التشاركية السياسية.. ضرورة المرحلة في سوريا

  • 2025/07/27
  • 3:26 م
وزارة الدفاع تعيد رفع العلم السوري أمام مبنى الأركان المدمر بغارة إسرائيلية - 21 تموز 2025 (وزارة الدفاع/ إكس)

وزارة الدفاع تعيد رفع العلم السوري أمام مبنى الأركان المدمر بغارة إسرائيلية - 21 تموز 2025 (وزارة الدفاع/ إكس)

enab_get_authors_shortcode

موفق الخوجة | أمير حقوق | مارينا مرهج

تبدو التشاركية السياسية اليوم ضرورة استراتيجية في سوريا، لبناء مستقبل أكثر استقرارًا، ولإشراك الجميع في صناعة القرار، ما يسهم في تحقيق الحلول الشاملة للأزمات الحالية، ولضمان عملية إصلاح وطنية مستدامة.

ومع تصاعد التحديات السياسية والاجتماعية في سوريا، خاصة بعد الأحداث الأمنية والعسكرية التي شهدتها محافظة السويداء جنوبي سوريا، وقبلها أحداث الساحل السوري، وما رافقهما من تبعات تمتد آثارها لسنوات، باتت التشاركية السياسية ضرورية لإعادة بناء دولة مستقرة.

تتجه الأنظار نحو ضرورة تعزيز الحوار السياسي، والشراكة بين مختلف الأطراف الفاعلة ورفد الكفاءات، لتحقيق إصلاحات سياسية حقيقية وتنمية مستدامة، بعد أخطاء وممارسات للحكومة الحالية، وأطراف محسوبة عليها، للخروج من مأزق محتمل.

وتتركز الانتقادات بشأن المشاركة في الإعلان الدستوري المؤقت الذي حصر الصلاحيات بيد الرئيس، والمؤتمر الوطني الذي عُقد على عجل، وآليات تشكيل مجلس الشعب المتوقعة، وحكومة وسمت بـ”التكنوقراط”، لكنها حصرت الملفات السيادية بمركزية تتحكم بها كتلة “هيئة تحرير الشام”، التي قادت عمليات إسقاط الأسد.

مقاربة واقعية لما بعد النزاع

تشهد الساحة السورية حراكًا سياسيًا وإداريًا، خاصة بعد تشكيل الحكومة، نهاية آذار الماضي، برئاسة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، والتي كان تشكيلها قائمًا على أساس “حكومة تكنوقراط”.

ويعاب على الحكومة الحالية بعض القرارات في التعيينات، والتي تمتد من مؤسساتها إلى هيئات أوسع يفترض أن تتمتع بالاستقلالية، كمجلس الشعب، الذي لا يزال في طور التشكيل، لكن بآلية أثارت الكثير من الانتقادات.

مدير الأبحاث والسياسات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، معن طلاع، يرى أن الحكومات المشكّلة في البيئات الخارجة من النزاع، كما هو الحال في سوريا، عادة ما تتكون بهدف إحداث أثر واضح في مجال الخدمات، وليس بناء على تمثيل ناتج عن انتخابات أو تفاهمات محلية.

وأشار إلى أن الفريق الحكومي الحالي جاء في سياق ما يوصف بـ”انتصار الثورة”، وبالتالي فإن مسألة التمثيل الشعبي لم تكن أولوية.

لكن، وفق طلاع، لا يمكن إغفال أن المواطن اليوم يقيّم الأداء الحكومي على أساس “شرعية الإنجاز”، لا على أساس التمثيل السياسي.

فالقضايا الجوهرية التي تشغل السوريين بعد الانهيار هي قضايا الخدمات والأمن والطاقة والمعيشة، ومن هنا، يصبح معيار القرب من الناس مرتبطًا بمدى القدرة على الإنجاز في هذه الملفات.

وأكد طلاع أن هذا الإنجاز يمكن أن يتعزز بمؤشرات مثل الشفافية والحوكمة والكفاءة والمساءلة، لكن هذه المؤشرات تحتاج إلى وقت، ويجب أن تظهر آثارها خلال عام على الأقل حتى تكتسب الحكومة قدرًا أكبر من الشرعية الواقعية، غير أن استمرار الفجوة الأمنية يظل سببًا رئيسًا في تعثر أي تقدم ملموس.

الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني

الإدارة المحلية بين النية والإطار القانوني

أشار طلاع إلى إشارات إيجابية في توجه الحكومة نحو الإدارة المحلية، يظهر ذلك من خلال حجم التفاعل والنقاش حول قضايا التنظيم الإداري وصلاحيات المحافظات.

بالمقابل، أوضح أن هذا التوجه ما زال مشروطًا بمنظومة قانونية تنتظر تشكيل مجلس تشريعي قادر على سنّ التشريعات المطلوبة.

ورغم أن هذا التحول ليس سهلًا، يرى طلاع أن هناك ملامح توجه عام إيجابي يجب التقاطه والبناء عليه، شرط أن يتم ضمن رؤية مؤسسية متماسكة.

يشدد طلاع على أن التشاركية ليست نموذجًا يمكن استيراده أو مجرد خطوات تقنية، بل هي إطار فلسفي ومنهجي يجب أن تعتمده الدولة لإعادة تعريف علاقتها بالمجتمع، وهي تقوم على ثلاث ركائز، التعاون المتوازن والمصالح المتبادلة والمسؤولية المشتركة.

ويرى أن التشاركية يجب أن تكون مدخلًا مرنًا لاستجابة الدولة لتحديات ما بعد النزاع، من خلال تعزيز الاستقرار وشرعنة الحضور السياسي والإداري. وهذا يتطلب مشاركة حقيقية للمجتمع في التخطيط والتنفيذ والتقييم والمساءلة، بعيدًا عن أدوات التمثيل التقليدي الطائفي أو القومي، لمصلحة أدوات مدنية وسياسية حديثة.

وأشار إلى أن تحقيق ذلك يستوجب إجراءات متراكمة تشمل تعديل القوانين والدستور، وتمكين السلطات المحلية، وتعزيز شراكات متوازنة بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، إلى جانب تطوير مؤشرات دقيقة للمتابعة، وبنية تحتية تكنولوجية، وسياسات إنصات مجتمعي فعالة.

 

ثقافة التشاركية تحتاج إلى عمل على مستويين: داخل السلطة لتطوير الفهم العملي، وداخل المجتمع للتخلص من الهواجس والهويات الضيقة، وتبنّي ثقافة سياسية مدنية.

معن طلاع

مدير الأبحاث والسياسات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”

هوية الدولة… جوهر الخلاف السوري

يرى المؤسس والمدير العام لمركز الشرق للبحوث (ORC)، الدكتور سمير التقي، أن العلة الرئيسة التي يختلف عليها السوريون هي “هوية الدولة”، ودور كل مكون من مكونات المجتمع في الشعور بأنه ممثل داخل هذه الدولة، وشدد على أن سوريا ليست مجموعة “مشيخيات دينية” تابعة لزعامات طائفية، كما كانت تُدار في العهد العثماني، بل تجاوز السوريون هذه المرحلة حضاريًا وثقافيًا.

ونوه إلى أن السلطة الحالية لم تعلن حتى الآن قبولها بفكرة الديمقراطية، بل إنها تعتبر “كفرًا” في بعض الكتب التي تدرّس في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” سابقًا، انطلاقًا من مبدأ “الحاكمية لله”، ما يعني أن السلطة تُمنح للمشايخ وليس للشعب. وهذا لا يمكن تجاوزه بسهولة.

ويؤكد التقي أن الديمقراطية الشكلية لا تضمن حماية المكونات، والدليل أن الأقليات لا تعتبر مجرد المساواة كافية لضمان حقوقها، لذا، يرى أن التفاوض الحقيقي على الهوية والدولة هو شرط لبقاء الجميع.

 التشاركية السياسية: هي عملية إشراك المواطنين، والمؤهلين، والنخب المجتمعية، في صنع القرارات السياسية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال مختلف الأنشطة والآليات التي تهدف إلى التأثير في الحكومة وعملية صنع القرار.

التشاركية السياسية تشمل:

  • إشراك المواطنين في العملية السياسية، والتي بدورها تعزز الاستقرار السياسي، وتقلل احتمالات الصراع.

  • حق المشاركة في الانتخابات.

  • الانخراط في الأحزاب السياسية، والمنظمات الأهلية، التي تسعى للتأثير على السياسات العامة.

  • مخاطبة المسؤولين الحكوميين، وممثلي الشعب، للتعبير عن الآراء والمطالب.

  • المشاركة في الحوارات والنقاشات السياسية العامة.

رجال دين يصافحون الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع – 25 شباط 2025 (مؤتمر الحوار الوطني السوري)

مجلس الشعب..

تعيين بدل الانتخاب

يرفض الدكتور سمير التقي شكل مجلس الشعب السوري، تحت نظام رئاسي، ويعتقد أنه سيكون مجلسًا صوريًا، أشبه بـ”مجلس تشخيص مصلحة النظام” كما في إيران، ولن يكون له دور في محاسبة الرئيس، أو وضع خطط استراتيجية للدولة.

ويرى “أن الحاكم الفعلي ليس الشعب، بل منظومات مثل (هيئة تحرير الشام)، التي تدير الملفات الاستراتيجية بعيدًا عن الرقابة أو التمثيل الوطني”.

 

يجب البدء بتغيير عقلية المحسوبية، لأنها تمثّل خطرًا كبيرًا على مستقبل الدولة. فاليوم، يتم منح المناصب المفصلية فقط لأولئك الذين يحظون بثقة “هيئة تحرير الشام”، سواء في جهازها السياسي أو العسكري، بينما تُترك بقية المواقع لأدوار شكلية. أما القضايا الجوهرية والاستراتيجية، مثل مصير البلاد والعلاقات مع إسرائيل وغيرها، فلا تُناقش في البرلمان أو ضمن هيئة سياسية موسعة تمثل مختلف الفعاليات، بل تُحسم داخل دائرة ضيقة تابعة لـ”هيئة تحرير الشام” فقط.

د. سمير التقي

المؤسس والمدير العام لمركز الشرق للبحوث (ORC)

لجنة الانتخابات تشرح التشاركية

المتحدث باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، نوار نجمة، أوضح لعنب بلدي، أن اللجنة تقوم بلقاءات تشاورية سواء على مستوى المحافظات أو ضمن مقر مجلس الشعب، الهدف الأساسي منها هو إشراك أكبر عدد ممكن من المواطنين والفعاليات الوطنية في صياغة آلية مناسبة وشفافة لاختيار أعضاء مجلس الشعب.

وكشف نجمة أن النظام الانتخابي المؤقت سيصدر خلال أيام، وسيتضمن تفاصيل هذه الآلية وآليات اختيار الأعضاء، مضيفًا أن اللجنة حرصت على أن تسهم مختلف الآراء والمقترحات والتوصيات في وضع هذه الآلية.

وقال نجمة، إن الهيئة الناخبة ستُشكّل من مختلف مكونات الشعب السوري، وسيُعتمد بشكل أساسي على التمثيل السكاني وفق إحصائيات عام 2011 في مختلف المناطق، مع التأكيد على أن الأفضلية ستكون للكفاءة، وليس على أساس المحاصصة، كما ستشمل الآلية المجتمع المدني والفعاليات الوطنية.

ونظرًا إلى عدم وجود قانون نافذ حتى الآن، فإن العملية لن تُبنى على أساس حزبي، بل ستعتمد على مشاركة الأفراد من مختلف الشرائح والمكونات الوطنية.

وشدد على أن مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، سيكون حاضرًا بقوة في تشكيل الهيئات الناخبة، التي ستراعي التمثيل السكاني في جميع المحافظات السورية، دون تمييز بين المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة النظام السابق أو تلك التي كانت محررة سابقًا.

وفيما يتعلق بالوضع الأمني ببعض المناطق السورية مثل السويداء والرقة والحسكة، كشف نجمة أنه ستكون هناك آليات بديلة في حال تعذر الوصول إلى تلك المناطق وإجراء الانتخابات فيها بشكل مباشر.

وفيما يخص الضمانات المقدّمة للسوريين، فإن اللجنة تؤكد إصرارها الكامل على ضمان الشفافية والكفاءة، بحيث يكون مجلس الشعب المقبل مختلفًا جذريًا عمّا كان عليه في ظل النظام السابق، وفقًا لما ذكره المتحدث باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب.

وأعرب عن أمله “أن يكون البرلمان الجديد سلطة تشريعية حقيقية تضطلع بدورها الوطني الكامل، وتسهم في صياغة القوانين والتشريعات اللازمة للمرحلة المقبلة”.

الانتخابات تبدأ محليًا وتنتهي بالبرلمان

يقترح المؤسس والمدير العام لمركز الشرق للبحوث (ORC)، سمير التقي، أن تبدأ العملية الانتخابية، كما الحال في الكثير من الدول التي خرجت من الحروب الداخلية، من القاعدة، عبر انتخابات محلية ومهنية ونقابية، ثم الانتقال نحو مجلس نيابي بغرفتين (نواب وشيوخ). ويعتبر أن مجلس الشيوخ ضرورة لضمان حقوق الأقليات، وضمان وحدة البلاد عبر صلاحيات واسعة للولايات، بما فيها “حق الطلاق السياسي” إن لزم الأمر.

واعتبر أن النظام البرلماني هو الأنسب لسوريا، لأن النظام الرئاسي لا يتوافق مع واقع التعددية ولا مع كتلة كبيرة من السوريين الذين لا يعرفون أنفسهم دينيًا أو طائفيًا، بل بهويتهم المدنية والوطنية. ويرى أن الثقافة المدنية في المدن لا تنسجم مع الثقافة الدينية التي تُفرض اليوم عبر المناهج وتدمير الرموز الثقافية.

من جانبه، أشار الخبير القانوني عبد الناصر حوشان، إلى تعذر إجراء انتخابات في سوريا، في ظل غياب أو تهجير أكثر من نصف الشعب السوري، إضافة إلى أن هناك تلاعبًا سابقًا ببيانات السجل المدني من خلال تجنيس الأجانب وعدم تمكّن الملايين من السوريين من تسجيل الواقعات.

المؤتمر الصحفي الأول للجنة الانتخابية لمجلس الشعب – 18 حزيران 2025 (اللجنة الانتخابية/ فيسبوك)

الإعلان الدستوري ومؤتمر الحوار الوطني..

خارطة طريق أُقرت على عجل

أظهر غياب التشاركية عن السياسة العامة لقيادة المرحلة الانتقالية وجود “ضعف موصوف” في مجمل مؤسسات الدولة، إذ طغت الارتجالية في اتخاذ القرارات المصيرية، على الصعيدين الداخلي والخارجي، وفق ما يراه الباحث في الفكر السياسي عبد الله تركماني.

ومنذ “مؤتمر النصر” ومقولة “من يحرر يقرر”، التي تناقلها المدافعون عن خيارات السلطة، تتالت الأخطاء “القاتلة”، المتمثلة بترتيب مؤتمر وطني شكلي على عجل، وإعلان دستوري مفصل على مقاس “سلطة الأمر الواقع”، وإعادة بناء الجيش والأجهزة الأمنية على أسس غير مهنية ووطنية وإنما لأهل الولاء، أضاف الباحث.

بعد فراغ دستوري

“مؤتمر النصر” الذي عقدته “إدارة العمليات العسكرية”، في 29 من كانون الثاني الماضي، أوقف العمل بالدستور القائم في زمن النظام السابق، وحلّ مجلس الشعب وألغى الأحزاب السياسية والمحكمة الدستورية، ما أدى إلى دخول البلاد في فراغ دستوري.

الفراغ، ملأته الحكومة الجديدة، بإعلان دستوري مؤقت أقرته في 13 من آذار الماضي، وتضمن أربعة أبواب، وحولت بموجبه نظام الحكم إلى رئاسي.

وبالرغم من صفة الإعلان المؤقتة، والتي حددت مدة الحكم بخمس سنوات، لم يسلم من انتقادات من قانونيين وسياسيين، إذ اتهموه بحصر السلطات في يد الرئيس، وإقصاء مكونات سياسية وإثنية ودينية.

بين رأيين

الخبير القانوني غزوان قرنفل قال إن خيار الحكومة الحالية منذ اللحظة الأولى هو وضع اليد على السلطة والتفرد بها وإقصاء مختلف الأطياف والتيارات والأحزاب عن المشهد السياسي السوري باعتبارها القوة التي تملك الحق في القرار، استنادًا إلى كونها القوة “المحررِّة” إعمالًا لمبدأ “من يحرر يقرر”.

وأضاف، في حديث إلى عنب بلدي، أن الإعلان الدستوري جاء كتعبير “فظ” عن تلك السياسة “الإقصائية” ورفض أي شكل من أشكال الشراكة الوطنية في قرار رسم ملامح سوريا الجديدة.

وكان تركيز كل السلطة وأدواتها بيد الرئيس هو “التعبير الفاقع” عن تلك السياسة، فهو رئيس الجمهورية وقائد الجيش ورئيس الحكومة التي لا تُسأل عما تفعل، وهو صانع المجلس التشريعي وناخبه الوحيد، وهو رئيس مجلس القضاء الأعلى وصاحب القرار الفصل في تعيين أعضاء المحكمة الدستورية، وبالتالي هو “الحاكم المطلق في سوريا”، وفق تعبيره.

 

أمام تفاصيل هذا المشهد يكون الكلام عن التشاركية مجرد “نكتة سمجة”.

أما مؤتمر الحوار و”الكرنفالات الانتخابية” التي تعقد في المحافظات تمهيدًا لاختيار وتعيين أعضاء المجلس التشريعي، منزوع الصلاحية، في مراقبة أداء الحكومة ومساءلتها، فلا يمكن اعتبارها إلا مجرد “تدابير صورية” لزوم ما لا يلزم لـ”ذر الرماد في العيون”.

غزوان قرنفل

قانوني سوري

واعتبر أن هذا النهج، الذي وصفه بالإقصائي، لن يساعد على تفكيك حالة الاستعصاء الوطني بل سيزيدها تعقيدًا وسيقود سوريا وشعبها إلى مهالك لم يعد بمقدور البلد تحمل تبعاتها وارتداداتها.

شروط التشاركية غائبة

بالمقابل، لا يرى الخبير القانوني عبد الناصر حوشان أن في مواد الإعلان الدستوري ما يندرج تحت مسمى الإقصاء، فهناك إعادة ترتيب الأرضية الدستورية والقانونية لتفعيل آليات المشاركة السياسية.

المشاركة السياسية، وفق حوشان، يجب أن تكون لها أطر قانونية، فهي تعني المشاركة في إدارة الحكم من قبل الأحزاب والتيارات السياسية، ولذلك لا بد من وجود قانون للأحزاب والانتخابات ضمن دستور دائم.

ولفت إلى أحزاب كانت موجودة في عهد النظام السابق، مثل أحزاب “الجبهة التقدمية” وحزب “البعث”، وكانوا جميعًا شركاء بسفك دماء السوريين وشاركوا بالجرائم التي ارتكبها النظام السوري السابق.

يكرّس المركزية

يكرّس الإعلان الدستوري مبدأ المركزية السياسية، ما دفع أطرافًا إلى رفضه، خاصة تلك التي تدعو إلى اللامركزية، أو تذهب باتجاه “الفدرلة”، خاصة في شمال شرقي سوريا، والسويداء.

حوشان يناصر مبدأ المركزية في فترة ما بعد الحرب، مشيرًا إلى أن سوريا ليست وحدها من أخذت هذا الموقف، وأوضح أن الدول الضعيفة الخارجة من الحروب دائمًا تكون بنيتها السياسية والاجتماعية ضعيفة، بسبب السلاح الموجود بيد الميليشيات.

وربط القانوني مدى قوة الدولة بتكريس مبدأ سيادة الدستور والقانون، مؤكدًا أن الأمن والاستقرار يقتضي أن تكون السلطة الرئيسة بيد حكومة مركزية وتكون هي صاحبة السيادة وحصر السلاح بيدها.

 

اللامركزية السياسية ليست حلًا، وهي بوابة للحرب الأهلية، أما اللامركزية الإدارية فهي نمط من أنماط الإدارة، وأعتقد أن العمل يجري على هذا النمط من خلال ما نراه من خلال عمليات إعادة هيكلة وإصلاح للمؤسسات، وهيكلة الإدارة المحلية، وقد تطول التعديلات قانون الإدارة المحلية.

عبد الناصر حوشان

قانوني سوري

من جانبه، يرى المؤسس والمدير العام لمركز الشرق للبحوث (ORC)، الدكتور سمير التقي، أن الخلاف الأساسي يتمحور حول الإعلان الدستوري الذي صُمم لنظام رئاسي بعد حرب داخلية مريرة، يكون فيه الحكم فعليًا بيد “هيئة تحرير الشام” (المنحلة) وهيئاتها السياسية والعسكرية، رغم أنه لا يحظى بتوافق سوري عام، خاصة أن هذا النمط من “الإسلام السلفي الجهادي”، بحسب تعبيره، لا يعكس هوية جميع السوريين.

وأضاف التقي أن دراسة 35 حربًا داخلية منذ الحرب العالمية الثانية، أظهرت أن نموذج الدولة عادة ما يكون توافقيًا على نظام برلماني، ويتجه إلى درجة عالية من اللامركزية، بعد انتهاء هذه الصراعات، وأن هذه الصراعات لا تنتهي إلا بإلغاء منطق الغلبة، ونبذ فكرة “من يحرر يحكم”، معتبرًا أن استمرار هذا النهج سيبقي “الجمر تحت الرماد”، ما يؤدي إلى انفجارات متكررة نتيجة شعور بعض الأطراف بالمظلومية والتهميش، ورفضها لتغيير هوية سوريا دون مشاركتها الفعلية.

مفهوم سياسي أم خيار إداري؟

مدير الأبحاث والسياسات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، معن طلاع، أكد في حديثه إلى عنب بلدي، أن النقاش حول المركزية واللامركزية في سوريا تحكمه مغالطات وتشنجات كبيرة، ليس فقط من جانب الحكومة، بل من مختلف الأطراف.

وشدد على أن المركزية المطلقة لا تعني بالضرورة التحكم الكامل بكل تفاصيل القرار، ولا تمثل وحدها الضامن لوحدة البلاد.

وقال إن وحدة البلاد لا تُبنى على أساس التحكم بالمركز، بل من خلال عقد اجتماعي متوازن يجمع بين مركز قوي وأطراف قوية. هذا الفهم يغيب أحيانًا بسبب الحساسيات السياسية المحيطة بمفهومي المركزية واللامركزية، ما يجعل أي نقاش حول توزيع الصلاحيات مشحونًا وغير عقلاني.

ويرى أن المطلوب اليوم هو قانون ناضج للإدارة المحلية، يراعي واقع الدولة السورية، ويحدد بوضوح ما الصلاحيات التي يمكن تفويضها، وما الصلاحيات السيادية التي لا يمكن إلا أن تبقى بيد المركز، كالدفاع والسياسة الخارجية.

التمهيد لدستور جديد

تنبع أهمية التشاركية السياسية، وفق الكاتب السياسي درويش خليفة، من خلال بناء مؤسسات تشريعية وتنفيذية تمثّل كل السوريين، بإعادة تشكيل القرار السياسي بشكل جماعي، وإتاحة المجال لظهور نخب جديدة من كل المكونات تسهم في إعادة بناء البلاد، والتمهيد لدستور جديد، يكرس ثقافة فكرة الدولة الجامعة.

واعتبر أن ما نحتاج إليه اليوم ليس تبادل الاتهامات، بل مشروع وطني جامع يعيد وصل ما انقطع بين الدولة والمجتمع، ويؤسس لعقد اجتماعي جديد يتجاوز ثنائية الأمن والطائفة، نحو دولة المواطنة والحقوق.

جانب من مناقشات إحدى مجموعات “مؤتمر الحوار الوطني – 25 شباط 2025 (عنب بلدي)

دعوات لمؤتمر وطني جديد

بعد تحضير استمر عدة أيام، طافت خلالها اللجنة التحضيرية على المحافظات السورية، انطلق مؤتمر “الحوار الوطني” في 24 من شباط الماضي، بمشاركة أكثر من 600 شخصية سورية.

المؤتمر لاقى إشادات من عدد من حاضريه، إلا أنه لاقى انتقادات بعضها ممن حضر المؤتمر، والآخر من خارجه، تمثلت أبرزها بمدة عقده التي لم تتجاوز اليومين، إضافة إلى المدة التي سبقت إرسال الدعوات، قبل 48 ساعة من عقده، فضلًا عن انتقادات لاحقت مخرجاته.

ويرى الباحث السياسي الدكتور نادر الخليل، أن أبرز الأخطاء قبل انعقاد المؤتمر، تمثل بغياب الشفافية في تشكيل اللجنة التحضيرية، ما أثار شكوكًا حول نياتها وتمثيلها.

كما أشار إلى استبعاد قوى سياسية ومجتمعية فاعلة، ما أفقد المؤتمر شرعيته التمثيلية، إضافة إلى الاعتماد على خطاب “تعبوي” بدلًا من خطاب تأسيسي، ما جعل التحضير أقرب إلى حملة “علاقات عامة”.

وعلى صعيد النتائج تنسحب الأخطاء على عدة نقاط، وفق ما يرى الخليل، تتمثل الأولى بعدم وجود آليات تنفيذ واضحة لما تم الاتفاق عليه، ما جعله مجرد بيان نيات.

