الصناعة الدوائية بحلب تحصد أثر السياسات القديمة

  • 2025/09/07
  • 5:10 م
جولة لمعاون وزير الصحة عبدو بشير على مصانع أدوية في حلب - 21 تموز 2025 (موقع وزارة الصحة)

جولة لمعاون وزير الصحة عبدو بشير على مصانع أدوية في حلب - 21 تموز 2025 (موقع وزارة الصحة)

enab_get_authors_shortcode

عنب بلدي – محمد ديب بظت

تعيش الصناعة الدوائية في مدينة حلب مرحلة حساسة بين محاولات الإنعاش بعد سنوات الحرب الطويلة، وصعوبات اقتصادية ولوجستية تعوق أداء معامل الأدوية.

وبينما تعمل معامل الأدوية في حلب بـ75% من طاقتها الإنتاجية، لا يتجاوز تنوع إنتاجها 35%، لعدم تصنيع جميع الزمر الدوائية محليًا.

أبرز التحديات تتمثل في صعوبة تأمين المواد الأولية اللازمة للإنتاج، وارتفاع تكلفتها في الأسواق العالمية، ما انعكس مباشرة على أسعار الأدوية في السوق المحلية.

البنية التحتية المتضررة بفعل الحرب أثرت أيضًا على جودة الإنتاج وكفاءته، إذ تعرضت معامل عدة للتدمير الجزئي أو الكلي، فيما خرجت بعض الأجهزة والمعدات عن الخدمة وباتت بحاجة إلى صيانة مكلفة.

وأوضح عاملون في القطاع لعنب بلدي، أن الصناعة الدوائية واجهت قبل سقوط النظام السابق تحديات تنظيمية ومعوقات قانونية حدّت من قدرتها على النمو.

كما احتكرت جهات محددة مرتبطة بالسلطة استيراد بعض المواد الأساسية، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها وتعطيل خطوط الإنتاج بشكل متكرر.

هذه السياسات، وفق العاملين، تركت آثارًا عميقة على الصناعة الدوائية في المدينة، وجعلتها أكثر هشاشة في مواجهة تداعيات الحرب.

الطريق نحو التعافي

يرى عاملون في قطاع الصناعة الدوائية أن تجاوز التحديات يحتاج إلى خطوات عملية، تبدأ بوضع آليات استيراد واضحة وسريعة، ودعم مباشر لإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة، إلى جانب ضبط سوق الصرف لتحقيق استقرار تدريجي يمكن الصناعة الدوائية في حلب من تلبية احتياجات السوق المحلية بأسعار مقبولة.

أحمد كرمان، صاحب معمل أدوية في منطقة المنصورة بريف حلب الغربي، أكد لعنب بلدي أن ارتفاع تكاليف المواد الأولية وصعوبة تأمينها ما زالا يمثلان التحدي الأكبر أمام استمرار الإنتاج.

وقال إن عدم استقرار التيار الكهربائي في المدينة وتضرر خطوط الإنتاج بفعل الحرب، يضاعفان من حجم التحديات التقنية والمالية.

من جانبه، أوضح بكري بصمجي، أحد العاملين في معمل للأدوية بالمنصورة، أن تقلبات سعر الصرف تزيد من الضغوط على المعامل، وتربك خطط الإنتاج والتوزيع.

وأشار بكري، لعنب بلدي، إلى غياب صناعة أدوية السرطان في سوريا، ما يجعل المرضى يعتمدون على الأدوية المستوردة بكميات محدودة وأسعار مرتفعة، ويضعف فرصهم في الحصول على العلاج بشكل منتظم.

رئيس دائرة الرقابة الدوائية في مديرية صحة حلب، محمد عبد الحافظ، قال لعنب بلدي، إن معامل الأدوية في المحافظة تعمل حاليًا بنسبة تقارب 75% من طاقتها الإنتاجية، بينما لا يتجاوز تنوع إنتاجها 35%، لعدم تصنيع جميع الزمر الدوائية محليًا.

وأوضح أن إنتاج معامل الأدوية يغطي حاليًا 90% من حاجة السوق المحلية أو أقل قليلًا، لكنه لا يلبي كامل الطلب، خاصة في ظل توقف بعض الخطوط الإنتاجية وعدم عمل المعامل بكامل طاقتها.

وعن التحديات، أشار عبد الحافظ إلى أن تأمين المواد الأولية يمثل أبرز العقبات، إلى جانب ارتفاع تكلفة الطاقة بسبب أسعار المحروقات، وضعف التغذية الكهربائية الحكومية، فيما تبقى الطاقة البديلة ذات تكلفة عالية وغير كافية لتغطية احتياجات التشغيل.

وأضاف أن منح التراخيص للمعامل وخطوط الإنتاج والأصناف الدوائية، يتم بشكل مركزي من وزارة الصحة.

أدوية السرطان أبرز التحديات

رئيس دائرة الرقابة الدوائية في مديرية صحة حلب، محمد عبد الحافظ، بيّن أنه لا توجد حاليًا أي معامل مرخصة لإنتاج أدوية السرطان في حلب، مرجعًا السبب إلى ارتفاع التكاليف الفنية والمالية اللازمة لتشغيل خطوط إنتاج هذا النوع من الأدوية، إلى جانب ارتفاع رسوم تراخيصها.

وأوضح أن عملية استيراد أدوية السرطان تواجه صعوبات كبيرة بسبب تعقيدات تسجيل الشركات المنتجة في وزارة الصحة، إذ كانت الوزارة في حكومة النظام السابق تحتكر الاستيراد سابقًا وتقدم دعمًا جزئيًا فقط للمرضى.

كما تطرق إلى السياسات في عهد النظام السابق، مشيرًا إلى فرض رسوم تصل إلى 50 ألف دولار على ترخيص كل خط إنتاج، إلى جانب اشتراط الموافقات الأمنية لشحن المواد الأولية ومنع استيراد بعض المواد، ما أدى إلى تراجع الإنتاج وخروج بعض الخطوط والمعامل عن الخدمة.

وأكد عبد الحافظ أن جميع التراخيص والتحاليل وتطورات الصناعة الدوائية ما زالت تخضع لمركزية وزارة الصحة، مضيفًا أنه لم يتم حتى الآن مراجعة المديرية لترخيص معامل مختصة بإنتاج أدوية السرطان، رغم وجود محاولات سابقة قبل عام 2011 لترخيص معمل لإنتاج أدوية نوعية، بينما تقتصر الصناعة المحلية حاليًا على الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة.

مطالب القطاع

أشارت غرفة صناعة حلب في تقرير لمجلس إدارتها، حصلت عنب بلدي على نسخة منه، خلال اجتماعها السنوي في 10 من آب الماضي، إلى أن لجنة الصناعة الدوائية طالبت بتمويل خطط الإنتاج، والأجهزة المخبرية، ومنظومات الطاقة الشمسية من عائدات التصدير، لما لذلك من أثر إيجابي على دعم الصناعة الدوائية.

وبحسب التقرير، يبلغ عدد منشآت قطاع الصناعات الكيماوية المسجلة في الغرفة 22,023 منشأة وشركة، أي ما يعادل 21% من إجمالي المنشآت المسجلة في الغرفة.

وفي 20 من آب الماضي، نظم مكتب الصحة بمحافظة حلب بالتعاون مع مكتب الاستثمار ورشة عمل حملت عنوان “حلب مركز مستقبلي للصناعات الدوائية”، ناقشت واقع هذا القطاع في المدينة وما يواجهه من تحديات، إلى جانب الفرص المتاحة لتطويره.

وبحسب ما أعلنت عنه محافظة حلب عبر بيان لها على “فيسبوك”، شارك في الورشة ممثلون عن شركات ومعامل الأدوية، حيث أجمع الحضور على أن الحصار الاقتصادي والعقوبات المفروضة على سوريا ما زالت تعوق تطور القطاع وتحد من قدرته على المنافسة.

وطالب المشاركون بإعادة النظر في المنظومة القانونية الناظمة للصناعة الدوائية لتسهيل العمل وتوسيع قاعدة الإنتاج.

كما ركزت المداخلات على مشكلات عدم استقرار التيار الكهربائي وتأثيرها المباشر على خطوط الإنتاج، إضافة إلى انتشار الأدوية الأجنبية في السوق المحلية، وهو ما يضعف حضور المنتج الوطني.

وأكدت الورشة أهمية تطوير أداء الرقابة الدوائية في مديريات الصحة، وتبسيط الإجراءات القانونية لتشجيع الاستثمار، إلى جانب تعزيز القدرة التنافسية للصناعة الدوائية في حلب عبر توسيع فرص التصدير وفق معايير الجودة والكفاءة العالمية.

وشهدت الصناعة الدوائية في سوريا حادثة كشفت حجم الأزمات التي كانت تعيشها معامل الأدوية في ظل نظام بشار الأسد.

في أيلول 2023، احتجزت جمارك النظام السابق في مطار دمشق الدولي شحنات كبيرة من المواد الأولية اللازمة للتصنيع، بحجة عدم تسديد الرسوم الجمركية، رغم صدور قرار رئاسي قبل أسابيع قليلة يعفي هذه المواد من الرسوم.

رئيس لجنة معامل الأدوية في نقابة الصيادلة حينها، محمد القصير، قال إن المعامل لم تكن قادرة على دفع الرسوم المرتفعة، محذرًا من أن بقاء المواد في الحجز يعرضها للتلف ويهدد توقف خطوط إنتاج أساسية، قبل أن تعرض تلك المواد في مزاد علني.

الحادثة سلطت الضوء على غياب التنسيق بين المؤسسات الرسمية، وسياسات التحكم المركزي والرسوم الباهظة التي كبّلت القطاع، وأسهمت في تراجع الإنتاج المحلي وخروج عدد من المعامل عن الخدمة.

مقالات متعلقة

  1. معامل الأدوية السورية تطالب برفع أسعار الدواء
  2. أسعار أدوية ترتفع في سوريا.. "الصحة" توضح
  3. المدير التنفيذي لـ"أوبري": رفع أسعار الدواء يغطي تكاليف المعامل
  4. رغم النقص المحلي.. عرض سوري لإمداد لبنان بالأدوية

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية