درعا – محجوب الحشيش
في مركز لإيواء النازحين في بلدة المليحة الشرقية بريف درعا الشرقي، يجلس حسين الحمود، وحوله العشرات من المهجرين، على مقعد مدرسي في مدخل المركز، يتحسر على الحال الذي وصل إليه بدو جبل العرب بعد تهجيرهم من محافظة السويداء عقب الأحداث الدامية التي شهدتها المنطقة.
يتساءل حسين، بعد سرده لما جرى معه خلال الأحداث في السويداء، قائلًا، “من يعوضني خسارتي؟”.
وقدّر حسين الحمود خسارته بما يقارب المليار ليرة سورية، أي نحو 100,000 دولار (يساوي الدولار الأمريكي الواحد نحو 10,000 ليرة سورية)، إذ خسر شقتين سكنيتين تعرضتا للحرق، وجرارًا زراعيًا و200 رأس من الأغنام ودراجة نارية.
حسين قال إنه خرج وعائلته بثيابه ولم يحمل أيًا من ممتلكاته، مضيفًا أنه بنى ثروته بجهده، إذ كان يواصل العمل لثلاث ورديات في اليوم حتى استطاع بناء منزل له ولابنه، وشراء مواشيه.
حمود البرجس، الذي يقيم في ذات المركز، قال لعنب بلدي، إنه خسر مشروعًا زراعيًا بنحو 20 دونمًا من البندورة (يعادل الدونم الواحد 1000 متر مربع) بعد أن وصل لمرحلة الجني، وكذلك ترك في منزله 200 رأس من الغنم.
ويقدّر سعر الخروف بما يقارب المليوني ليرة سورية (نحو 200 دولار)، وتوقع حمود مصادرة أملاكه ودمار محصوله، إذ يحتاج إلى متابعة يومية من سقاية ورش بالمبيدات وجني وغير ذلك من أعمال الزراعة.
حمد الحمود قال إن له ديونًا في سوق “الهال” بالسويداء بقيمة 50 مليون ليرة سورية (نحو 5000 دولار)، وخسر أيضًا 50 رأسًا من الغنم بالإضافة إلى سيارة زراعية ودراجة نارية.
واندلعت اشتباكات بين عشائر البدو وفصائل محلية تنتمي للمكون الدرزي، على خلفية خطف سائق وسيارة زراعية، في 12من تموز الحالي، تطورت إلى تدخل وزارتي الدفاع والداخلية، أعقبته مواجهة من الفصائل بعد ورود أنباء عن انتهاكات من القوات الحكومية بحق سكان من الطائفة الدرزية.
انسحبت القوات الحكومية، بعد تدخل علني لإسرائيل لمصلحة الفصائل المحلية، وقصفها للأرتال الحكومية في محيط السويداء، وكذلك قصفها لمبنى الأركان في العاصمة دمشق، في 16 من تموز الحالي.
وبعد انسحاب الحكومة، تعرض سكان من عشائر البدو لانتهاكات وعمليات تصفية وإعدام وإحراق للممتلكات، تدخلت إثره العشائر من مختلف المحافظات السورية.
وجرت اشتباكات بين العشائر والفصائل المحلية، الموالية للرئيس الروحي للطائفة الدرزية، حكمت الهجري، على رأسها “المجلس العسكري في السويداء”.
وانخفضت وتيرة الاشتباكات، نتيجة تدخل جهاز الأمن الداخلي التابع لوزارة الداخلية، وتطويق الحدود الإدارية بين درعا والسويداء وتطبيق وقف إطلاق النار، برعاية دولية.
ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل ما لا يقل عن 814 شخصًا، وإصابة 903 آخرين، في أحداث السويداء، بين 13 و24 من تموز الحالي.
وتشمل حصيلة “الشبكة” ضحايا من المدنيين، بمن فيهم أطفال وسيدات وأفراد من الطواقم الطبية، إضافة إلى مقاتلين من مجموعات عشائرية مسلحة من البدو، وأخرى محلية من أبناء المحافظة، إلى جانب عناصر من قوى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع.
“تهجير قسري” مستمر
لا تزال قوافل المهجّرين من عشائر البدو تخرج من المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المحلية في السويداء، تنفيذًا لأحد بنود اتفاقية وقف إطلاق النار.
وبينما تقول الحكومة السورية، إن البدو خرجوا مؤقتًا من السويداء، نظرًا للأوضاع الأمنية في المحافظة، يرى حقوقيون وناشطون أن ما يجري هو تهجير للعشائر.
مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، قال لعنب بلدي في تقرير سابق، إن عمليات النقل التي تجري في السويداء لعائلات البدو وفق التوصيف القانوني هي عمليات تهجير قسري لأنها تتم باتجاه واحد دون عودة، وذلك ما لم توضح الحكومة عكس ذلك بالأفعال.
وأضاف عبد الغني أن هؤلاء الأشخاص خرجوا دون إرادتهم وباتجاه واحد، وهم سكان يقيمون في المنطقة منذ مئات السنين لديهم حياتهم وممتلكاتهم وأعمالهم وعلاقاتهم اليومية والتجارية وغيرها، الأمر الذي يتطلب توضيح الحكومة السورية لبنود الاتفاق التي تخرج هذه العائلات وفقًا له.
من يعوضهم
اختلفت آراء بعض الحقوقيين في محافظة درعا جنوبي سوريا حول آلية تعويض خسائر البدو من المدنيين في السويداء، وحول الجهة التي يجب أن تعوضهم.
ويحمّل المحامي والناشط في توثيق الانتهاكات، عاصم الزعبي، بحسب حديث إلى عنب بلدي، مسؤولية تعويض المتضررين في الأحداث الجارية بالسويداء، سواء للبدو أو الدروز، للحكومة السورية، على اعتبار أن ما حدث يقع ضمن حيزها الجغرافي، مشيرًا إلى أن السويداء هي جزء من الحكومة السورية.
وبالنسبة إلى المنظمات الدولية فهي لا تعطي تعويضات شخصية، بحسب الزعبي، إنما تقدم مساعدات إنسانية طبية وغذائية.
من جانبه، قال المحامي برهان الشعابين، إن المسألة أعقد من قضية البحث مباشرة في التعويض، إذ يجب أولًا تحديد إن كان التهجير قسريًا دائمًا، أو تهجيرًا مؤقتًا.
ويرتبط هذا بقدرة الحكومة على بسط سيطرتها على المحافظة، وبعد هذا التحديد تشكّل لجنة لتقصي الحقائق، هي لجنة مستقلة مهمتها التحقيق وإثبات وقائع الانتهاكات والخسائر، وبعدها من الممكن الحديث عن التعويض من عدمه.
مسؤولية “المجلس العسكري”
حمود البرجس، أحد سكان البدو المهجرين من ريف السويداء، قال إنه لن يعود إلى بيته حتى تبسط الدولة سيطرتها على كامل المحافظة وتسحب سلاح “المجلس العسكري في السويداء”.
المحامي طارق الخليل، عضو لجنة حقوق الإنسان في نقابة محامي درعا، ذهب إلى أن أصول القاعدة العامة القانونية تقضي أن المسؤولية في تعويض الأضرار تقع على السبب المباشر.
وفي هذه الحالة، تقع على “المجلس العسكري في السويداء” فيما يخص أملاك المدنيين و”الجرائم” التي لحقت بهم.
ويرى أنه يجب توثيق الانتهاكات والخسائر وبعد ذلك تصبح هناك إمكانية لرفع دعاوى.
وذكر الخليل أن المسارات القانونية تتضح بعد معرفة طبيعة التهجير وتوثيق هذه الانتهاكات وأضرارها.
وأشار إلى أن نقابة المحامين قد تتطوع في الدفاع عن المتضررين.
وربط الخليل بين تدخل إسرائيل في القضية وبين القضايا المرفوعة ضدها في محكمة العدل الدولية، إذ من الممكن رفع دعاوى على “المجلس العسكري” باعتباره “إحدى أذرع الكيان الإسرائيلي”، وفق وصفه.