كما يعود إلى تغليب المصالح الفئوية على المصلحة الوطنية، حيث تم توظيف مخرجات المؤتمر لتعزيز مواقع بعض الأطراف، والفشل في بناء الثقة بين الأطراف المشاركة، ما زاد من حدة الاستقطاب في بعض الحالات.

دعوات إلى مؤتمر وطني جديد

بعد الأزمة السياسية والمجتمعية في سوريا، عقب أحداث السويداء، وقبلها في الساحل السوري، فضلًا عن حوادث أمنية وسياسية في مختلف الأمكنة والمجالات، برز إلى المشهد السياسي السوري الحديث عن عقد مؤتمر جديد للحوار الوطني، كان أبرز الداعين إليه الموقعين على مبادرة “المئوية السورية”.

ورغم الحديث المتكرر عن الحوار الوطني، يرى الخليل أن معظم المبادرات افتقرت إلى الشروط الدنيا للتمثيل الحقيقي، وغلب عليها الطابع الرمزي أو التوظيفي وحتى الشكلي.

يعود ذلك لعدة عوامل، أولها تآكل الثقة بين الفاعلين السياسيين، سواء بين المعارضة والسلطة القائمة، أو داخل أطيافها، ما جعل أي محاولة للتقارب تبدو شكلية أو محكومة بالفشل.

العامل الثاني هو تضخم دور الفاعلين الخارجيين، حيث باتت التشاركية السياسية مرهونة إلى حد كبير بإرادات إقليمية ودولية، ما أفقدها استقلاليتها وشرعيتها الوطنية.

ويعود العامل الثالث إلى ضعف المؤسسات الوسيطة، مثل الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، التي يفترض أن تكون جسورًا للتشاركية، لكنها إما مهمشة أو مخترقة أو غير مؤهلة وحتى غير موجودة، وفق الخليل.

كيف يجب أن يكون المؤتمر الوطني القادم

نادر الخليل

باحث سياسي سوري

في ضوء الواقع السوري، تبدو الحاجة ملحّة لعقد “مؤتمر وطني حقيقي”، لا بوصفه مناسبة احتفالية أو إعلامية، وإنما كمنصة تأسيسية، لإعادة بناء العقد الاجتماعي السوري الجديد.

هذا المؤتمر يجب أن يكون:

  • جامعًا: يضم ممثلين عن جميع المكونات السياسية والاجتماعية، بما فيها القوى المعارضة في الداخل والخارج، والمجتمع المدني، والنقابات، والفعاليات الاقتصادية والدينية.
  • محايدًا: يُدار من قبل لجنة مستقلة تحظى بثقة الجميع، بعيدًا عن الهيمنة الرسمية، أو الحزبية، أو الفصائلية.
  • مؤسسًا: يهدف إلى وضع خارطة طريق واضحة نحو انتقال سياسي حقيقي تدريجي، يضمن التشاركية، ويُعيد بناء المؤسسات على أسس ديمقراطية.

وإذا تقرر عقد مؤتمر حوار وطني جديد، فإن الشكل الأمثل له يجب أن يكون تأسيسيًا لا استشاريًا، وهدفه الأساسي إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع، على أسس جديدة جامعة وشاملة.

ويجب أن يُبنى مؤتمر الحوار الوطني الجديد على:

  • تمثيل حقيقي لكل القوى السياسية والاجتماعية، بما فيها تلك التي لم تُدعَ سابقًا.
  • إدارة مستقلة من شخصيات وطنية تحظى بثقة واسعة، بعيدًا عن الاستقطاب وعقلية “الفصائلية”.
  • جدول أعمال واضح: يشمل قضايا الإدارة المحلية، والعدالة الانتقالية، والإصلاح الدستوري، وإعادة بناء المؤسسات.
  • ضمانات عربية ودولية: تضمن تنفيذ مخرجاته، دون أن تتحول إلى وصاية.

المأمول منه كمؤتمر وطني شامل:

  • أن يكون نقطة تحول في المسار السياسي السوري، وأن يؤسس لمرحلة جديدة من التشاركية الفعلية، لا الشكلية، تُعيد الاعتبار للمواطن بوصفه شريكًا لا تابعًا، وللسياسة بوصفها أداة بناء لا صراع.
  • أن يكون الحوار مفتوحًا، ومتاحًا زمنيًا، حتى لو استمر أشهر (كون الحوار الوطني عند تأسيس سوريا قبل أكثر من 100 سنة، استمر ستة أشهر تقريبًا).
  • خلال فترة الحوار، يجب أن يكون دور الحكومة الانتقالية “انتقاليًا فعلًا”، وألا تتخذ قرارات ذات طابع تأسيسي لمستقبل سوريا، بصورة منفردة، إلى حين توفر الظروف الملائمة لانتخاب هيئة تمثيلية، قادرة على رسم مستقبل سوريا، بناء على شرعيتها التمثيلية لمختلف السوريين.

المرحلة الحالية تتطلب الانتقال من منطق “الثورة” إلى منطق “الدولة”، ومن منطق “الفصائلية” إلى “مؤسسة الجيش الوطني”، فاستمرار الفصائلية، حتى تحت شعارات محلية أو طائفية، يهدد وحدة البلاد، ويعرقل أي مشروع وطني جامع، ولا يمكن بناء دولة مستقرة دون احتكار شرعي للقوة، ودون مؤسسات أمنية وعسكرية موحدة، تابعة لسلطة الدولة السورية الموحدة الشاملة لكل المكونات السورية.

سوريا تحتاج إلى مقاربة وطنية شاملة، تضمن الحقوق وتحترم الخصوصيات، وترفض الفوضى والسلاح خارج إطار الدولة، هذا يتطلب حوارًا وطنيًا صادقًا، وتجاوز الخطاب الإقصائي، والاعتراف بأن المرحلة المقبلة يجب أن تكون مرحلة بناء، لا تصفية حسابات، وشراكة وطنية شاملة لكل مكونات الدولة السورية دون استثناء.

بعد أحداث السويداء..

التشاركية تتحول إلى مطلب أساسي

في ظل الأزمات المتواترة، ترى الأوساط السياسية أن سوريا اليوم تتطلب إشراك النخب والمؤهلين وممثلي المجتمعات في النهج السياسي السوري، كمحاولة إسعافية لاحتواء التوترات بين جميع السوريين.

الكاتب والباحث في الفكر السياسي الدكتور عبد الله تركماني، قال لعنب بلدي، إن السوريين عانوا من عدم تمثيل مجتمعهم التعددي، في ظل النظام “التسلطي” السابق، واستبشروا خيرًا بالتغيير، على أمل أن يلاقي النظام الجديد تطلعاتهم إلى تشاركية سياسية حقيقية، تضمن لهم مواطنيتهم الحرة والمتساوية، خلال مسار الانتقال السياسي.

وضرب أمثلة بما حصل في العديد من الدول التي انتقلت من التسلطية إلى الحرية والديمقراطية، إذ دمجت كل مكوناتها في مؤسسات الدولة، عبر التشاركية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ما قطع الطريق على بروز هوياتها الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة.

وفي سوريا، كان من المفترض، برأي تركماني، أن تكون التشاركية مدخلًا إلى وحدة التنوّع السوري، القومي والطائفي والمذهبي، باعتباره غنى وقيمة مضافة، وذلك من خلال دولة الحق والقانون والمؤسسات، التي تكفل العدالة والمساواة.

وأشار إلى أن الأحداث في الساحل والسويداء التي ولّدت تهديدًا للسلم الأهلي، يُفترض أن تنبّه قيادة المرحلة الانتقالية إلى أن الخيار الأمني في التعامل مع التنوّع السوري، سوف يؤدي إلى الكارثة، بينما الخيار السياسي عبر التشاركية، يفتح آفاق التقدم والازدهار لكل مكونات الشعب السوري.

يتصاعد الدخان من مدينة السويداء بالتزامن مع دخول قوات الأمن السورية إلى المدينة – 15 تموز 2025 (رويترز/ كرم المصري)

شبه غائبة أو مشوهة

يتفق الكاتب السياسي درويش خليفة مع رأي تركماني، إذ قال لعنب بلدي، إن التشاركية السياسية في سوريا لا تزال شبه غائبة أو مشوهة، إذ لم تتبلور بعد مؤسسات سياسية جامعة تمثل كل المكونات المجتمعية والكيانات السياسية، وحتى في المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة، تسود أنماط حكم محلية، غالبًا ما تكون أحادية أو محصورة ضمن جماعة بعينها، أو خاضعة للتجاذبات الخارجية.

وأضاف أنه بعد أحداث السويداء، التي حملت رسالة رفض للتهميش والاحتكار السياسي، فإن الحاجة للتشاركية باتت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، فهذه الأحداث كشفت عن عمق الهوة بين الناس والمنظومة الحاكمة، وعن رفض المكونات للبقاء في موقع المتفرج أو الضحية.

وحسب تعبيره، لا يمكن اعتبار ما حصل في السويداء حدثًا أمنيًا عابرًا، بل هو مؤشر واضح على أزمة سياسية أعمق، تعصف ببنية الدولة السورية الجديدة، وتظهر حجم التحديات أمام إعادة بناء الثقة بين المكونات السورية ومركز القرار في دمشق.

وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل ما لا يقل عن 814 شخصًا، وإصابة 903 آخرين، في أحداث السويداء، التي اشتعلت شرارتها في 13 من تموز بمواجهات بين فصائل السويداء المحلية وعشائر البدو، ما أدى إلى تدخل القوات الحكومية.

وتراجعت المواجهات في 24 من تموز، بعد انتهاكات على نطاق واسع من الفصائل المحلية وقوات العشائر والقوات الحكومية.

وتشمل حصيلة “الشبكة” ضحايا من المدنيين، بمن فيهم أطفال وسيدات وأفراد من الطواقم الطبية، إضافة إلى مقاتلين من مجموعات عشائرية مسلحة من البدو، وأخرى محلية من أبناء المحافظة، إلى جانب عناصر من قوى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع.

التعيينات “محتكَرة”

اعتبر الدكتور عبد الله تركماني، أن التشاركية السياسية ليست مطلب المكوّنات الأقلوية فقط، وإنما هي مسألة السوريين جميعًا، في حين أن أغلب التعيينات في مؤسسات الدولة محتكَرة من قبل ما سمي بـ”الأمانة العامة للشؤون السياسية”، التي يشرف عليها وزير الخارجية، وقد أصبحت تتصرف بصفتها حزبًا حاكمًا وحيدًا.

ولعل ما شهدته سوريا مؤخرًا من تهديد للسلم الأهلي في السويداء، يدفع قيادة المرحلة الانتقالية إلى إعادة النظر بإدارة الدولة “كغنيمة”، يستأثر بها أهل الولاء من “إخوة المنهج السلفي”، في اتجاه التشاركية السياسية والاجتماعية، وتوزيع السلطة على أساس الكفاءة والنزاهة والمواطنة المتساوية، حسب تعبير الكاتب والباحث تركماني.

انعكاسات مرهونة بالتنفيذ

السياسيون والباحثون الذين قابلتهم عنب بلدي ربطوا تعزيز شرعية السلطة الحالية، وتحقيق الانتقال السلمي، والحد من التصعيد العسكري المسلح، بالتشاركية السياسية في حال طبقتها السلطة السورية.

تركماني شرح ذلك بأن سلطة آل الأسد حولت الدولة من فضاء عام لكل المواطنين إلى فضاء خاص لأهل الولاء للسلطة الأمنية. واليوم، تتجلى أهمية تقديم رؤية سياسية أخرى لسوريا الجديدة، تتمحور حول أسئلة السياسة الرئيسة، المتمثلة بتأكيد حيادية الدولة عن الأيديولوجيات والأديان والأحزاب، باعتبارها دولة كل مكوّنات المجتمع السوري، والتعاطي مع المواطنة والحريات العامة والفردية.

“النجاح في عملية الانتقال إلى دولة الحق والقانون، يقتضي القطيعة مع ثقافة الشعارات، التي أنهكت السوريين طوال ستة عقود”، قال تركماني، مشيرًا إلى أولوية التركيز على التعاطي المجدي مع تحديات الحاضر والتخطيط للمستقبل، على أساس الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية، التي تضمنها التوافقات بين جميع التيارات الفكرية والسياسية، التي تعمل تحت سقف الوطنية السورية الجامعة.

ويرجح أن نجاح عملية التحول السياسي مرهون بتشكيل “كتلة تاريخية” واسعة من القوى السياسية العاملة، من أجل نجاح هذا الخيار. وهذا يدفع إلى القول إنه من دون معارضة وطنية حقيقية تسهم في ترشيد سلوك السلطة، وتهذب نزعات الاستبداد الكامنة فيها، وتساعدها على حماية مصالح البلد من التهديدات والتحديات الداخلية والخارجية، يغدو مصير سوريا “في مهب الريح”.

اختلاف في تحديد المطالب

يختلف السياسيون في تحديد مطالب تنفيذ عملية التشاركية السياسية، ولكنهم أجمعوا على توفير إرادة سياسية جدية، ووجود معارضة سلمية تراقب عمل السلطات، وتصوب نهجها الخاطئ.

يرى الباحث في الفكر السياسي عبد الله تركماني، أن تحديات كثيرة ستواجه سوريا في المرحلة الانتقالية، ما يتطلب تأسيس أحزاب سياسية نوعية ومختلفة، حاضنتها الاجتماعية من شابات وشباب سوريا، وبوصلتها المصالح العليا للشعب والوطن.

وفي هذا السياق، قال إنه يجدر بالمعارضة السورية بكل أطيافها، أن تبحث عن أشكال متطورة للحضور الشعبي الكثيف، خاصة من الشباب والنساء، في فعالياتها السلمية، كي تضمن استكمال عملية التحوّل المطلوب، ولعل برنامجًا تشاركيًا شاملًا يساعد على الخروج من خيارات الماضي، الذي يفتقد حرارة التواصل مع الحاضر والمستقبل، إلى خيارات المستقبل التي تفتح الأفق أمام انطلاق مبادرات كل مكوّنات الشعب السوري.

“ومن الواضح أنه يترتب على الحكومة بذل جهد أكبر للانفتاح على جميع مكوّنات الشعب السوري”، بحسب تركماني، شارحًا ذلك أنه ليس عبر البيانات والخطب، بل ضمن سياسة عملية تتخلى عن سياسة الاستحواذ، وعن الحلول الأمنية، بما يمكّن من فتح حوار وطني حقيقي، ينتج عنه تظهير قيادات حقيقية وناضجة من كل المكوّنات، لا تقتصر على القيادات التقليدية من مشايخ وزعماء عشائر وطوائف، بل تشمل الشباب والمثقفين وقوى المجتمع المدني، بما يقود إلى بناء عقد اجتماعي جديد بين السوريين.

وينعكس تنفيذ ذلك، برأيه، من خلال تعزيز هوية وطنية جامعة، توفر حصانة داخلية حقيقية، وتقطع الطريق على التدخّلات الخارجية، وفي مقدمتها الإسرائيلية.

مقالات متعلقة

  1. أنس العبدة رئيسًا للائتلاف.. وعبد الإله فهد أمينًا عامًا
  2. النظام يبيع ما تبقى من موارد الدولة بالخصخصة والتشاركية    
  3. الحل الأمني يطرق أبواب السويداء.. ما دور اللواء أكرم محمد
  4. "الائتلاف" السوري المعارض.. نادٍ سياسي مغلق

تحقيقات

المزيد من تحقيقات