التعليم المسيحي في القامشلي.. قرارات “الإدارة الذاتية” تهدد الهوية والتراث

  • 2025/10/02
  • 6:32 م
ثانوية الأمل الخاصة في الحسكة - 3 آب 2025 ( ثانوية الأمل الخاصة)

ثانوية الأمل الخاصة في الحسكة - 3 آب 2025 ( ثانوية الأمل الخاصة)

enab_get_authors_shortcode

​أثار قرار “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا بإغلاق المدارس المسيحية في القامشلي، موجة واسعة من الاستياء والقلق في صفوف المكونات المسيحية في المنطقة من الأرمن، السريان، الكلدان، والآشوريين.

ويُنظر أبناء الديانة إلى هذا القرار على أنه مجرد إجراء إداري، بل اعتبروه تعد على الهوية الثقافية والدينية وحق التعليم الخاص، مما ينذر بتقويض البنية الاجتماعية للمجتمع المسيحي ويزيد من الهجرة القسرية.

وطالب أبناء الديانة المسيحية في بيانات أو بمقابلاتهم مع عنب بلدي “الإدارة الذاتية” بالتراجع عن هذه القرارات الصادرة، مؤكدين أن مطالبهم تنطلق من حقوق إنسانية ودستورية أصيلة، وليست امتيازات طائفية.

وشملت قرارات الإغلاق عددًا من المدارس والكليات الخاصة، منها مدرسة مار قرياقس (السريان الأرثوذكس)، مدرسة السلام (الأرمن الكاثوليك)، مدرسة ميسلون (البروتستانت)، مدرسة فارس الخوري (الآشوريين)، مدرسة الاتحاد (الأرمن الأرثوذكس)، ومدرسة الأمل بالحسكة التابعة للكنيسة السريانية الأرثوذكسية.

​إغلاق يخلق أزمة تعليمية

يضاعف قرار إغلاق المدارس المسيحية معاناة جيل كامل من الطلاب الذين يوصفون بـ “جيل الحرب”، فبعد سنوات من عدم الاستقرار والصراعات، يجد الأهالي والطلاب أنفسهم أمام انقطاع جديد في العملية التعليمية.

​عنب بلدي التقت عددًا من أبناء الديانة المسيحية في القامشلي من المتضررين، وأكدوا أن هذا القرار ستكون له تداعيات على مستقبل هذا الجيل، ما يزيد من نسبة الجهل ويزيد من صعوبة قدرة الطلاب على التأقلم والتكيف مع الحياة الطبيعية، محذرين من “مصيبة كبيرة” قد تفضي إلى نشوء جيل غير مستقر تعليميًا.

مصدر مسؤول في المجلس الاجتماعي الأرمني، فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي إن هذه المدارس التي أغلقت لم تكن تستخدم مناهج “غربية”، بل كانت تعتمد على مناهج الدولة السورية الرسمية، مع إضافة مواد خاصة تعزز الهوية الثقافية والدينية للمكون، مثل اللغة الأرمنية وحصة التربية الدينية التي كانت تدرس باللغة الأم.

وكان ذلك المزيج يهدف إلى تحقيق التوازن بين الاندماج في المنظومة التعليمية للدولة، والحفاظ على الخصوصية اللغوية والدينية للمجتمع المسيحي، وفق المصدر.

وتابع أن إغلاق هذه المدارس تهديد مباشر لاستمرارية تعليم التربية الدينية المسيحية للأجيال الجديدة.

وأشار إلى أنه في ظل غياب هذه البيئة المتكاملة، التي كانت رابطًا عمليًا بين العائلة، الكنيسة، والمجتمع، يخشى المسيحيون أن يفقد أبناؤهم الصلة التدريجية بالكنيسة، واللغة الطقسية، ومعاني الإيمان العملي والعميق.

​المدارس.. حصن الهوية والتاريخ

ميران خليل، معلمة في إحدى كنائس القامشلي، أوضحت لعنب بلدي أن للمدارس دور محوري كونها حصن للهوية الدينية والثقافية للمجتمع المسيحي بأكمله، وإضافة كتب التربية المسيحية كانت جزءًا أساسيًا من المنهاج، لأنها تعمل على غرس القيم الروحية والإنسانية المستمدة من الإيمان المسيحي في نفوس الطلبة.

وتابعت أن هذه المدارس مثلت المساحة الآمنة لممارسة الطقوس الدينية، من قداسات، أعياد، وصلوات صباحية، ما عزز ارتباط الجيل الجديد بإيمانه ولغته والحفاظ على اللغة الأم في المدارس الأرمنية، على وجه الخصوص لكونها تعتبر الحصن الأخير للغة الأرمنية، وتاريخها، وطقوسها الدينية في مدينة القامشلي حيث يعيش الأرمن كأقلية، وفي غياب هذه المؤسسات يعني فقدانًا تدريجيًا للغة الأم.

​أثر القرار

​لا يتوقف الأثر السلبي للقرار عند الطلبة والهوية، بل يمتد ليطال الجانب المعيشي والاجتماعي للعاملين والإداريين في المدارس الذي أغلقت.

لمى رياقس، إحدى السيدات المتضررات من قرار الإغلاق، قالت لعنب بلدي إن قرار الإغلاق يسبب خطر على الموظفين فهم سيفقدون وظائفهم ومصادر دخلهم الأساسية، خاصة أنهم كانوا في حاجة ماسة لهذا الدخل، كما يعني القرار ضياع سنوات من الخبرة المهنية المتراكمة في هذه المؤسسات التي كانت غالبًا ما تقدم تعليمًا منتظمًا وعميقًا.

من جهته، غزوان يعقوب، أب لطفلين، قال لعنب بلدي إنه لا وجود لأي مبادرات مجتمعية أو كنيسية بديلة لتعويض هذا الانقطاع التعليمي والديني، ما يعني أن المجتمع المسيحي في القامشلي يواجه مرحلة غير مسبوقة من انقطاع التعليم الديني واللغوي، خاصة بالنسبة للأطفال. وأشار إلى أن “هذا القرار يشكل خطورة وتهديدًا مباشرًا لمستقبل الأجيال الجديدة”.

​تفكيك البنية المجتمعية

​الخطر الأكبر يكمن في الأثر العميق على البنية المجتمعية والتكافل الداخلي للمجتمع المسيحي، حيث كانت هذه المدارس أحد الأعمدة الأساسية التي بني عليها النسيج المجتمعي المسيحي على مدى عقود من التضامن والروابط المشتركة، بحسب ما قاله المعلم عيسى شليمون، لعنب بلدي.

وأضاف أن إغلاقها لا يهدد الأفراد فحسب، بل يهدد نسيجًا مجتمعيًا متكاملًا، ومن المتوقع أن يؤدي هذا التفكك إلى تسريع وتيرة الهجرة ونزوح المسيحيين من القامشلي،خاصة مع تلاشي المؤسسات الحاضنة للهوية.

وكانت أصدرت عدت جهات مسيحية في محافظة الحسكة بيانات احتجاج على قرار “الإدارة الذاتية” بإغلاق المدارس المسيحية التي تدرس المنهاج الحكومي.

وناشد راعي أبرشية الجزيرة لكنيسة الاتحاد المسيحي، القس الدكتور نعيم يوسف، في بيان له القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، أن يتدخل لإلغاء قرار فرض مناهج “الإدارة الذاتية” على المدارس حتى يتم الحصول على الاعتماد الرسمي، لأن له تبعات ونتائج قاسية على مستقبل عشرات الآلاف من الطلاب،وحتى الآن هم خارج المدارس مما يعني مستقبل مجهول والأهالي يعيشون في قلق بسبب أولادهم .

وأشار إلى أن منهاج الدولة ليس تابعة لنظام معين بل هو منهاج معتمد من العالم، وعندما يتم الاعتراف بمنهاج الإدارة ستكون  الأبرشية أول الداعمين لهذا القرار.

يعد شمال شرقي سوريا منطقة ذات تنوع ديني وعرقي واضح، يضم مسيحيين من طوائف السريان والأرمن والكلدان، إضافة إلى مسلمين من مذاهب مختلفة وإيزيديين وأقليات أخرى، إلى جانب حضور عرقي يمثله العرب والكرد بشكل أساسي.

تسعى “الإدارة الذاتية”، التي تسيطر على الشرق السوري، إلى تنظيم شؤون المنطقة وإدارة هذا التنوع، عبر بعض السياسات التي تشمل الاعتراف بالمناسبات الدينية وترميم بعض الكنائس، لكن بعض الإجراءات أثارت انتقادات، مثل إغلاق مدارس خاصة للطوائف المسيحية، وهو ما اعتبره البعض تقييدًا للحقوق التعليمية والدينية.

وفي ذات الوقت، يواجه سكان المنطقة تحديات أمنية وسياسية تؤثر على التعايش، إضافة إلى مخاوف بعض الطوائف والأعراق، من عدم تمثيلها بشكل كافٍ في القرار المحلي، كما هو الحال لدى المكون العربي خاصة في دير الزور والرقة.

مقالات متعلقة

  1. مدارس سريانية في الحسكة تمنع طالباتها المسلمات من ارتداء الحجاب
  2. "الإدارة الذاتية" تمنع تلاميذ الحسكة من الالتحاق بالمدارس الخاصة
  3. القامشلي تفقد أقليتها المسيحية
  4. ميليشيا "السوتورو" المسيحية بعدسة عنب بلدي

خدمات محلية

المزيد من خدمات محلية