مناورات إقليمية ورسائل دولية

  • 2025/08/03
  • 8:39 م
لمى قنوت

لمى قنوت

enab_get_authors_shortcode

لمى قنوت ورهام قنوت رفاعي

على الرغم من التهدئة النسبية في السويداء، فإن الكارثة الوطنية والإنسانية ما زالت مستمرة عبر الحصار، الذي وإن لم يكن ظاهرًا بحلة عسكرية كلاسيكية، إلا أنه واقع اقتصادي واجتماعي معاش لسكان المحافظة، يحمل في طياته مآلات سياسية وعواقب جديدة من تراكم المظالم وتعمق الصدع المجتمعي. وفي ظل إخضاع السكان بالعنف، والغياب التام للشفافية والتشاركية وآليات كشف الحقيقة والمساءلة، وسعي السلطة الحالية لإيجاد حلول لأزماتها السياسية الداخلية عبر الحوار والتعاون والتفاوض على الشأن السوري الداخلي مع جهات خارجية إقليمية ودولية، يتجلى مجددًا حجم تدويل الشأن السوري الذي ورثته السلطة الجديدة عن النظام البائد، والذي لا تزال عالقة في دوامة ديناميكياته، وتعيد إنتاجه عبر تعنتها في طرائقها وانغلاقها على ذاتها، بدلًا من الانفتاح ودعم الحوار السوري- السوري الحقيقي.

ومن خلال النظر في نبرة الخطابات العامة وأدوات الضغط العلنية قبل أحداث السويداء، وخلال ذروة الاشتباكات والانتهاكات، وبعدها، التي استخدمتها وتستخدمها جهات خارجية تؤثر اليوم على وفي الشأن السوري نجد ثباتًا في موقف أنقرة، وبراغماتية من قبل موسكو، ورسائل مزدوجة من واشنطن، وتذبذبات في الخطاب الرسمي لتل أبيب بالرغم من استمرار سلوكها العدواني وتوسيع احتلالها، واستمرار منابرها الإعلامية الرسمية وغير الرسمية بالتحريض الطائفي في سوريا.

صرح أردوغان، في 17 من تموز الماضي، ما يلي: “لم نوافق على تفتيت سوريا بالأمس، ولن نوافق على ذلك اليوم أو غدًا”. مركز الأبحاث “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” في واشنطن، وهو مركز يحظى بتمويل كبير من مانحين جمهوريين ومؤسسات مرتبطة بـ”اللوبي الإسرائيلي” بناء على تحقيق أصدرته جامعة “باث” في المملكة المتحدة، اعتبر تصريح أردوغان تصعيدًا في خطاب أنقرة تجاه تل أبيب وتهديدًا لـ”شريك الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب (قوات سوريا الديمقراطية)”، وخصوصًا بعد إعلان وزارة الدفاع التركية، في 23 من تموز، عزمها على توفير التدريب والاستشارات والدعم الفني لزيادة القدرة الدفاعية السورية، عقب طلب السلطة رسميًا من تركيا مساعدتها في “تعزيز الدفاع ومكافحة الإرهاب”، وشدد المركز في توصياته للإدارة الأمريكية على أهمية الضغط على أنقرة لعدم التدخل عسكريًا، ووقف جميع محاولاتها لإشعال الصراع مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وأن على واشنطن أن توضح لأنقرة أنه لا يمكنها نشر قواتها أو السيطرة على قواعد عسكرية في وسط وجنوبي سوريا، لأنه سيؤدي إلى “مزيد من الدمار وعدم الاستقرار في سوريا”.

على الرغم من الاتفاق الأمريكي- الإسرائيلي على الأهداف طويلة الأمد في ضمان أمن واستقرار إسرائيل، وثبات دعم الإبادة في غزة، فإنه ومنذ إسقاط النظام السابق، ظهر تباين في التعاطي مع الملف السوري بين واشنطن وتل أبيب، ليس فقط على مستوى الممارسة بل حتى في لهجة الخطاب العام، كتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، في آذار الماضي، الحادة اللهجة ضد السلطة الجديدة، في مقابل تصريحات التريث ومراقبة الوضع السوري من قبل الإدارة الأمريكية، إلى جانب انفتاح ترامب على الشرع في إطار القمة الخليجية- الأمريكية في 14 من أيار الماضي، وإعلان نيته رفع العقوبات عن سوريا، وإعجابه بشخصه.

وقد يكون مناخ الانفتاح وتعويم السلطة الجديدة، والمحادثات بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين في أواخر أيار الماضي، أثمرا في إعلان مسؤول إسرائيلي أن إسرائيل لا تدعم أي فصيل داخل سوريا (أي أنها كانت تعتبر السلطة فصيلًا من فصائل الأمر الواقع في سوريا)، لكنها بدأت تعتبر الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع السلطة السيادية في البلاد، وأضاف المسؤول أن إسرائيل أبلغت “الطائفة الدرزية” في سوريا أنها لن تقبل أي أذى يلحق بها، وشجعتها على التعامل مباشرة مع الإدارة الجديدة.

غير أن هذا التباين وهذه التذبذبات هي جزء من عملية مد وجذر لم تفهمها السلطة الجديدة في سوريا بشكل كافٍ، إذ إن اختيار واشنطن لعب الدور الدبلوماسي وبدء المحادثات بين دمشق وتل أبيب، لا يتعارض بالضرورة أو يحد من تنفيذ الاحتلال لـ”خطة درع إبراهيم” عسكريًا في الجنوب السوري، كمنطقة منزوعة من سلاح الدولة وأي سلاح لجهة أو فصيل عسكري لا تعتبره حليفًا، تمهيدًا لإدارة الجنوب ومناطق أخرى من المنطقة عبر نموذج هيمنة معزز بتكنولوجيا رقابة رقمية متقدمة، تحتفظ من خلاله إسرائيل بحرية مطلقة في التصرف العسكري لضرب أي تحرك تعتبره عدائي تجاهها سواء كان حقيقيًا أم لديها شكوك حوله.

ومع إدراك السلطة الجديدة بأن المناخ السياسي الغربي ما بعد مجازر السويداء لن يكون كما قبلها، اتجهت إلى موسكو كمحاولة لتخفيف الصراع الجيوسياسي حول سوريا، وإيجاد منافذ لها في مجلس الأمن، الأمر الذي تلقفته روسيا بانفتاح وترحيب كبيرين، فهي تعتبر سوريا ساحة نفوذ حيوية في منطقة صراعات دولية، ورغم إدراك الطرفين التكلفة الدموية الباهظة التي سببها الدعم الروسي للنظام البائد، وصعوبة تسويق دور روسي جديد عند شريحة واسعة من الشعب السوري، فإنهما قررا بدء مرحلة جديدة  قائمة على مصالح مشتركة، وخاصة مع تصاعد التوترات بين موسكو وواشنطن، واقتراب موعد المهلة الذي حددها ترامب لبوتين حول موقفه من السلام مع أوكرانيا، وتبادل التهديدات بين ترامب وميدفيديف، والتي نجم عنها نشر غواصتين نوويتين أمريكيتين.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي