علي عيد
هل انتهت الحرب في سوريا؟ إن كان الجواب نعم فنحن نتحدث عن استراتيجية مرحلة “انحسار الأزمة” أو “ما بعد الأزمة” (The Post Crisis)، وفق ما يسميها الباحثون.
وعلى اعتبار أن الإعلام أداة تدمير، أو بناء وشريك تنمية، في آن واحد، فإن أي تقصير أو تقليل من أهمية اتخاذ خطوات فاعلة لتثبيت السلم الأهلي، أو استقرار الدولة، واستعادة المؤسسات، يعني المراوحة في دوامة جهنمية من الضياع واللا استقرار، أو عودة إلى نقطة الصراع الأولى، فالحروب والأزمات تشبه دورة الحياة، تهيئة وولادة، نمو وذروة، ثم انحسار ونهاية.
وطالما أننا نتحدث عن سوريا، فإن كثيرًا ممن يعاينون واقع الإعلام، من أصحاب الرأي، يميلون إلى تقييم إدارة ما بعد الحرب إعلاميًا، بأنها تشهد تنازعًا غير مفهوم، ولا يمكن تفسير هذا الحال إلا بإرجاعه إلى تنازع نفوذ على مستوى أعمق من الإعلام، كأن تكون هناك مرجعيات سياسية تقرر إدارة الإعلام دون الالتفات إلى الجسم التنفيذي الذي يراهن عليه هذا القطاع بعد تشكيل وزارة جديدة، وصفت نسبيًا بـ”تكنوقراط”.
وكي لا أذهب بعيدًا في تحليل ما يرصده أبناء المهنة المطّلعون، أكتفي بتسليط الضوء على متطلبات إعلام ما بعد الحرب وسقوط نظام قمع الحريات.
تخلص دراسة بعنوان “الإعلام الموجه نحو السلام في مناطق الصراع العنيف”، إلى أهمية تأثير البرامج الإعلامية المنظمة على جماهير الصراع.
الدراسة التي شملت حوالي 40 مشروعًا إعلاميًا في 18 دولة شهدت صراعات في أربع قارات، تؤكد أن أي مشروع إعلامي ناجح قد لا يكون قادرًا على منع العنف، إذا كان سببه مزيجًا من ظروف متعددة خارجة عن سيطرة وسائل الإعلام، لكنها تظهر أهمية الإعلام في كل عملية سلام مستقبلية، وتقدم عددًا من التوصيات منها:
- دمج العديد من القنوات والممارسات الإعلامية، واستخدام جميع “وسائل الإعلام الجاذبة” المتاحة، في حملة لترسيخ السلام تُشبه إلى حد كبير حملة علاقات عامة تجارية، ففي غياب جهد متكامل، من غير المرجح أن يُحدث برنامج أو تلفزيون أو صحيفة بشكل منفرد تأثيرًا كبيرًا في بحر من الرسائل والمنافذ الإعلامية.
- دمج وسائل الإعلام مع المؤسسات الاجتماعية الأخرى، إذ لا يمكن لوسائل الإعلام أن تكون قوية إلا بقدر قوة المؤسسات والعمليات الاجتماعية. ويجب أن تُساعد المؤسسات القانونية والسياسية والاقتصادية وغيرها من المؤسسات الاجتماعية في تحويل الصراع، وأن ينظر إلى وسائل الإعلام باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من عملية تنمية السلام.
- تنظيم الدعاية وإنتاج إعلام موجه نحو السلام، والحدّ من مستوى وكمية رسائل الكراهية التي تُحرّض على العنف.
ترى الدراسة التي أجراها البروفيسور فلاديمير براتيك (Vladimir Bratic) الأستاذ المساعد في جامعة “هولينز” (Hollins) بالولايات المتحدة، وهو القادم من بيئة صراع في البوسنة والهرسك، أن بيئة إعلامية غير مُنظّمة، ستكون سببًا في إطالة أمد الصراع، وأن برامج الترفيه والصحافة الموجهة وأي برامج إعلامية أخرى موجهة نحو السلام، ستكون أكثر فعالية عندما يتم منع الإعلام المُثير للكراهية من جذب انتباه الجمهور.
في دراسة أخرى، حول دور الإعلام في الصراعات، تلخص د. هويدا مصطفى، أستاذة الإعلام في جامعة “القاهرة”، توصيات متعلقة بعمل الإعلام في مرحلة “ما بعد الأزمة”، ومنها:
- الاستمرار في جذب اهتمام الجمهور نحو الجهود والأنشطة المبذولة لاحتواء الأزمة.
- الاستمرار في رصد ومتابعة تداعيات الأزمة حتى تقل حدتها أو تختفي.
- الاستمرار في تزويد الجمهور بالمعلومات حول إجراءات مواجهة الأزمة وتحليل مدى ملاءمة هذه الإجراءات وقدرتها على عدم تكرار الأزمة في المستقبل من خلال الخدمات التفسيرية والتحليلية من جانب الخبراء والمتخصصين.
- رصد ردود الفعل الرسمية والشعبية واتجاهاتهم لتجنب أزمات مستقبلية.
- تطوير استراتيجية اتصال تستفيد من الخبرة الحالية في مواجهة الأزمة للاستعانة بها والبناء عليها في مواجهة أزمات مشابهة لتحديد النقاط السلبية والإيجابية للأنشطة الاتصالية والإعلامية المستخدمة.
وتنصح الدراسة بطرح أسئلة مهمة لتقييم الأداء الإعلامي في مراحل “الأزمة”، منها:
- هل تمت الاستجابة الإعلامية للأزمة بالسرعة والفعالية المطلوبة؟
- هل تم العمل وفق خطة اتصالية منظمة؟
- ما نوعية الفئات التي استهدفتها الرسائل الإعلامية والاتصالية، وهل وصلت إليها وكانت ملاءمة لها؟
- هل تم تجاهل فئة معيّنة من الجمهور؟
- ما نوعية الرسائل الإعلامية والأساليب المنطقية والعاطفية التي تم توجيهها للجمهور، وهل تتلاءم مع المراحل المختلفة للأزمة؟
- ما حجم التغطية الإعلامية للأزمة، وهل كان كافيًا لتلبية احتياجات الجمهور للمعرفة والتوعية بأبعاد الأزمة وتداعياتها؟
- هل تم عرض أخبار غير دقيقة أو شائعات، وما الوسائل التي استخدمت لمعالجة هذا الأمر لمنع عدم تكراره؟
- هل كانت الكوادر الإعلامية على دراية بالأزمة وأبعادها ولديها القدرة على التعامل معها؟
يمكن رصد تباين بين ما تشير إليه الدراسات والواقع بالعودة إلى الحالة في سوريا، فالبيئة المؤسسية والمدنية شبه مدمرة، وتنشأ ظواهر غير منضبطة فيما يشبه صراعًا يختلط بين مفهوم الحرية والثورة ومفهوم العمل من أجل بناء الدولة ومؤسساتها، وجزء من هذا الصراع قد يأتي من داخل كوادر المؤسسات التي يعاد تأهيلها، والإعلام جزء من هذه التركيبة.
تتطلب المرحلة كثيرًا من البحث والتفكير، ولا ينكر الدارسون ندرة الأبحاث المستندة إلى تجارب عملية في إعلام ما بعد الحرب، وهذا يعني أن على السوريين تقديم نموذج يمكن أن يحتذى من قبل الشعوب الأخرى مستقبلًا.. وللحديث بقية.