أيلول يمر ثقيلًا على الأسر السورية

  • 2025/09/21
  • 5:13 م
سكان بمنطقة تسيل في ريف درعا الغربي يتسوقون لتحضير مؤونة المكدوس - 2 أيلول 2025 (عنب بلدي/محجوب الحشيش)

سكان بمنطقة تسيل في ريف درعا الغربي يتسوقون لتحضير مؤونة المكدوس - 2 أيلول 2025 (عنب بلدي/محجوب الحشيش)

enab_get_authors_shortcode

عنب بلدي – كريستينا الشماس

يعد شهر أيلول عند السوريين “شهر المصاريف الثقيلة”، فلا يمر عليهم مرور الكرام كغيره من أشهر السنة، بل تتشابك فيه الأعباء المادية والاحتياجات المنزلية في وقت واحد.

يتزامن شهر أيلول كل عام مع بداية العام الدراسي، وما يرافقه من لوازم مكلفة تتضمن شراء حقائب وقرطاسية ولباس مدرسي.

وما إن ينتهي الأهالي من مهمة تأمين مستلزمات أبنائهم، حتى يبدأ موسم “مونة” (مؤونة) الشتاء، الذي يعتبر تقليدًا متجذرًا في البيوت السورية، ولكنه بات عبئًا يفوق قدرة الكثيرين.

ولا تقتصر تكاليف السوريين لاستقبال فصل الشتاء على مصاريف المؤونة، بل تمتد لتشمل الحاجة الملحّة لتأمين وقود التدفئة قبل حلول فصل الشتاء، تحسبًا لحصول قفزات في سعره.

تحدثت عنب بلدي مع أهالٍ في دمشق، حول كيفية تعايشهم مع مصاريف شهر أيلول، وكيف يدبرون أمورهم المعيشية مع قلة دخلهم الشهري.

لوازم المدرسة.. فاتورة مكلفة

تشهد الأسواق مع بداية كل عام دراسي ارتفاعًا في أسعار اللوازم المدرسية، من زي وحقائب ودفاتر وقرطاسية.

قامت عنب بلدي بجولة على بعض أسواق دمشق، ليتبين أن تجهيز طالب واحد للمرحلة الابتدائية، بأرخص المستلزمات المتوفرة في السوق، يكلّف الأسرة حوالي 150,000 ليرة سورية تقريبًا، بينما ترتفع التكلفة في حالة طالب المرحلة الإعدادية أو الثانوية لنحو 250,000 ليرة سورية، لاختلاف الاحتياجات.

وصف رامي مهنا، وهو موظف حكومي براتب 400,000 ليرة شهريًا، وأب لطفلين في المرحلة الابتدائية، شهر أيلول بأنه أصبح بمثابة “شبح” يزور العائلة كل عام.

وأوضح رامي أنه لم يتمكن من تأمين كل ما يحتاج إليه طفلاه من لوازم المدرسة، بسبب كثرة المصاريف التي لا تتناسب مع دخله الشهري.

“المشكلة أن مصاريف المدارس تأتي في نفس الوقت مع مؤونة “المكدوس”، وتحضير المازوت للشتاء. شهر أيلول جعلني أمام فاتورة لا يقدر راتبي أن يغطي حتى ربعها”، قال رامي.

“كابوس” الشتاء و”المكدوس”

يُعرف أيلول في الثقافة الشعبية السورية بأنه “شهر المكدوس”، فتبدأ العائلات بتحضير مؤونة الشتاء من الباذنجان المحشو بالجوز والفليفلة والزيت، لكن تحولت تكاليف المؤونة إلى عبء جديد، التي قد تصل إلى 700,000 ليرة لعائلة مكونة من خمسة أشخاص.

تروي سميرة عباس، ربة منزل في الـ50 من عمرها، أن أيلول كان يُعرف لديهم قديمًا بشهر الخير والمؤونة، لكن اليوم “صار شهر الحيرة والكابوس المالي”، بحسب وصفها.

اعتادت سميرة تحضير ما لا يقل عن 50 كيلو من “المكدوس”، لكن هذا الموسم لم تتمكن سوى من تجهيز 20 كيلو فقط، بسبب فقدانها عملها الذي كان يعود عليها بمردود جيد، إلا أن تعرضها لوعكة صحية اضطرها لتركه.

“رغم تقليصي لكمية مؤونة المكدوس، فإنني اضطررت للاستدانة، ورغم ذلك لم تنتهِ مصاريف أيلول الثقيل بعد”، قالت سميرة.

وينذر أيلول باقتراب الشتاء، لذا يهرع الأهالي لتأمين مازوت التدفئة، ورغم توفره بكثرة منذ سقوط النظام السابق، فإن الأهالي يتخوفون من تضاعف أسعاره.

ما يخيف أسماء اليوسف، وهي أم لثلاثة أطفال ومدخولها الشهري لا يتجاوز مليون ليرة، ليس كيفية تدبير تكاليف لوازم المدرسة ومؤونة الشتاء، بل كيفية مواجهة البرد.

دفعت أسماء أكثر من 100,000 ليرة مقابل عشرة ليترات فقط من المازوت، وهي كمية لا تكفي سوى لبضعة أيام، بحسب قولها.

وتقف أسماء أمام خيارين لمصاريف أيلول، “أحلاهما مر” بحسب تعبيرها، إما شراء كمية أكبر من المازوت قبل ارتفاع سعره على حساب شراء كامل لوازم أطفالها للمدرسة، وإما شراء هذه اللوازم وتأمين مؤونة الشتاء مقابل حرمانهم من الدفء.

راتب ليومين ونصف

تتقاطع قصص الأهالي التي عرضتها عنب بلدي في هذا التقرير بنقطة واحدة، وهي الفجوة بين الدخل والمصاريف، إذ أظهرت بيانات “مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة”، التي نشرت في حزيران الماضي، أن زيادة الرواتب الأخيرة في سوريا بنسبة 200%، تظل غير قادرة على تلبية الاحتياجات اليومية لعائلة مكونة من خمسة أفراد، إذ لا يكفي الحد الأدنى للأجور المحدد بـ750,000 ليرة سورية سوى يومين ونصف من حاجة الأسرة السورية للاستهلاك بالحد الأدنى.

وأوضحت البيانات أنه مع انتهاء النصف الأول من العام الحالي، تجاوز متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، حاجز 14 مليونًا و400 ألف ليرة سورية، فيما وصل الحد الأدنى إلى نحو تسعة ملايين و100 ألف ليرة سورية، ليتضح حجم الهوة التي تفصل الحد الأدنى للأجور عن متوسط تكاليف المعيشة الآخذة بالارتفاع باستمرار.

بالمقابل، ومع ارتفاع الحد الأدنى الرسمي للأجور، يظل الأجر شديد الهشاشة من حيث قيمته الحقيقية، وبالمقارنة مع وسطي تكاليف معيشة الأسرة فإنه لا يغطي سوى نحو 5.1% فقط من الاحتياجات الأساسية لأسرة مكوّنة من خمسة أفراد، أي أقل من يومين ونصف من حاجة هذه الأسرة للاستهلاك بالحد الأدنى.

يأمل رامي مهنا، في ختام حديثه لعنب بلدي، بزيادة راتبه إلى مقدار يستطيع أن يكفي احتياجات طفليه للمدرسة، دون أن يحرمهما مؤونة الشتاء ودفء المنزل، ليتحول شهر أيلول بنظره إلى شهر سلام يتخلص فيه من كابوس “المصاريف والالتزامات”، بحسب تعبيره.

مقالات متعلقة

  1. سوء الكهرباء يمنع سوريين من تخزين المؤونة
  2. أيلول.. ضيف ثقيل يرهق "جيبة" السوريين
  3. ارتفاع الأسعار يقنن مؤونة الخضراوات والألبان في إدلب
  4. بعد الاستغناء عن اللحم والفروج.. اللاذقية تواجه الشتاء دون مؤونة

مجتمع

المزيد من مجتمع