لماذا لا تستثمر سوريا ركام الحرب؟

  • 2025/08/24
  • 11:25 ص
حي الصناعة المدمر في دير الزور - 13 تموز 2025 (عنب بلدي/عبادة الشيخ)

حي الصناعة المدمر في دير الزور - 13 تموز 2025 (عنب بلدي/عبادة الشيخ)

enab_get_authors_shortcode

عنب بلدي – سندريلا البلعة

تواجه سوريا اليوم تحديًا يتمثل في حجم الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب، وتشكل جبال من الأنقاض، تشكل الخرسانة المهدمة عمودها الفقري، فتكون إما عقبة تبتلع الموارد وتؤخر عملية التعافي، وإما فرصة استراتيجية غير مسبوقة، من خلال إعادة التدوير، مما يضمن إعادة إعمار أسرع، وأقل تكلفة، وأكثر استدامة.

ولا تقتصر أهمية إعادة تدوير الركام على الجانب البيئي فحسب، بل تمتد لتشمل أبعادًا اقتصادية حيوية، مثل خلق فرص عمل، وتقليل تكلفة مشاريع البناء والإسكان، ودعم الصناعات المحلية المعتمدة على المواد المعاد تدويرها. كما أن إنتاج مواد بناء منخفضة التكلفة من خلال معالجة الأنقاض يمكن أن يسهم في تسريع عملية إعادة الإعمار، وبالتالي تنشيط الحركة الاقتصادية في مختلف القطاعات.

خارطة المباني المدمرة

قدّرت تقارير أممية سابقة حاجة سوريا إلى نحو 400 مليار دولار، لتمويل عمليات إعادة الإعمار، في ظل دمار واسع طال البنية التحتية والمباني السكنية في عموم البلاد منذ عام 2011.

وبحسب البيانات، بلغ عدد المباني المدمّرة كليًا أو جزئيًا أكثر من 130 ألف مبنى، 70% منها كانت من الخرسانة المسلحة.

وتصدّرت محافظتا حلب شمالًا والغوطة الشرقية جنوب العاصمة دمشق قائمة المناطق الأكثر تضررًا، مع تسجيل دمار جزئي أو كلي في أكثر من 35 ألف مبنى بكل منهما.

كما شهدت محافظة حمص وسط سوريا تدمير نحو 14 ألف مبنى، مقابل 13 ألفًا في محافظة الرقة شرقي البلاد، إضافة إلى نحو ستة آلاف مبنى في كل من محافظات حماة ودير الزور ومخيم اليرموك جنوبي دمشق.

فوائد إعادة تدوير الخرسانة على نطاق وطني

تبني إعادة تدوير الخرسانة على نطاق وطني ليس مجرد خيار بيئي، بل هو قرار استراتيجي يمس صميم الأمن الاقتصادي والاجتماعي للبلاد في مرحلة إعادة الإعمار، بحسب ما ذكره الكيميائي عامر قصيدة.

وذكر قصيدة أنه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة ومحدودية الموارد، توفر إعادة التدوير مصدرًا محليًا ضخمًا ومستقرًا لمواد البناء الأساسية (الرمل والحصى)، مما يحرر سوريا من قيود الاستيراد وتذبذب الأسعار ويحقق اكتفاء ذاتيًا استراتيجيًا.

أشار قصيدة إلى أن التقديرات الأولية لاستخدام الركام المعاد تدويره يمكن أن يخفض تكلفة المواد الأولية للخرسانة بنسبة تصل إلى 50% على المستوى الوطني، يعني هذا توفير مليارات الليرات السورية التي يمكن إعادة توجيهها لبناء المزيد من المستشفيات والمدارس والبنى التحتية، مما يضاعف من أثر ميزانيات إعادة الإعمار.

وحث قصيدة على التوجه نحو امتلاك أو استئجار وحدات تكسير وغربلة متنقلة، مما يسمح بمعالجة الأنقاض داخل موقع المشروع مباشرة، وتحقيق وفر فوري في تكاليف النقل وشراء المواد، بالإضافة إلى تدريب فرق العمل على تقنيات “الهدم الانتقائي” لفصل الخرسانة عن الملوثات الأخرى (بلاستيك، خشب، جبس) في موقع العمل، لرفع جودة المنتج النهائي.

كما نصح بالمبادرة إلى استخدام الركام المعاد تدويره في مشاريع القطاع الخاص، وبناء نماذج ناجحة تشجع الآخرين على اتباعها.

ويأتي دور المهندسين والمكاتب الاستشارية، وفق رأيه، في تطوير خبرات في تصميم خلطات خرسانية مبتكرة تعتمد على الركام المعاد تدويره مع استخدام محسنات كيميائية، لتحقيق مواصفات الأداء المطلوبة بدقة، وتحمل مسؤولية ضمان جودة التنفيذ في المواقع، والتأكد من أن استخدام المواد المعاد تدويرها يتم وفقًا لـ”الكود المعتمد”، ويأتي بناء القدرات في قيادة نقابة المهندسين والجامعات لتنظيم ورشات عمل ودورات مكثفة للمهندسين لتعريفهم بأساسيات وتطبيقات الخرسانة المعاد تدويرها.

“فرصة اقتصادية”.. ما المطلوب

نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية في جامعة “حماة”، الدكتور عبد الرحمن محمد، أوضح في حديث إلى عنب بلدي، أن إعادة تدوير الركام في سوريا تعد فرصة اقتصادية وبيئية واعدة، لكنها تحتاج إلى دعم حكومي، وشراكات استراتيجية، وتطوير البنية التحتية والتشريعات، والاستثمار في هذا القطاع يمكن أن يسهم في إعادة الإعمار بتكاليف أقل، وخلق فرص عمل، وتحقيق الاستدامة البيئية.

وقال محمد، إن إعادة تدوير الركام تمثل خيارًا استراتيجيًا عالي الجدوى مقارنة بالاستيراد أو تصنيع المواد الأولية، لما تحققه من توفير في تكاليف النقل والإنتاج وتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية.

واعتبر أن توفير المواد محليًا يسهم في تسريع عمليات إعادة الإعمار، ويخفف الضغط على الميزانية الوطنية.

نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية في جامعة “حماة”، أشار إلى أن هذه العملية تخفف العبء عن الموارد الطبيعية من خلال الحد من استخراج الحصى والرمل، وهو ما يجعلها أكثر استدامة وأقل تكلفة على المدى الطويل، فضلًا عن دورها في تقليل الانبعاثات الكربونية الناجمة عن تصنيع المواد الجديدة، مما ينعكس إيجابًا على البيئة.

وأكد أن التوسع في هذا القطاع لا يزال مقيدًا بضعف البنية التحتية والتشريعات، داعيًا إلى تطوير قوانين خاصة تشجع الاستثمار وتؤمّن الحوافز الفنية والمالية لإنشاء مراكز ومعامل إعادة التدوير، بما يحوّل هذه الفكرة إلى صناعة وطنية فاعلة تخدم الاقتصاد السوري والبيئة في آن واحد.

وتسهم الشراكات مع القطاع الخاص في توفير التمويل والخبرات، بينما يمكن أن يوفر التعاون مع المجتمع الدولي التكنولوجيا الحديثة والدعم الفني، وهذه الشراكات ضرورية لتسريع تطوير هذا القطاع.

وطالب محمد الحكومة بتشريعات داعمة من إصدار قوانين تحفز الاستثمار في إعادة التدوير، بالإضافة إلى تمويل المشاريع وتقديم قروض ميسرة للشركات الناشئة، ودعم برامج تدريبية لتطوير الكفاءات المحلية، والاستفادة من الخبرات الدولية في هذا المجال.

تجارب ملهمة

أشار الباحث الاقتصادي محمد سلوم، إلى تجارب دولية ناجحة يمكن أن تشكّل مصدر إلهام لسوريا في تطوير خطة وطنية لإدارة أنقاض الحرب عبر إعادة التدوير.

ففي اليابان، أعيد استخدام نحو 96% من الركام الناتج عن كارثة تسونامي 2011 في بناء الجسور والمواني والمنازل، بينما فرضت هولندا قوانين صارمة لمنع دفن النفايات القابلة لإعادة التدوير، ما مكّنها من تدوير 90% من مخلفات البناء.

أما في الإمارات، فقد نجحت إمارة أبو ظبي من خلال مشروع “تدوير” في معالجة عشرات ملايين الأطنان سنويًا، وتوفير مواد بناء بأسعار أقل ومواصفات منافسة.

ويرى سلوم أن هذه النماذج تظهر كيف يمكن لإعادة تدوير الركام أن تتحول من عبء إلى فرصة تنموية، خصوصًا في بلد مثل سوريا يمتلك كميات هائلة من الأنقاض القابلة للاستثمار محليًا.

وأوضح أنه في حال إعادة تدوير نصف كمية هذا الركام في سوريا، والتي قدّرها بنحو مليار طن، وبيعها بمتوسط سبعة دولارات للطن، فإن العائد الإجمالي قد يصل إلى سبعة مليارات دولار سنويًا، خلال السنوات العشر الأولى من إعادة الإعمار، وأن اعتماد الركام المعاد تدويره بنسبة 40% في عمليات البناء، من شأنه أن يخفض تكاليف الإعمار بما يتراوح بين 20 و35%، ما يعادل توفيرًا يصل إلى 10 أو حتى 15 مليار دولار خلال عقد من الزمن، وأن استخلاص المعادن وحديد التسليح من الركام يمكن أن يدرّ إيرادات إضافية تتراوح بين مليار و1.5 مليار دولار، ما يعزز من الجدوى الاقتصادية لهذا التوجه.

واقترح سلوم النموذج المالي الذي يأتي على مرحلتين من الاستثمار:

المرحلة الأولى: تبدأ بمعدات متوسطة بتكلفة 500 ألف دولار، بقدرة إنتاجية سنوية تبلغ 200 ألف طن. ومع سعر بيع سبعة دولارات للطن، تصل الإيرادات السنوية إلى 1.4 مليون دولار، بينما تُقدّر تكاليف التشغيل بـ400 ألف دولار، ما يحقق صافي ربح يقارب مليون دولار، ويضمن استرداد رأس المال خلال أقل من عام.

المرحلة الثانية: تتضمن توسيع العمليات باستثمار خمسة ملايين دولار، لرفع الإنتاج إلى مليوني طن سنويًا، بعائدات تصل إلى 14 مليون دولار، وصافي أرباح سنوية تُقدّر بما بين تسعة وعشرة ملايين دولار، ما يعكس جدوى اقتصادية عالية للمشروع على المدى المتوسط والطويل.

ورغم محاولات متكررة للحصول على توضيحات من وزارة الإدارة المحلية والبيئة، حول وجود خطة لدعم مشروع إعادة تدوير الركام في سوريا، لم تتلقَّ عنب بلدي أي رد حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.

مقالات متعلقة

  1. حمصيون يدوّرون ركام منازلهم لاستخدامه في البناء مجددًا
  2. كيف يمكن الاستفادة من أنقاض المدن السورية؟
  3. مدن الأنقاض.. بانتظار إعادة الإعمار
  4. الزبداني ترفع أنقاض القصف.. بيد أبنائها

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية