الوحدة “العظيمة” والانفصال “البغيض”

  • 2025/05/19
  • 1:12 م
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

دأبتُ، منذ مدة، على تخصيص زاوية “تعا تفرج”، لمناقشة بعض العبارات، والمفاهيم التي تجري على ألسنتنا دون تدقيق، وتصحيح الأخطاء التي نقع فيها بسبب تراكم هذه الخلاصات في قعر ذاكرتنا، عبر السنين.

أرى، وأنا أخوكم، أن الضخ الإعلامي الذي تعرضنا له، خلال ثلاثة أرباع القرن الفائت، هو المسؤول عن كل هذه التشوهات، فعندما تقرأ خبرًا، عن الوحدة بين سوريا ومصر، ملحقًا بصفة “العظيمة”، تدرك أن الصحفي الذي صاغه يجهل أبسط قواعد صياغة الخبر الصحفي، وهي الامتناع عن استعمال أحكام القيمة، والعجيب أن يتحدث الصحفي نفسه، أو غيره، عن انفصال سوريا عن مصر، ويضيف إلى كلمة الانفصال صفة “البغيض”، ناهيك بعشرات الأغاني، والأناشيد، والأهازيج، والأشعار، والمقالات، والمحاضرات التي تشيد بالوحدة العربية، وتعتبرها ضربًا من البديهيات، أو المسلّمات، وأنها ممكنة الحدوث، بينما نجد، على أرض الواقع، التناحر بين الدول العربية، والتباغض، والتآمر، وتبادل المكائد، وبالأخص بين تلك الدول التي تتبنى القومية العربية وشعاراتها، ولعل العداء الشرس الذي كان بين نظامي صدام حسين وحافظ الأسد، البعثيين، الوحدويين، أكبر دليل على أن الكلام عن الوحدة لا يعدو كونه ستارة مهترئة، تستخدمها الأطراف المتناحرة، للتغطية على النزوع الانفصالي، الاستبدادي، الديماغوجي، الذي تنتهجه.

قد يتساءل متسائل عن مناسبة هذا الكلام، أو جدواه، والجواب عندي؛ أن الأوان قد آن لنا، لنخرج من دائرة الأكاذيب، والأوهام التي كانت الأحزاب القومية تستعبدنا بها، وتنهبنا بها، وتقتلنا بها، منذ خمسينات القرن الفائت، فقد وصلنا، اليوم، إلى حافة تطل على واد سحيق، لا يمد لنا أحد يده لينقذنا، بينما تتكاثر الأيدي التي تريد أن تدفعنا من الخلف، لنتدحرج، ونهوي، ونصرخ، ولا يسمع صراخنا أحد..

الجمهورية السورية، التي تركها لنا المستعمر الفرنسي، “البغيض”، سنة 1946، صار اسمها الجمهورية العربية السورية، وصارت الانقلابات العسكرية تتقاذفها، وتمنعها من الاستقرار، دواليك حتى تحقق حلم الوحدة “العظيمة”، التي كان الشرط الناصري الأساسي لتحققها، هو حل الأحزاب، وإغلاق الصحف، وتعطيل البرلمان، وكان أول إنجازاتها، بعدما تحققت، ضرب الصناعة الوطنية، بقرارات التأميم الارتجالية، والبدء بالتأسيس لنظام المخابرات، فصار سهلًا، واعتياديًا، شحط المواطن إلى فرع “السياسية”، ووضعه في الدولاب، وضربه.. ولا أظن أن سوريًا عاقلًا واحدًا، سأل نفسه عن سبب ذلك العداء للشخصيات الوطنية التي صنعت ما عُرف باسم “الانفصال البغيض”، أو، عن مدى معقولية ما غناه المطرب محمد قنديل (أنا واقف فوق الأهرام، وقدامي بساتين الشام)، في حين أن مصر بعيدة، والسفر إليها لا يكون إلا بالطائرة، أو الباخرة، وأن الوحدة التي كانت حلمًا، تكشفت عن قيادة رجل مغامر، تهمه الزعامة أكثر مما يهمه بناء الأوطان.

أخيرًا: الجمهورية العربية السورية، التي تبعثنت (صارت بعثية)، صرفت الغالي والنفيس من مقدرات سوريا، على بناء جيش، لا ليحميها من الأعداء، بل لتحرر به فلسطين، وفي أول معركة “تحرير”، خسرت الجولان، وأضافت إلى تحرير فلسطين، تحرير الجولان، واليوم، بعد كل حساب، لم يعد السوريون يحلمون بالوحدة العربية، بل بوحدة سوريا. فتأمل.

 

مقالات متعلقة

  1. تعا تفرج عَ الكاتب الحشاش
  2. يا ابن المقرودة بيع أمك
  3. يعيش الأسد و(...) أختك يا حكَم
  4. شاحنة محملة بأعضاء مجلس الشعب

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي