 متجرًا بين 100 وعشرة آلاف زائر (10.06%)، وتتراوح أعداد زوار ثلاثة متاجر فقط بين ألف وعشرة آلاف زائر (1.89%).
وبخصوص حجم المبيعات الشهرية، فإن معظم المتاجر الإلكترونية في سوريا تبيع أقل من 100 منتج شهريًا، ويبلغ عددها 151 متجرًا (83.43%).
في المرتبة الثانية، تتراوح مبيعات 21 متجرًا بين 100 و1000 منتج شهريًا (11.60%)، في حين تتراوح مبيعات ستة متاجر فقط بين 1000 و10,000 منتج شهريًا (3.31%).
نافذة إلى العالم الرقمي
اعتبر الباحث الاقتصادي، محمد السلوم، أن سوريا تشهد تحولات رقمية بملامح جديدة، تمثلت إحداها في إطلاق منصة “هدهد” كأول منصة إلكترونية متخصصة في تصدير المنتجات السورية إلى الأسواق العالمية.
وبينما يراها البعض مبادرة طموحة في ظل الحصار، يعتبرها آخرون خطوة طبيعية طال انتظارها، مع التحولات العالمية نحو الاقتصاد الرقمي.
من أبرز الإيجابيات التي قد تدفع التجار لاعتماد تطبيقات كهذه، بحسب ما يرى السلوم في حديث إلى عنب بلدي:
- فتح أسواق خارجية دون الحاجة للسفر أو المعارض المكلفة.
- تقليص الاعتماد على الوسطاء وزيادة هامش الربح.
- إمكانية التعامل بعملات صعبة، ما يوفر حماية نسبية أمام تقلبات الليرة السورية.
لضمان إقبال التجار على مثل هذه المنصات، ينبغي أن تقدم المنصة عمولات تنافسية (لا تتجاوز 10–12%)، وآلية دفع مرنة تضمن جزءًا من الأرباح داخل سوريا والآخر خارجيًا، إضافة إلى توفير شراكات موثوقة مع شركات شحن دولية، وضمانات ضد الغش والتأخير، وفق ما يقترح الباحث الاقتصادي.
وحول مدى جا، قال السلوم إن التجارة الإلكترونية لا تزال ثقافة جديدة في سوريا، وتفتقر إلى الثقة الراسخة من قبل معظم التجار، خصوصًا ممن اعتادوا على الطرق التقليدية. والمطلوب هنا برامج تدريب عملية توضح كيفية التصوير الاحترافي للمنتجات، وآليات التسعير، والامتثال لمواصفات التصدير.
في المحصلة، فإن “هدهد” وأخواتها في المستقبل، ليست مجرد منصة تسويق رقمي، بل تجربة تضع الاقتصاد السوري أمام مفترق: إما أن نؤمن بالتحول ونتجهز له بجدية، أو نكتفي بالمشاهدة بينما تتحول أسواق العالم من حولنا.
النجاح هنا لا يتعلق بالمنصة وحدها، بل بقدرتنا جميعًا على التكيف مع واقع اقتصادي رقمي لا ينتظر المتأخرين.
الباحث الاقتصادي محمد السلوم
دعم حكومي مطلوب
وأكد الباحث الاقتصادي، محمد السلوم، أن هذه التجربة تحتاج إلى دعم حكومي جدي، يتمثل في تحسين البنية التحتية من كهرباء واتصالات وإنترنت، إلى جانب تطوير البيئة القانونية للتجارة الإلكترونية، وتسهيل التعاملات المالية عبر قنوات موثوقة وآمنة.
تبرز أهمية التجارة الإلكترونية في سوريا لعدة أسباب، إذ من شأنها تنشيط الاقتصاد المحلي، وتوفير فرص عمل جديدة، وتحسين جودة الحياة، فضلًا عن تعزيز الشمول المالي، ومواجهة الأوضاع الاقتصادية وغيرها من التحديات المحلية.
وفي الوقت ذاته، تواجه التجارة الإلكترونية العديد من التحديات، منها نقص البنية التحتية اللازمة، مثل الإنترنت عالي السرعة والخدمات اللوجستية المتطورة، فضلًا عن غياب التشريعات القانونية، ما يفرض الحاجة إلى إطار قانوني ينظم التجارة ويحمي حقوق المستهلكين والبائعين، بالإضافة إلى وجود مخاوف لدى المستهلكين تتعلق بالأمان في المعاملات الإلكترونية وخصوصية البيانات.