قبل أيام، أعلنت “الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية” في سوريا عن توقيع مذكرة تفاهم استراتيجية مع شركة “Fidi Contracting” الصينية لاستثمار مناطق حرة في سوريا بمساحة تتجاوز مليون متر مربع.
تقضي مذكرة التفاهم منح الشركة حق استثمار كامل المنطقة الحرة في حسياء بمحافظة حمص، بمساحة تقدر بنحو 850 ألف متر مربع، بهدف إنشاء منطقة صناعية متكاملة تحتوي على مصانع متخصصة ومنشآت إنتاجية.
ومنحت الشركة الصينية بموجب مذكرة التفاهم حق استثمار 300 ألف متر مربع من المنطقة الحرة في عدرا بمحافظة ريف دمشق، لإقامة مشاريع تجارية وخدمية تواكب متطلبات السوق المحلي والإقليمي.
تبلغ مدة العقد 20 عامًا، وستلتزم الشركة الصينية بتنفيذ مراحل المشروع وفق جدول زمني محدد، بما يضمن تحقيق الجدوى الاقتصادية وتعزيز دور المناطق الحرة كمحرك للتنمية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
جدل حول ماهية ومعلومات الشركة
لم يظهر البحث المكثف باللغات العربية والإنكليزية والصينية الذي أجرته عنب بلدي أي معلومات حول شركة “Fidi Contracting” الصينية، أو ما يتعلق بمالكيها وطبيعة عملها ونشاطها في بلدها الأم أو في بلدان أخرى.
الباحث في الشأن الاقتصادي السوري، ملهم الجزماتي، اعتبر في حديث إلى عنب بلدي، أن هذا النقص في المعلومات العامة يثير تساؤلات حول طبيعة الشركة وخلفيتها، خاصة مع حجم الاستثمار الكبير المذكور في الاتفاقية، ما يلزم تكثيف البحث والتنقيب عنها، مضيفًا أن البحث أوصله لعدة نقاط هي:
- لا يوجد موقع إلكتروني رسمي لشركة “Fidi Contracting”، ولا يوجد أي سجل تجاري أو معلومات تسجيل الشركة في الصين، كما لا توجد أي ملفات تعريفية للشركة على منصات الأعمال مثل “LinkedIn”، والشركة ليس لها حضور إعلامي سابق وغير مذكورة سابقًا بأي تقارير في وسائل الإعلام الدولية قبل اتفاقية الموقعة مع سوريا مؤخرًا.
- من الملاحظ أن توقيع الاتفاقية مع شركة “Fidi Contracting” جاءت بعد أسابيع قليلة من اجتماعات بين مسؤولين سوريين وتشو ليجيانغ (Zhou Lijiang)، المدير العام لشركة “AOJ-Technology” في الشرق الأوسط، وهذا يثير احتمال وجود علاقة بين الشركتين، كما أن الرجل الظاهر من الجانب الصيني في الصورة الرسمية عند توقيع الاتفاقية معرف على أنه السيد “ليجانغ” نفسه الظاهر في صورة من اجتماع سابق لوفد صيني كان قد زار دمشق في وقت سابق.
- بالعودة إلى Zhou Lijiang)، نجد أنه قد زار دمشق عدة مرات كان، أولها في 22 من نيسان الماضي، عندما زار مقر “الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية” في سوريا في العاصمة دمشق، تلاها زيارة رسمية بتاريخ 1 من أيار على رأس وفد من رجال الأعمال الصينيين مجتمعين مع الرئيس السوري، أحمد الشرع.
- حسب التعريف الذي تداولته وكالات الإعلام الرسمية للسيد Zhou Lijiang، فهو المدير العام لشركة “AOJ Technology” في منطقة الشرق الأوسط، لذلك يمكننا الآن الربط المباشر بين شركة “AOJ” وشركة “Fidi Contracting” على أن الأخيرة هي الذراع التنفيذية للشركة الأم.
للحصول على معلومات تتعلق بطبيعة الشركة ومقرها الرئيسي ومكان تسجيلها، وصفة الشخص الذي وقع مذكرة التفاهم، ولمعرفة تفاصيل إضافية حول مذكرة التفاهم، تواصلت عنب بلدي مع مدير العلاقات في “هيئة المنافذ الحدودية”، مازن علوش، وأكد أن الشركة وكيل رسمي لشركة “AOJ-TECHNOLOGY”، وهي مرخصة في سوريا ومقرها في المنطقة الحرة بدمشق وليست شركة وهمية.
تشو ليجانغ يلتقي أحمد الشرع بدمشق بصفته رئيسًا لوفد رجال أعمال من الصين ومديرًا عامًا لشركة “AOJ-TECHNOLOGY” بمنطقة الشرق الأوسط- 1 أيار 2025 (الإخبارية السورية)
ما شركة “AOJ Technology”
الاسم الرسمي للشركة التي أشار الباحث السوري، ملهم الجزماتي، إلى احتمال وجود ارتباط بينها وبين شركة “Fidi Contracting”، هو “تايتشو أوجي للتكنولوجيا المحدودة (Taizhou Aojie Technology Co., Ltd)، موقعها في مدينة يوهوان، مقاطعة تشجيانغ، الصين.
وفقًا للمعلومات المستخرجة من قاعدة بيانات “TradeWheel” التجارية، تأسست شركة “AOJ Technology Co. Ltd” في عام 2014، وهذا يعني أن الشركة لديها خبرة تمتد لأكثر من عشر سنوات في مجال عملها.
بحسب موقعها الرسمي، فإن شركة “AOJ” متخصصة في تصنيع الأدوات الهوائية للسفن بمختلف المواصفات، البحث والتطوير والإنتاج والمبيعات والخدمات، تصدير منتجاتها إلى جنوب شرق آسيا وأسواق أخرى.
يشير الموقع الرسمي للشركة إلى أن فرع “AOJ” في الفلبين حصل على ترخيص “PCAB” (مجلس الاعتماد للمقاولين الفلبيني)، ما يشير إلى وجود نشاط تجاري هناك، كما تشير إحدى الأخبار على موقع الشركة إلى أن “AOJ PHILIPPINES” حصلت على عقد مع “NGCP” (الشركة الوطنية لشبكة الكهرباء في الفلبين).
تدعي الشركة وفق ما ورد في موقعها الرسمي أن عملياتها التجارية تغطي دول ومناطق في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، وأنها تشارك في مشاريع بأنماط EPC وBOT وBOO وIPP وPPP، لكن لم يتم العثور على قائمة مفصلة بالمشاريع المحددة، وفق ما أشار الباحث الاقتصادي، ملهم الجزماتي.
الخبرة ضرورة
الباحث الاقتصادي ملهم الجزماتي قال، لعنب بلدي، إنه يجب التركيز على نقطة مهمة جدًا بخصوص العقد مع شركة “Fidi Contracting” وهو أن الإعلان تضمن عن توقيع مذكرة تفاهم وليس اتفافية، ومن المعلوم أن مذكرة التفاهم لا تلزم الأطراف الموقعة إلزاميًا على تنفيذ ماذكر فيها، بل تعطي التزامًا قانونيًا غير ملزم على تنفيذ ما ذكر في مذكرة التفاهم، ويلي هذه المذكرة اتفاقيات تنفيذية تفصيلية ملزمة لجميع الأطراف.
الجزماتي اعتبر أن السوريين يكونون أكثر سعادة واطمئنانًا عندما يرون شركات تتمتع بخبرات طويلة تدخل إلى السوق السوري، وذلك لتنفيذ مشاريع على درجة عالية من الجودة، ورفع كفاءات سوق العمل السوري من خلال الخبرات الجديدة التي ستدخلها هذه الشركات إلى سوريا عن طريق استثماراتها.
لذلك يرى الباحث الاقتصادي، أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار الخبرات السابقة لأي شركة يمكن أن تفوز بأي استثمار كبير في سوريا لما لهذا الأمر من أهمية اقتصادية واجتماعية.
ولكن بنفس الوقت وفي ظل استمرار غياب الثقة عن الاقتصاد السوري وعدم وضوح المستقبل الاقتصادي والسياسي في سوريا، فالحكومة الحالية ليست في سعة لتختار وتقرر من أفضل الشركات التي يمكن أن تدخل إلى السوق وهذا هو المبرر الأساسي لما جرى مع شركة “Fidi Contracting”، وفق الجزماتي.
غموض يلف استثمارات “هيئة المنافذ”
خلال أيار الحالي، وقعت “الهيئة العامة للمنافذ البحرية والبرية” في سوريا عدة عقود استثمار مع شركات أجنبية ضخمة، لكن دون إعلان تفاصيل كافية عن طبيعة العقود.
آخر هذه الاستثمارات ما أعلنته “الهيئة”، في 23 من أيار الحالي، عن توقيع مذكرة تفاهم استراتيجية مع شركة “CMA CGM” الفرنسية، بهدف إنشاء وتشغيل موانئ جافة في كل من المنطقة الحرة السورية- الأردنية المشتركة، والمنطقة الحرة في عدرا بريف دمشق.
اتفاقية إنشاء الموانئ الجافة جاءت بعد توقيع اتفاقية مع الشركة نفسها لاستثمار ميناء “اللاذقية” لـ30 عامًا، ستستثمر خلالها 230 مليون يورو، في السنة الأولى ستضخ الشركة منها 30 مليون يورو، وفي السنوات الأربع التالية سيبنى رصيف جديد في مرفأ اللاذقية بمواصفات قياسية عالمية، بطول 1.5 كيلومتر وبعمق 17 مترًا، بقيمة استثمارية تصل إلى 200 مليون يورور.
كما أعلنت “الهيئة”، في 22 من أيار، عن توقيع مذكرة تفاهم استراتيجية مع شركة “Fidi Contracting” الصينية لاستثمار مناطق حرة في سوريا بمساحة تتجاوز مليون متر مربع.
إلى جانب ذلك، أعلنت “الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية” في 12 من أيار، توقيع مذكرة تفاهم مع شركة “موانئ دبي العالمية” (دي بي ورلد) بقيمة 800 مليون دولار لتطوير ميناء طرطوس ومناطق لوجستية في سوريا، لكن دون ذكر أي معلومات حول مدة الاسثتمار وطبيعته وحصة الدولة منه.
الكاتب السوري، إياد الجعفري، قال في مقال رأي نشرته صحيفة “المدن” في 25 من أيار الحالي، إنه هناك بطبيعة الحال، جملة نقاط مثيرة للاستفهام حول هذه الاتفاقيات، أبرزها، غياب التفاصيل في الاتفاقات الثلاثة المعلنة أخيرًا.
في الاتفاق مع شركة “موانئ دبي”، لم يتم الكشف عن المدة الزمنية لاستثمار ميناء طرطوس، أو مواقع الموانئ الجافة ومحطات عبور البضائع المزمع تنفيذها.
أما في حالة العقد مع الشركة الصينية “Fidi Contracting”، وبغض النظر عن الشكوك التي أثارها نشطاء حول هوية الشركة المجهولة للكثير من رجال الأعمال السوريين ذوي الخبرة في السوق الصينية، تبقى المشكلة الأبرز، في غياب التفاصيل عن قيمة العقد، وطبيعة المشاريع المزمعة، مع الإشارة إلى أنه تم الكشف عن مدة العقد 20 عامًا.
فيما تغيب أية تفاصيل تمامًا، عن طبيعة العقد الأخير الموقّع مع “CMA CGM” الفرنسية، بخصوص إنشاء موانئ جافة. فلا تفاصيل عن مدة العقد أو قيمته المالية.
يرى الجعفري أنه “في حال تركنا مصادر القلق الناجمة عن غياب التفاصيل، جانبًا بصورة مؤقتة”، يمكن النظر بإيجابية عالية إلى طبيعة المشاريع الموقعة ودلالاتها، إذ شملت الميناءين البحريين الرئيسيين في سوريا، فضلًا عن إنشاء موانئ جافة في مواقع استراتيجية، فضلًا عن الدخول الصيني في مجال الاستثمار الصناعي الإنتاجي بسوريا.
ويرى الباحث السوري أن الصورة الإجمالية لهذه المشاريع الضخمة تفيد بأن سوريا اليوم، في نظر المستثمرين، أصحاب المشاريع الأربعة على الأقل، هي ورشة تصنيع جذابة، وممر لوجستي نوعي، على طرق التجارة الإقليمية، البرية والبحرية.
حتى عام 2010، ضمّت سوريا أربع مدن صناعية تقليدية كبرى، هي مدينة عدرا الصناعية في ريف دمشق شمال شرقي العاصمة، ومدينة الشيخ نجار الصناعية التابعة لمدينة حلب، والمدينة الصناعية في حسياء جنوبي مدينة حمص، والمدينة الصناعية بدير الزور.
عقب عام 2011، وخروج مناطق من سوريا عن سيطرة النظام، أنشأت العديد من المناطق والمدن الصناعية في الشمال السوري، ففي ريف حلب الشمالي توجد خمسة مناطق صناعية، وفي إدلب توجد مدينة “باب الهوى” الصناعية.
كما تمتلك سوريا عدة موانئ بحرية رئيسة، أبرزها مرفأ طرطوس واللاذقية وبانياس، إلى جانب مرافق أخرى في طور التأهيل والتطوير.