عنب بلدي – ديالا البحري
عاد معبر “البوكمال- القائم” الحدودي مع العراق إلى الحياة بعد إغلاقه عقب سقوط النظام السابق في 8 من كانون الأول 2024، وشكلت إعادة تشغيله، في 14 من حزيران الماضي، نقطة تحول تفتح آفاقًا جديدة أمام الاقتصادين السوري والعراقي، ما ينعكس على تنشيط الحركة التجارية بين البلدين وإعادة إدماج سوريا في الاقتصاد الإقليمي، بحسب ما قاله خبراء اقتصاديون لعنب بلدي.
تسهيلات من الجانب السوري
قال مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، مازن علوش، في تصريح لعنب بلدي، إن الجانب السوري يولي معبر “البوكمال” أهمية خاصة باعتباره بوابة حيوية على المستوى التجاري والإنساني مع العراق “الشقيق”.
وأشار إلى اتخاذ جملة من التسهيلات، شملت تعزيز الكوادر الإدارية والفنية لتسريع إنجاز المعاملات، وتخصيص نقاط طبية ثابتة ضمن المعبر لتقديم الخدمات الصحية والإسعافية الأولية للمسافرين.
وأضاف علوش أنه يجري العمل في المرحلة المقبلة على افتتاح كوّات مصرفية معتمدة داخل حرم المعبر، لتسهيل الإجراءات المالية وتحويل العملات وتسديد الرسوم الجمركية والبدلات المختلفة بشكل مباشر، كما تم تجهيز صالات مؤقتة لاستقبال المسافرين، ويُنتظر بدء العمل قريبًا على إنشاء صالات جديدة واسعة تراعي خصوصية الحالات الخاصة وكبار السن.
نشاط تجاري متنوع
حول التبادل التجاري بين سوريا والعراق، أوضح مازن علوش أنه يشمل في الوقت الراهن معظم السلع المسموح بها وفق القوانين النافذة والاتفاقيات الثنائية، من أبرزها:
- المواد الغذائية الأساسية.
- المواد الأولية للصناعات الوطنية.
- الأدوية والمستلزمات الطبية.
- قطع التبديل والمعدات الصناعية والزراعية.
- المواشي.
- المنتجات الزراعية الموسمية وفق حاجة السوق الوطنية.
وأكد أن هناك عملًا على توسيع قوائم السلع المسموح بها بشكل منظم، بما يراعي مصلحة الاقتصاد الوطني وضمان أمن الأسواق.
نمو حركة عبور السوريين
سجلت حركة عبور المواطنين السوريين عبر معبر “البوكمال” نموًا متصاعدًا، لا سيما فيما يتعلق بعودة اللاجئين السوريين إلى سوريا، وفقًا لمدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، مازن علوش، إذ اتخذت الهيئة حزمة من الإجراءات التسهيلية، أبرزها:
- الإعفاء من الرسوم الجمركية عن الأمتعة الشخصية والأثاث المنزلي للعائدين.
- توفير مسارات إدارية خاصة لتسريع عملية الدخول وحفظ بيانات العائدين بالتنسيق مع الجهات المختصة.
- تقديم التسهيلات اللوجستية لضمان عودة كريمة وآمنة للمواطنين.
تحديات إنشائية
في الجانب الإنشائي والتقني، بيّن علوش أن المعبر يعمل بطاقته التشغيلية الأساسية حاليًا، لكنه يواجه تحديات مرتبطة بإعادة تأهيل البنية التحتية بشكل كامل بعد سنوات من التوقف، ومن أبرزها استكمال إنشاء بعض المرافق الخدمية والإدارية الإضافية، وتوسعة المساحات المخصصة لساحات الشحن والتفريغ، وتطوير بعض محاور الطرق المؤدية إلى المعبر لتحمل الضغط المروري المتزايد.
وفيما يخص الجوانب التقنية، كشف أنه يتم العمل على تشغيل أجهزة الكشف الإشعاعي (السكانر) الخاصة بمعاينة الشاحنات والبضائع، لضمان أعلى مستويات الدقة في عمليات التفتيش والسلامة الجمركية.
