بين بساتين القصير بريف حمص الغربي ومخيمات عرسال، ثم جدران سجن رومية، تنقّل أسامة محمود الجاعور (1985- 2025) عبر محطات الثورة والاعتقال والنزوح. أربعون عامًا انتهت في قسم الأمراض العقلية داخل السجن، حيث توفي بعيدًا عن عائلته في 14 من آب 2025.
من القصير إلى الجبهات
قال جار أسامة الجاعور، زهير حوراني، لعنب بلدي، إنه كان “شابًا خلوقًا، يحب أسرته وأصدقاءه وجيرانه، ويخدم الناس دون تردد”. عمل مع والده في محل للخضار وساعده في الزراعة، ثم شارك في المظاهرات الأولى في مدينته عام 2011.
بعد أشهر من الاحتجاجات السلمية، حمل السلاح مع مجموعة من أبناء القصير، وشارك في معارك متفرقة ضد قوات النظام السوري و”حزب الله” اللبناني حتى سقوط المدينة، بيد القوات المهاجمة.
انتقل بعدها عبر البساتين إلى يبرود، ومنها إلى القلمون، قبل أن ينزح إلى عرسال اللبنانية بسبب الحصار.
تقع مدينة القصير قرب الحدود اللبنانية، وكانت من أوائل المناطق التي شاركت في المظاهرات ضد النظام السوري السابق في 2011. تحولت لاحقًا إلى ساحة معارك بين فصائل المعارضة المسلحة وقوات نظام الأسد المدعومة بـ”حزب الله”.
في حزيران 2013، سيطرت القوات المهاجمة على القصير بعد معارك عنيفة أدت إلى نزوح معظم سكانها نحو لبنان أو مناطق سورية أخرى.
منذ ذلك الحين، مُنع عدد كبير من الأهالي من العودة إلى منازلهم بسبب الدمار الواسع والإجراءات الأمنية، وذلك حتى سقوط نظام الأسد، في 8 كانون الأول 2024.
الاعتقال والتدهور الصحي
في عرسال، اعتقل أسامة الجاعور خلال حملة أمنية استهدفت المخيمات. وأوضح جاره زهير الحوراني أن التعذيب تسبب للجاعور بإصابات عصبية نتج عنها شلل جزئي في قدميه ورجفة في يديه، ما جعله بحاجة إلى مساعدة في حياته اليومية.
منظمات حقوقية، بينها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، وثقت وفيات لمعتقلين سوريين في السجون اللبنانية بسبب الإهمال الطبي، إضافة إلى أمراض مزمنة لم يُتعامل معها بشكل مناسب.
كما سجلت الشبكة خروقات للاتفاقية القضائية لعام 1951 بين لبنان وسوريا، شملت تسليم معتقلين سوريين إلى حكومة النظام السوري السابق، ما أدى إلى اختفائهم قسريًا أو تعرضهم للتعذيب والإعدام خارج القضاء.
المحاكمة والحكم
بحسب الحوراني، “حُكم على الجاعور بالإعدام بتهمة قتل ثلاثة جنود لبنانيين، رغم تأكيد شهود وجوده في مخيمات عرسال وقت الحادثة”.
لاحقًا خُفف الحكم إلى السجن المؤبد بعد جهود قانونية، لكن حالته الصحية تدهورت.
نُقل إلى قسم الأمراض النفسية والعقلية في سجن رومية، حيث استمر تدهوره حتى وفاته.
معاناة العائلة
كان شقيقه نور يزوره من طرابلس كل ستة أشهر. حاول جمع المال لتوكيل محامية، لكنه توفي قبل أن يكتمل المبلغ، “قهرًا على أخيه المعتقل”، وفق الحوراني.
نجحت المحامية لاحقًا في تخفيف الحكم، لكن وضع أسامة الصحي كان قد انهار.
في 15 من آب 2025، نُقل جثمانه عبر معبر جوسيه الحدودي ودُفن في مسقط رأسه. وعند مرور الجثمان بجانب كنيسة القصير، دقت الأجراس في مشهد جسّد وحدة الألم بين أبناء المدينة.
وبعد وفاة الجاعور، انتشرت تسجيلات مصورة من داخل السجن تظهر هتافات وتكبيرات من معتقلين سوريين تعبيرًا عن الغضب.
رومية.. السجن الأكبر في لبنان
يقع سجن رومية شمال شرقي بيروت، ويُعد الأكبر في لبنان. يضم أكثر من 4000 نزيل رغم أن طاقته الاستيعابية لا تتجاوز 1200، ما يسبب اكتظاظًا وسوء خدمات.
ويعاني معتقلون سوريون فيه من نقص الرعاية الصحية وسوء التغذية وتأخر المحاكمات. وخلال العامين الماضيين، نفذ سوريون عدة إضرابات عن الطعام احتجاجًا على الأوضاع وظروف الاحتجاز.