خطيب بدلة
أطلق الأمريكان، في سنة 2005، مصطلح “الفوضى الخلاقة”، على لسان وزيرة خارجيتهم، كونداليزا رايز.. وكان الأفضل، من وجهة نظري، أن نسمي ما حدث في بلادنا، خلال السنوات الأخيرة، الفوضى الهدامة، لا الخلاقة، فإذا كانت الأمور تؤخذ، كما يقال، بنتائجها، يكفي أن ننظر إلى اتساع مساحات الخراب، التي تحققت على أرضنا، وفظاعتها، لنصاب بالذعر.
قد يتساءل زيد من الناس: ألم تؤدِّ الفوضى التي حدثت، للتغيير؟ الجواب، بلى، ولعلمك، إن حدوث التغيير، في مثل حالتنا، طبيعي، بل حتمي، إذ لا يعقل أن تراق تلك الدماء، وتهدم هاتيك الأبنية والمنشآت، وتتعطل الصناعة، والتجارة، والسياحة، ويصل الشعب إلى حافة الجوع، ولا يحدث تغيير ما. ولكن، وهنا يبرز سؤال يشبه الاستفسار، حول طبيعة التغيير: أهو إلى الأفضل أم إلى الأسوأ؟
في معرض الإجابة عن هذا السؤال، لا بد أن تنتصب أمامنا حالة “النسبية”، ويظهر الانقسام في الرأي، جليًا، بين مَن يعتقد أن التغيير قد أخذنا نحو الأسوأ، ومَن يعتقد أننا وصلنا للأفضل، ولكن السؤال الأكثر إيلامًا هو: أما كان ممكنًا التغيير إلى الأفضل، بالطرق السلمية، ودون وقوع كل تلك الخسائر الكارثية؟
الجواب: مع الأسف، لا، وهذا يعود إلى طبيعة الأنظمة الدكتاتورية التي شبهها المفكر عبد الرحمن الكواكبي بثور هائج، عندما يدخل إلى معمل للفخار، ويحاول الناس إخراجه، يكسر كل ما يقع تحت حوافره من فخار.
كانت فرص إنقاذ سوريا تتوالى أمام وريث السلطة، بشار الأسد، منذ 2011، دون توقف، فمطالب ثوار الفترة الأولى من الثورة، لم تكن تتعدى الإصلاح السياسي، وأبرزها: وضع حد لسيطرة المخابرات على المجتمع السوري.. وفي سنة 2012، وضع المبعوث الأممي، كوفي عنان، ست نقاط للحل السلمي في سوريا، صدر بعدها “إعلان جنيف” الذي يطالب بتشكيل هيئة حكم انتقالية، تمثل مختلف مكونات الشعب السوري، وتقود البلاد إلى نظام جديد، نظام أقل استبدادًا، مع شيء من الحرية، والعدالة، والديمقراطية.. ولكن الوريث بشار، كان يبدي قمة البهجة، والسعادة، لوقوف الإيرانيين، وذراعهم “حزب الله”، والميليشيات العراقية ذات الصبغة الطائفية، إلى جواره، وسُرّ أكثر بالتدخل العسكري الروسي، الذي قتل أشخاصًا لم يتمكن الأسد من قتلهم، وهدم بيوتًا غفلت قوات الأسد عن تهديمها، ومع ذلك، الروس أنفسهم، وافقوا على إصدار قرار مجلس الأمن رقم 2254، في أواخر سنة 2015، الذي يتضمن أفكار بيان جنيف نفسها، ومع ذلك، استمر مسلسلان رهيبان في العرض، على الشاشة السورية، الأول، مسلسل القتل والتدمير، والثاني، إضاعة فرص إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا.
بعد أحداث العنف، ذات الطبيعة الطائفية، التي شهدتها سوريا في شهري آذار وتموز 2025، قُدمت للسوريين فرصتان جديدتان، لإنقاذ البلاد من فصل جديد من فصول الحرب الأهلية، الأولى، بيان مجلس الأمن، الذي أكد ضرورة تطبيق القرار 2254، الذي لا يزال ساري المفعول، والثاني بيان الجامعة العربية، المنسجم تمامًا مع بيان مجلس الأمن.
إنها فرصة جديدة لإنقاذ سوريا، هل سنأخذ بها؟ أم سنجعلها حلقة ضمن مسلسل الفرص الضائعة؟
