سوريا ولبنان.. مرحلة جديدة بعد قرارَي نزع سلاح “حزب الله” وترسيم الحدود

  • 2025/08/18
  • 12:07 م
لم تعد العلاقة بين سوريا ولبنان مبنية على قرار سياسي بل أصبحت متشابكة بحسابات إقليمية ودولية - 4 آذار 2025 (رئاسة الجمهورية السورية)

لم تعد العلاقة بين سوريا ولبنان مبنية على قرار سياسي بل أصبحت متشابكة بحسابات إقليمية ودولية - 4 آذار 2025 (رئاسة الجمهورية السورية)

enab_get_authors_shortcode

عنب بلدي ـ عمر علاء الدين

يأخذ قرار الحكومة اللبنانية بالتصديق على الورقة التي قدمها المبعوث الأمريكي، توماس براك، في 19 من حزيران الماضي، بنزع سلاح “حزب الله” اللبناني، بعدًا إقليميًا ودوليًا، باعتباره مرتبطًا بنشاط الحزب وارتباطاته الخارجية، إضافة إلى أن الورقة تحمل مبادرة أمريكية لترسيم الحدود بشكل كامل مع سوريا وإنهاء ملفات عدة.

وترتبط ورقة براك بشكل مباشر بالوضع في سوريا، حيث تتضمن في أحد بنودها “ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا بشكل واضح ودائم”، بحسب النص الحرفي الذي نشرته مجلة “المجلة” في 8 من آب الحالي.

وجاء في أحد بنود المرحلة الثانية من الورقة أنه “ينبغي للولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة تسهيل عملية ترسيم الحدود في منطقة مزارع شبعا، على أن يُستكمل الترسيم في المرحلة الرابعة”.

مضمون الورقة وموقع سوريا فيها

بحسب ما جاء في الورقة، فإن أحد الحوافز الدبلوماسية التي تقدمها الورقة للمسار اللبناني- السوري، “تخفيف مشروط للعقوبات الأمريكية، وتقديم حوافز اقتصادية مقابل نجاح عملية الترسيم”.

الفصل الثاني من الورقة، تضمن مبادرة لترسيم وتحديد الحدود البرية والبحرية بين سوريا ولبنان والمناطق الاقتصادية الخالصة للدولتين.

ومن القضايا الرئيسة التي تناقشها الورقة، “غياب اتفاق رسمي بشأن الحدود الدولية بين البلدين”، و”الغموض في الحدود العقارية والإدارية داخل القرى الحدودية”، إضافة إلى “التردد السوري في الانخراط بعملية الترسيم دون الحصول على تنازلات إقليمية مقابلة”، بحسب نص الورقة.

ويتطلب ترسيم الحدود اللبنانية- السورية، بحسب المبادرة المقدّمة، إعادة فتح النقاشات حول عدد من المحاور التي وُصفت بـ”الحيوية” وهي:

  • محور الهرمل- القصير: يجب أن يعكس الترسيم حدود السيطرة الإدارية اللبنانية كما كانت قائمة قبل عام 1975، لا سيما في المناطق الواقعة غرب نهر العاصي. كما ينبغي فصل السيطرة السورية على منطقة القصير عن أي تأثير عابر للحدود في منطقة الهرمل.
  • حدود عرسال- القلمون: إعادة تثبيت الحدود العقارية التاريخية للبنان في محيط بلدة عرسال، استنادًا إلى خرائط الانتداب الفرنسي لعام 1933، وسندات الملكية الصادرة بعد الاستقلال.
  • قطاع وادي خالد: ترسيم حدود واضحة باستخدام المسوحات الطوبوغرافية المشتركة التي أُجريت في خمسينيات القرن الماضي بين لبنان وسوريا، مع إدراج آلية لإدارة مشتركة لحوض المياه.
  • سلسلة جبال لبنان الشرقية: يجب أن يُعتمد خط الجبال الفاصل الرئيس كمعلم لترسيم الحدود، على أن تقوم فرق المسح الفني التابعة للأمم المتحدة بتأكيد سيادة كل دولة على مرتفعاتها الرئيسة.

أما فيما يتعلق بالحدود البرية، فيُفترض أن تُجرى عملية التحقق من هذه القطاعات المرسّمة بشكل مشترك بين الفرق اللبنانية والسورية، وبمساندة من الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة العربية السعودية، والأمم المتحدة.

وبشأن الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، فيجب ترسيمها بدعم وتيسير من الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة العربية السعودية، والأمم المتحدة، وفق ما جاءت به الورقة التي قدمها براك.

وقدمت المبادرة عدة توصيات منها:

  • بدء المفاوضات لترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وسوريا بالتزامن مع تنفيذ المرحلة الأولى من الفصل الأول من هذه المذكرة، والانتهاء منها مع اختتام المرحلة الرابعة (خطة نوع السلاح خارج الدولة).
  • تشكيل لجنة ثلاثية (لبنان، سوريا، خبراء خرائط من الأمم المتحدة) لتتولى عملية الترسيم الكامل للحدود البرية والبحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، بمساعدة الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة العربية السعودية، والأمم المتحدة.
  • نشر وحدات من الجيش اللبناني وفقًا لخطة تنظمها قيادته، لضمان الترسيم الميداني الفعلي.
  • ربط مراحل الترسيم بخطوات تدريجية للتطبيع الاقتصادي بين بيروت ودمشق
  • تمويل بناء أبراج مراقبة على طول الحدود البرية، وإنشاء مراكز حدودية تابعة للأمن العام والجمارك.
  • تنظيم عودة النازحين السوريين إلى ديارهم.
  • المساعدة في تسريع عملية إعادة الأسرى السوريين من لبنان إلى سوريا، ومعالجة ملف اللبنانيين المفقودين في سوريا.
  • تمارس الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ضغوطًا على الحكومة السورية لضمان التزامها الكامل بتنفيذ هذه المذكرة.

أما بالنسبة لـ”الحوافز الدبلوماسية”، فهي الارتباط المشروط لتخفيف إضافي للعقوبات الأمريكية على سوريا بإتمام عملية الترسيم، إضافة إلى التزام الأطراف المانحة الدولية والصناديق العربية بدعم مشاريع التنمية الاقتصادية الريفية وغيرها من المشاريع في المناطق التي يتم ترسيمها، استنادًا إلى دراسة شاملة لإعادة الإنعاش الاقتصادي تُعدّها الحكومة اللبنانية.

كيف تنظر دمشق إلى الورقة

تنظر سوريا بـ”إيجابية” للملفات التي تخصها، وكانت تسعى طوال الأشهر الثمانية الماضية إلى ترسيم الحدود ومنع الاعتداءات التي يقوم بها “حزب الله” على الحدود، بحسب المحلل السياسي السوري حسام طالب.

كما أن دمشق، وفق ما قاله حسام طالب في حديث إلى عنب بلدي، تنظر بإيجابية إلى هذه الورقة (ورقة براك)، ودائمًا ما كانت تطلب من الجيش اللبناني الانتشار على الحدود ومنع وصول “حزب الله” إلى الحدود، لأنه يقوم دائمًا باعتداءات ومحاولة التدخل في سوريا.

وبالنسبة لما ورد في الورقة حيال “تردد سوريا في الانخراط بعملية الترسيم دون الحصول على تنازلات إقليمية مقابلة”، يعتقد طالب أن سوريا لا تتردد في موضوع ترسيم الحدود، بل من يتردد هو “الواقع في لبنان الذي يفرض على الحكومة اللبنانية عدم تطبيق التزاماتها مع الدولة السورية”.

ويرى المحلل السياسي السوري أن ممارسة أمريكا أو السعودية الضغط على سوريا للالتزام بهذا الأمر هو غير دقيق، لأن المشكلة ليست عند سوريا بل هي في لبنان.

وأشار طالب إلى زيارة رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، إلى سوريا في نيسان الماضي، والاتفاق على ترسيم الحدود ومن ثم مبادرة دمشق بنشر الجيش السوري على الحدود وتصديها لخروقات “حزب الله” أو العشائر الموالية له كآل جعفر أو آل بري، إلا أن لبنان لم يلتزم بهذا كما لم يلتزم بإخراج المعتقلين السياسيين في لبنان، الذين اعتقلوا لأسباب تتعلق بالنظام السابق.

وقال طالب، إن سوريا اعترضت على مماطلة لبنان، وتدخلت السعودية لعقد اجتماع بين وزيري الدفاع السوري واللبناني والرياض، لإعادة تفعيل ورقة التفاهم وما زال لبنان يماطل بها، معتبرًا أن سوريا ملتزمة بما اتفقت عليه مع لبنان ولا مشكلة لديها بتطبيقه طالما أن الطرف الآخر سيطبقه.

في المقابل، يرى الكاتب والصحفي اللبناني زياد علوش، أن الأساس في الموضوع السوري- اللبناني، هو “القرار السياسي بشكل العلاقة بين سوريا ولبنان”.

وفي حديث إلى عنب بلدي، اعتبر علوش أن الأمور التقنية مثل الحدود والتهريب والسجناء السوريين في لبنان، والمختفين اللبنانيين في سوريا خلال الفترة السابقة، وودائع السوريين في المصارف اللبنانية، هي “تفاصيل”، إذا ما اتخذ قرار سياسي بين البلدين بتشكيل علاقة استراتيجية يكون فيها “التقاطع وليس التعارض”.

وقال علوش، إن “النظام السوري الجديد”، على الرغم من المشكلات سواء في السويداء أو مع “قسد”، فإن هناك فيه من يتخذ القرار، وقد عبر الرئيس الشرع والمسؤولون السوريون أكثر من مرة عن أن تكون العلاقة مع لبنان من دولة لدولة، لكن علوش يرى أن شكل العلاقة وإن كان قرارًا سياسيًا فإنه لم يعد يختص بين دولتين، بل دخل مسارات إقليمية متشابكة.

سوريا غير مهتمة بنزع سلاح “الحزب”

لم تخرج عن الحكومة السورية أي تصريحات تتعلق بنزع سلاح “حزب الله” في الآونة الأخيرة، وهو ما عزاه المحلل السياسي حسام طالب، إلى أن سوريا “غير مهتمة ولا تتدخل بشؤون الدول الأخرى”.

لكن أثر نزع سلاح “حزب الله” سيكون إيجابيًا، وفق رؤية طالب، وسيسهم بتطور العلاقة بين وسوريا ولبنان، أما إذا بقي “الحزب” والعشائر الموالية له على الحدود تنتهك السيادة السورية، فسيؤثر على العلاقة سلبًا.

زياد علوش، الكاتب الصحفي اللبناني، يعتقد أن نجاح مسار الحكومة اللبنانية بنزع سلاح “حزب الله”، وبسط سيطرتها على كامل التراب اللبناني، يعني أن لبنان متقاطع مع المسار الذي سلكته سوريا والذي ستكون له نتائج مهمة أبرزها في الاقتصاد الأمن، فسوريا موعودة بورشة إعمار، كما قال علوش، كما لبنان كذلك في حال تمام المسار، ولا بد أن يكون للبنان دور مهم في سوريا والعكس بالعكس.

أما في حال تعطل هذا المسار (نزع سلاح الحزب)، وكان القرار اللبناني ملتبسًا فـ”هذا يقودنا بالاستنتاج إلى أن القرار السوري في مكان والقرار اللبناني في مكان، وهذا ما قد يعقد الأمور أكثر”، وفق الكاتب اللبناني، الذي يرى أن الأمور تسير بشكل إيجابي.

وعن تداعيات تطبيق ورقة براك على العلاقة بين سوريا ولبنان، يرى علوش أن القراءة الجديدة بين سوريا ولبنان لم تبدأ بعد بشكل فعلي، وهي تنتظر قدرة الحكومة اللبنانية على تنفيذ ما تعهدت به ببسط سلطتها الكلّية على الأرض اللبنانية.

وأضاف أن الدولة السورية حددت وجهتها الإقليمية والدولية واتخذت قرارها، وهي بانتظار الشريك اللبناني وفق الرؤية والمشروع العربي بعيدًا عن “الهلال الشيعي” و”ممر داوود”.

ويعبر مصطلح “الهلال الشيعي” عن مناطق نفوذ إيران في العراق وسوريا ولبنان، وتعد سوريا إحدى أهم ركائزه، بحسب تقرير لمركز ” جسور للدراسات”، إلا أنه انتهى بسقوط نظام الأسد.

ماذا جرى في لبنان

أثير النقاش بشأن نزع سلاح “حزب الله” منذ أن انقلب ميزان القوى في لبنان، بسبب الحرب مع إسرائيل العام الماضي، والإطاحة بحليف “حزب الله” في سوريا، بشار الأسد.

ويعتبر الحزب أقوى الجماعات العسكرية التي تدعمها إيران في المنطقة، ولكن خطوط إمداده إلى إيران عبر سوريا انقطعت بعد الإطاحة بالأسد في 8 من كانون الأول 2024.

الحكومة اللبنانية صدّقت، في 7 من آب الحالي، على ورقة المبعوث الأمريكي، توماس براك، التي نصت على حصرية السلاح وبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها وضمان استدامة وقف الأعمال العدائية وإنهاء الوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، بما فيها “حزب الله”، على كامل الأراضي اللبنانية، وانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس، وتسوية القضايا الحدودية وقضايا الأسرى بالطرق الدبلوماسية من خلال مفاوضات غير مباشرة.

وتشمل الورقة، “إنهاء الوجود المسلح لجميع الجهات غير التابعة للدولة بشكل تدريجي، بما في ذلك (حزب الله)، في جميع الأرجاء اللبنانية، شمال وجنوب نهر الليطاني، وتقديم الدعم اللازم للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي”.

 “حزب الله” أعلن أنه سيتعامل مع قرار الحكومة اللبنانية بتجريده من سلاحه “كأنه غير موجود”، متهمًا إياها بارتكاب “خطيئة كبرى” في اتخاذ قرار يجرّد لبنان من سلاح مقاومة العدو الإسرائيلي”، معتبرًا في بيان أن “ما قررته الحكومة هو جزء من استراتيجية الاستسلام، وإسقاط صريح لمقومات سيادة لبنان”.

مقالات متعلقة

  1. مزارع شبعا.. لعبة الأسد و"حزب الله"
  2. موجة "التطبيع" تخيّم على سوريا ولبنان
  3. هل أوقف اتفاق "الترسيم" مع لبنان ضربات إسرائيل في سوريا
  4. "حزب الله" يفصل بين التطبيع مع إسرائيل وترسيم الحدود

سوريا

المزيد من سوريا