حملات التبرع الشعبية.. صمود المجتمع في ظل عجز الدولة

  • 2025/09/21
  • 2:42 م
فعاليات حملة "أبشري حوران" في مدرج بصرى الأثري بدرعا - 30 آب 2025 (سانا)

فعاليات حملة "أبشري حوران" في مدرج بصرى الأثري بدرعا - 30 آب 2025 (سانا)

enab_get_authors_shortcode

عنب بلدي – محمد كاخي

في 13 من آب الماضي، أقامت محافظة حمص ووزارة الثقافة، وبالتعاون مع فريق “ملهم التطوعي” مؤتمر “أربعاء حمص”، بهدف عرض مشاريع تنموية قابلة للتمويل تلبي احتياجات المدينة في قطاعات المياه والتعليم والخدمات العامة، تبعتها حملات مشابهة في درعا ودير الزور، ولاحقًا بريف دمشق وإدلب.

استطاعت هذه الحملات جمع عشرات ملايين الدولارات، وبدأت بعض المنظمات ورجال الأعمال الذين تبرعوا خلال هذه الحملات بتنفيذ مشاريع خدمية ضمن المحافظات، كحفر الآبار وتأهيل المدارس والبنى التحتية للصرف الصحي.

وبالرغم من أن هذه الحملات انبثقت عن عمل فرق تطوعية مستقلة، فإنها حظيت بدعم حكومي واسع، تمثّل في التنظيم والإشراف، وحتى والتبرع، وهو ما يثير الانتباه إلى أهمية العمل المجتمعي في دعم جهود التأهيل وسد النقص الحاصل وإن بشكل جزئي.

اعتراف بصعوبة الواقع الاقتصادي

حملة “أربعاء حمص” كانت فكرة لفريق تطوعي في حمص يحمل اسم “أربعاء حمص”، وحملة “أبشري حوران” كانت حملة خدمية مجتمعية تطوعية أشرفت عليها الحكومة، ومثلها حملة “دير العز”.

ويرى المدير العام للخدمات المصرفية الخاصة لإدارة الشرق الأوسط في بنك “ستاندرد تشارترد”، نبال نجمة، أن التوجه الحكومي لهذه الحملات هو اعتراف غير مباشر بالواقع الاقتصادي الصعب، إذ يهدف هذا النشاط إلى تعزيز التكافل الاجتماعي، وتنويع الموارد المالية اللازمة لتغطية تكاليف إعادة الإعمار، والتي هي عملية إجمالية، تتطلب تضافر الجهود الحكومية والشعبية في آن واحد.

وقال نجمة، في حديث إلى عنب بلدي، إن هذه الحملات تنسجم مع خطاب الاعتماد على الذات الذي تروج له الحكومة، وتقدم دليلًا على صمود المجتمع، وقدرة الشعب السوري، في الداخل والخارج، على تمويل نفسه بنفسه.

بالمقابل، يرى رئيس منتدى الاقتصاديين العرب، سمير العيطة، أن الدولة فشلت في دعم المواطنين ورعاية المشاريع التنموية، وبالتالي توجه المواطنون للحملات الشعبية، وما قامت به الدولة السورية هو استثمار هذه الحملات إعلاميًا فقط.

وقال العيطة لعنب بلدي، إن هذه التحركات لها دلالتها، وهي أن المجتمع يحتاج إلى مؤسسات دولة قريبة منه لتأمين حياته، ومن المهم أن تأخذ هذه التحركات طريقًا مؤسساتيًا، أي أن توضع التبرعات المجمّعة، أو أي معونات خارجية، في ميزانيات المجالس المحلية، وتتم مراقبة صرفها وتنفيذ الأولويات، لا أن تكون وسيلة للنفوذ المباشر أو عبر “جمعيات”.

بينما يرى الأكاديمي والباحث في السياسات العامة عبد المنعم حلبي، أنه لا يمكن اعتبار ما حصل في هذه الحملات توجهًا حكوميًا، وأن دور الحكومة في هذه الحملات يتمثل فقط في إطار صندوق التنمية السوري، وذلك مرتبط بطبيعة التمويل الذي يقوم عليه هذا الصندوق.

حلول إسعافية ودعم للمشاريع الصغيرة

كانت الأهداف المعلَنة لهذه الحملات الشعبية تنمية المناطق التي أُقيمت فيها، ورفع جودة الخدمات المقدمة في هذه المناطق، أو إعادة بنائها من الصفر، مثل تأهيل البنى التحتية، وحفر وتأهيل آبار مياه الشرب، وتأهيل المدارس والطرقات وغيرها من الخدمات.

ويرى الأكاديمي والباحث في السياسات العامة عبد المنعم حلبي، أن تأثير هذه الحملات سيكون إسعافيًا لمعالجة بعض الاحتياجات الضرورية المرتبطة بإعادة تأهيل البنية التحتية والمدارس والمنشآت الصحية، إلا أنه، وبحسب حلبي، لا يمكن الاعتماد عليها في التأسيس لمرحلة إعادة الإعمار، إلا في حال توفر دعم خارجي ملموس أو دوران عجلة الإنتاج ونهوض الاقتصاد بصورة تؤدي إلى قيام القطاع الخاص بدعم صندوق التنمية السوري ومنظمات المجتمع المدني.

وتابع حلبي أن أهم ما يمكن تقديمه في المرحلة الأولى هو دعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، مثل بعض المهن والحرف، وإعادة تأهيل الأراضي الزراعية.

ويرى الدكتور في الاقتصاد ووزير المالية والاقتصاد السابق في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، أن هذه الحملات تغطي الاحتياجات المستعجلة للمجتمعات، وتحسّن بعض القطاعات التي تحتاج إلى تأهيل مستعجل مثل القطاع التعليمي والصحي وقطاع المياه.

مدير عام الخدمات المصرفية في بنك “ستاندرد تشارترد”، نبال نجمة، أكد أن هذه الحملات تُحدث تأثيرًا اقتصاديًا إيجابيًا مباشرًا، خصوصًا في محافظات عانت من دمار كبير.

وقال نجمة، إن تركيز هذه الحملات على إعادة تأهيل البنى التحتية في القطاعات الزراعية والخدمية والصناعية الصغيرة، وخلق فرص عمل فورية، وتحسين المستوى المعيشي للناس، هو ما يجعل أثرها إيجابيًا ومباشرًا.

ولكن حملات التبرعات، التي هي بطبيعتها مؤقتة ومحدودة، و”تلفّها حالة العاطفة أو الفزعة”، ليست بديلًا عن سياسات التنمية المستدامة التي تهدف إلى زيادة الإنتاج، وتعزيز الاستثمار، وخلق موارد متجددة ومستقرة، وبحجم يلبي حاجات النهوض الاقتصادي الهائلة، بحسب نجمة.

أدوات منع غسل الاموال

شهدت حملات التبرع السابقة جدلًا أثاره تبرع ابني رجل الأعمال محمد حمشو، أحمد وعمرو، المعروف بقربه من نظام الأسد المخلوع، في فعالية صندوق التنمية السوري، وتبرع أحد قادة الفصائل السابقين بمبلغ 25 ألف دولار، وتبرع أحد المتهمين سابقًا بأنه ذراع للنفوذ الإيراني في شرقي سوريا، فرحان المرسومي، بمبلغ 200 ألف دولار في حملة “دير العز”.

وتصاعد الحديث في مواقع التواصل الاجتماعي عن عمليات غسل أموال تجري من خلال التبرع في هذه الحملات الشعبية، يصاحبها تجميل لصورة رجال ساعدوا الأسد المخلوع في حربه على الشعب السوري.

في هذا الشأن، يرى مدير عام الخدمات المصرفية في “بنك ستاندرد تشارترد”، نبال نجمة، أن التبرعات لم تكن كلها مشبوهة، فكثير منها أتى من أفراد عاديين أو مغتربين، أو من مؤسسات حكومية وغير حكومية معتبرة، إلا أن احتمال غسل الأموال في هذه الحملات يبقى واردًا، نظرًا إلى السياق التاريخي السوري الذي شهد نشاطًا اقتصاديًا غير مشروع خلال السنوات الماضية.

ويشكل القلق الشعبي من حالات كهذه عنصرًا رقابيًا، ويمكن ضبط العملية إلى حد كبير عبر سن قوانين واضحة تحدد مَن يحق له جمع التبرعات، ومن يُشرف عليها، وكيف تُستخدم، وتعزيز الشفافية عن طريق إعداد كشوفات دورية، وتأمين رقابة مستقلة من ممثلين عن النقابات المهنية أو منظمات المجتمع المدني، أو الجهات الحكومية ذات العلاقة. وبذلك نضمن التحقق من مصادر التبرعات وطبيعتها وطرق تحصيلها، بحسب نجمة.

وعلى الدولة التحقق من مصادر الأموال بالتعاون بين مؤسساتها (وزارة المالية والمصرف المركزي)، والدول التي يقوم الأشخاص بالتبرع منها، لمنع غسل الأموال على حساب الناس، بحسب الدكتور في الاقتصاد عبد الحكيم المصري.

ولا يعتقد الأكاديمي والباحث في السياسات العامة عبد المنعم حلبي، أن عمليات التبرع المشبوهة تأتي ضمن عمليات غسل أموال، وإنما ضمن تسويات معينة، ونوع من الدعم والتعويض الاجتماعي على الأغلب.

مقالات متعلقة

  1. تبرعات بـ 13 مليون دولار في "أربعاء حمص"
  2. دير الزور.. ما المأمول من حملة "دير العز"
  3. تبرعات "أبشري حوران" تتجاوز 36 مليون دولار
  4. حملة "دير العز" تنطلق.. التبرعات تتجاوز 26 مليون دولار

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية