مشكلات النظر وتأثيرها على أداء الطلاب في المدرسة

  • 2025/09/28
  • 10:07 م
مشكلات النظر وتأثيرها على أداء الطلاب في المدرسة
enab_get_authors_shortcode

د. أكرم خولاني

هل لاحظت يومًا أن طفلك يتهرب من الذهاب إلى المدرسة، أو أن مستواه الدراسي بدأ بالتراجع بشكل مفاجئ؟

قد تظن أن السبب هو كرهه للدراسة أو وجود مشكلات مع أقرانه، لكن الحقيقة قد تكون أبسط من ذلك، وربما تكمن في عينيه.

تشير دراسات طبية وتربوية متعددة إلى أن ضعف البصر لدى الأطفال يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتراجع التحصيل الدراسي. فالرؤية السليمة أساسية للقراءة، والمتابعة، والمشاركة الصفية. وعندما يعاني الطفل من مشكلات بصرية غير مكتشَفة، تبدأ علامات الإنذار بالظهور: صداع مستمر، تشتت في الانتباه، ضعف في التركيز، وربما سلوكيات غير مفهومة من قبل الأهل والمعلمين.

أزمة صامتة: طفل من كل عشرة

تفيد الإحصائيات أن واحدًا من كل عشرة أطفال يعاني من مشكلات بصرية غير مشخصة.

وهذا يعني أن مئات الآلاف من الأطفال يذهبون إلى مدارسهم كل عام وهم غير قادرين على رؤية السبورة بوضوح، أو قراءة الكتاب المدرسي، دون أن يشتكي أحدهم، لأن الطفل غالبًا لا يعرف أن ما يراه “غير طبيعي”. من هنا، يصبح فحص النظر جزءًا لا يتجزأ من التحضير للعام الدراسي، شأنه شأن شراء القرطاسية والزي المدرسي.

أكثر مشكلات النظر شيوعًا بين الأطفال

تتعدد مشكلات البصر التي تصيب الأطفال، ولكل منها أعراض وتأثيرات مختلفة، ومن أبرزها:

  • قصر النظر (Myopia): يعاني فيه الطفل من صعوبة في رؤية الأشياء البعيدة مثل السبورة أو شاشة العرض.
  • طول النظر (Hyperopia): يواجه فيه صعوبة في تركيز النظر على الأشياء القريبة، مثل الكتاب أو الواجبات المكتوبة.
  • اللابؤرية (Astigmatism): خلل في انحناء قرنية العين يؤدي إلى تشوش في الرؤية.
  • عمى الألوان (Color Blindness): صعوبة في التمييز بين ألوان معينة، وغالبًا ما يكون وراثيًا.
  • اضطرابات التنسيق البصري الحركي: تؤثر على قدرة الطفل على تنسيق حركة العين مع اليد، ما يصعب عليه الكتابة أو الرسم.
  • اضطرابات الإدراك البصري: وهي مشكلات في تفسير المعلومات المرئية رغم أن حدة البصر قد تكون طبيعية.

أسباب ضعف البصر عند الأطفال

لا تظهر مشكلات الرؤية بشكل مفاجئ، بل تتطور تدريجيًا، وقد لا ينتبه لها أحد إلا بعد تفاقمها. ومن أبرز الأسباب:

  • العوامل الوراثية: إذا كان أحد الوالدين أو الإخوة يعاني من مشكلات في النظر، تزداد احتمالية انتقالها للطفل.
  • الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية: كثرة استخدام الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية تؤثر سلبًا على تطور العين.
  • إهمال الفحص الدوري للعين: كثير من المشكلات تُكتشف بالمصادفة أو بعد ملاحظة تغيرات في السلوك الدراسي.

كيف نكتشف وجود مشكلة في الرؤية؟

الأطفال نادرًا ما يعبّرون عن صعوباتهم البصرية بالكلام، بل تظهر في تصرفاتهم. من أهم العلامات التي تستدعي الانتباه:

  • الجلوس بشكل قريب جدًا من التلفاز أو الشاشة.
  • تغطية إحدى العينين أو إمالة الرأس في أثناء النظر.
  • استخدام الإصبع لتتبع الكلمات في أثناء القراءة.
  • الشكوى المتكررة من الصداع أو الإرهاق البصري.
  • الانزعاج من الضوء أو كثرة رمش العينين.
  • تراجع الأداء الدراسي أو فقدان التركيز المفاجئ.
  • في حال ملاحظة أي من هذه الأعراض، يُنصح بعرض الطفل على طبيب عيون مختص، دون تأجيل.

التأثيرات النفسية والسلوكية لمشكلات البصر

المشكلة لا تتوقف عند حدود الصف والدرجات، بل تمتد إلى نفسية الطفل وثقته بنفسه. ومن أبرز التأثيرات:

تراجع التحصيل الدراسي: أكثر من 80% من المعلومات في المرحلة الابتدائية تصل للطفل عبر البصر، لذا فإن أي خلل فيه يؤدي إلى فجوة بالفهم والاستيعاب.
فقدان الثقة بالنفس: يشعر الطفل بأنه “أقل قدرة” من زملائه، ما يضعف من تقديره لذاته.
الانعزال: يتجنب المشاركة الصفية أو التفاعل مع الأنشطة الجماعية.
القلق والتوتر: نتيجة الشعور بالإجهاد أو عدم القدرة على المتابعة.
تأخر النمو المعرفي: ضعف البصر قد يعوق تطور المهارات اللغوية والبصرية.

ماذا يمكن أن نفعل؟

الوقاية والكشف المبكر هما مفتاح الحل، ويمكن اتخاذ خطوات بسيطة لكنها فعالة:

الفحص الدوري للبصر

  • يجب فحص نظر الطفل مرة واحدة سنويًا على الأقل، حتى في حال غياب الشكاوى.
  • بعض المشكلات لا تظهر إلا عبر الفحص الطبي المتخصص.

التعاون بين المدرسة والمنزل

  • المعلمون في موقع مثالي لرصد مؤشرات ضعف البصر داخل الصف.
  • يجب أن يكون هناك تواصل دائم مع الأهل لتبادل الملاحظات.

دعم الطفل نفسيًا عند ارتداء النظارات

  • إشراك الطفل في اختيار شكل النظارة يساعد في تقبّلها.
  • ربط النظارة بشخصيات محببة للطفل أو رموز إيجابية يعزز من ثقته.
  • البدء بارتداء النظارة لفترات قصيرة ثم زيادتها تدريجيًا.

تقليل الوقت أمام الشاشات

  • تطبيق قاعدة “20-20-20”: كل 20 دقيقة، ينظر الطفل إلى شيء يبعد 20 قدمًا لمدة 20 ثانية.
  • تشجيع الأنشطة الخارجية واللعب في الضوء الطبيعي لدعم صحة العين.

هل كره المدرسة مجرد عرض؟

قد لا يكون كره الطفل للمدرسة نتيجة كسل أو عناد، بل نتيجة عجزه عن رؤية ما يُكتب على السبورة، أو فهم ما يُشرح في الصف، أو قراءة ما في الكتاب. وعندما يعجز عن مجاراة أقرانه، تبدأ سلسلة من الإحباطات، فيرفض المدرسة، ويُوصف بالضعف أو التمرد، بينما المشكلة الحقيقية عضوية، وبسيطة العلاج.

أخيرًا، صحة العين ليست ترفًا ولا أمرًا ثانويًا، إنها ضرورة تعليمية ونفسية واجتماعية، فالفحص المبكر والعلاج المناسب يمكن أن ينقذ الطفل من سنوات من المعاناة الدراسية، ويعيد إليه حب التعلم، والاندماج مع أقرانه.

ربما يكون الحل الأبسط لكراهية المدرسة، هو فقط نظارة طبية.

 

اقرأ أيضًا: 19  مليون طفل يعانون منه حول العالم.. ضعف البصر عند الأطفال

مقالات متعلقة

  1. حين تصبح المدرسة عبئًا.. لماذا يهرب الطلاب؟
  2. قصر البصر.. مشكلة تبدأ في الطفولة وتستمر مدى الحياة
  3. 19 مليون طفل يعانون منه حول العالم.. ضعف البصر عند الأطفال
  4. التسرب المدرسي.. نتائج كارثية تهدد الأطفال والمجتمع

صحة وتغذية

المزيد من صحة وتغذية