آفاق جديدة للتبادل التجاري
أكد نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة “حماة”، الدكتور عبد الرحمن محمد، لعنب بلدي، أن معبر “البوكمال” يعد من المعابر الاستراتيجية التي تلعب دورًا حيويًا في تعزيز الحركة التجارية والاقتصادية بين سوريا والعراق، إذ يُعتبر نقطة عبور رئيسة للبضائع، ويسهم في تسهيل حركة الشاحنات التجارية.
وأشار إلى أن استئناف العمل في المعبر بعد أشهر من الإغلاق، يفتح آفاقًا جديدة للتبادل التجاري وتعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة بين البلدين.
وتوقع محمد أن هذا الاستئناف التجاري قد يزيد الإيرادات الحكومية لكلا البلدين، ويوفر فرص العمل من خلال تشغيل الأيدي العاملة وسائقي الشاحنات، وهو ما ينعكس إيجابًا على تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية في المناطق الحدودية.
تحول اقتصادي
يرى الباحث الاقتصادي محمد سلوم، أن استئناف عمل معبر “البوكمال” يمثل تحولًا سياسيًا واقتصاديًا عميقًا.
وتشير الدراسات الاقتصادية إلى أن إعادة تفعيل هذا المعبر، يمكن أن يخفض تكاليف النقل بين البلدين بنحو 40%، بالإضافة إلى تقليص زمن الشحن من دمشق إلى بغداد من خمسة أيام إلى يومين فقط، ما يجعل المعبر عاملًا محوريًا في كسر العزلة التجارية التي تعاني منها سوريا منذ سنوات.
ويتوقع سلوم أن يعود الحجم التجاري إلى مستوياته ما قبل 2011، خلال فترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، مع إمكانية تجاوز تلك المستويات.
في عام 2009، بلغ حجم التبادل التجاري بين سوريا والعراق ذروته بحوالي 2.5 مليار دولار، قبل أن يتراجع إلى أقل من 300 مليون دولار أمريكي خلال سنوات الثورة السورية.
أما اليوم، ومع إعادة افتتاح المعبر، تبرز فرص ذهبية أمام المنتجين السوريين، لا سيما في قطاعات الأدوية والمنسوجات والمواد الغذائية، إذ تشير استطلاعات السوق العراقي إلى وجود طلب متزايد على هذه السلع.
ومن جهة أخرى، يمكن للعراق أن يعزز من صادراته إلى السوق السورية من المنتجات النفطية والتمور ومواد البناء، وهي قطاعات تعاني من نقص حاد في السوق السورية.
ويعاني المعبر بوضعه الحالي، بحسب سلوم، من بنية تحتية متدهورة، بما في ذلك غياب مرافق التخزين الحديثة، وحاجة الطرق المؤدية إليه من الجانبين السوري والعراقي إلى إعادة تأهيل، كما يشهد النظام الجمركي ضعفًا واضحًا نتيجة لغياب أنظمة التفتيش الحديثة.
نحو رؤية مستقبلية
لتحقيق الاستفادة القصوى من إعادة تشغيل المعبر، يرى الباحث أنه لا بد من اتخاذ مجموعة من الإجراءات العاجلة من قبل الحكومتين السورية والعراقية، في مقدمتها إصلاح النظام الجمركي عبر تبسيط الإجراءات واعتماد أنظمة التخليص الإلكتروني، إلى جانب إنشاء هيئة رقابية مشتركة تعنى بمكافحة الفساد، واستثمارات عاجلة في البنية التحتية، بما في ذلك إنشاء مناطق تخزين حديثة وتأهيل الطرق المؤدية إلى المعبر.
كما يعد إنشاء منطقة تجارة حرة مشتركة حول المعبر حافزًا قويًا لجذب الاستثمارات الخاصة، مع إمكانية تطوير مراكز لوجستية متكاملة تخدم حركة التجارة العابرة للحدود.
وتوجد ثلاثة معابر شرعية تربط بين سوريا والعراق، هي معبر “اليعربية” (الربيعة من الجهة العراقية) في محافظة الحسكة، ومعبر “البوكمال” في محافظة دير الزور (القائم من جهة العراق)، إضافة إلى معبر “التنف” (الوليد) جنوب دير الزور.