مخلفات الحرب.. تحصد الأرواح وتعطّل الإعمار

  • 2025/06/08
  • 7:44 م
يقف مزارع سوري أمام مزرعته الملوثة بالألغام بعدما أصيب بأحدها في حلب شمالي سوريا - 4 آذار 2025 (فرانس برس/ غيتي)

يقف مزارع سوري أمام مزرعته الملوثة بالألغام بعدما أصيب بأحدها في حلب شمالي سوريا - 4 آذار 2025 (فرانس برس/ غيتي)

enab_get_authors_shortcode

موفق الخوجة | بيسان خلف | كريستينا الشماس

خلّفت سنوات الصراع، طوال 14 عامًا، آثارًا قاتلة، تمثّلت بأنقاض وأراضٍ ملوثة وكميات هائلة من الألغام والمتفجرات والذخائر غير المنفجرة، التي تناثرت على طول الجغرافيا السورية، وما زالت تحصد المزيد من الأرواح البشرية، وتخلّف الإصابات الدائمة، التي تحتاج إلى رعاية نفسية ومجتمعية، كما تمنع النازحين من العودة إلى منازلهم وتحرم المزارعين من استصلاح أراضيهم.

ولم تقتصر آثار الحرب المدمّرة على حصد الأرواح، بل تعدّت ذلك للإضرار بالاقتصاد الوطني، وإيقاف عجلة الاستثمار ومشاريع إعادة الإعمار.

البلاد التي تصدّرت المراكز الأولى عالميًا في عدد القتلى جراء الألغام الأرضية، خلال السنوات الماضية، ثم انخفض ترتيبها إلى المستوى الثاني، عادت المؤشرات إلى تصدّرها مجددًا، بالرغم من مرور أكثر من ستة أشهر على سقوط النظام السوري وتوقف الحرب.

بالمقابل، تسعى الجهات الحكومية، إلى جانب المنظمات والهيئات الأممية، إلى التخلص من هذه الأسلحة والآثار المدمّرة والقاتلة، عبر خطط ومشاريع منها عملي، برصد مواقعها وتحديدها ثم العمل على إزالتها، والآخر مجتمعي توعوي، يتوجه إلى السكان والعاملين في القطاع الإنساني، لمحاولة الحد من ضحايا الألغام والذخائر غير المنفجرة.

ترصد عنب بلدي في هذا الملف آثار هذه المخلفات، وتروي قصص من تضرروا، وتقابل باحثين ومتخصصين وبعض أصحاب القرار، لطرح القضية وعرض الجهود، في سبيل التخلص منها والمضي في طريق إعادة الإعمار، وعودة الحياة الطبيعية إلى مجاريها.

آثار مستمرة.. ناجون يروون قصصهم

فقد أحمد الرفاعي (39 عامًا) قدميه إثر انفجار لغم أرضي خلال عمله في الزراعة بمدينة البوكمال بدير الزور شرقي سوريا عام 2021.

لم يستطع أحمد إكمال حديثه لعنب بلدي عن لحظة إصابته وقرار الطبيب ببتر قدميه، بعدما أسعفه شبان إلى المستشفى، مكتفيًا بالقول، “أن تفقد جزءًا من جسدك يعني أن تصبح عاجزًا”.

أحمد كان أمام خيارين، إما أن يستسلم أو يقاوم من أجل الحياة، ومن أجل أطفاله الثلاثة، وقرر المواصلة ومساعدة زوجته التي تعمل في صناعة “المونة” المنزلية، لكنه لم يتجاوز صدمة بتر قدميه، وازدادت حالته النفسية سوءًا بعدما فقد أخاه الأصغر منه سنًا بانفجار لغم أيضًا، بعد عام واحد من تعرضه للإصابة.

حال أحمد الذي فقد قدميه بلغم أرضي، لا يختلف عن مؤمنة الرفاعي (24 عامًا) التي فقدت قدمها، عندما زارت منزلها في درعا جنوبي سوريا، الذي كان يحتوي على قنبلة غير منفجرة.

فقدت مؤمنة قدمها عندما كانت في الـ20 من عمرها، وانقطعت عن الدراسة في الجامعة لمدة سنتين، خوفًا من التنمر.

قرر والدها، الذي يعمل مهندسًا زراعيًا، عرضها على مختص نفسي لإعادة ثقتها بنفسها، ومواصلة تعليمها، بعدما زرعت طرفًا صناعيًا، إذ عانت مؤمنة من اضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب المترافق معه.

وتابعت علاجها على مستويين، العلاج الدوائي، والعلاج السلوكي المعرفي والجدلي.

اضطراب ما بعد الصدمة

الاختصاصية النفسية آلاء رنكوسي، أوضحت لعنب بلدي أن المعاناة النفسية والصدمة التي تحدث للأشخاص الذين فقدوا أطرافهم بلحظات قاسية ومؤلمة ومدمرة نفسيًا، قد تعرضهم لاضطراب ما بعد الصدمة أو حالات اكتئاب شديدة، مما يؤثر على حياتهم اليومية والاجتماعية والعملية.

ويواجه فاقدو الأطراف قلقًا شديدًا من نظرة المجتمع السلبية لهم عند عودتهم للانخراط في المجتمع، كما يحتاجون إلى دعم نفسي كبير من الأشخاص الموجودين حولهم، ليستطيعوا التكيّف مع متغيرات الحياة عليهم من النواحي الجسدية والنفسية والاجتماعية، التي تسبب لهم ضغطًا شديدًا حتى يتجاوزوا آثار الصدمة ويعودوا للاندماج في المجتمع، وفقًا لرنكوسي.

ودعت رنكوسي إلى إعطائهم الأولوية من قبل المجتمع والحكومة، بتخصيص مراكز دعم نفسي واجتماعي لتسريع عملية التكيف والتقبل لديهم.

ويقع على عاتق الدولة إكسابهم مهارات جديدة تتناسب مع وضعهم ودمجهم في المجتمع وسوق العمل بما يتناسب مع إمكانياتهم، ومراعاة التغييرات الجذرية التي طرأت على قدراتهم في الحركة والتنقل، كما يجب تخصيص أماكن تراعي حركتهم، مثل أماكن مخصصة للكرسي المتحرك ومواقف باصات مخصصة والكثير من التفاصيل التي تسهل حركتهم باستقلالية لممارسة حياتهم بشكل أفضل ومواجهة التحديات الجديدة المفروضة عليهم، بحسب رنكوسي.

تأتي الألغام الأرضية على شكلين، ألغام مضادة للأفراد، وألغام مضادة للمركبات.

الألغام المضادة للأفراد محظورة بموجب اتفاقية حظر استعمال وتكديس وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام (اتفاقية حظر الألغام)، التي اعتمدت في عام 1997.

انضم أكثر من 165 بلدًا إلى هذه الاتفاقية. 

وهناك انخفاض ملحوظ في الإصابات، وتزايد عدد الدول الخالية من الألغام، والمخزونات المتلفة، وتحسّن مساعدة الضحايا.

الأمم المتحدة

 

متطوع في “الدفاع المدني السوري” أثناء عمله في تدمير الذخائر غير المنفجرة – نيسان 2025 (TNH/ حسن بلال)

آلاف القتلى

خلال سنوات الحرب في سوريا، قتل عدد من المدنيين في سوريا، لم تتمكن الهيئات والمنظمات من إحصاء عدد دقيق لهم، لعدة عوامل، أبرزها صعوبة وجود هذه المؤسسات في مناطق تعددت فيها أطراف السيطرة.

الهيئات الأممية نشطت في أماكن وجود المعارضة، شمال غربي سوريا، إضافة إلى “الدفاع المدني”، بينما اقتصر عمل “الهلال الأحمر السوري” على مناطق سيطرة النظام السوري السابق.

وتصدّرت سوريا المركز الأول في عدد ضحايا الألغام الأرضية عالميًا لمدة ثلاث سنوات (2020 و2021 و2022)، بينما كانت في المركز الثاني عام 2023، بعد ميانمار.

بدورها، وثّقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل 3521 مدنيًا نتيجة انفجار الألغام الأرضية، بينهم 931 طفلًا و362 سيدة (أنثى بالغة) منذ بداية الثورة السورية وحتى نهاية عام 2024.

ومن بين القتلى المدنيين سبعة من كوادر “الدفاع المدني”، وثمانية من الكوادر الطبية، وتسعة من الكوادر الإعلامية.

وقدّرت “الشبكة” عدد المصابين بأكثر من 10400 مدني مصاب، منهم عدد كبير بحاجة إلـى أطراف صناعية، فضلًا عن سلسلة طويلة من عمليات إعادة التأهيل والدعم النفسي.

من جانبه، وثّق “الهلال الأحمر السوري” 5,686 ضحية بين قتلى ومصابين مخلفات الحرب في 1700 قرية من كافة المحافظات السورية التي كانت تحت سيطرة النظام السابق، منذ بداية 2018 وحتى نهاية 2024.

وبحسب تقرير “مرصد الألغام الأرضية” (Mine Action Review) السنوي الصادر عام 2023، والذي أسهم فيه “الدفاع المدني”، سجلت سوريا و للعام الثالث على التوالي أكبر عدد من الضحايا الجدد للألغام المضادة للأفراد أو مخلفات الحرب القابلة للانفجار.

ووثق التقرير 834 ضحية في عموم سوريا خلال العام 2022 والنصف الأول من العام 2023.

ازدادت بعد الحرب

انتهاء الحرب، شجّع السوريين على العودة إلى مناطقهم الأصلية، بعد سنوات من التهجير، إلا أن انتشار الذخائر والألغام في المناطق التي كانت خطوط مواجهة عسكرية، أدى إلى ازدياد نسبة القتلى من المدنيين.

وبحسب الأمم المتحدة، قتل وأصيب ما لا يقل عن 1000 شخص، بينهم أكثر من 600 قتيل، وأكثر من 400 مصاب آخر، منذ كانون الأول 2024 وحتى بداية حزيران الحالي.

بالمقابل، تؤكد منظمة “ذا هالو ترست” أن أعداد المدنيين الذين تأكد مقتلهم أقل من الواقع، نظرًا إلى قلة الإبلاغ ووقوع الحوادث في المناطق النائية، مشيرة إلى أن عدد الإصابات التي تُغير مجرى الحياة بسبب الألغام الأرضية يفوق عدد الوفيات.

أين تنتشر

تنتشر الألغام على امتداد الجغرافيا السورية، معظمها في المناطق التي كانت خطوط اشتباك مباشرة بين أطراف الصراع، وشهدت معارك لمدة طويلة.

وبحسب منظمات حقوقية، منها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” و”هيومن رايتس ووتش”، استخدمت جميع أطراف الصراع، بما فيها المعارضة و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والنظام السابق، الألغام الأرضية دون خرائط توضح أماكن انتشارها.

ونشرت “الشبكة” خرائط توضح أماكن انتشار الألغام الأرضية، التي أشارت إلى انتشارها في محافظات إدلب وحلب شمالي سوريا، وحماة في الوسط، وريف دمشق في الجنوب، إضافة إلى نسب أقل في دير الزور، ثم بقية المحافظات.

واقتصر استخدام القنابل العنقودية، التي توازي الألغام الأرضية، على النظام السابق.

تعرف الألغام الأرضية المضادة للأفراد بأنها ذخائر تُزرع تحت الأرض أو على سطحها، لتنفجر عند اقتراب شخص أو مركبة منها، وتعد مخلفات الذخائر العنقودية غير المنفجرة جزءًا من هذه الألغام نظرًا لخصائصها المشابهة، حيث يمكن أن تنفجر في أي لحظة بمجرد لمسها.

“الشبكة السورية لحقوق الإنسان”

 

عددها بالملايين

وبحسب حديث سابق لقائد فرق الهندسة في الشمال السوري والبادية التابعة لـ”إدارة العمليات العسكرية” (نواة وزارة الدفاع حاليًا)، ميسرة الحسن، لعنب بلدي، يقدّر عدد الذخائر على امتداد سوريا بالملايين.

 في الشمال السوري وحده، يوجد أكثر من 200 قرية ملغمة، بالإضافة إلى أكثر من 260 حقل ألغام تم توثيقها بوضع علامات تحذيرية لمنع الاقتراب ورسم خرائط توضح توزع الألغام، وفق الحسن.

وتتعدد أنواع ومصادر الألغام بحسب المناطق والمراحل المختلفة من الحرب، موضحًا أن أبرز أنواع الألغام التي تم اكتشافها خلال عمليات الإزالة تشمل ألغامًا مضادة للأفراد وأخرى مضادة للدروع.

وأشار إلى أن معظمها إيرانية وروسية الصنع، بالإضافة إلى ذخائر محلية الصنع مثل العبوات الناسفة التي زرعتها “قسد” في أثناء انسحابها من القرى الشمالية.

من جانبه، أوضح معاون وزير الطوارئ والكوارث لشؤون التخطيط والكفاءة المؤسسية، الدكتور حسام حلاق، أن المخلفات الأكثر شيوعًا في المناطق المدمرة، هي ألغام مضادة للأفراد والدروع، إذ يصنف بعض أنواعها من الدروع “الخطرة جدًا” والتي تكون مصنوعة من مواد غير قابلة للاكتشاف بواسطة المجسّات التي تكتشف المعادن.

وترتفع خطورة وجود الألغام في مناطق الغابات والأحراش التي يكون طريقة تفعيلها كمصائد لأي متجول ضمن هذه الغابات، وفق حديث حلاق إلى عنب بلدي.

وخلال عملها، دمّرت فرق “الدفاع المدني” 28 ألف ذخيرة من مخلفات الحرب منها أكثر 23 ألف قنبلة عنقودية.

وحددت فرق مسح مخلفات الحرب في “الدفاع المدني” 141 حقلًا ونقطة تنتشر فيها الألغام، في المناطق المدنية وبالقرب من منازل المدنيين وفي الحقول الزراعية والمرافق.

وعثرت الفرق على العشرات من حقول الألغام التي تحتوي على الألغام المضادة للآليات والمضادة للأفراد المحرمة دوليًا، والتي تسببت حالات انفجارها بمقتل وإصابة العشرات من المدنيين خلال الأيام الماضية.

إزالة قنبلة عنقودية شديدة الانفجار في إدلب-22 من أيار 2025(الدفاع المدني)

مخلفات الحرب تعوق عودة المهجرين

ارتبط ملف عودة الأهالي إلى مناطقهم التي دمرها النظام السوري السابق بإزالة مخلفات الحرب والألغام الأرضية، إذ تتعلق عمليات إزالة الأنقاض من المناطق المدمرة وردم الأنفاق، بالمخلفات التي تهدد العودة الآمنة.

المناطق التي كانت على تماس مع العاصمة دمشق، تعرضت لقصف عنيف بالبراميل المتفجرة، ما أدى إلى تدميرها بشكل كامل، كحي جوبر الذي لا يستطيع النهوض من جديد، إلا بردم أنفاقه التي تحتوي على الكثير من الصواريخ والقذائف غير المنفجرة.

ووفقًا لأهالٍ في حي جوبر، فإن الأنفاق تضم مستودعات ذخيرة ومستشفيات ميدانية استخدمتها فصائل المعارضة خلال سيطرتها على هذه المنطقة.

عضو مجلس أمناء بلدية جوبر، محمد عواطة، قال في وقت سابق لعنب بلدي، إن الأنفاق في جوبر تشكل عائقًا أمام عودة الأهالي، إذ يحتوي بعضها على مخلفات الحرب، ما يجعل ردمها مهمة صعبة، وتحتاج إلى تعاون عسكري، حتى يتم التعامل مع المخلفات بطريقة لا تسبب أضرارًا أكبر في المنطقة، وفي البداية لا بد من إزالة الألغام الأرضية ومخلفات الحرب، ثم ردم الأنفاق، أو استخدامها في عملية الإعمار.

الموت ينتظرهم مجددًا

معظم الأهالي النازحين من المناطق المنكوبة الذين قابلتهم عنب بلدي، عبروا عن تخوفهم من العودة إلى مناطقهم، بسبب حوادث الإصابات وأعداد الوفيات التي تنشرها صفحات “الدفاع المدني السوري” على معرفاتها، إثر انفجار الألغام والمخلفات.

براء الخالدي، عاد إلى سوريا من الأردن فور سقوط النظام السابق، رافقه أخوه ليتفقد منزله في جوبر، ولم يستطيعا التعرف على مكان منزلهما، وفي أثناء عملية البحث عن المنزل، انفجر لغم أرضي مزروع بمنطقة مفتوحة في جوبر ما أدى إلى مقتل أخيه.

غادر براء وعائله سوريا عام 2016 هربًا من قصف النظام، وقضى تسع سنوات في اللجوء، ليعود ويفقد أخاه بمخلفات الحرب، وقال لعنب بلدي، إنهم قرروا الابتعاد عن الموت ومغادرة سوريا، ليعودوا ويجدوه ينتظرهم مجددًا.

بعض أنواع مخلفات الحرب تكون على سطح الأرض، بينما توجد أنواع أخرى منها، كقنابل الطائرات، مدفونة تحت سطح الأرض بعدة أمتار، مما يجعل من إزالتها أمرًا صعبًا.

الذخائر غير المنفجرة مختلفة في آليتها عن الألغام، إذ إن الألغام زرعت بغرض التسبب بإصابات، بينما تكون الذخائر غير المنفجرة عبارة عن أدوات فشلت في أداء عملها، فقد لا تنفجر أبدًا أو قد تنفجر بأي لحظة ولا يمكن تحديد مدى تأثيرها وخطرها على ما حولها.

وطوال السنوات الماضية، وثقت فرق الذخائر في “الدفاع المدني السوري” استخدام نظام الأسد وروسيا أكثر من 60 نوعًا من الذخائر المتنوعة في قتل المدنيين، منها 11 نوعًا من القنابل العنقودية المحرمة دوليًا.

“الدفاع المدني السوري”

 

شروط العودة الآمنة

مدير لجنة التخطيط العمراني وإعادة الإعمار في محافظة دمشق، محمود هلال، قال إن تسريع عملية إعادة الإعمار في المناطق المنكوبة، يتطلب تمشيطها من مخلفات الحرب والألغام الأرضية.

وأضاف لعنب بلدي أن المحافظة تعمل على عودة آمنة لسكان المناطق المدمرة، بما يضمن حقوقهم، مشيرًا إلى أن إزالة الركام دون عودة منظمة للأهالي، يمكن أن تسبب بخلق أزمة عشوائيات.

وأوضح هلال أن إزالة مخلفات الحرب تتطلب السرعة القصوى، لتأمين عودة الأهالي والإسراع بإعادة إعمار المناطق التي دمرها النظام المخلوع.

وفيما يخص تأمين المناطق المدمرة من المخاطر الناتجة عن مخلفات الحرب، أفاد معاون وزير الطوارئ والكوارث لشؤون التخطيط والكفاءة المؤسسية، حسام حلاق، لعنب بلدي، أن الوزارة في طور إعداد الاستجابة وتفعيل منظومة الإنذار المبكر، فمن خلالها سيتم تحديد كل المخاطر في سوريا ووضع مصفوفات لهذه المخاطر وبالتالي تحديد استراتيجيات للتعامل معها.

وأكد حلاق أن كل الجهات المعنية من فرق “الدفاع المدني” وأفواج الإطفاء تعمل بشكل فعلي ودائم، لتلافى هذه المخاطر في التجمعات السكنية.

وحول الخطوات المتخذة لضمان سلامة السكان المحليين في المناطق المتضررة، نوه حلاق إلى أن كل الفرق العاملة في هذا المجال والمنظمات المحلية والدولية تقوم بعمليات توعوية ووضع إشارات تحذيرية في الأماكن التي تقوم بمسحها، ورغم الجهد المبذول، يعتبر غير كافٍ، لهذا يولي المركز الوطني لإزالة الألغام أهمية كبرى لرسم خرائط تحدد هذه المناطق، باستخدام الخرائط الجغرافية، وإصدار نشرات دورية تحدّث بشكل يومي عن المناطق التي تمت إزالة المخلفات فيها.

تأثير على عمل المزارعين

أثّرت مخلفات الحرب، والألغام المنتشرة في عموم مناطق سوريا، على عدة نواحٍ خدمية واقتصادية، فضلًا عن تأثيرها الاجتماعي والصحي، ومن هذه القطاعات الزراعة.

وأوقف الخوف من انفجار الألغام عمل الكثير من المزارعين، خاصة في ريفي دير الزور وحلب، إضافة إلى درعا والسويداء ومناطق متفرقة من ريف دمشق.

خسر زين الدين الهجين، أحد المزارعين من دير الزور الذين تحدثت إليهم عنب بلدي، موسم الكمأة، نظرًا إلى خطورة حصاده، بعدما توفي صديقه بانفجار لغم خلال موسمه في العام الماضي.

وتكثر الإصابات بانفجار الألغام الأرضية بريف دير الزور، نتيجة سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي استخدم زرع الألغام لقطع الطرقات المؤدية لمناطق سيطرته سابقًا، كما تنتشر الألغام الأرضية على طول الجغرافيا السورية، خاصة في المناطق الزراعية.

فرق الدفاع المدني تزيل مخلفات الحرب في إدلب 23 تشرين الثاني 2024 (الدفاع المدني السوري)

تقف بوجه التعافي.. أثر على الاستثمار

يتعدى ضرر مخلفات الحرب قتل البشر، ومنعهم من العودة إلى منازلهم وأراضيهم، وأثر ذلك النفسي والاجتماعي، إلى التأثير بالاقتصاد السوري.

الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، قال لعنب بلدي، إن مخلفات الحرب من أبرز العقبات التي تقف في وجه تعافي الاقتصاد السوري.

وأشار الباحث إلى تأثير سلبي على الاستثمار، لأن العديد من المناطق الصناعية أو الزراعية كانت مناطق اشتباكات، ما يرفع من احتمال وجود مواد قابلة للانفجار، وبالتالي عدم تشجيع المستثمرين على العمل في هذه المناطق.

كما أن ارتفاع المخاطر يؤثّر سلبًا على سوق التأمين، لأن الشركات، على الأغلب، لا توافق على تأمين المنشآت الاقتصادية العاملة في بيئة عالية الخطورة.

ويُعدّ وجود المخاطر المرتفعة مؤشرًا سلبيًّا على استقرار بيئة الاستثمار في الدولة، وفق الباحث السيد عمر.

قطاعات أكثر تضررًا

الباحث يحيى السيد عمر، ذكر أن القطاعات الاقتصادية الأكثر تضررًا من هذه المخلّفات تشمل الزراعة، خاصة أن مساحات واسعة غير قابلة للاستثمار بسبب الألغام، ما يُهدّد الإنتاج الزراعي ويحدّ من فرص التعافي الاقتصادي.

كما أن قطاع الإنشاءات يعاني من ارتفاع الكلفة التشغيلية نتيجة الحاجة إلى مسوحات أمنية قبل تنفيذ أي مشروع، وهو ما ينعكس أيضًا على بُطء عمليات الإعمار.

ويتأثّر أيضًا قطاع النقل بسبب تقييد الحركة في كثير من المناطق، وحتى السياحة، التي يمكن أن تُسهم في دعم الاقتصاد، تتراجع بفعل المخاطر المحيطة بالمواقع الأثرية والطبيعية.

ويرى السيد عمر أنه مع هذه التحديات، تصبح معالجة قضية مخلّفات الحرب ليست مجرد مطلب إنساني، بل ضرورة اقتصادية ملحّة لإنعاش سوريا وإعادة بناء ثقة المستثمرين.

ولمعالجة هذا التحدي، دعا السيد عمر إلى الاستفادة من تجارب الدول التي واجهت ظروفًا مماثلة، والاستعانة بالخبرات الدولية، والأمم المتحدة.

دعم وخطط

عملت عدة جهات ومنظمات، خلال فترة الثورة السورية وبعدها، على إزالة الألغام والذخائر غير المنفجرة، أبرزها “الدفاع المدني السوري” الذي نشط في شمال غربي سوريا، حيث كانت تسيطر المعارضة، إضافة إلى منظمات وهيئات أممية، منها منظمة “ذا هالو تراست” فضلًا عن الفرق التابعة لجهات عسكرية.

وفي مناطق سيطرة النظام السوري قبل سقوطه، عمل “الهلال الأحمر السوري” على إحصاء ضحايا مخلفات الحرب والألغام، فضلًا عن حملات التوعية، واستمر في عمله بعد سقوط النظام، بالشراكة مع منظمة “الصليب الأحمر” والجهات التي كانت تعمل شمال غربي سوريا.

وعانت هذه الجهات مرارًا من ضعف الإمكانيات والدعم الممنوح لها، فضلًا عن المعدات الضعيفة، والمخاطر التي تحيطها.

“الدفاع المدني” قبل سقوط النظام عمل بستة فرق للمسح ومثلها للإزالة، في شمال غربي سوريا، ويسعى لزيادة العدد لأكثر من 10 فرق في كل اختصاص، بسبب الحاجة إليها.

من جانبها، تعمل منظمة “ذا هالو تراست” بفريق مكون من 40 فردًا وتتلقى دعمًا دوليًا، آخرها، حتى لحظة تحرير الملف، خمسة ملايين يورو مقدمة من ألمانيا، وتقول إن عملية إزالة الألغام في سوريا تكلّف نحو 40 مليون دولار سنويًا.

مركز وطني مرتقب

معاون وزير الطوارئ والكوارث لشؤون التخطيط والكفاءة المؤسسية، الدكتور حسام حلاق، قال لعنب بلدي، إن الوزارة تقوم بإعداد هيكلية ووضع تصور كامل للإعلان عن “المركز الوطني للتعامل مع الألغام” خلال الفترة المقبلة.

وأوضح حلاق أن المركز يعمل على ضبط جميع استراتيجيات وإجراءات العمل، لتنظيم الجهود الرامية في سوريا للتخلص من الألغام والذخائر غير المنفجرة، والتي باتت تشكل تهديدًا كبيرًا على حياة الشعب السوري.

سيضم المركز الوطني للتعامل مع الألغام، جميع الفرق والمنظمات المحلية والدولية، بالإضافة إلى وجود تعاون وتنسيق بين عمل وزارتي الطوارئ والكوارث والدفاع، عبر وضع سياسات وإجراءات عمل لإزالة المخلفات.

وتمتلك وزارة الدفاع معدات ثقيلة ومدرعات وآليات متخصصة في تنفيذ عمليات إزالة الألغام عبر بروتوكولات عملية متخصصة للتخلص منها، إضافة إلى معالجة المواد التي تحتويها، كي لا تكون مصدر تهديد مستقبلي.

ويوكل إلى المركز، بحسب حلاق، التنسيق بين المنظمات المحلية لدعم هذه العمليات وتوجيهها إلى الأماكن الأكثر ضرورة، مشيرًا إلى العمل على إصدار نشرات وخرائط توضح الأماكن سواء التي أزيلت منها مخلفات الحرب بشكل كامل، أو المناطق الخطرة، لتلافي المخاطر وحماية المدنيين.

وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” دعت، في 8 من نيسان الماضي، الحكومة السورية الحالية والجهات المانحة الدولية إلى إعطاء الأولوية للمسح والإزالة والتوعية بالمخاطر وضمان تمويل أنشطة إزالة الألغام بالقدر الكافي وتقديم تعويضات كافية للضحايا، وضمان تمويل أنشطة إزالة الألغام بالقدر الكافي وتقديم تعويضات كافية للضحايا.

كما دعت إلى إنشاء هيئة ومركز وطنيَين للأعمال المتعلقة بالألغام بقيادة مدنية، والعمل بشكل وثيق مع “دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام” (أنماس) لتنسيق جهود الأعمال المتعلقة بالألغام الجارية في جميع أنحاء البلاد، ووضع المعايير، ومراجعة اتفاقيات التسجيل الحالية للمنظمات الإنسانية العاملة في مجال الألغام لتسهيل عملها المنقذ للحياة.

فرق متخصصة

 أكد معاون وزير الطوارئ والكوارث وجود فرق تدريبية متخصصة في “الدفاع المدني” للتعامل مع مخلفات الحرب، إذ يقوم بعملية تدريب منذ سنوات طويلة، ولديه فرق مدربة بشكل كامل، وأيضًا يملك فرقًا متخصصة بتدريب العناصر التي تنتسب إليها، إضافة إلى وجود فرق متخصصة في وزارة الدفاع وتمتلك خبرات عالية في عمليات إزالة المخلفات، منوهًا إلى أن العمل مستمر في توسيع عناصر الفرق المتخصصة، والتركيز على كل التدريبات التي من شأنها رفع سوية العمل، عبر استخدام التكنولوجيا الحديثة من “روبوتات” وطائرات “درون” (مسيّرة) في عملية إزالة المخلفات بطرق آمنة.

وتعمل الفرق المتخصصة في عملية الإزالة على وضع خطط في كيفية التعامل مع الألغام والذخائر وتصنيف أنواعها وأماكن تموضعها، ورغم ذلك يكون هناك خطر على عمل هذه الفرق بسبب وجود ألغام غير قابلة للاكتشاف وتهدد حياة من يقوم بعملية إزالتها، لذا لا يمكن حصر كل المخاطر والسيطرة عليها في معظم الأحيان، بحسب حلاق.

دور لـ”الهلال الأحمر”

المنسق الميداني بوحدة التواصل والإعلام في منظمة “الهلال الأحمر السوري”، محمد سعيد، قال لعنب بلدي، إن هناك فريقًا متخصصًا في المنظمة يعمل بالتعاون مع منظمة الصليب الأحمر، ويدعى “وحدة الأعمال الإنسانية المتعلقة بالألغام”.

ويتضمن عملها مشروع التوعية بمخاطر الألغام ومخلفات الحرب غير المنفجرة، ومشروع المسح غير التقني، ومساعدة الضحايا المتضررين من مخلفات الحرب.

وتهدف الوحدة، بحسب سعيد، إلى تخفيض عدد الوفيات والإصابات الناجمة عن مخلفات الحرب غير المنفجرة وتعزيز مرونة السكان المقيمين في المناطق الملوثة بمخلفات الحرب والمناطق المتأثرة بالنزاع، من خلال تعزيز الوعي بالمخاطر وتيسير اتباع السلوك الأكثر أمانًا بالإضافة إلى القيام بأنشطة المسح غير التقني.

 وأوضح سعيد أن فرق وحدة الأعمال الإنسانية المتعلقة بالألغام في “الهلال الأحمر” تقوم بعدة أعمال منها:

  • إجراء تقييم للاحتياجات في المجتمعات المتضررة من النزاع.
  • تقديم جلسات توعية حول مخاطر الألغام ومخلفات الحرب للمستفيدين الذين يعيشون في المجتمعات المتضررة وصلت إلى 1,400,349 مستفيدًا من جلسات التوعية والجلسات المنزلية والأيام المفتوحة (منذ بداية 2017 حتى نهاية 2024) مقسمة ضمن ثماني فئات عمرية.
  • تسهيل وصول ضحايا الألغام ومخلفات الحرب إلى مراكز إعادة التأهيل البدني والأطراف الصناعية وخدمات أخرى يقدمها “الهلال الأحمر” بناء على احتياجهم.
  • إنشاء مساحات لعب آمنة للأطفال في مجتمعات تم اختيارها بناء على مستوى تأثير التلوث بمخلفات الحرب على الأطفال.
  • تحديد مواقع المناطق الخطرة المشتبه بخطورتها من خلال تنفيذ مسح غير تقني حتى يتسنى للسكان المدنيين في المجتمعات الملوثة بمخلفات الحرب التي تم تقييمها للوصول بشكل أكبر إلى بيئة وسبل عيش أكثر أمانًا.
  •   دعم التعليم وحماية الطلاب والكوادر التعليمية من مخلفات الحرب.

برامج توعية

يركز “الدفاع المدني السوري” في برنامجه المتخصص بمخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة، على زيادة الوعي بمخاطر الألغام ومخلفات الحرب، وذلك عبر حملات التوعية التي يقوم بها بتزويد السكان بالمعرفة والمهارات اللازمة لتجنبها.

وتشمل الحملات تثقيف السكان حول كيفية التعرف إلى الألغام وغيرها من الذخائر غير المنفجرة، فضلًا عن توفير التدريب على كيفية البقاء بأمان في المناطق التي قد تكون ملوثة.

ويساعد رفع مستوى الوعي بالمخاطر المرتبطة بالألغام والذخائر غير المنفجرة في تقليل مخاطر الإصابة والوفاة وتعزيز مجتمعات أكثر أمانًا، وتأمين الحماية لها وخاصة الأطفال.

وتهدف التوعية لزيادة الوعي في حالات الطوارئ، وتغيير السلوك على المدى الأطول، إضافة لإعطاء المجتمعات المحلية دورًا مهمًا في تعلّم حماية أنفسهم والإبلاغ عن وجود مخلفات الحرب.

وتعتمد فرق التوعية على الملصقات والجلسات الفيزيائية المباشرة بالاعتماد على نهج التواصل مع المجتمع المحلي وهو الأكثر فعالية، لأن متطوعي “الدفاع المدني” هم أفراد ينتمون إلى مجتمعاتهم المحلية وبالتالي يكون تواصلهم عالي الأثر.

الدفاع المدني في حملة توعوية للأطفال عن خطر مخلفات الحرب(الدفاع المدني)

توعية العمال الإنسانيين

إلى جانب أعمال المسح وإزالة مخلفات الحرب، تسعى فرق إزالة الذخائر غير المنفجرة “UXO” في “الدفاع المدني” إلى رفع مستوى الوعي لدى العمال الإنسانيين، وتجنيبهم المخاطر، خلال قيامهم بواجبهم الإنساني.

ونظّمت الفرق الإنسانية جلسات تدريب وتوعية في الأمن والسلامة لعدد من المنظمات العاملة في مناطق شمال غربي سوريا قبل سقوط النظام، من بينها جلسات تدريب لـ100 متدرب من منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية”، أحد برامج “المنتدى السوري”، تضمنت الجلسات ثلاثة محاور، بينها مخاطر مخلفات الحرب.

وأقامت تدريبًا مشابهًا لـ100 متدرب من منظمة “PEOPLE IN NEED” في مكاتب صوران واعزاز بريف حلب الشمالي، إضافة إلى تدريب لمنظمتي “WHH” و”SARD”.

إرشادات للتوعية بمخاطر مخلفات الحرب:

  • عدم الاقتراب من الأجسام الغريبة ومخلفات الحرب وعدم لمسها.
  • عدم الدخول لأي مكان تعرض للقصف.
  • عدم الاقتراب من الآليات العسكرية المدمرة.
  • لا تجمع مخلفات الحرب كـ”خردة”.
  • توعية الأطفال بمخاطر مخلفات الحرب.
  • إبلاغ أقرب مركز لـ”الدفاع المدني السوري” في حال مصادفة أي جسم غريب.

المصدر: “الدفاع المدني السوري”

مقالات متعلقة

  1. فعاليات للتوعية من خطر الألغام في درعا
  2. كابوس الألغام يهدد مدينة سلمية.. جهود النظام لتفكيكها "غير مرئية"
  3. مخلّفات الحرب في درعا.. أغلب ضحاياها من الأطفال
  4. وزارة الطوارئ تخطط لإحداث مركز لإزالة مخلفات الحرب

تحقيقات

المزيد من تحقيقات