زياد الرحباني ابن عاصي وفيروز

  • 2025/08/03
  • 7:03 م
خطيب بدلة

خطيب بدلة

enab_get_authors_shortcode

خطيب بدلة

لا يمكن أن يمر رحيل إنسان عبقري، كزياد الرحباني، بقليل من المبالاة. والدته، السيدة فيروز، تحتل مساحة واسعة من وجداننا، وزياد يحتل مساحة كبيرة في صوت فيروز، وتجربتها. إنه المبدع، الابن، المشاغب، الذي اضطر والدته للخروج عن لونها الهادئ، الرومانسي، الرصين، الملتزم، اللون الفيروزي الذي أسسه، وصنعه المبدعون الكبار: عاصي الرحباني، ومنصور، وإلياس، وفيلمون وهبي، ومحمد عبد الوهاب، ومحمد محسن، وسعيد عقل، والأخطل الصغير، وميشال طراد، وجوزيف حرب، وصبري الشريف.

في رسالة شخصية، من صديقي الموسيقي، سمير عازار، أخبرني أن زياد الرحباني كان شديد التأثر باللون الموسيقي الغنائي الذي أبدعه الرحابنة، ولكنه افترق عنهم، فنيًا، بعدما انطلقت الحرب الأهلية اللبنانية، تجلى ذلك في مسرحية “شي فاشل/1983″، وخاصة في مشهد “أبو الزلوف”، حينما يخاطبه قائلًا: عالمك البسيط، القائم على المحبة، والتآلف، يبدو، الآن، فاشلًا، ولك يا زلمة، مش شايف كيف الناس عم تدبح بعضها؟”.

افتراق زياد، فنيًا، عن الرحابنة، جعل له شخصية موسيقية مختلفة، وهذا، بحد ذاته، أمر عجيب.. فلو أنك تمعنت في الساحة الموسيقية المصرية، أيام زكريا أحمد، ورياض السنباطي، ومحمد عبد الوهاب، قد تصل إلى قناعة باستحالة ظهور ملحنين كبار، بوجودهم، ومع ذلك طلع لنا محمد الموجي، وكمال الطويل، وبليغ حمدي، ومن هنا تدرك أهمية ظهور زياد الرحباني، بلونه المختلف، متجاوزًا، أو متجاورًا، مع لون الرحابنة.

كان بإمكان زياد الرحباني أن يذهب بجنونه الإبداعي إلى الحد الأقصى، من خلال مطربين متميزين، مثل مروان محفوظ، وجوزيف صقر، وجاك خليل شمعون الذي غنى معه “اختلط الحابل بالنابل”، بالإضافة لأصوات سيدات يحلمن بأن يلحن لهن زياد، ولكن الأمر البديهي، والمتوقع، أن يذهب إلى ذلك الهرم الكبير، فيروز، وهو يعرف، بل يوقن، أنها لا يمكن أن تتنازل عن السوية الفنية العالية التي أسسها عاصي، وفريقه، حتى ولو كان لابنها، بكرها، حبيبها زياد، ولكن عاطفة الأمومة يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في جعلها تعد إلى العشرة قبل أن ترفض الأغاني التي يقترحها عليها زياد، وأن تتمعن فيها، وتعيد قراءتها، حتى ولو بقيت أمامها سنوات.. وهكذا حتى اقتنعت، ولأول مرة في تاريخها، بتقديم أغنيات سريعة الإيقاع، مثل جبل الشيخ، وعودك رنان، بل وأغنيات لم تدخل في قاموسها السابق قط، مثل: واحد عم ياكل خس، وواحد عم ياكل تين، وعَبَّق وداخت مرته، وكان غير شكل الزيتون، وكيفك إنته (ملا إنته)..

أسترسل، هنا، لأقول إن زياد الرحباني لم يكن مجرد ملحن مولع بالجاز، والموسيقا الغربية. إنه تلميذ نجيب في مدرسة الأخوين الرحباني، اللذين كانا، مثله، مولعين بالتجريب، وبأبي خليل القباني، والسيد درويش، ما يعني أن أساسه الموسيقي متين جدًا، ولذلك تجد الألحان الشرقية، الطربية، تطل برأسها من خلال أغنياته كلها، فمثلًا، خلال أغنية “يا نور عيني”، ذات جرعة التطريب العالية، يقول: قبل ما جيت، يا عفريت، كنا نغني، عالقراصية، وفجأة ينطلق أحدهم بالشدو بأغنية صباح فخري: القراصية منين منين، اللي اشتروها بدمع العين!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي