عنب بلدي – عمر علاء الدين
بعد جدل حول مشاركة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في الدورة الـ80 من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلنت سوريا بشكل رسمي عن زيارة الشرع إلى نيويورك كأول رئيس سوري يشارك في هذا الحدث منذ عام 1967، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء السورية (سانا) في 10 من أيلول الحالي.
وقبل أن يجري تأكيده بشكل رسمي، طرح هذا الحدث على أهميته ومفصليته تساؤلات عدة حول آلية حضور الرئيس السوري، والعقبات التي كانت في طريقه، باعتباره على لائحة العقوبات الأممية.
وفي آب الماضي، كانت أمريكا تضغط من أجل رفع العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي على الرئيس السوري و”هيئة تحرير الشام” (المنحلة حاليًا)، وفق ما قاله موقع “المونيتور” الأمريكي.
وأشار إلى أن المسودة الأصلية تسعى إلى رفع تصنيف “هيئة تحرير الشام” ككيان إرهابي، لكنها توقعت معارضة من أعضاء مجلس الأمن مثل الصين، فقامت بإزالة هذا البند من النص المحدّث، وتسعى بدلًا من ذلك لشطب اسم الجماعة عبر لجنة العقوبات الأممية المعنية، التي تعمل خلف أبواب مغلقة.
تسلط عنب بلدي، في هذا التقرير، الضوء على العقبات التي كانت تواجه الرئيس السوري لحضور هذا الحدث، وبواعث القلق الصينية وكيف تصرفت سوريا والولايات المتحدة تجاهها.
الوضع القانوني للشرع
يحتاج الرئيس السوري، ووزير داخليته أنس خطاب، إلى موافقات خاصة من الأمم المتحدة من أجل السماح له بالتنقل عبر الطيران إلى الدول الأخرى، وفق ما لفت إليه موقع “المونيتور”.
وبالعودة إلى نص العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الشرع، تبين أنه أدرج على لائحة العقوبات في تموز 2013 وفق الرقم “QDI.317”
وفرض المجلس على الشرع سابقًا عقوبات لارتباطه بتنظيم “القاعدة”، وذلك بعد أن بايع زعيم “جبهة النصرة”، أيمن الظواهري، أحد مؤسسي تنظيم “القاعدة”، وثاني أمير له خلفًا لأسامة بن لادن.
أدرج تنظيم “جبهة النصرة لأهل الشام” بالقائمة في 14 من أيار 2014، عملًا بالفقرتين 2 و3 من القرار 2083 (2012) ككيان مرتبط بتنظيم “القاعدة”، بسبب المشاركة في تمويل أعمال أو أنشطة يقوم بها تنظيم القاعدة (QDe.004) وتنظيم القاعدة في العراق (QDe.115) أو التخطيط لهذه الأعمال أو الأنشطة أو تيسير القيام بها أو الإعداد لها أو ارتكابها، أو المشاركة في ذلك معهما أو باسمهما أو بالنيابة عنهما أو دعمًا لهما والتجنيد لحسابهما أو تقديم أي أشكال أخرى من الدعم للأعمال أو الأنشطة التي يقومان بها.
الأمم المتحدة ـ لائحة الجزاءات في مجلس الأمن
وفي كانون الثاني 2017، بحسب اللجنة الخاصة بالعقوبات المتعلقة بـ”القاعدة”، قامت “جبهة النصرة” بإنشاء “هيئة تحرير الشام”، كـ”وسيلة لتعزيز موقعها بين حركات التمرد السورية والمضي قدمًا في تحقيق أهدافها كتنظيم تابع لتنظيم (القاعدة) في سوريا”.
وعلى الرغم من أن ظهور “هيئة تحرير الشام” وُصف بطرق عدّة (أنه اندماج بجبهة النصرة أو تغيير لاسمها، على سبيل المثال)، واصلت بسط هيمنتها وعملت من خلال “هيئة تحرير الشام” سعيًا إلى تحقيق أهدافها، وفق بيان الأمم المتحدة المرفق بقائمة العقوبات.
وبحسب القائمة التي تضم أسماء 254 شخصًا و89 كيانًا، من بينهم الشرع، فإن المخول برفع اسم من هذه الأسماء عن قائمة العقوبات وفق النص القانوني هو:
- الدول الأعضاء في مجلس الأمن: حيث يجوز لها أن تقدم إلى اللجنة (القائمة على العقوبات) في أي وقت طلبات لرفع أسماء أفراد وكيانات مدرجة على قائمة الجزاءات المفروضة على تنظيم “الدولة الإسلامية” وتنظيم “القاعدة”.
- الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المدرجة أسماؤهم في القائمة: حيث يمكن لصاحب الطلب الذي يرغب في تقديم طلب للرفع أن يفعل ذلك بصورة مباشرة، أو بواسطة أحد الممثلين، عن طريق الاتصال بمكتب أمينة المظالم الخاصة باللجنة.
ينبغي أن تتضمن طلبات رفع الأسماء من القائمة توضيحًا للسبب في أن الإدراج “لا يفي أو لم يعد يفي بمعايير الإدراج في القائمة، وذلك عن طريق الاعتراض على أسباب الإدراج كما وردت في قيد القائمة الخاص بذلك الفرد أو الكيان”.
كما ينبغي أن تتوفر معلومات حول المهنة أو الأنشطة الحالية للشخص المدرج، وأي معلومات أخرى ذات صلة.
وهناك حالتان للموافقة على رفع الاسم من قائمة العقوبات وهي:
- إذا كان طلب الرفع مقدمًا من دولة لم تقترح الاسم المعني لإدراجه على قائمة العقوبات، تطبَّق عندئذ الإجراءات المعتادة لاتخاذ القرارات في اللجنة، ويُتخذ القرار بتوافق الآراء.
- إذا كان طلب الرفع مقدمًا من دولة اقترحت الاسم المعني لرفعه من القائمة، أو إذا تعددت الدول صاحبة اقتراح الإدراج، فتقدم جميع الدول المعنية طلب الرفع بصورة مشتركة، يُرفع عندئذ الاسم من القائمة بعد فترة محددة من الزمن.
وينفذ إجراء رفع الاسم في الحالة الثانية، “ما لم يؤيد جميع أعضاء اللجنة الـ15 إبقاء الاسم مدرجًا في القائمة”، أو “ما لم تتم إحالة المسألة إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار بشأنها”.
اتفاقية “المقر” مَخرج قانوني
قال المحامي والخبير في القانون الدولي بسام طبلية، إن اسم الرئيس السوري، أحمد الشرع، ما زال موجودًا على قائمة العقوبات بالنسبة للأمم المتحدة، وبالتالي فإن رفع اسمه لا يكون إلا بإجماع لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن.
وفي حديث إلى عنب بلدي، أشار طبلية إلى إمكانية تقديم الصين الاعتراض على قدومه من خلال استخدام “الفيتو”، ولكن، بحسب طبلية، يبقى للولايات المتحدة أن تطلب استثناء للسفر من أجل الدخول وإلقاء الكلمة، وهذا يتطلب أيضًا موافقة لجنة العقوبات، مما يشي بأن هناك مفاوضات سياسية مغلقة بين أمريكا والصين في هذا الملف.
ويرى الخبير بالقانون الدولي، أن المخرج القانوني للموضوع، في حال أرادت الصين عرقلته، يتمثل بأن أمريكا تستطيع أن تسمح للشرع بالقدوم إلى نيويورك، وتمنحه الموافقة وفق اتفاقية “المقر” لعام 1947، التي تنص على أن الولايات المتحدة ملزمة بتسهيل وصول الأعضاء ممثلي الدول لحضور اجتماعات الأمم المتحدة.
لكن، بحسب طبلية، يبقى تحرك الرئيس في نيويورك محدودًا ضمن 25 ميلًا حول مقر الأمم المتحدة.
ووفق ما قاله الخبير بالقانون الدولي، فإن هناك أمثلة كثيرة على هذا الأمر، مثل إيران عندما سُمح لبعض قيادات “الحرس الثوري الإيراني” بحضور اجتماعات الجمعية العامة، حيث منحتهم أمريكا التأشيرات وفق اتفاقية “المقر” العام للأمم المتحدة، لكن حركتهم بقيت محدودة، وطُبّق ذلك أيضًا على مسؤولين كوريين وروس وكوبيين وفنزويليين.
وفق ما يرى الخبير بالقانون الدولي، فعلى اعتبار أنه يمكن تجاوز “الفيتو” الصيني لحضور الشرع في الأمم المتحدة، فمن المنطق أن تحاول الصين تحصيل مكاسب سياسية، حيث اعتبر أن الأمر بين أمريكا والصين هو تفاوض سياسي يستهدف تحقيق مكاسب.
النقطة الحساسة
الصحفية المختصة في الشؤون الأمريكية والشرق أوسطية، والمعتمدة في الأمم المتحدة، نادين ساندرز، قالت، إن الشرع سيحتاج إلى “استثناء للحضور بسبب العقوبات الأممية المفروضة وليس بسبب تصويت الصين”.
وتُلخص محاذير بكين بشكل أساسي، بحسب ساندرز، بالإيغور الذين تم تعيينهم في الجيش السوري، وبلغ عددهم 3500 شخص، وتعتبرهم الصين “إرهابيين”.
وأضافت في حديث إلى عنب بلدي، أن تصويت الصين مرتبط برفع العقوبات، وهي على الأغلب ستعارض رفع العقوبات لأن لديها “محاذير سياسية مزدوجة مع الدعم لنهوض سوريا”.
وترى أن رفع العقوبات الدولية عن سوريا هو “النقطة الحساسة” التي قد لا تنجح إذا استخدمت الصين “الفيتو”، ولذلك تبذل الجهود لمنع “فيتو صيني”.
وسيتمكن الشرع، بحسب الصحفية، من إلقاء كلمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كأول رئيس سوري منذ 1967، إذا حصل على استثناء أممي “يوفر له الحصانة بشكل عام”.
لكن العقوبات التي تخص “هيئة تحرير الشام” لا تزال موجودة، وترجح الصحفية أنها تشمل الشرع، حينها لن يتمكن من إلقاء كلمة على منبر الجمعية العامة ذاتها، وإنما في اجتماع على جانب فعاليات الجمعية العامة، “أما إذا حصل على استثناء أممي، فسيكون خطابه بمبنى الأمم المتحدة في نيويورك، وفق ما تراه ساندرز.
وخلال حديثها لعنب بلدي، استبعدت أن يكون هناك تصويت في مجلس الأمن على قدوم الشرع، لكن من الممكن أن يُجرى تصويت على رفع العقوبات، وهذا مرتبط بحيثيات أخرى، لا تراها تحدث في الوقت الراهن.
وفي كانون الثاني ونيسان الماضيين، ومرة أخرى في آب، حذر مبعوث الصين لدى الأمم المتحدة، فو كونغ، مجلس الأمن علنًا من أن “المقاتلين الإرهابيين الأجانب” لا يزالون نشطين في سوريا، وحث دمشق على الوفاء “بالتزاماتها بمكافحة الإرهاب”، منتقدًا الحزب “الإسلامي التركستاني” بشكل مباشر.
ويرى تقرير لمركز “تشاثام هاوس” نشر في 3 من أيلول الحالي، أن الصين ربما تتردد الآن في الموافقة على رفع العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على أعضاء الحكومة السورية، ما لم تظهر دمشق علامات على أخذ مخاوف بكين بشأن مقاتلي الإيغور على محمل الجد، رغم تواصل سفيرها في دمشق، مع المسؤولين السوريين عدة مرات.
في حزيران الماضي، حثّ مندوب الصين في مجلس الأمن على الإبقاء على عقوبات الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، قائلًا إنه “يجب تنفيذها، والتمسك بجدية نظام العقوبات ذي الصلة”.
وتحتفظ بكين بحق النقض (الفيتو) على أي تحرك لإنهاء العقوبات في مجلس الأمن، بحسب التقرير.
أمريكا قادرة والصين ليست كذلك
مدير مكتب المجلس السوري- الأمريكي والمحلل السياسي، عبد الكريم العمر، لا يعتقد أن الصين ستعرقل وصول الشرع إلى الأمم المتحدة، وهي “غير قادرة على ذلك”، خاصة أن “الولايات المتحدة الأمريكية هي من تسعى لرفع العقوبات وتعمل على تهيئة الأجواء ليلقي الرئيس الشرع خطابه في الأمم المتحدة.
وفي حديث إلى عنب بلدي، أشار العمر إلى أن أمريكا هي “القطب الوحيد الذي يتحكم بكل دول العالم”، وهناك دعم أمريكي واضح للقيادة السورية، وهي القادرة على رفع العقوبات عن الرئيس الشرع وعن سوريا، على حد تعبيره.
وبالنسبة للمخاوف الصينية، قال المحلل السياسي، إن سوريا وجهت عدة رسائل لكل دول العالم من أجل إنهاء هذه المخاوف، حيث تضمنت رسائلها العمل مع الجميع على بناء علاقات تخدم سوريا والمجتمع الدولي وتقوم على المصالح المشتركة، وأن تكون مركزًا للسلام لا منطلق تهديد.
ويرى العمر أن حضور الرئيس السوري في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، له دلالة قوية على عودة سوريا إلى المسرح العالمي.
ومن النتائج المترتبة على الزيارة المرتقبة، وفق ما يرى المحلل السياسي عبد الكريم العمر، “اللقاء بممثلي الوفود الدولية والرؤساء من مختلف دول العالم، وشرح وجهة نظر الحكومة السورية تجاه العديد من الملفات الداخلية”.
وأضاف أنه ربما قد يكون هناك لقاء بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في البيت الأبيض.
الوفد السوري الذي سيشارك في اجتماعات الأمم المتحدة حصل على إعفاء رسمي من القيود المفروضة على تنقلات المسؤولين السوريين، بحسب ما نقلته وكالة “أسوشيتد برس” عن مذكرة داخلية لوزارة الخارجية الأمريكية، في 5 من أيلول الحالي.
موقع “إندبندنت عربية” نقل عما سماها “مصادر دبلوماسية خاصة”، في 8 من أيلول الحالي، أن الرئيس الشرع حصل على تأشيرة الدخول إلى الأراضي الأمريكية، حيث سيجري زيارة إلى الولايات المتحدة تمتد أربعة أيام بين 21 و25 من أيلول الحالي.
وبحسب المصادر، سيرافق الشرع كل من وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ومندوب سوريا الجديد لدى الأمم المتحدة، إبراهيم علبي، كما أن التحضيرات جارية للقاء آخر بين الشرع وترامب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الـ80، كما من المقرر أن يزور الشرع مبنى “البيت التركي” في نيويورك برفقة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.