لجنة الساحل تكشف انتهاكات وتخفي الأسماء

  • 2025/07/27
  • 1:37 م
سميرة خضور سيدة تعرض صورة لزوجها الذي قتل مع أبنائه البالغين في جبلة بأحداث الساحل في آذار 2025 (رويترز)

سميرة خضور سيدة تعرض صورة لزوجها الذي قتل مع أبنائه البالغين في جبلة بأحداث الساحل في آذار 2025 (رويترز)

enab_get_authors_shortcode

عنب بلدي – جنى العيسى

بعد أكثر من أربعة أشهر على تكليفها رسميًا، أعلنت لجنة التحقيق وتقصي أحداث الساحل السوري، نتائج تقريرها الرئيس حول الأحداث التي شهدها الساحل في آذار الماضي.

التقرير وإن لم يشر بشكل صريح إلى أسماء الشخصيات المتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إلا أنه قدّم الأحداث والأرقام سواء لجهة المتضررين أو المتهمين بتنفيذ الانتهاكات بدقة وموضوعية.

في الوقت نفسه، برزت أصوات ناقدة لما جاء في التقرير، أبرزها أنه لم يذكر صراحة أسماء المرتبطين بالانتهاكات، وتحويل الأمر للقضاء، ما قد ينذر برأيهم بضياع الحقوق وجعل الملف بسريته عرضة للتلاعب من قبل الأشخاص الذين قد يكون لهم دور مباشر وهم على صلة بالدولة.

تحاول عنب بلدي في هذا التقرير تحليل نتائج التقرير من ناحية سياسية وقانونية، والإشارة إلى مستقبل الملف في أروقة القضاء، وضمان محاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات ممن وردت أسماؤهم ووثقتهم اللجنة بشكل صريح.

أكثر من 500 متهم

قال المتحدث باسم لجنة التحقيق وتقصي أحداث الساحل السوري، ياسر الفرحان، في مؤتمر صحفي عقده بدمشق في 22 من تموز الحالي، إن اللجنة توصلت إلى أسماء أشخاص متهمين بارتكاب انتهاكات في أحداث الساحل، منهم 265 شخصًا منضمين إلى مجموعات مسلحين متمردين خارجين عن القانون مرتبطين بـ”فلول الأسد”، بالإضافة إلى 298 شخصًا هم عبارة عن أفراد ومجموعات يرتبطون ببعض المجاميع والفصائل العسكرية من مجمل القوات المشاركة، ممن خالفوا الأوامر العسكرية ويشتبه بارتكابهم انتهاكات بحق المدنيين.

وفق الفرحان، بنت اللجنة استنتاجاتها على الشبهة وليس على الدليل القاطع الذي يكون عادة في المحاكم، وأنها في سبيل عدم الإضرار لم تظهر أسماء المشتبه بهم وقد نظمت أسماءهم في جداول ملحقة بالتقرير، وأنها تكتمت على أسماء بعض الشهود الذين يخشون من كشف أسمائهم الصريحة.

تحققت اللجنة من أسماء 1426 قتيلًا، منهم 90 امرأة والبقية معظمهم مدنيون، وبعضهم عسكريون سابقون أجروا تسويات مع السلطات المختصة، وبالرغم من عدم استبعاد وجود عدد من عناصر الفلول بين القتلى، ترجح اللجنة أن معظم حوادث القتل وقعت خارج أو بعد انتهاء المعارك العسكرية.

وقعت الانتهاكات بدوافع متعددة، فبعض المتهمين المحتملين هم من أفراد الفصائل المسلحة، وبعضهم لا مرجعية لهم تحركوا فرادى وتطوعوا مع الفصائل أو شكلوا مجموعات صغيرة بسبب خوفهم على دولتهم وعائلاتهم من عودة نظام الأسد، أو من أجل نجدة أبنائهم المتطوعين في القوات الحكومية والمحاصرين من قبل فلول الأسد.

ومن الدوافع، انتقام بعض المشاركين ممن يظنون أنهم شاركوا بقتل أحبائهم وتعذيبهم واغتصابهم، ومنهم من شكل عصابات أشرار بقصد القتل أو النهب أو السرقة، ومنهم من انتحل صفة العناصر الحكومية لمكاسب غير مشروعة أو للإساءة، ومنهم من ينتمي لمجموعات الغجر التي تقطن المنطقة والتي تعاون سابقًا كثير منهم مع “الشبيحة”، وفق الفرحان.

نقاط قوة وضعف

المحامي والحقوقي السوري حسام السرحان، اعتبر أن التقرير فيه كثير من المهنية والموضوعية، خاصة أنه لم يسبق في سوريا تشكيل مثل هذه اللجنة.

وأضاف السرحان في حديث إلى عنب بلدي، أن إشارة اللجنة إلى الانتهاكات الجسيمة وجرائم القتل ضد المدنيين وعمليات السلب والنهب وحرق البيوت، وتسليط الضوء على حجم الانتهاكات وتداعياتها وتأثيرها على السلم الأهلي، كل ذلك يوحي بانطباع في المهنية والموضوعية المقصودين.

من الناحية السياسية، يبدو أن التقرير يشكل خطوة أولى في مسار تقصي الحقائق، ولكنه لا يرقى إلى مستوى التوقعات التي كانت معلّقة عليه من حيث الشفافية والشمول والجرأة في التسمية والمساءلة، وفق ما يرى الباحث السياسي السوري نادر الخليل.

للتقرير عدة نقاط قوة ونقاط ضعف، وفق ما قاله الخليل لعنب بلدي، تتمثل نقاط القوة بتوثيق الانتهاكات، إذ أقر التقرير بوجود انتهاكات جسيمة، وهو أمر مهم في كسر أي حالة إنكار، بالإضافة إلى إحالة الملف للقضاء، وهي خطوة تعكس الرغبة في تحويل التقصي إلى مسار قانوني، لا مجرد سرد تاريخي.

فيما تتمثل نقاط الضعف بغياب التفاصيل الدقيقة، إذ لم يتضمن التقرير سردًا زمنيًا أو هيكليًا للانتهاكات، ولا تحديدًا واضحًا للجهات المسؤولة، وهذا سيضعف قيمته كوثيقة مساءلة، بحسب نادر الخليل.

واعتبر الخليل أن التقرير لم يتضمن الإشارة إلى السياق السياسي الأوسع، إذ يرى بعض الخبراء أن التقرير لم يتناول كيف أسهمت البنية الأمنية أو السياسية في إنتاج الانتهاكات، ما يجعله أقرب لتقرير تقني منه إلى تحليل سياسي شامل.

 

هناك رأي بأن اللجنة لم تُتم عملها بالكامل، بل قدمت نصف الحقيقة، في سياقات العدالة الانتقالية، بشكل يشبه ما حدث في جنوب إفريقيا أو المغرب، حيث كانت لجان الحقيقة أكثر جرأة في تسمية المسؤولين وتحديد أنماط الانتهاك، وهو ما غاب في هذا التقرير.

نادر الخليل

باحث سياسي

 

حذر قانوني أم تهرب سياسي

المحامي والحقوقي حسام السرحان، اعتبر في حديثه إلى عنب بلدي، أن دور اللجنة إحالة وتقديم لوائح مشتبه بهم في تورطهم بالانتهاكات للمحامي العام، مبررًا عدم إصدار الأسماء بشكل علني من الناحية القانونية بضمان سرية التحقيقات التي ستحدث أمام القضاء المختص.

ويتفق السرحان مع هذا الطرح، موضحًا أن إحالة الأسماء إلى المحامي العام تعني تحريك الدعوى العامة بحقهم، وإجراء التحقيقات تمهيدًا لإحالتهم إلى المحاكم المختصة لصدور الأحكام القضائية بحقهم.

 

القضاء هو المعني بإعلان أسماء المتهمين وليس اللجنة، لأن إعلان اللجنة يعتبر تجاوزًا باعتبارهم لا يزالون يحملون صفة المشتبه بهم، فيما سيغير القضاء هذه السردية بعد التحقيقات إلى متهمين.

حسام السرحان

محامٍ وحقوقي سوري

 

يثير عدم كشف اللجنة عن أسماء المرتكبين للانتهاكات جدلًا سياسيًا وأخلاقيًا، وفق ما يرى الباحث السياسي نادر الخليل، مشيرًا إلى أن مبررات اللجنة المحتملة تتمثل بأمرين، أولهما الحرص على سلامة الإجراءات القضائية لغاية تجنب التأثير على سير التحقيقات، والثاني تفادي التشهير قبل الإدانة القضائية وهو ما يتسق ويحترم مبدأ “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”.

فيما تعرض هذه الخطوة اللجنة لعدة انتقادات، منها غياب الشفافية إذ يُنظر إلى التعتيم على الأسماء في قضايا الانتهاكات الجسيمة كنوع من الحماية السياسية، فضلًا عن تقويض الثقة العامة، إذ يحتاج كل من الضحايا والمجتمع لمعرفة من ارتكب الانتهاكات، ولو بشكل أولي، لبناء سردية العدالة، بحسب الخليل.

على سبيل المقارنة الدولية، في تجربة لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا، تم ذكر أسماء المرتكبين ضمن سياق الاعتراف والمساءلة، ما عزز مصداقية العملية، أما في حالة لجنة تونس، فأسهم التردد بكشف الأسماء في إضعاف الثقة بالهيئة.

 

كان من الأفضل ذكر الأسماء المرتبطة بالانتهاكات الموثقة، على الأقل ضمن تصنيف أولي (جهات أمنية، مسؤولون إداريون…)، مع الإشارة إلى أن الإدانة النهائية من اختصاص القضاء.

نادر الخليل

باحث سياسي

 

الملف لدى النائب العام

الباحث السياسي نادر الخليل، يرى أن إحالة الملف للنائب العام خطوة ضرورية، لكنها غير كافية لضمان العدالة، والمطلوب هو بناء مسار قضائي شفاف ومحصن من التدخلات السياسية.

التقرير خطوة أولى، لكن يبدو أنه يفتقر إلى الجرأة السياسية والمساءلة الواضحة، ويعكس عدم ذكر الأسماء ترددًا سياسيًا أكثر منه حرصًا قانونيًا، وإحالة الملف للقضاء يجب أن تستكمل بخطوات مؤسسية تضمن المحاسبة العادلة والعلنية، فالعدالة الانتقالية لا تبنى على الحذر وحده، بل على الاعتراف والشفافية والمساءلة، بحسب ما قاله الباحث نادر الخليل.

لضمان المحاسبة العادلة أشار الخليل إلى عدة خطوات يجب اتخاذها بعد انتهاء عمل اللجنة هي:

تشكيل هيئة قضائية مستقلة أو غرفة خاصة، مهمتها النظر في هذه القضايا، على غرار “دوائر العدالة الانتقالية”.
ضمان حماية الشهود والضحايا، وتوفير الدعم النفسي والقانوني لهم.
نشر التقرير الكامل للرأي العام، بما فيه الأدلة التي لا تؤثر على التحقيقات.
إشراف دولي أو أممي رمزي، لضمان نزاهة الإجراءات في حال ضعف الثقة بالمؤسسات القضائية المحلية.

الأصل في العلنية

من جهته، يرى المحامي والحقوقي حسام السرحان، أنه طالما أورد تقرير اللجنة لائحة بأسماء المشتبه بهم وأودعت لدى المحامي العام، سيحرك الأخير قطعًا حق الدعوى العام بحقهم، ويحيلهم للتحقيق الذي سيجري خلاله فتح ملفات موسعة بالقضايا، ثم إحالة المتهمين إلى المحاكم المختصة التي تتمثل بالمحاكم الجزائية (محكمة الجنايات، صلح الجزاء، بداية الجزاء).

وأوضح السرحان أن أغلب الجرائم المرتكبة جنائية الوصف، وبالتالي فإن محكمة الجنايات هي التي ستنظر بهذه الدعاوى وفق إجراءات معروفة.

وأضاف المحامي أن الأصل في المحاكمة أن تكون علنية، والمقصود بذلك أنه عند تحديد موعد محاكمة، يستطيع أي شخص حضور الجلسة ضمن قاعات المحكمة، إلا في حال قرر القاضي أن تكون سرية، وهي حالات نادرة.

ويبقى الأفضل أن تكون المحاكمات علنية بحيث تحقق الردع الرمزي والسياسي للمنتهكين المحتملين والمستقبليين، وإعادة الاعتبار للضحايا وتحقيق العدالة، فضلًا عن تعزيز الثقة بالمؤسسات في طريق البناء المؤسساتي للدولة، بالإضافة إلى بناء ذاكرة جماعية حول الانتهاكات، وهو أمر جوهري في أي عملية مصالحة وطنية، بحسب ما يرى الباحث السياسي نادر الخليل.

هناك أمثلة تؤكد أهمية المحاكمة العلنية، منها تجارب مثل محكمة “سيراليون” الخاصة أو المحاكمات العلنية في رواندا، إذ لعبت العلنية دورًا محوريًا في ترسيخ العدالة الانتقالية.

مقالات متعلقة

  1. منظمات سورية تطالب بنشر نتائج "تحقيق الساحل"
  2. التحقيقات بأحداث الساحل تستمر.. مخاوف بشأن فعاليتها
  3. تعرف إلى توصيات لجنة تقصي حقائق الساحل
  4. دمشق تعلق على تقرير "العفو الدولية" بشأن أحداث الساحل

سوريا

المزيد من سوريا