حول تقرير لجنة التحقيق الدولية عن العنف في الساحل

  • 2025/08/18
  • 8:19 ص
لمى قنوت

لمى قنوت

enab_get_authors_shortcode

لمى قنوت

صدر عن “لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية”، التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2011، تقرير حول الانتهاكات ضد المدنيين، نساء ورجالًا، في الساحل السوري بالفترة من كانون الثاني وحتى آذار 2025، حددت فيه بأن العنف الذي اندلع في المناطق الساحلية في آذار 2025، كان نزاعًا مسلحًا غير دولي بين الحكومة المؤقتة والقوات الموالية للنظام السابق، الأمر الذي يعني بأن القانون الإنساني الدولي ينطبق عليه، وبنفس الوقت، فإن القانون الدولي الإنساني يظل ساريًا، بالإضافة إلى التزامات تقع على سوريا، والحكومة المؤقتة وفق التزاماتها التعاهدية، والقانون الدولي العرفي، والمعترف به في المادة “12” من الإعلان الدستوري.

تطرق التقرير إلى حجم التعاون بين لجنة التحقيق الدولية والسلطة المؤقتة، فقد يسرت الأخيرة وصول بعثة لجنة التحقيق إلى المناطق الساحلية في حزيران الماضي، وقابلت مسؤولين رسميين محليين وقادة الأمن والشهود وعائلات الضحايا، وزارت البعثة العديد من المواقع والأماكن التي شهدت الانتهاكات بالإضافة إلى ثلاثة مواقع دفن جماعي.

وفي 19 من أيار الماضي، طلبت اللجنة من السلطة المؤقتة معلومات حول حوادث قيد التحقيق، وفي 23 من حزيران الماضي، تبادلت معها النتائج الأولية للتحقيق من أجل سد الثغرات في المعلومات، والتحديات التي تواجهها السلطة لمنع الانتهاكات واحتوائها وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة، ثم شاركت اللجنة الدولية جزءًا كبيرًا من التقرير مع السلطة ولجنة التحقيق الوطنية التي شكلها الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في 9 من آذار الماضي. كما اجتمعت لجنة التحقيق الدولية مع اللجنة الوطنية في آذار من أجل “تبادل الخبرات حول الممارسات الجيدة للتحقيق المستقل”، وتكرر الاجتماع بينهما في حزيران لمناقشة النتائج الأولية لتقرير اللجنة الوطنية.

أشارت اللجنة الدولية إلى أنها لم تجد أي دليل على “وجود سياسة حكومية محددة أو خطة لشن هذه الهجمات”، لكن القتل والانتهاكات “اتبعت نمطًا منهجيًا” في عدة مواقع واسعة الانتشار، واستنتجت بأن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن أفرادًا من فصائل قوات الأمن التابعة لها، وبضمنها قوات الأمن العام، و”الفرقة 62″ المسماة سابقًا “لواء السلطان سليمان شاه” (المعروفة باسم العمشات)، و”الفرقة 67″ المعروفة بفرقة أو فصيل “الحمزة”، و”أحرار الشام”، و”الفرقة 400″ (وتتكون من ألوية سابقة تابعة لهيئة تحرير الشام سابقًا)، بالإضافة إلى أفراد عاديين ارتكبوا أفعالًا ترقى إلى انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، وبضمنها أفعال ترقى إلى جرائم حرب، فضلًا عن انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان.

وتناول التقرير بشكل مفصل، الانتهاكات الجسيمة التي استهدفت المجتمعات العلوية بدءًا من كانون الثاني الماضي، وبضمنها سلسلة المجازر التي وقعت في آذار، كما حوى التقرير سردًا عن الجرائم التي ارتكبها ما يُعرف بفلول النظام، وأفاد التقرير بأن الانتهاكات والجرائم على أرض الواقع أكبر من الواردة فيه، وبأن لجنة التحقق الدولية ما زالت تحقق في حوادث تمت في كل من حمص واللاذقية وطرطوس، وأن الهجمات الانتقامية تجاه المجتمعات العلوية ما زالت مستمرة، وعممت مناخًا من الخوف وانعدام الأمان بين عموم السوريين والسوريات في جميع الأراضي السورية.

