دعت المنظمات الحقوقية الثلاث “هيومن رايتس ووتش، وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، والأرشيف السوري”، السلطات السورية بنشر تقريرها الكامل عن التحقيق بأحداث الساحل في آذار الماضي، وحماية هويات الشهود، وضمان الإجراءات القانونية الواجبة للمتهمين.
واعتبرت المنظمات أن السلطات لم تقدم سوى قدر ضئيل من الشفافية، بشأن ما إذا كان تحقيقها قد تناول دور كبار القادة العسكريين أو المدنيين، أو ما هي الخطوات التي ستتخذها لمحاسبة الذين يتمتعون بسلطة القيادة، وأن “عليها أيضا ضمان أن الإجراءات القضائية لا تقتصر على الجرائم الفردية، بل تشمل أيضا المسؤولية المؤسسية”، بحسب تقرير المنظمات، الذي نشرته منظمة “هيومن رايتس ووتش”، اليوم الثلاثاء 23 من أيلول.
وفي هذا السياق، قال المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لـ “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، لعنب بلدي، إن تقرير لجنة التحقيق الوطنية لم يتطرق إلى دور وأهمية كبار القادة المسؤولين بأحداث الساحل، ويتوجب عدم إغفال مسؤولية القيادة، كون الأحداث التي جرت كانت، حتمًا، بعلم القيادة، ولكن لا دور لها، وهذا يفرض محاسبة كبار القادة، سواء العسكريين أو المدنيين.
وتابع أن تقرير لجنة تقصي الحقائق حاول أن يوحي بأن الانتهاكات كانت من قبل مجموعة من العناصر، ولكن القادة على علم بالنمط المنهجي الواسع الذي اتبعته العناصر بـ “القتل”، وبالتالي التقرير حمّل العناصر الانتهاكات، وهذه أبرز مشاكل التحقيق، “والقيادة تتحمل المسؤولية، خاصة بعملية عسكرية منسقة بهذا الشكل، تضمنت وجود أكثر من 200 ألف مقاتل”، وفق تعبيره.
وأضاف “نحن نحاول أن نقول أن هناك فرصة لكي نتعاطى مع الانتهاكات التي حدثت قبل السقوط وبعد السقوط، ونحاسب المتورطين ونعوض الضحايا، ونكشف الحقيقة لكي نستطيع فتح صفحة جديدة، لذلك يجب أن يكون هناك أساس لسلام مستدام في هذا البلد”.
رغم أن المنظمات الثلاث لم توجه اتهامات مباشرة بارتكاب “الفظائع”، إلا أنها أكدت أن وزارة الدفاع في الحكومة الجديدة لعبت دورًا مركزيًا في حشد الوحدات وتنسيق انتشارها، إذ حشدت عشرات آلاف المقاتلين من مختلف أنحاء البلاد، وخصصت لهم مناطق عمليات مشتركة.
وكشف الأحمد أن الأسس التي اتبعتها المنظمات الثلاث في توصلها بأن التحقيق أغفل دور كبار القادة والمسؤولين العسكريين، هي اعتمادها على شهادات واسعة وكثيرة من الضحايا والعناصر، والصحفيين المرافقين، وتحليل الأدلة.
واليوم يتوجب السير باتجاه واحد يتضمن العدالة لكل الضحايا، والمحاسبة الحقيقية لمرتكبي الانتهاكات بعيدًا عن هوية الضحية، وفق ما قاله بسام الأحمد.
تقرير لجنة التقصي
المتحدث باسم لجنة التحقيق وتقصي أحداث الساحل السوري، ياسر الفرحان، أعلن نتائج تقريرها الذي سلمته إلى الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في مؤتمر صحفي، في 22 من تموز الماضي، حول الأحداث التي شهدها الساحل السوري في آذار الماضي.
وبحسب الفرحان، بنت اللجنة استنتاجاتها على الشبهة، وليس الدليل القاطع الذي يكون عادة في المحاكم، وأنها لم تُظهر أسماء المشتبه بهم في سبيل عدم الإضرار، وقد نُظّمت أسماؤهم في جداول ملحقة بالتقرير، وأنها تكتمت على أسماء بعض الشهود الذين يخشون من كشف أسمائهم الصريحة.
كما توصلت اللجنة إلى أسماء أشخاص متهمين بارتكاب انتهاكات في أحداث الساحل، منهم 265 شخصًا منضمين إلى مجموعات مسلحة خارجة عن القانون مرتبطين بـ”فلول الأسد”، بالإضافة إلى 298 شخصًا هم عبارة عن أفراد ومجموعات يرتبطون ببعض المجاميع والفصائل العسكرية من مجمل القوات المشاركة، ممن خالفوا الأوامر العسكرية، ويُشتبه بارتكابهم انتهاكات بحق المدنيين.
آليات المساءلة
تقرير المنظمات حث السلطة السورية على السماح بوصول آليات المساءلة الدولية، بما فيها تلك التابعة للأمم المتحدة، وتنفيذ إصلاحات أمنية تشمل التحقق من خلفيات المقاتلين، وطرد المقاتلين المتورطين في الانتهاكات، وتطبيق هياكل قيادة ومدونات سلوك واضحة.
“التحقيق لم يتطرق إلى أوجه التقاعس المؤسسية الأعمق، بما في ذلك دور كبار المسؤولين في تمكين الانتهاكات الواسعة أو عدم منعها”، وفق التقرير.
وأوضحت المنظمات أن الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها “القوات الحكومية، والجماعات المسلحة الموالية للحكومة، والمتطوعون المسلحون”، تشمل الإعدامات التعسفية، والتدمير المتعمد للممتلكات، وإساءة معاملة المحتجزين.
وأظهرت النتائج أن هذه الجرائم وقعت في إطار عملية عسكرية منسقة مركزيًا بإشراف وزارة الدفاع، التي واصل مسؤولوها تنسيق نشر القوات حتى بعد أن أصبحت عمليات القتل الجماعية معروفة للجمهور.
الباحثة الأولى في شؤون سوريا في “هيومن رايتس ووتش”، هبة زيادين، قالت إن اعتراف الحكومة بـ”الفظائع” هو خطوة إلى الأمام، لكنه لا يرقى إلى تحقيق العدالة حيال المسؤولين رفيعي المستوى الذين مكنوا هذه الجرائم أو لم يوقفوها.
وذكرت أن عدم محاسبة القادة والمسؤولين الذين نشروا القوات المنتهِكة، يفتح الباب أمام المزيد من الأعمال الانتقامية والفظائع في سوريا.
وقال مقاتلون إنهم تلقوا أوامر عبر قنوات مرتبطة بالوزارة بتأدية مهام شملت تسليم المسؤولية عن المناطق التي أصبحت “آمنة” إلى قوات الأمن العام، موضحين لـِ”هيومن رايتس ووتش”، أن القيادة العسكرية واصلت تنسيق القوات ونشرها حتى بعد أن علمت السلطات، أو كان ينبغي أن تعلم، بوقوع القتل والفظائع.
بسام الأحمد، ذكر في التقرير أنه ليس من الضروري وجود أمر يحمل توقيعًا لمحاسبة كبار المسؤولين وقادة الفصائل.
وكان لدى مسؤولي وزارة الدفاع القدرة على حشد عشرات آلاف المقاتلين، وتحديد مناطق الانتشار الجغرافي وتوزيعها، وإبقاء العمليات مستمرة في عشرات البلدات لأيام.
واعتبر أن السؤال لا يتمحور فقط حول من أصدر الأوامر، أو ما إذا كان قد أصدرها، بل لماذا لم يتمكن أي شخص مسؤول من وقف القتل والنهب الواسع النطاق، واصفًا الأمر بأنه “تقصير في القيادة وضعف في الإرادة”.
“العقاب الجماعي”
صورت اللجنة الهجمات على أنها أعمال ثأرية شخصية، لكن نتائجها هي نفسها، ونتائج التحقيق المشترك المعروض في هذا التقرير، تكشف عن حملة أوسع من العقاب الجماعي استهدفت المجتمعات العلوية”، وفق التقرير.
وأظهرت العديد من الفيديوهات والأدلة التي راجعها الباحثون وتحققوا منها أن الضحايا غالبا ما تم استجوابهم بشأن هويتهم قبل قتلهم، وأن الجماعات المسلحة استخدمت عبارات مسيئة ضد العلويين خلال المداهمات.
وجد التحقيق المشترك للمنظمات أن أنماط الاحتجاز التعسفي، ومداهمات المنازل، والاستهداف على أساس الهوية في المجتمعات العلوية كانت قد بدأت قبل أسابيع في حمص وريف حماة.
واستمرت الانتهاكات منذ ذلك الحين، وشملت تلك التي وقعت في محافظة السويداء الجنوبية في تموز الماضي، حيث أفاد السكان المحليون الدروز بوقوع إعدامات تعسفية، ونهب، وتدمير للممتلكات خلال العمليات الأمنية الأخيرة التي نفذتها وحدات من “وزارتي الدفاع والداخلية”.
قالت المنظمات إن تواصل اللجنة مع المجتمع المدني والجهات الدولية، بالإضافة إلى التزامها المعلن بتحقيق العدالة، يشكّل تطورًا إيجابيًا.
واعتبرت أن توصيات اللجنة بشأن الإصلاحات المؤسسية وتدابير العدالة الانتقالية والتعويضات ودمج الجماعات المسلحة في هياكل شفافة وخاضعة للمساءلة هي مقترحات بناءة تتطلب متابعة عاجلة، مع ذلك، تعتمد مصداقية هذه الجهود على الخطوات المقبلة، بما في ذلك الشفافية العلنية والمساءلة الجادة على جميع المستويات.
ما أحداث الساحل؟
بدأت أحداث الساحل في 6 من آذار الحالي، وأسفرت عن قتلى في صفوف الأمن العام، وانتهاكات طالت مدنيين على يد “الفلول” وعناصر الأمن وفصائل موالين للدولة السورية، فضلًا عن تدمير وسرقة للممتلكات العامة والخاصة.
ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل 803 أشخاص في المفترة ما بين 6 و8 آذار، في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة.
ووفق “الشبكة”، كان للفصائل المحلية والتنظيمات الإسلامية الأجنبية التابعة “شكليًا” لوزارة الدفاع، الدور الأبرز في ارتكاب الانتهاكات، التي اتّسم معظمها بطابع انتقامي وطائفي.