بعد إعلان الجيش الإسرائيلي، إصابة أحد جنوده بانفجار لم تحدد طبيعته، في جنوبي سوريا، الاثنين 29 من أيلول، تبنت جماعة مجهولة في نفس اليوم العملية.
وأعلنت الجماعة، وتدعى “المقاومة الوطنية في سوريا” (كتيبة الشهيد أحمد مريود)، مسؤوليتها عن عملية استهدفت بعبوة ناسفة، عددًا من الجنود في موقع مستحدث بريف القنيطرة، ما أسفر عن إصابات مباشرة في الجيش الإسرائيلي.
وقال البيان، “إن الإخوة المجاهدين تمكنوا، بعد رصدٍ دقيق لعدة أيام، من زرع عبوة ناسفة على بوابة أحد المواقع العسكرية المستحدثة في محافظة القنيطرة، وتم تفجيرها بنجاح صباح اليوم، ما أسفر عن إصابات مباشرة في صفوف الجيش الإسرائيلي”.
وأكدت جماعة “المقاومة الوطنية”، في بيانها، التزامها باستمرار “النضال المشروع حتى تحرير كامل التراب السوري “، محذّرة “سلطات الجولاني في دمشق” (الحكومة السورية) من ملاحقة “عناصر المقاومة” في درعا والقنيطرة، معتبرة أن “العدو الحقيقي هو إسرائيل”.
بيان “نفي قاطع”
قناة “الميادين” المعروفة بقربها من “حزب الله” اللبناني، وإيران، نقلت الخبر، ليخرج بعدها بيان لأهالي القنيطرة وعائلة مريود لنفي علاقتهما بهذه الكتيبة.
جاء في بيان نشرته صفحات محلية في القنيطرة، تأكيد “قاطع” أن بيان “المقاومة الوطنية في سوريا”، لا يمثلها ولا يمت للحقيقة بصلة، بل هو “محاولة يائسة من فلول النظام البائد وأعوانه لتأجيج الوضع وتضليل الرأي العام”.
وأضاف البيان: “إننا إذ ننفي نفياً قاطعاً علاقتنا بهذا البيان وما جاء فيه، نؤكد أن أبناء القنيطرة، وفي مقدمتهم عائلة مريود، كانوا وما زالوا جزءاً أصيلاً من نسيج هذا الوطن، رافضين كل محاولات التشويه والزج بأسماء شهدائنا وأبنائنا في مشاريع لا تمثل إلا من أطلقها”.
وأكد البيان الاحتفاظ بالحق “القانوني والعشائري في ملاحقة كل من يسيء أو ينشر بيانات ملفقة”.
ماذا حصل
الجيش الإسرائيلي، أعلن إصابة أحد الضباط في صفوفه، الاثنين 29 من أيلول، بانفجار جنوبي سوريا، لم تحدد طبيعته.
وقال الجيش الإسرائيلي عبر حسابه في “إكس” إن ضابط احتياط إسرائيلي أصيب بجروح وصفها بـ”الخطيرة”، نتيجة انفجار وقع في منطقة يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي في جنوبي سوريا.
وأضاف أن الضابط نقل لتلقي العلاج الطبي في المستشفى، وجرى إبلاغ عائلته، دون إيراد تفاصيل أخرى، حتى لحظة تحرير الخبر.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أن الضابط أصيب في الجزء السفلي من جسده بشظايا من العبوة الناسفة.
وأضافت أن الجيش الإسرائيلي مازال يحقق في ملابسات الحادثة.
وأفادت أن الجيش الإسرائيلي نقل الضابط الذي يعمل في “سلك الحاخامية العسكرية” إلى مستشفى “رامبام” في حيفا، عبر طائرة “الهلكوبتر”.
وتعتبر الحادثة الثانية من نوعها منذ سقوط النظام السوري السابق، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي، في 20 من آب الماضي، إصابة أربعة جنود بانفجار لوسيلة قتالية، لم يوضح طبيعتها، في جنوبي سوريا.
وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، حينها، أن الكتيبة انطلقت في مهمة عملياتية لتحديد مواقع الأسلحة في المنطقة، وعثرت على القنبلة التي انفجرت وأصابت المقاتلين، وتم إجلاؤهم بطائرة هليكوبتر لتلقي العلاج.
جماعات أعلنت عن نفسها سابقًا
أعلنت عدة جهات عن نفسها كمجموعات “مقاومة” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تزامنا مع التوغلات الإسرائيلية بعد سقوط نظام الأسد، في 8 من كانون الأول 2024.
ظهر ما سمي بـ”جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا” (أولي البأس) التي ادعت وجود مقاتلين في سوريا يتبعون لها ويقاومون الوجود الإسرائيلي،
كان أول ظهور لها على تيلغرام، في 9 من كانون الثاني الماضي، حيث تبنت “أولي البأس” عددًا من عمليات الاشتباك مع الجيش الإسرائيلي في ريف درعا، لتوحي أنها من تقوم بصد التوغل.
مدنيون وقيادي عسكري في درعا، نفوا لعنب بلدي دور المجموعة بالتصدي للتحركات الإسرائيلية، مؤكدين أن المقاومة التي جرت كانت رد فعل شعبيًا على دخول إسرائيل لأراضيهم.
وتُتهم “أولي البأس” بتبعيتها لإيران، من خلال سرديتها وتمجيدها للمشروع الإيراني والأذرع المرتبطة به في المنطقة، على رأسهم الأمين العام السابق لـ”حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، ونشر أقواله.
في شباط الماضي، شكلت “أولي البأس” تحالفًا مع عدة تشكيلات تحمل نفس السردية، وفق تحليل لمركز “واشنطن لدراسات الشرق الأدنى”:
- “لواء درع الساحل”: بقيادة مقداد فتيحة، ويركز نشاطه على المنطقة الساحلية. وقد واجه هذا التحالف بعض الصعوبات لاحقًا، رغم وجود مؤشرات مبكرة على انضمام أعضاء من لواء درع الساحل إلى جماعة “أولى البأس”.
- “أشباح روح المقاومة”: بقيادة الدكتور عبد الحميد الشاملي، وتنشط في شرق سوريا، إلا أن هذا التحالف لا يزال غير مؤكد.
- “سرايا العرين”: وحدة شبه عسكرية يقودها العقيد هاشم أبو شعيب، وتتركز عملياتها في جنوب سوريا. ووفقا لبيان جماعة “أولى البأس” الصادر في 8 من تموز، تولّى أبو شعيب منصب رئيس قسم التعبئة والتنظيم.
- “المقاومة الشعبية السورية”: مجموعة تظهر معاداة إسرائيل، وتكن العداء للحكومة السورية، وتتبنى شعارات النظام السابق، ويظهرون تأييدًا مباشرً لرئيس النظام المخلوع بشار الأسد.
تبعية لإيران
تروج وسائل الإعلام الإيرانية، أو القريبة من هذه المجموعات بشكل مكثف، لهذه المجموعات، وتعتبرها “مقاومة شعبية ضد إسرائيل”.
ووفق تقرير لـ “مركز الحوار السوري” هناك العديد من المؤشرات التي يمكن رصدها، وتشير بوضوح إلى ارتباط تنظيم “أولي البأس” بإيران وبفلول نظام الأسد، من أبرزها:
الترويج المبكّر عبر شخصيات محسوبة على محور إيران: مثل العراقي عباس العرداوي، كما إن شخصيات إيرانية بارزة، منها العميد بالحرس الثوري بهروز إصبتي، أكد أن طهران تعمل مع عناصر سورية لتأسيس مثل هذه الفصائل، ما يُعزّز فرضيّة الرعاية الإيرانية.
بعض هذه المجموعات وعناصر تابعون لها متهمون بافتعال أحداث الساحل، مطلع آذار الماضي، حين شن مقاتلون من فلول نظام الأسد كمائن استهدفت عناصر الأمن العام ومدنيين، تبعها رد فعل من فصائل موالية للحكومة تدخلت ونفذت عمليات قتل أيضًا بحق مدنيين.
وتتبنى هذه التشكيلات، سرديات مشابهة لـ “حزب الله” والميليشيات التابعة لإيران.
كما تشمل منشورات وبيانات “أولي البأس” و”المقاومة الشعبية السورية”، “وسرايا العرين” هجومًا على ما تسميه “المشروع الصهيوني والأمريكي والتركي”، فضلًا عن هجومها على الحكومة الحالية، واتهامها بالتنسيق مع إسرائيل.
وتشير بعض منشوراتها إلى تبعية لفلول النظام السابق عبر اعتمادها العلم السوري القديم ذي اللون الأحمر، واعتبار النظام السابق حاضنة “محور المقاومة”.
الباحث بفواعل ما دون الدولة بمركز “عمران للدراسات” أسامة شيخ علي، رأى في حديث سابق لعنب بلدي أن “أولي البأس” خرجت من أطراف تؤيد المشروع الإيراني، من خلال السردية والتصنيفات التي تتكلم بها والعداء الذي أبرزته لتركيا والولايات المتحدة الأمريكية.
ويعتقد شيخ علي أن إنشاء “أولي البأس” هو “محاولة يائسة” لإثبات أن نفوذ إيران ما زال قائمًا في سوريا ورسالة لإسرائيل أن إيران لم تخسر سوريا وتغادرها كليًا، وما زالت لديها أذرع وتثبت قدرتها على شن عمليها عسكرية ضد إسرائيل في الجنوب السوري وإيلامها.
توصيات
على الرغم من كونها أقرب إلى ظاهرة صوتية عندما يتعلق الأمر بمقاومة “إسرائيل”، يمثل الحضور الميداني لجماعة “أولي البأس” بوصفها أداة لإعادة التموضع الإيراني في سوريا، تهديدًا مُركبًا على أمن سوريا ووحدتها السياسية، فعلاوة على أنها اشتركت في دعم فلول نظام الأسد في تمردها فعليًا، وفق تقرير “مركز الحوار السوري”.
ويرى المركز أن وجود قوة مسلّحة خارج إطار الدولة بذريعة “المقاومة” يُكرّس ازدواجية الشرعية والسلاح، وهو ما أثبتت التجارب الإقليمية أنه مدخل لتآكل سلطة الدولة وجرّها إلى صدام داخلي.
واقترح المركز توصيات للحكومة السورية منها:
- تفعيل العمل الأمني والاستخباراتي: من خلال مراقبة هذه الجماعة وقياداتها ورصد تحرُّكاتها، مع ملاحقتها القانونية والميدانية وضربها قبل أن تتمكن من تثبيت وجودها.
- التعبئة الفكرية والتوعية عبر التذكير بدروس التجارب الإقليمية: من خلال توسيع حملات التوعية العامة لتشمل أمثلة من التجارب الفاشلة للدول التي فقدت احتكار القرار الأمني، مثل حالة الدولة العراقية تحت وطأة الميليشيات، وانقسام لبنان واحتكار “المقاومة” من طرف واحد، وأحداث “أيلول الأسود” في الأردن التي جسّدت مخاطر ازدواجية الشرعية والسلاح.
- تبني أدوات النضال القانوني الممكنة والمعقولة: تعزيز الثقافة الوطنية حول أدوات النضال الممكنة ضد “إسرائيل”، بما في ذلك اللجوء إلى المحاكم الدولية، وحملات المقاطعة، والدبلوماسية الشعبية، وحشد التضامن العالمي، سواء للتضامن مع الإخوة الفلسطينيين في غزة أو لمواجهة العدوان “الإسرائيلي” المستمر على سوريا بأشكاله المختلفة.
- بناء شرعية الدولة في الجنوب: العمل على تقوية حضور الدولة في عموم سوريا، والجنوب خاصة، وفي محافظات درعا والقنيطرة على وجه أدق، باعتبار درعا حاضنة الثورة الأولى، عبر مشاريع تنموية وأمنية مشتركة مع المجتمعات المحلية، بما يقطع الطريق أمام استقطابها من قبل الميليشيات.
- التأكيد والتوعية بأن قرار الحرب والسلم هو قرار سيادي جامع: وهو قرار الدولة بمؤسساتها ذات الصلة حصرًا، لا يُتخذ إلا في إطار وطني يوازن بين المصالح الاستراتيجية ومخاطر المواجهة، وبحسابات دقيقة، وتوضيح خطر استجرار مليشيات مدعومة خارجيًا لمواجهات مفتوحة تخدم العدو.