الإعلام السوري يكتب مدوّنته المهنية.. هل ننجح

  • 2025/09/14
  • 10:44 ص
الصحفي علي عيد
enab_get_authors_shortcode

علي عيد

اليوم، 14 من أيلول 2025، يبدأ الوسط الإعلامي السوري نشاطه في كتابة مدونة السلوك المهني، وسط بيئة معقدة من التحديات التي تفرضها الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في البلاد.

ربما هي المرة الأولى التي يخطو فيها صحفيون مستقلون نحو كتابة هذا النوع من المدونات، وقد سبقتنا في ذلك الكثير من البلاد، إذ هناك نحو 400 مدونة سلوك مهني وأخلاقي على المستوى الوطني حول العالم، لكن السؤال المُلح يبقى حول النموذج الذي يريده السوريون للصحافة والإعلام في بلادهم.

تعتبر حرية الصحافة من المعايير التي تقاس بميزان الذهب في المجتمعات المتحضرة، لكن ذلك لم يمنع وجود تشريعات تضبط الإطار القانوني والأخلاقي لممارسة هذه الحرية.

في الدول الغربية، ومنها فرنسا مثلًا، يبقى السؤال الحاضر عن أقصى المدافعين عن الحريات هو: “أريد حريتي، لكن، عليّ أن أعرف ماذا سأفعل بها”، لذلك فإن الحكومة لا تضع حدودًا لممارسة المهنة، لكن هناك عقوبات “بعدية” عندما يتم تجاوز الحق أو المصلحة العامة، أو حتى الحقوق الخاصة للأفراد، وهو ما يفسر الجدل حول ملكية وسائل الإعلام، وحدود عملها، والجدل المستمر الذي تثيره منظمات تدافع عن الحريات وأخرى تراقب أداء الإعلام.

مدونة السلوك المهني التي يجري العمل عليها في سوريا اليوم، سيكتبها الصحفيون والإعلاميون والمؤسسات وأصحاب المصلحة أنفسهم، سواء من القطاع الرسمي أو الخاص.

ومع تحديات انتشار المعلومات المضللة، وتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى منافس أكثر جاذبية، يمارس دورًا خطرًا في أغلب الأحيان، سيكون النقاش منفتحًا إلى درجة التطرق لدور “المؤثرين” على تلك المنصات، ومدى التزامهم بالمعايير المهنية، في ظل الفراغ التشريعي الذي يفترض أن يتم ملؤه في المستقبل القريب بعد انتخابات تشريعية يفترض أن تبدأ غدًا، 15 من أيلول 2025.

يفترض أن ينضم إلى ورشات العمل مئات الصحفيين والإعلاميين والعاملين في قطاع الإعلام، وأن يكون النقاش تشميليًا، ووطنيًا عابرًا للهويات الفرعية على أصالتها وأهميتها.

الإعلام هو مساحة عابرة للجغرافيا والألوان والأيديولوجيا والسياسة، لكنه المكان الذي تلتقي فيه كل تلك الجوانب، هو مكان الصدام المتوازن عندما تقف خلفه المعايير المهنية والأخلاقية، وهذا ما يستدعي وجود عقد واضح يتفق عليه أبناء المهنية والعاملون فيها، ولعل هناك فرصة سانحة للقيام بالمهمة المُلحة اليوم قبل الغد.

صياغة المدونة يشارك فيها نحو 500 صحفي وصاحب مصلحة، وسيكون أمر المشاركة وإبداء الرأي متاحًا أمام بقية الصحفيين والإعلاميين والمؤثرين عبر طرحه على الشبكة.

وتداركًا لأي فهم خاطئ، تلعب وزارة الإعلام دور تسهيل المهمة فقط، دون التدخل في التفاصيل، ويمكن لهذا النشاط أن يشكل بداية حقيقية للعصف الذهني والتفكير في بناء بيئة إعلامية متطورة ومواكبة وتلبي الطموح.

أما أن تقرر الوزارة أو الوسط البرلماني التشريعي الاعتماد على أي وثيقة سيكتبها المشاركون كأساس لتنظيم القطاع، فتلك مسألة مختلفة، وإن كان ما يطلبه الوسط الإعلامي ترسيخ إطار الحريات في سقفه الأعلى.

تعيش البلاد اليوم استحقاق بناء الإعلام المسؤول، ونجاح هذا العمل مرتبط بمدى فهمنا لمخاطر انتشار خطاب إعلامي منفلت يهدد الأمن والسلم المجتمعي، ويؤخر مساعي العدالة الانتقالية، كما يضر بقدرة الصحافة على ممارسة دور المساءلة من جهة، ودور الشريك في التنمية من الجهة المقابلة.

سأعيد ما قلته سابقًا بأن سوريا تحتاج إلى تشريعات ناظمة للعمل الإعلامي، على مستوى المؤسسات والأفراد، وليس الأمر مجرد كتابة “مدونة قواعد سلوك” مهنية، لأن الأخيرة، ومع أهميتها، لن تحلّ المشكلة دون وجود تشريعات قانونية يجري وفقها منع الانتهاكات دون تقييد الحريات أو استخدامها أداة إخضاع وسيطرة صارمة على نهج “النظام” الأمني المخابراتي الذي عانت سوريا ويلاته لعقود وانتهى في 8 من كانون الأول 2024.

ستضع المدونة، قيد الإعداد، في اعتبارها ألا تكون أداة تقليم لأجنحة الصحفيين أو ترويض الصحافة، وفي نفس الوقت ألا تترك الصحافة “على عواهنها”، وأكرر مقولة الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا، الحائز على “نوبل” للأدب عن كتابه “حضارة الترفيه”، “الصحافة المدفوعة بالبحث عن الفضائح هي الطفل اللقيط لثقافة الحرية. ولا يمكن قمعها من دون توجيه ضربة قاتلة لحرية التعبير”. وهذا ما نسعى إليه عبر المواءمة وعدم ارتكاب انتهاك بهدف منع انتهاك، فهل ننجح؟ دعونا نرى ما يمكننا فعله.. وللحديث بقية.

مقالات متعلقة

  1. من لا وزارة إلى خطر وزارة شديدة المركزية
  2. "ميثاق شرف" يطلق لجنة شكاوى مستقلة لتنظيم قطاع الإعلام السوري
  3. "كتاب الأسلوب".. دستور العمل في وسائل الإعلام
  4. الجمهور.. عندما تستبد "السلطة الخامسة" بالصحافة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي