الجيل الصحفي الجديد في سوريا.. الفرص والالتزامات

  • 2025/09/29
  • 11:00 ص
الصحفي علي عيد
enab_get_authors_shortcode

علي عيد

التقيت في سوريا خلال الأسابيع الماضية عشرات الصحفيين، معظمهم من الجيل الشاب، ولسبب أو لآخر اعتدت خلال السنوات العشر الماضية أن يكون لي احتكاك يومي بالصحفيين من الجيل الجديد، بعضهم قادمون من جامعات وكليات تدرس علوم الصحافة والإعلام، وآخرون من اختصاصات علمية متنوعة لا تمت لمهنة الإعلام بصلة.

لا أذيع سرًّا أن الصحفيين الشباب يشكّلون مصدر إلهام، كما ينقلون حماستهم في غرف الأخبار للأجيال التي سبقتهم، حتى وهم يتلقون الخبرة والتعليمات، فالإعلام من أكثر المهن تطوّرًا وتغيرًا، بل يمكن القول إنها تغيرت كليًّا، ومن لا يستطيع اللحاق ومواكبة هذا التغيير، سيفقد فرصته حتى في الأرشيف الذي لم يعد يعتمد على البشر.

لكن رحلة الأسابيع الأخيرة، وما سبقها من سنوات، حيث عملت يدًا بيد مع الشباب أدربهم أو أشرف على عملهم، أو نولّد الأفكار معًا، قادتني لإسداء بعض النصح عبر هذا المقال لأولئك الزملاء الذين قرروا دخول مهنة المتاعب، منها:

  • اقرأ:

وهي النصيحة الأولى لحديثي العهد، فما حصل أمس حتى عندما لم تكن قد ولدت يبقى مهمًّا في كتابة مادتك الصحفية، لأن ما يجري اليوم هو امتداد لما حصل بالأمس.

مثال: للصحفيين الذي يغطون أخبار أو تطورات ملف التفاوض والاعتداءات الإسرائيلية على سوريا بعد سقوط النظام السابق، إذ كيف يمكنك كتابة تقرير أو توجيه سؤال لمتخصص بشأن الاتفاقية الأمنية، وخصوصًا مسألة العودة إلى “اتفاق فض الاشتباك” عام 1974.

ولفهم هذا الاتفاق يجب أن تكون مطّلعًا على أسبابه، والقرارات المتعلقة به مثل 338 و242، والقرار 350 الذي نشأت بموجبه القوة الأممية “الأندوف” (UNDOF).

وكذلك على الصحفي أن يعرف أدق التفاصيل، مثل المساحة التي سيطرت عليها إسرائيل في الجولان المحتل، والمساحة التي شكلت المنطقة الفاصلة، والأهمية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة للطرفين السوري والإسرائيلي، إضافة إلى معرفة عامة بإلزامية هذه القوانين وظروفها.

  • قم ببناء شبكة معارفك ومصادرك:

تعتبر شبكة المعارف والمصادر “زوّادة” الصحفي في رحلته المتعبة، ومن خلالها يستطيع الوصول إلى الحقائق، أو توجيه الأسئلة للمعنيين بالإجابة عنها، كما يمكنه تحدّي عامل الوقت بتوفير قاعدة مهمة من المصادر.

مثال: لو كنت تغطي حرائق الساحل السوري، فأنت بحاجة لمصدر رسمي لمعرفة آخر الجهود في إخمادها أو حجم خسائرها، وكذلك تحتاج إلى متخصصين يفيدونك في المعلومات حول أسبابها العلمية والمناخية، وطبيعة الغطاء النباتي، كما أنك بحاجة لمصادر محلية في المكان لتصف لك ما يحدث وأثره الإنساني على الناس، فإذا كنت قادرًا على الوصول إلى الوزارة أو الإدارة المختصة أو المتخصصين وأبناء المنطقة، فاعلم أن لديك قصة، وتحتاج فقط للتواصل والربط، والتصوير إذا كنت تعمل للتلفزيون أو تنتج تقارير مرئية.

وإذا لم تكن تملك ما سبق ذكره، هذا يعني أنك ستبدأ البحث عنه الآن، وقد لا تنجح في ذلك بالسرعة المطلوبة.

  • تمتع بالصبر وثابر على التعلم من تجاربك:

كل تجربة تخوضها في بداية حياتك المهنية، هي عبارة عن خبرة تتراكم، وتفيد في بناء شخصيتك، وكذلك تدخل في سيرتك الذاتية، فالصحفيون الذين أمضوا سنوات طويلة في متابعة قضايا مهمة غالبًا ما يصبحون خبراء فيها، أو يصبحون مديرين في غرف الأخبار والمؤسسات، وينقلون الخبرة للأجيال التي تليهم.

  • لا تحرق الوقت:

يندفع كثير من الصحفيين الشباب نحو النجومية، أو الظهور على الشاشة، وهذا يقلل من فرصتهم في بناء القدرات واكتساب المعارف المهنية.

مثال: بعض الصحفيين الذين قرروا أن يعتمدوا على فريق إعداد في مقتبل حياتهم المهنية، غالبًا ما يفتقدون مهارات البحث والكتابة، لذلك ثابر على المضي نحو بناء شخصيتك بتأنٍ، ولا تترك مهارة تتطلبها المهنة، لأن كل ما لا تعرفه سيتحول إلى نقطة ضعف في شخصيتك المهنية.

  • ضع في اعتبارك ثلاثة أمور هي القانون، الأخلاق والمعايير، المنطق:

تلك المعايير الثلاثة قد يتسبب أي خلل فيها بإنهاء سيرتك المهنية، فاحرص على الامتثال للقانون في كل ما تقوم به، ولا تقم بأي عمل يتنافى مع الأخلاق أو المعايير المهنية الصارمة حتى لا تفقد مصداقيتك أو فرصك في نيل احترام المؤسسة التي تعمل بها والجمهور الذي تعمل لأجله.

بالعودة إلى أهمية وجود الشباب داخل المؤسسات الإعلامية فالأمر يتعلق بعدة أسباب منها:

  • تجديد الدماء والحيوية ومواكبة الجيل: الصحفيون الشباب غالبًا ما يطرحون أفكارًا وقضايا قد تكون غائبة عن أذهان زملائهم السابقين، ما يفيد في التطرق لكل ما هو عصري وجديد داخل المجتمع، كما أن انتماءهم للجيل الجديد يمثل مكسبًا مهمًا في معرفة ما تغير بالمجتمع، وما يجب أن نقوم به غدًا.
  •  إتقان التكنولوجيا الحديثة: يتمتع الجيل الجديد بقدرات أفضل ومرونة في التعامل مع الأدوات الرقمية، وصحافة البيانات، والصحافة التفاعلية، ويسهمون في تطوير المؤسسات الإعلامية بما يواكب عصر الإعلام الرقمي.
  • نقل الخبرات: يعتبر إدماج الكوادر الشابة أمرًا مهمّا في العمل الإعلامي، لضمان وجود كوادر مؤهلة تنقل الخبرة للجيل القادم، وتستخلص خبرات الجيل السابق.
  • النشاط والحماسة: غالبًا ما يتمتع الصحفيون الجدد بروح الحماسة والمنافسة، وهو ما ينعكس في طبيعة الإنتاج وحجمه.

وجود الشباب في غرف الأخبار وساحات العمل الإعلامي يحتاج إلى خبرة المخضرمين، حراس البوابات، العارفين والمتبحرين أكثر في المعايير الصحفية، وأخلاقيات المهنة، وأساليب التحقق، وكشف الأخطاء، والتمييز بين الأخبار الصحيحة والمغلوطة.

كما يشكل الصحفيون المخضرمون صمام أمان في المؤسسات وغرف الأخبار، وهم الأكثر قدرة على إدارة الأزمات والتعامل مع الأحداث الكبرى والكوارث بهدوء وحكمة، بعيدًا عن الحماسة الزائدة والانفعال، وكذلك إضفاء الأبعاد التحليلية للأحدث خلال التغطيات، وفهم السياقات السياسية والتاريخية.

كما أن الجيل المخضرم هو من يقوم بنقل الخبرة، وتدريب وتأهيل الصحفيين الجدد، مما يسهم في بناء جيل مهني قوي.. وللحديث بقية.

مقالات متعلقة

  1. مشكلة كوادر صحافة المستقبل
  2. "الانفصال الجيلي".. تحدي صحافة المستقبل
  3. عنب بلدي تخرج متدربي "مارس 19" في دمشق
  4. فرص العمل الصحفي في عصر الذكاء الاصطناعي

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي