دمشق تسجل نقاطًا في رهان ملف “الكبتاجون”

  • 2025/05/25
  • 1:34 م
الأمن العام يضبط حبوبًا مخدرة داخل آلات صناعية في مدينة اللاذقية - 19 أيار 2025 (وزارة الداخلية السورية)

الأمن العام يضبط حبوبًا مخدرة داخل آلات صناعية في مدينة اللاذقية - 19 أيار 2025 (وزارة الداخلية السورية)

عنب بلدي – أمير حقوق

يعتبر ملف “الكبتاجون” من أكثر الملفات السورية على طاولة البحث في المحافل الدولية، ولم ينتهِ الأمر بعد سقوط نظام الأسد، الذي كان الراعي الرسمي لصناعته وتجارته، فلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على زيادة انتشاره بالمنطقة العربية، وخاصة دول الجوار، لاستخدامها كممر نحو الخليج العربي ومناطق أخرى.

وأظهرت تقارير معهد “New Lines” أن إنتاج “الكبتاجون” في سوريا كان منظمًا للغاية، وشاركت فيه مجموعات عسكرية وميليشيات مختلفة، بما في ذلك “حزب الله”، الذي ينشط أيضًا بالإنتاج في لبنان.

وقد تم تقدير القيمة السنوية لـ”الكبتاجون” المضبوط، ومعظمه من أصل سوري، بنحو 56 مليار دولار بين عامي 2020 و2023، ومن هذه القيمة، تم تقدير أن الجهات الفاعلة في سوريا والمرتبطة بالنظام تستفيد بما يصل إلى 1.8 مليار دولار سنويًا، أي ما يقارب ضعف الإيرادات من جميع الصادرات السورية المشروعة في عام 2023.

توتر العلاقات السياسية

لعب ملف “الكبتاجون” دورًا ملحوظًا في توتر العلاقات السياسية بين سوريا والدول العربية، خاصة دول الخليج العربي، خلال عهد نظام الأسد السابق، باعتبار سوريا أولى الدول المصدّرة لـ”الكبتاجون” إلى تلك الدول، وذلك عبر دول الجوار كالأردن والعراق.

ومنذ سقوط نظام الأسد، أبدت السلطة الجديدة جديتها بمحاربة صناعة وتجارة “الكبتاجون”، الأمر الذي طمأن دول الخليج وغيرها حيال الملف.

الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، قال لعنب بلدي، إن ملف “الكبتاجون” السوري كان له تأثير سياسي بالغ على دول الخليج العربي، خلال فترة النظام السابق، واليوم دول الخليج تولي أهمية كبيرة لاستقرار الحكم الجديد في سوريا، من أجل التعامل مع ملف تهريب المخدرات من سوريا.

ويعتقد الباحث أن الحكم الجديد في سوريا يبدي أهمية كبيرة بهذا الملف ويتعامل معه بحزم، لما يشكله من ضغط كبير على دول الخليج العربي والأردن على وجه الخصوص، لكنّ هناك إدراكًا متزايدًا لدول الخليج، بأهمية استقرار السلطة الجديدة في سوريا، وتوفير ظروف الاستقرار، التي تدفع دمشق لوقف هذه التجارة التي كان لها ضرر كبير على دول المنطقة العربية.

وهذا لا يعني أن دول الخليج تولي أهمية للسلطة الحاكمة من أجل الرغبة فقط بالقضاء على ملف “الكبتاجون”، بل أيضًا لأن استقرار سوريا مهم لاستقرار المنطقة العربية، وبالتالي تتحرك هذه الدول بسياستها من منظور حاجة دعم السلطة الجديدة، لأنه دون هذا الاستقرار، ستكون عواقب كبيرة للفوضى في سوريا، وليس فقط على دول الجوار، بل أيضًا على الأمن والاستقرار الإقليمي.

عقوبات ومسارات قانونية

نتيجة إشراك النظام السابق بصناعة “الكبتاجون”، أقر مجلس النواب الأمريكي قانون “الكبتاجون” عام 2022، ويقضي بأن تضع الحكومة الأمريكية استراتيجية مشتركة بين الوكالات، بهدف تعطيل إنتاج المخدّرات والاتجار بها.

وأسهم ملف “الكبتاجون” في سوريا بزيادة العقوبات الاقتصادية، ومع زوال النظام، دعت الأوساط الحقوقية والمنظمات الدولية لرفع هذه العقوبات.

بدورها، دعت المنظمات والجمعيات المحلية والدولية لمساءلة المتورطين بملف “الكبتاجون” قانونيًا، بدءًا من رأس هرم النظام السابق، بسبب تداعياته وآثاره المجتمعية والأمنية والصحية.

وتعقيبًا على ذلك، قال الحقوقي وعضو مجلس الإدارة المؤسس لـ“المنتدى السوري”، الدكتور ياسر تبارة، لعنب بلدي، إن المسارات القانونية تكون عبر المحاسبة الجنائية، ويجب أن تكون مركزية لملف “الكبتاجون”.

وعزا ذلك إلى أن هذه المحاسبة ليست لها علاقة فقط بجرائم مرتبطة بصناعة وتهريب المخدرات، بل لها تبعات هائلة على الصحة العامة والمجتمع والأمن الوطني والإقليمي والدولي.

ويجب الأخذ بعين الاعتبار المجرمين الذين كانوا على رأس هذه الشبكات، بحسب الدكتور تبارة، “باعتبارهم استعملوا الموارد المالية من هذه التجارة والصناعة لتمويل الكثير من أعمالهم الإجرامية من قتل وذبح وقمع وغيرها”.

ويرى أن هناك جرائم متشابكة مع بعضها، والمقاربة لا يجب أن تكون فقط مقاربة جنائية بحتة على مستوى مكافحة المخدرات، بل اعتبر هذه الشبكات نفسها من أكبر خارقي حقوق الانسان وقاتلي الشعب السوري ومهجريه.

مديرة “محفظة النقطة العمياء الاستراتيجية” في معهد “New Lines“، الباحثة كارولين روز، قالت لعنب بلدي، إنها لا تعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية ستخفف العقوبات الخاصة بـ”الكبتاجون” عن سوريا.

عمل الحكومة كخطوة أساسية

منذ سقوط الأسد، والكشف عن معامل صناعة “الكبتاجون” مستمر، خاصة أن وزارة الداخلية السورية تعمل جاهدة على ضبط وملاحقة المهربين والمنتجين، ومصادرة وإتلاف كميات كبيرة من الحبوب المخدرة، وإلقاء القبض على المروجين والمهربين.

المشهد الدولي ما زال يراقب عمل الإدارة الجديدة في سوريا بمحاربة هذه الصناعة والتجارة، وأيضًا القضاء عليها بشكل فعلي وعلى محمل الجد.

وهنا، اعتبر الدكتور ياسر تبارة أن التحديات أمام الإدارة الجديدة هائلة جدًا، سواء على مستوى الصحة العامة، وعلى مستوى المحاسبة الجنائية، وعلى مستوى ضبط الحدود، وملاحقة الشبكات والاقتصادات المحلية القائمة على هذه التجارة والصناعة.

وهذا النوع من الشبكات مرتبط بشبكات عابرة للحدود، ولها علاقة بالإرهاب الدولي، وترتبط بتبيض الأموال وتهريب السلاح، وبالتالي الحكومة ستكون مركزة على الأمور الأمنية وعلى التعامل مع هذه التحديات بوجهة نظر أمنية وعسكرية، لأنها أدوات أساسية متاحة، وفقًا للدكتور تبارة.

تبارة يعتقد أن التعامل مع ملف “الكبتاجون” في سوريا يتطلب استراتيجية متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار تنمية اقتصادات بديلة لمنح هذه الشبكات بدائل، وهذا يحتاج إلى وضوح ومساعدات إقليمية ودولية، ورفع العقوبات عن سوريا والقطاعات المصرفية، وهو ما بادرت إليه الدول الغربية خلال الأيام القليلة الماضية، فالتحديات مرتبطة ببعضها.

ولفت إلى أن هناك دورًا كبيرًا لهيئات ومؤسسات المجتمع المدني وخاصة السورية، التي عملت في الشأن السوري خلال الـ15سنة الماضية، ولها الكثير مع العلاقات الدولية لتغطية الاحتياجات.

ويرى الباحث محمود علوش أن إبداء السلطة الجديدة جديتها بمعالجة “الكبتاجون”، يعزز من مصداقيتها لدى المجتمع الدولي، وهذا يشكل حافزًا لكل دول العالم لدعم هذه السلطة، لأنها الفرصة الوحيدة اليوم من أجل التعامل مع التحديات الكبيرة التي شكلها الصراع في سوريا على دول المنطقة.

مقالات متعلقة

  1. مشروع قانون "كبتاجون 2" إلى "الكونجرس" الأمريكي
  2. رسائل وراء حملة العقوبات الأوروبية على "كبتاجون الأسد"
  3. بغالبية ساحقة.. النواب الأمريكي يقرّ مشروع قانون "الكبتاجون 2"
  4. تجارة "الكبتاجون" تعبر خطوط الجبهات: شراكات بين قادة في النظام والمعارضة

سوريا

المزيد من سوريا