مؤسسات صحفية سورية تناقش مدونة للسلوك المهني

  • 2025/09/15
  • 4:30 ص
ورشة إعداد مدونة السلوك المهني للصحفيين في دمشق ـ 14 أيلول 2025 (عنب بلدي/ عمر علاء الدين)

ورشة إعداد مدونة السلوك المهني للصحفيين في دمشق ـ 14 أيلول 2025 (عنب بلدي/ عمر علاء الدين)

enab_get_authors_shortcode

دفعت حالة الاستقطاب وانتشار خطاب الكراهية في الشارع السوري، وخاصة عقب الأحداث في الساحل والسويداء، عددًا من المؤسسات الصحفية والصحفيين السوريين إلى الاجتماع في دمشق، لمناقشة مدونة سلوك للممارسات الأخلاقية والمهنية التي ينبغي للصحفي الالتزام بها خلال ممارسة المهنة.

وبدأت، الأحد 14 من أيلول، ورشات مناقشة مدونة السلوك الخاصة بالصحفيين السوريين، لوضع ضوابط للممارسة الإعلامية، ومحاربة خطاب الكراهية السائد على وسائل التواصل الاجتماعي، في سوريا.

وضمت الورشة، التي شاركت فيها عنب بلدي، عددًا من وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، ومؤسسات صحفية مستقلة، وصحفيين سوريين ممثلين لوسائل إعلام عربية وعالمية.

تتألف لجنة إعداد مدونة السلوك من 12 عضوًا، من بينهم عضوان من وزارة الإعلام، ويرأس اللجنة الصحفي السوري علي عيد.

وشارك أيضًا في مناقشة المدونة، مدير الشؤون الصحفية في وزارة الإعلام، عمر الحاج أحمد، ورئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام بجامعة “دمشق”، عربي المصري، ومدير الحريات في “رابطة الصحفيين السوريين”، محمد صطوف، ورئيس “اتحاد الصحفيين السوريين”، محمود الشحود.

“وثيقة شرف” ومدونة سلوك

شهدت الورشة مناقشات حول العديد من المواضيع المتعلقة بالعمل الصحفي، أبرزها دور “المؤثرين” وصانعي المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي في السياق الإعلامي الحالي، ومدى اعتبار ما يقدمونه عملًا صحفيًا.

كما تم نقاش جميع بنود المدونة، بدءًا من خطاب الصحفي نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي، وطريقة التعامل مع الضحايا في الكوارث والأزمات، وصولًا إلى إيجاد أرضية تضامنية بين الصحفيين حيال الانتهاكات التي قد يتعرضون لها، أو أي تجاوزات قد تُرتكب بحقهم.

وناقش الصحفيون وصول المدونة لجميع السوريين، والابتعاد عن المصطلحات الفضفاضة، ووضع مادة خاصة باحترام الحقيقة وعدم خلط المعلومة بالرأي، وإضافة مادة عن الأخلاقيات التفضيلية، والسلوكيات داخل المؤسسة الإعلامية، و إدراج ما تضمنته المدونة بالمناهج التعليمية.

رئيس لجنة إعداد مدونة السلوك، علي عيد، قال إن المدونة ستنقسم إلى قسمين، الأول، سيكون “وثيقة شرف”، أما الثاني فسيكون مدونة سلوكية تشرح الممارسات المهنية والأخلاقية التي يجب أن يتحلى بها الصحفي السوري.

وأضاف عيد أنه على المستوى الوطني، لم يحدث قبل أن اجتمع صحفيون سوريون لإعداد مدونتهم الخاصة، مشيرًا إلى أن نقاشات المسودة ستكون في المحافظات السورية كافة، بإشراك جميع الصحفيين السوريين، في مسعى يتجاوز الاعتبارات السياسية.

عيد أكد أن صياغة المدونة يشارك فيها نحو 500 صحفي وصاحب مصلحة، وسيكون أمر المشاركة وإبداء الرأي متاحًا أمام بقية الصحفيين والإعلاميين و”المؤثرين”.

وفي هذا الصدد، تلعب وزارة الإعلام دور “تسهيل المهمة فقط”، دون تدخل في التفاصيل، معتبرًا أنه إذا ما قررت الوزارة، أو الهيئة التشريعية المزمع تشكيلها (مجلس الشعب)، الاعتماد على أي وثيقة سيكتبها المشاركون كأساس لتنظيم القطاع، فتلك مسألة مختلفة.

وأضاف أن ما يطلبه الوسط الإعلامي ترسيخ إطار الحريات في سقفه الأعلى، عبر هذه المدونة.

وارتفعت سوريا مرتبتين في حرية الصحافة، بعد أن كانت تحتل المرتبة 179 في عام 2024، في أثناء حكم نظام الأسد، لتحتل المرتبة 177، وفق “التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2025“، الذي أصدرته “منظمة مراسلون بلاحدود”.

وتعيش سوريا اليوم، وفق عيد، استحقاق بناء “الإعلام المسؤول”، ونجاح هذا العمل مرتبط بـ”مدى فهمنا لمخاطر انتشار خطاب إعلامي منفلت يهدد الأمن والسلم المجتمعي، ويؤخر مساعي العدالة الانتقالية”.

كما يضر “الخطاب المنفلت” بقدرة الصحافة على ممارسة دور “المساءلة” من جهة، ودور “الشريك في التنمية” من الجهة المقابلة، وفق عيد.

وأضاف أن هذه المدونة تتقاطع مع عديد من مواثيق الشرف حول العالم التي بلغ عددها 400 ميثاق شرف، مع خصوصية للوضع السوري، مشيرًا إلى أن المواثيق السابقة التي وضعتها صحف ومؤسسات سورية، سواء في الداخل أو الخارج هي جزء يبنى عليه في إعداد هذه المدونة الجديدة، بطبيعة الحال.

نقاشات بين الصحفيين المشاركين حول بنود مدونة السلوك المهني – 14 أيلول 2025 (عمر علاء الدين/ عنب بلدي)

إلزام للإعلام الحكومي

تعهدت الحكومة السورية بأن تلتزم مؤسساتها الإعلامية بمدونة السلوك التي تناقَش في دمشق، على أن يُستكمل النقاش في بقية المحافظات السورية.

مدير الشؤون الصحفية في وزارة الإعلام السورية، عمر حاج أحمد، اعتبر أن الأَولى أن تكون المؤسسات الحكومية الإعلامية هي من تلتزم بالمدونة باعتبارها وثيقة أخلاقية، تنظم العمل الصحفي المبني أساسًا على الأخلاق والمهنية والموضوعية والدقة.

وأشار حاج أحمد، في حديث إلى عنب بلدي، إلى أنه بعد تفشي خطاب الكراهية والحض على الطائفية وبعض المشكلات الأخلاقية في بعض وسائل الإعلام، إضافة إلى صانعي المحتوى و”المؤثرين” وحتى الصفحات الشخصية، كانت لدينا الحاجة لوضع مدونة سلوك مهني برعاية وزارة الإعلام بالتشارك مع وسائل الإعلام المستقلة، وبالاستعانة بصحفيين سوريين خبراء وفنيين ومستشارين.

حاج أحمد أكد أنه بعد المناقشات والمراجعات الحالية، التي ستكون بعضها مباشرة في مختلف المحافظات وبعض الجلسات عبر الاتصال الشبكي (أونلاين) سيجري عقد اجتماع نهائي لوضع الخطوط العريضة والصياغة النهائية لهذه المدونة.

نقاشات الحضور خلال ورشة إعداد مدونة السلوك المهني للصحفيين في دمشق ـ 14 أيلول 2025 (عنب بلدي/ عمر علاء الدين)

وعن مخاوف الصحفيين من تحكم وزارة الإعلام بالمدونة، قال مدير الشؤون الصحفية بوزارة الإعلام، إن أولوية الوزارة هي التشارك مع مؤسسات المجتمع المدني، ومع المؤسسات الصحفية والإعلامي العاملة في سوريا، ومع مكاتب الاعتماد لوسائل الإعلام الأجنبية، وهذا ما يؤكد عدم نية الوزارة فرض مدونة من هذا النوع “رغم أنه كان من حقها”.

وتسعى الوزارة إلى عدم تقييد حرية الإعلام والصحافة، لكن يجب أن يكون هناك مسؤولية، بحسب حاج أحمد.

الأخلاق “ثلث المهنة”

رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام بجامعة “دمشق”، عربي المصري، قال إنه دائمًا هناك توصية من الجهات المسؤولة عن التعليم والتدريب والتأهيل للصحفيين في الاتحادات الصحفية الدولية، أن يكون هناك ثلث تدريب للجانب المهني وثلث للجانب المفاهيمي، وثلث للأخلاق.

وفي حديث إلى عنب بلدي، أشار إلى أن وجود نية لإطلاق مدونة أخلاقية سلوكية مهنية صحفية سورية، دليل على أن هناك بوصلة تعمل بشكل صحيح لتوجه الصحفيين وتغطي ثغرات قانون الإعلام الوطني الذي سيصدر قريبًا بعد التعديل، والذي ما زال إلى الآن، بحسب المصري، معمولًا به وفق الإعلان الدستوري الذي أقر العمل بالقوانين الوطنية.

ووقع الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في 13 من آذار الماضي، مسودة الإعلان الدستوري، الذي نص على أن الدولة تكفل “حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة”،

وتصون الدولة الحقوق والحريات الواردة وفقًا للإعلان، وتمارس وفقا للقانون، ويجوز إخضاع ممارستها للضوابط التي تشكل تدابير ضرورية للأمن الوطني أو سلامة الأراضي أو السلامة العامة أو حماية النظام العام ومنع الجريمة، أو لحماية الصحة أو الآداب العامة.

ويجب أن يدرس طالب الإعلام كل المواثيق الدولية الصادرة عن الاتحاد الدولي للصحفيين، وإعلانات الأخلاقيات الدولية، كما يجب أن يدرسوا القانون السوري، والمدونات السلوكية التي تصدرها الجهات الخاصة بكافة أشكالها، بحسب المصري.

وأوصى المصري الصحفيين الجدد، بشأن المواثيق، قائلًا، “اجعلوا لرسالتكم قلبًا قبل أن يكون هناك لها عقل يخدم السياسة التحريرية للمؤسسة، لذلك دائمًا نقول الجمهور ثم الجمهور ثم الجمهور، ويا رضا الله ورضا الجمهور”، بحسب تعبيره.

نقاشات الحضور خلال ورشة إعداد مدونة السلوك المهني للصحفيين في دمشق ـ 14 أيلول 2025 (عنب بلدي/ عمر علاء الدين)

المدونة “عُرف”

يرى الصحفي السوري يعرب العيسى، أن المدونات تأتي استكمالًا للقانون، مع ميله للقانون العام في تنظيم مهنة الصحافة، أما المدونات فهي أشبه بخلق أعراف يجري الالتزام بها بشكل طوعي.

العيسى، وفي حديث إلى عنب بلدي، أشار إلى أن هذه المدونات تصبح كنوع من الأعراف مشابهة للأعراف التي تحكم العلاقات بالمجتمع، مما يؤدي في النهاية إلى أن يكون الالتزام بها طوعيًا، ومن هنا تنبع أهميتها.

وأشار إلى عدة محاولات لإعداد مدونات سلوك ومواثيق شرف في كل المناطق التي كان فيها الصحفيون السوريون، في الداخل والخارج.

وقال، “حان الوقت لأن تجمع كل هذه المحاولات بصيغة توافقية وقاسم مشترك، على الأقل أن يكتشف الصحفيون السوريون المنقسمون، الذين كانوا لا يعرفون بعضهم، أنهم متفقون على مبادئ المدونة بنسبة تكاد تكون 100%”.

وهناك مواثيق شرف، في الجنوب السوري، وفي شمال شرقي سوريا، إضافة إلى “ميثاق شرف الإعلاميين السوريين”، التي كانت عنب بلدي من مؤسسيه.

من ورشة مناقشة مدونة السلوك في دمشق ـ 14 أيلول 2025 (عنب بلدي/ عمر علاء الدين)

الباحثة في “شبكة الصحفيات السوريات”، لمى راجح، قالت لعنب بلدي، إنها وجدت في مسودة المدونة إشارات استفهام بالنسبة للصحفيات السوريات، مثل بند منع “تحقير المرأة”، قائلة إن هذا المصطلح فضفاض جدًا، “نحن بحاجة إلى أن نقول هل هو تمييز، إقصاء، تنميط، تهميش”.

وأضافت، “نحن بحاجة إلى التفصيل أكثر، ومن المؤكد أن الزملاء سيتجاوبون معنا بهذا الشأن”.

في 10 من أيلول 2015، أطلقت 20 مؤسسة إعلامية سورية ميثاق شرف الصحفيين السوريين، لإيجاد دور فاعل للإعلام ليكون مساهمًا جديًا في بناء المجتمع السوري الجديد، وفق ما جاء في الميثاق.

“هيئة ميثاق شرف للإعلاميين السوريين” هي شبكة سورية تضم حاليًا 24 مؤسسة إعلامية سورية مستقلة، من بينها جريدة “عنب بلدي”، وراديو “آرتا إف إم”، ووكالة  “آرا نيوز”، وراديو “روزنة” ومجلة “نسائم سوريا” وغيرها.

وتهدف الهيئة من خلال حزمة التشريعات والأنشطة الخاصة بها إلى تعزيز البعد الأخلاقي والمهني عند كوادر المؤسسات الأعضاء بهدف إنتاج محتوى إعلامي يخلو من خطاب الكراهية، غني بقيم العدالة الجندرية، الدقة، المصداقية، النزاهة، الإنصاف.

تحديات حرية الصحافة في سوريا.. بعد الأسد

مقالات متعلقة

  1. "ميثاق شرف" يطلق لجنة شكاوى مستقلة لتنظيم قطاع الإعلام السوري
  2. الإعلام السوري يكتب مدوّنته المهنية.. هل ننجح
  3. من لا وزارة إلى خطر وزارة شديدة المركزية
  4. الشكوى.. سبيل الجمهور السوري لامتلاك صحافته

حريات صحفية

المزيد من حريات صحفية