حكومة دمشق ترفض الاستدانة رغم الاحتياجات الملحّة

  • 2025/07/27
  • 1:19 م
وزراء الاقتصاد والمالية والاتصالات مع حاكم مصرف سوريا المركزي خلال إعادة افتتاح سوق "دمشق للأوراق المالية"- 2 حزيران 2025 (وزارة المالية)

وزراء الاقتصاد والمالية والاتصالات مع حاكم مصرف سوريا المركزي خلال إعادة افتتاح سوق "دمشق للأوراق المالية"- 2 حزيران 2025 (وزارة المالية)

enab_get_authors_shortcode

عنب بلدي – جنى العيسى

منذ عدة أشهر، يكرر مسؤولو الحكومة السورية ممن هم على ارتباط مباشر باقتصاد البلاد تصريحات بشأن اتباع سياسة عدم الاستدانة الخارجية، ورفض هذا الخيار بالمطلق.

ورغم احتياجات البلاد الهائلة التي قد تتطلب جمع أكثر من 400 مليار دولار أمريكي لإعادة الإعمار الشاملة، لا يبدو أن لدى الحكومة خططًا واضحة خارج الاستدانة الخارجية لتلبية هذه الاحتياجات.

توجه رسمي

مطلع تموز الحالي،  صرح حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، أنه بأمر من الرئيس، أحمد الشرع، لن تلجأ سوريا إلى الديون الخارجية، ولن يكون هناك لجوء للاستدانة من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، أو مؤسسات دولية مشابهة.

وفيما يتعلق بتمويل العجز، أشار حصرية إلى اعتماد خيار الإصدارات المحلية من الصكوك كأداة تمويل رئيسة، بالتوازي مع استمرار التدفقات النقدية من خلال الاقتراض الداخلي والخارجي لمدة تقدّر بما بين 15 و20 عامًا، على حد قوله.

الأمر نفسه أكده وزير المالية، محمد يسر برنية، في أكثر من مناسبة، وفي حوار خاص أجراه مع عنب بلدي، منتصف حزيران الماضي،  قال إن الدولة السورية ليست بوارد الاقتراض من أي مؤسسة مالية دولية في الفترة الحالية.

برنية ترك الباب مفتوحًا في هذه المسألة، إذ أضاف في تصريحاته أنه يتعهد في حال قررت سوريا الاقتراض بالشفافية قائلًا، “في حال قررنا أن نقترض يومًا فسوف نصارح شعبنا ونكون شفافين في شرح الأسباب”.

مبررات مفهومة

يمكن اعتبار أن هناك مبررات للحكومة السورية في عدم الاستدانة والاعتماد على الموارد المحلية، وفق ما يرى رئيس قسم التسويق في كلية الاقتصاد بجامعة “حلب”، الدكتور محمد غريب.

وقال غريب في حديث إلى عنب بلدي، إن هذا التوجه يساعد على الاستقلال المالي ويجنب الحكومة تكاليف الدين الخارجي المرتفعة والتي غالبًا ما تكون مشروطة، إذ تعول الحكومة على دخول الاستثمارات الأجنبية في سوريا لترميم البنية التحتية وإعادة الإعمار، وكذلك تتوقع الحكومة تحسن الإنتاج وزيادة الصادرات ولا سيما بعد رفع العقوبات عن سوريا.

كما تتوقع تحقيق الإيرادات من الثروات التي تمتلكها سوريا ولا سيما النفط والمحاصيل الزراعية كالقمح، ولكن هذا الأمر مرتبط ببسط الدولة السورية سيطرتها على منطقة الجزيرة السورية، إذ إن الاستفادة من الموارد التي تمتلكها يتطلب السيطرة عليها بالكامل وتعزيز الأمن والاستقرار فيها.

التزامات طويلة الأمد

يشكل قرار الحكومة السورية بعدم اللجوء إلى الاستدانة الخارجية في هذه المرحلة مفترقًا اقتصاديًا حاسمًا، يعكس توجهًا مغايرًا لما اعتادته معظم الدول الخارجة من الحروب أو الأزمات الحادة.

الباحث الاقتصادي محمد السلوم، يرى أن هذا القرار على ما فيه من جرأة، يحمل في جوهره نوعًا من “الحكمة السيادية والتحوّط السياسي”.

فالحكومة السورية، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، تمثل بطبيعتها حكومة انتقالية، أي أنها تقف على عتبة مسؤوليات سياسية وتاريخية دقيقة، وفق ما يرى السلوم في حديث إلى عنب بلدي.

وأضاف السلوم أن أي قرار بفتح ملف الاستدانة قد يرتب التزامات طويلة الأمد ستقع لاحقًا على عاتق حكومات منتخبة أو دائمة، وربما تُقيد السياسات المالية المستقبلية للبلاد، وهذا ما يدفعها إلى تبني نهج أكثر تحفظًا ومرونة، وفق رأيه.

من الناحية الاقتصادية، يمكن فهم هذا التوجه ضمن إطار تحقيق الاستقلال المالي عبر تعبئة الموارد الوطنية، وتعزيز الإنتاج والتصدير، واستقطاب الاستثمارات، وخاصة الخليجية منها، وقد بدأت ملامح هذا المسار تتضح من خلال التحولات في العلاقة بين سوريا والسعودية، ما يشير إلى بدائل واعدة عن القروض الدولية، التي عادة ما تكون مشروطة، وتفقد الدول هامش المناورة في سياساتها، بحسب السلوم.

“المدروسة” خيار

قد يكون التوجه لعدم الاستدانة انعكاسات سلبية في ظل الواقع الاقتصادي الصعب الذي تمر فيه سوريا، والتكاليف الكبيرة التي تحتاج إليها إعادة الإعمار والتي تقدّر بـ400 مليار دولار وفقًا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة.

وعلى هذا الأساس يرى الدكتور محمد غريب، أنه يمكن الاعتماد على الاستدانة بشكل جزئي لتغطية تكاليف إعادة الإعمار، وتحقيق التنمية الاقتصادية من خلال تنفيذ مشاريع استراتيجية مهمة تتطلب تمويلًا ضخمًا، فالاستدانة المدروسة هي خيار تمويلي جيد في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية، يسهم في تسريع إعادة الإعمار وتحريك العجلة الاقتصادية.

ولكن في الوقت نفسه، يجب عدم الاعتماد على الاستدانة بشكل كبير لما للديون من آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد، والأهم من ذلك أن تتم إدارة الدَّين بشكل صحيح بحيث يتم توجيه الاستدانة إلى مشاريع استثمارية استراتيجية تدر إيرادات أو مشاريع بنية تحتية تسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية، ففي هذه الحالة يشكل الدَّين رافعة مالية للاقتصاد السوري، أما توجيهه إلى الاستثمار في مشاريع غير ضرورية فسيشكل عبئًا على الاقتصاد السوري ولن يحقق الفوائد المرجوة منه، وفق ما يعتقد الدكتور في الاقتصاد محمد غريب.

بدائل متعددة

يمكن الاعتماد على بدائل متعددة للاستدانة، مثل الاعتماد على الاستثمارات الخارجية لتمويل المشاريع التنموية، وكذلك يمكن التوجه إلى خصخصة القطاع العام، التي تسهم في تخفيض الإنفاق الحكومي وزيادة الكفاءة التشغيلية للمؤسسات، ولا سيما المؤسسات الصناعية التي يعتبر القطاع الخاص أكثر خبرة في إدارتها من القطاع العام، بحسب ما أشار إليه الدكتور محمد غريب.

ويمكن التوجه إلى عقد شراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص، وتوفير تسهيلات وشروط مشجعة للراغبين بالانضمام للقطاع المشترك في سوريا.

وأضاف غريب أنه يمكن إنشاء صناديق استثمار محلية يسهم فيها المواطنون بمدخراتهم، يمكن أن تمول المشاريع الضخمة، كما يمكن للحكومة الاعتماد على الاستدانة الداخلية بدلًا من الاستدانة الخارجية من خلال طرح سندات حكومية طويلة الأجل بفوائد مشجعة للمواطنين، وهذه السندات توفر تمويلًا كبيرًا يمكن الاعتماد عليه في تمويل مشاريع البنية التحتية ودعم الصناعة والإنتاج المحلي.

قرار مؤقت

الاعتماد الكامل على الموارد الوطنية في المدى القصير ليس واقعيًا، نظرًا إلى تشتت السيطرة على بعض المناطق الغنية بالموارد، وضعف المؤسسات، وتراجع البنية التحتية، بحسب ما يراه الباحث الاقتصادي محمد السلوم.

لذا فإن التعويل على الاستثمارات بدلًا من الديون يبدو قرارًا انتقاليًا مؤقتًا، قد تستعيض عنه الحكومة لاحقًا، ربما بعد ثلاث سنوات أو أكثر، بالاستدانة الذكية، إن استقرت الأوضاع واستكملت ملامح الاقتصاد الوطني الجديد، وفق الباحث الاقتصادي.

ويرى محمد السلوم أن الأهم من الاستدانة أو عدمها، هو وجود رؤية اقتصادية واضحة، تعيد بناء الثقة، وتهيئ البيئة القانونية والإدارية للاستثمار، وتراعي العدالة الاجتماعية والقدرة الشرائية، ففي غياب ذلك، حتى القروض ستتحول إلى عبء لا إلى فرصة للنمو، وفق رأيه.

قبل عقود.. سوريا دولة شديدة المديونية

أوضحت دراسة تحليلية للفترة بين عامي 2011 و2020، نُشرت بمجلة “جامعة حماة” في عام 2022 بعنوان “العبء الاقتصادي للديون الخارجية في سوريا”، أن سوريا لجأت إلى الاقتراض الخارجي كأحد مصادر التمويل بشكل كبير في ثمانينيات القرن الماضي وبداية التسعينيات حالها حال أغلبية الدول النامية، وشهدت الديون الخارجية ارتفاعًا كبيرًا خلال تلك الفترة، قبل أن تبدأ بالانخفاض مع بداية الألفية الجديدة.

خلال تلك الفترة، تنوعت استخدامات الديون الخارجية في سوريا وتنوعت مصادرها، ولم تلتزم بأداء مدفوعات خدمة الديون بمواعيدها، وعانت بشكل متكرر من مشكلة المتأخرات.

ارتفاع مستوى المديونية أسهم في تصنيف سوريا كدولة شديدة المديونية منذ منتصف 1980 وحتى عام 2004، وفق ما ذكره تقرير صادر عن البنك الدولي في عام 2005، قبل أن تنجح في إنجاز تسويات شاملة للديون الخارجية وبشروط جيدة لا سيما الديون المقترضة من الاتحاد السوفييتي سابقًا، لتصنف بعد ذلك على أنها دولة منخفضة المديونية.

مقالات متعلقة

  1. إقراض بالعملات الأجنبية في سوريا.. تحريك العجلة من خزائن المصارف الخاصة
  2. الموازنة العامة للدولة الآثار الاقتصادية لتمويل العجز
  3. وزارة الاقتصاد السورية تدعو "المركزي" إلى التدخل بسوق القطع الأجنبي
  4. بعد الزيادة.. رواتب الموظفين تعادل ربع احتياجات العائلة 

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية