يعاني مرضى السكري في مدينتي رأس العين وتل أبيض، شمالي سوريا، من أزمة حادة في تأمين دواء الأنسولين، وسط غياب الدعم من الجهات المانحة وارتفاع أسعار الدواء المستورد من تركيا ومن مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ما يضع المرضى أمام خيارات محدودة لا تخلو من مخاطر صحية.
وقال عدد من المرضى لعنب بلدي إنهم يواجهون صعوبة متزايدة في تأمين احتياجاتهم اليومية من “الأنسولين”، خاصة بعد توقف بعض المنظمات الصحية عن تقديم هذا النوع من الأدوية الحيوية منذ ما يقارب ستة أشهر، دون وجود بدائل كافية في المراكز الطبية العاملة بالمنطقة.
لا قدرة على الشراء
منذ توقف توزيع الدواء مجانًا من قبل المنظمات العاملة في منطقتي رأس العين وتل أبيض، يضطر المرضى، ومعظمهم من العاطلين عن العمل، إلى شرائه من تركيا بسعر 2000 ليرة تركية للعلبة (نحو 50 دولارًا) والتي تكفي لعشرين يومًا فقط، وهو مبلغ يفوق قدرة الغالبية منهم على تحمله.
أُصيب محمد المعلول، 41 عامًا من مدينة تل أبيض، بمرض السكري من النوع الأول في عام 2024 وهو النوع الذي يتطلب حقنتين من الأنسولين يوميًا.
وكان محمد يحصل على الدواء بشكل منتظم من “المستشفى الوطني” في تل أبيض، حيث كانت الكميات تُوزّع بشكل ثابت شهريًا على المرضى إلا أن المشفى بدأ بتقليص الكميات منذ كانون الأول 2024.
وتوقّف توزيع الدواء بشكل كامل منذ منتصف شباط 2025، نتيجة انخفاض الدعم المقدم للمستشفى.
وقصد محمد عددًا من المنظمات في تل أبيض بحثًا عن الأنسولين، لكنه لم يتمكن من الحصول عليه مجانًا.
كما اضطر لشراء دفعة من مدينة الرقة، التي تسيطر عليها “قسد” ليتبيّن لاحقًا أنها فاسدة ومنتهية الصلاحية، ما دفعه في النهاية لشراء الدواء من تركيا لضمان جودته.
وأشار إلى أنه لا يملك القدرة على شراء دواء الأنسولين شهريًا، ما اضطره إلى تقليل الجرعة اليومية من حقنتين إلى واحدة، مما أدى إلى تدهور حالته الصحية.
من جانبها، توقفت سمر الزيدو، 38 عامًا من مدينة رأس العين، عن استلام جرعات الأنسولين الشهرية من قبل منظمة “سامز” (الجمعية الطبية السورية الأمريكية) منذ منتصف شهر شباط لعام 2025 وذلك بعد انخفاض الدعم المقدم للمنظمة.
لجأت سمر إلى عدة منظمات إنسانية والمشفى الوطني في رأس العين، لكنها لم تحصل على أي جرعة بسبب انقطاع الدواء بشكل كامل عن المنطقة.
وأوضحت أنها اضطرت للاستدانة من أخيها لشراء دواء الأنسولين من تركيا، كما قلّلت من الكميات مقارنة بالسابق بسبب عدم قدرتها على تحمل التكلفة الكاملة للدواء.
وطالبت المنظمات الإنسانية و”المشفى الوطني” في رأس العين بتأمين دواء الأنسولين للمرضى.
وسجلت في رأس العين وتل أبيض أكثر من 18 حالة وفاة بين مرضى السكري منذ بداية نقص دعم المرضى بالأنسولين، نتيجة تدهور حالتهم الصحية وعجزهم عن تأمين الدواء اللازم.
مرضى بلا علاج
عبدالله الزراد، إداري في مشفى “تل أبيض”، قال لعنب بلدي، إن انقطاع جرعات الإنسولين عن مرضى السكري أدى إلى تدهور حالتهم الصحية بشكل كبير.
وأوضح أن المشفى لا تحتوي سوى على كميات محدودة مخصصة فقط لحالات العناية المشددة، ولا تكفي لأكثر من ثلاثة مرضى، في حين كان يتم سابقًا توزيع نحو 30 عبوة إنسولين يوميًا تكفي المرضى لمدة عشرين يومًا.
وأضاف أن بعض المرضى باتوا يراجعون المشفى بحالات إسعافية نتيجة الاضطرار لتقليل الجرعة أو التوقف عن استخدامها كليًا بسبب عدم توفرها.
وأشار الزراد إلى أن غالبية المرضى كانوا يعتمدون على الدعم المقدم من الجهات الإنسانية، ومع توقف هذا الدعم، بات الوضع مقلقًا ويهدد حياة العديد من المصابين، خاصة من كبار السن والأطفال المصابين بالنوع الأول من السكري.
من جانبه، قال بشار إسماعيل، مدير مركز مختلة الطبي في رأس العين، والمدعوم من الجمعية الطبية السورية- الأمريكية (سامز) لعنب بلدي إن المركز كان الجهة الرئيسية التي توفّر دواء الأنسولين للمرضى في رأس العين بشكل منتظم ومجاني.
وأوضح أن المركز كان يستقبل عشرات المرضى شهريًا، ويزوّدهم بالدواء وفق وصفات طبية معتمدة، ما أسهم في استقرار حالتهم الصحية.
وأضاف أن كميات الأنسولين بدأت تتناقص تدريجيًا منذ بداية العام الحالي، حتى انقطع الدواء بشكل كامل، ما ترك المرضى يواجهون صعوبة في تأمينه وسط أوضاعهم المعيشية الصعبة.
وأشار إلى أن إدارة المركز رفعت عدة تقارير إلى الجهات الداعمة، تطالب فيها بإعادة توفير الأنسولين بشكل عاجل، أملًا في أن تلقى تلك النداءات استجابة قريبة.
ويواجه مستشفيا “رأس العين” و”تل أبيض”، المرفقان الرئيسيان للرعاية الصحية في المنطقتين، تحديات كبيرة تتمثل في ضعف الكوادر الطبية ونقص بعض التخصصات، إضافة إلى الضغط الشديد على خدماتهما.
وبالمقارنة مع مناطق شمالي حلب، تعاني المدينتان من نقص حاد في الدعم، وتعيشان حالة أشبه بـ”الحصار والعزلة”، ما يعرقل جهود تأمين الدعم اللازم للقطاع الطبي وتطوير خدماته.
كما يلجأ معظم السكان في رأس العين وتل أبيض إلى الصيدلية مباشرة لتشخيص بعض الأمراض، والحصول على أدوية تقلل من حجم الألم وتساعد في العلاج، رغم مخاطرها المتمثلة بعدم التشخيص الصحيح، وعدم منح الدواء المناسب.