يبدأ “أبو أحمد” عمله اليومي في محيط قلعة مدينة حلب شمالي سوريا، بأدوات متهالكة، يجمع بها النفايات من الأرصفة ويكدّسها في أكياس مهترئة يحمل على عربته الحديدية المتهالكة.
يعمل “أبو أحمد”، الذي يسكن في حي الميسر، حوالي عشر ساعات يوميًا، ويعتمد، إضافة إلى راتبه على تبرعات بعض أصحاب المحال، الذين يدفعون له أسبوعيًا نحو 30 ألف ليرة سورية (3 دولارات أمريكية تقريبًا) مقابل ترحيل القمامة من أمام متاجرهم، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يساعده قليلًا لكنه لا يكفي.
ويطالب “أبو أحمد” الجهات المعنية بتحسين واقع عمال النظافة، لا سيما من الناحية المادية، مؤكدًا أن الأجور الحالية لا تتناسب مع الجهد المبذول وظروف العمل القاسية.
ويتقاضى عمّال النظافة في حلب، الذين كانوا ضمن ملاك البلدية، قبل سقوط النظام السوري السابق، بين 500 و600 ألف ليرة سورية شهريًا (بين 55 و66 دولارًا أمريكيًا)، بحسب رئيس شعبة النظافة في مديرية خدمات السليمانية، موفق الأخرس.
ورغم الانتقادات المتزايدة حول تردي واقع النظافة في مدينة حلب، فإن هناك واقعًا أكثر قسوة يعيشه من يعملون على تحسينه، إذ يكابد العمال أوضاعًا معيشية صعبة، في ظل تدني الأجور وقلة الإمكانيات المتوفرة لإنجاز مهامهم اليومية.
جهود لتوظيف 2500 عامل
تواجه مدينة حلب تحديات في ملف النظافة، حيث تتراكم النفايات في الشوارع والساحات العامة، بينما تظل جهود عمال النظافة محدودة في ظل نقص الدعم والخطط الواضحة لتنظيف الأحياء بشكل منتظم.
وفي تصريحات سابقة لعنب بلدي، أفاد مسؤول المشاريع الخدمية في مجلس مدينة حلب، مصطفى قرنفل، بأن المجلس أعلن حاجته لتوظيف 2500 عامل نظافة بأجر شهري يبلغ 100 دولار، لكن الاستجابة لم تتجاوز 800 عامل فقط، وهو عدد لا يكفي لتغطية احتياجات المدينة بالكامل.
وأوضح أن النقص الحاد في العمالة يضطرهم للعمل وفق الإمكانيات المتاحة، مما يؤثر سلبًا على جودة الخدمات.
وأكد قرنفل وجود نقص “كبير” في عدد العمال والمعدات، مبينًا أن معظم الآليات قديمة وتجاوزت عمرها الفني، وأن بعض المعدات خرجت عن الخدمة بالكامل.
وأضاف أن القطاع يعمل بإمكانات محدودة لا تتناسب مع التوسّع السكاني والخدمي الذي شهدته المدينة بعد الحرب.
من جهته، ذكر عبد السلام الراعي، مسؤول قسم المتابعة في مؤسسة “البيئة النظيفة” (e clean)، لعنب بلدي، أن أبرز الصعوبات التي تواجه العمل تتمثل في تضرر الآليات المستخدمة، مشيرًا إلى أنهم يعملون ضمن الموارد المتاحة فقط.
وأضاف أن السكان لاحظوا تحسنًا في واقع النظافة مقارنة بما كان عليه الحال خلال عهد النظام السوري السابق.
“e clean” هي مؤسسة خدمية انطلقت في شمال غربي سوريا عام 2022، وعملت في تنظيف الطرقات وجمع النفايات وإعادة تدويرها، بالتعاون مع “حكومة الإنقاذ” التي كانت تدير الشؤون الخدمية والإدارية في مناطق نفوذ “هيئة تحرير الشام”.
وبعد سقوط النظام السابق، امتدّ عمل المؤسسة ليشمل أكثر من مدينة سورية، أبرزها دمشق وحلب.
بدوره، نوّه رئيس شعبة النظافة في مديرية خدمات السليمانية، موفق الأخرس، إلى أهمية تسليط الضوء على واقع النظافة، لافتًا إلى ضرورة تعاون المواطنين والدعم الحكومي في هذا المجال.
وأوضح لعنب بلدي أن الإمكانيات الحالية ضعيفة جدًا، مشددًا على ضرورة الشفافية في عرض الواقع كما هو، معربًا عن أمله في أن تثمر جهود الإعلام في تحسين الوضع.
ولا يقتصر تدهور واقع النظافة على الأحياء الشرقية التي تضررت بشدة خلال سنوات الحرب، كالصاخور وطريق الباب والحيدرية والشعار، بل امتدت الشكاوى خلال الأشهر الماضية إلى أحياء كانت تعد “نظيفة” نسبيًا، مثل الفرقان والموكامبو والميريديان.
مبادرات محلية.. تحرك محدود
برزت خلال الأشهر الماضية مبادرات محلية تهدف إلى تحسين الواقع الخدمي في أحياء حلب، لا سيما الشرقية منها.
ومن بين هذه المبادرات، حملة “الوفاء لحلب” التي انطلقت بمشاركة فرق شبابية، وركزت على تنظيف الشوارع ورفع الأنقاض وصيانة بعض الطرقات وطلاء واجهات الأبنية، في أحياء مثل بستان القصر والسكري وصلاح الدين، وهي من المناطق التي تضررت بشكل واسع خلال سنوات الحرب.
وبالتزامن مع عيد الأضحى، وجّه محافظ حلب، عزام غريب، خلال زيارة ميدانية إلى حي الشعار، في 6 من حزيران الحالي، بإطلاق حملة نظافة شاملة، عقب لقائه بعدد من الأهالي في مسجد “نور الشهداء” واستماعه لشكاواهم المتعلقة بتردي الواقع الخدمي في الحي، وفق ما رصدته عنب بلدي.
وانطلقت الحملة، صباح 7 حزيران، واستمرت عدة ساعات، وشملت الشوارع الرئيسية والحارات الفرعية، مع تعهدات باستمرارها حتى الانتهاء من تنظيف الحي بشكل كامل.
وشملت الأعمال رفع النفايات وتنظيف الطرقات وتعقيم مواقع حيوية، في إطار تحسين الواقع البيئي وتعزيز الخدمات الأساسية، بحسب ما أعلنت عنه المحافظة.