قبل أن تصمت مدرجاته عن الهتاف، كان استاد “العباسيين” أيقونة رياضية في العاصمة السورية، وموطنًا للمنتخب الوطني وأندية الدوري الممتاز، لكن مع اشتداد الحرب، خسر الملعب دوره الرياضي، وتحول إلى ثكنة عسكرية أخرجته من المشهد الكروي لأكثر من عقد.
ورغم محاولات متعددة لإعادة تأهيله، لا يزال استاد “العباسيين” خارج الخدمة، وسط تحوّل في مقاربة وزارة الرياضة من فكرة “الترميم الرياضي” إلى مشروع استثماري أوسع قد يعيد إحياء الموقع، ولكن بقالب مختلف.
أرضية تالفة وخارج التصنيفات الدولية
بحسب المنسق الإعلامي في وزارة الرياضة والشباب، ناصر الخطيب، فإن الأضرار التي لحقت بالاستاد لم تكن سطحية، “أرضية الملعب لم تعد تصلح لأي نشاط رياضي، والبنية التحتية تضررت بالكامل”، قال الخطيب لعنب بلدي، موضحًا أنه استُخدم خلال سنوات الحرب كثكنة عسكرية، وهو ما فاقم حالته.
استعانت الوزارة بخبراء محليين ودوليين لإجراء تقييم شامل للملعب، وخلصت الدراسات إلى أنه لم يعد يلبّي الحد الأدنى من المعايير المطلوبة لاستضافة مباريات تحت مظلة اتحادات دولية، ما جعله خارج قائمة الملاعب المؤهلة حاليًا.
من الملعب إلى “مشروع متعدد”
مع انعدام التمويل الكافي، تتبنى الوزارة اليوم تصورًا جديدًا يقوم على تحويل الملعب إلى منشأة متعددة الوظائف، لا تقتصر على الرياضة، بل تشمل أيضًا جوانب تجارية وثقافية. هذا التحول، كما أوضح الخطيب، سيجري بالشراكة مع القطاع الخاص، من خلال نماذج استثمارية مثل “BOT” و”PPP”، ويُفترض أن يضمن الحفاظ على الملكية العامة للموقع وتحقيق مردود مجتمعي واقتصادي.
ويبدو أن المشروع لا يهدف فقط إلى إحياء الملعب، بل إلى إعادة تعريفه كمرفق يخدم العاصمة من زوايا متعددة، على أن تتحدد تفاصيله لاحقًا ضمن دفتر شروط يُطرح للمستثمرين.
بعد حل الاتحاد الرياضي العام وإلحاق مهامه بوزارة الرياضة والشباب، أصبحت الأخيرة هي الجهة الوحيدة المخولة بإدارة ملفات المنشآت الرياضية، ومنها استاد “العباسيين”، ما يعني أن أي قرار بشأن مستقبله سواء التأهيل أو الاستثمار، يعود مباشرة إلى الوزارة دون أي كيان وسيط.
لا موعد ولا خطة
موقعه المركزي، وتاريخه الممتد منذ عام 1957، يجعلان من استاد “العباسيين” ملفًا مفتوحًا أمام أفكار مستقبلية قد تسمح باستثمار بعض مكوناته في مشاريع رياضية مرافقة أو بديلة.
وكانت عنب بلدي رصدت في تقارير سابقة واقع المنشآت الرياضية في العاصمة، ووصفت في أحدها محاولات ترميم ملعب “تشرين” بأنها “جهود محدودة تفتقر إلى رؤية استراتيجية”، وهو ما قد ينطبق على استاد “العباسيين” إذا لم تُترجم الخطط إلى تنفيذ عملي.
وحتى اللحظة، لا يوجد موعد واضح لبدء تنفيذ أي مشروع يتعلق بالاستاد، إذ لا تزال الوزارة في طور الإعداد والدراسة، وإذا ما جرى التعاقد مع شركاء استثماريين، فقد يشهد الملعب تحولًا جديدًا يعيده إلى الواجهة، وإن لم يكن بالصيغة الكروية التي عُرف بها سابقًا.
وفي ظل غياب منشآت رياضية مؤهلة دوليًا في دمشق، يبقى استاد “العباسيين” ذاكرة رياضية معلّقة، وفرصة مؤجلة في انتظار من يطلق صافرة بداية جديدة، لا تُعيد فقط النشاط إلى ملعب مهجور، بل تعيد للرياضة السورية شيئًا من ماضيها.