وفي هذا الإطار، يمكن تسجيل بعض الملاحظات:

من الواضح أن العفو العام الذي أطلقته قيادة العمليات العسكرية عن جميع الجنود السوريين المجندين في الجيش السابق في 9 من كانون الأول 2024، بهدف حقن الدماء، دون استتباعه مباشرة في بناء مسار للعدالة الانتقالية، والاستعانة بمؤسسات أممية ذات خبرة للمساعدة في برامج نزع السلاح والتسريح والتأهيل، قد أسهما في تكريس الإفلات من العقاب عن الجرائم المرتكبة خلال الصراع، ما أدى إلى استسهال حمل السلاح أو إعادة حمل السلاح، ممن أجروا تسويات أو من الذين امتنعوا عن إجراء تسويات وتسليم سلاحهم، وتم تجنيد بعضهم من قبل قادة موالين للنظام السابق، وما يطلق عليهم بـ”فلول النظام”. ومن جهة أخرى فإن تراخي السلطة في إطلاق برامج العدالة الانتقالية دفع بضحايا النظام البائد للانتقام.

وفي نفس الصدد، فإن الانتهاكات والمضايقات التي سبقت المجازر في آذار ضد علويين، أسهم في تأجيجها وتغذيتها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لعبت دورًا في تغذية خطاب الكراهية والتحريض ضدهم، وأصبحت الانتهاكات شبه يومية وبضمنها القتل والخطف ونهب الممتلكات واحتلالها، وازدادت الاعتقالات التعسفية والمضايقات والإهانات اللفظية وتوجيه المصطلحات المهينة خلال حملات التمشيط ونقاط التفتيش، وقد ذُكر ذلك في تقرير لجنة التحقيق الدولية.

وناهيك بذلك، فإن النهج الذي اتبعته السلطة في بناء قطاع الأمن، من حل الجيش السابق دون الاستعانة بمن لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين والسوريات، واستبعاد المنشقين عنه، والغرق في وهم القدرة على بناء جيش وطني من “دمج” فصائل وأجانب وأفراد لهم تاريخ حافل بالانتهاكات، وبضمنهم مقاتلون منضوون تحت “هيئة تحرير الشام” سابقًا، دون تدريبهم واستبعاد التكفيريين منهم ومرتكبي الانتهاكات والفصائل ذات التمويل الخارجي، تتحمل مسؤوليته السلطة وما نجم عنه من مجازر بسبب استدعائها لقوات وأفراد غير محترفين وغير منضبطين، وتصرفوا بصفتهم الرسمية. وبطبيعة الحال، ينطبق الأمر أيضًا على الطريقة التي يتم فيها بناء قوات “الأمن العام”، حيث تشير المعلومات إلى أن المتدربين يخضعون لتدريب مدته أسبوعان فقط، وبالتالي فمن الصعوبة بمكان ملء الفراغ الأمني الحاصل، ووقف الانتهاكات المتنقلة والمتكررة في البلاد.
وفضلًا عن ذلك، فإن الاستئثار بالسلطة والمركزية الشديدة، وإغلاق باب السياسة وتجاهل الدعوات المكثفة من أجل عقد مؤتمر وطني تأسيسي، ذي مخرجات ملزمة، وشكلية مؤتمر الحوار الوطني الذي أجرته السلطة، والإعلان الدستوري الذي كرس وحصر صلاحيات واسعة بيد الرئيس المؤقت، عززت شعورًا بإقصاء شرائح واسعة من الشعب ومكوناته وقواه الحية.

خلاصة القول، إن ترحيب السلطة المؤقتة بتقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة والتعاون معها، وإطلاقها تحقيقًا مستقلًا، واعتقالها عددًا من الجناة، لا يعفيها من مسؤولية حماية جميع المواطنين والمواطنات دون تمييز، والالتزام بعدم تكرار الجرائم والانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها وجبر ضرر الضحايا كأساس لبناء مستقبل مبني على حقوق الإنسان ونهج شامل للعدالة ودولة القانون.

مقالات متعلقة

  1. عن العدالة الانتقالية في سوريا
  2. معضلة الجهاديين الأجانب في الجيش
  3. الأمم المتحدة تنفي إرسال بعثة للتحقيق بأحداث الساحل
  4. معاقَبون أوروبيًا يربكون خطط "الدفاع السورية"

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي