خط كركوك- بانياس ينبئ بخريطة جديدة للطاقة الإقليمية

  • 2025/10/05
  • 2:35 م
وصول ناقلات غاز إلى مصفاة بانياس - 27 نيسان 2025 (وزارة الطاقة السورية)

وصول ناقلات غاز إلى مصفاة بانياس - 27 نيسان 2025 (وزارة الطاقة السورية)

enab_get_authors_shortcode

عنب بلدي – لمى دياب

تتهيأ سوريا والعراق لإعادة إحياء خط أنابيب النفط كركوك- بانياس، بعد توقفه منذ عام 2003 بسبب الحروب والأزمات السياسية، ليكون فرصة لإنعاش اقتصاد البلدين، وقد يغير خريطة الطاقة الإقليمية.

أُنشئ الخط عام 1952، بطول يقارب 800 كيلومتر، وبطاقة ضخ تصل إلى 300 ألف برميل يوميًا، ويعد من أقدم مسارات تصدير النفط في المنطقة.
وأمام التحديات الأمنية والاقتصادية، تُطرح العديد من التساؤلات حول تكلفة إحياء هذا المشروع وجدوى إعادة تشغليه.

مدير مركز البحوث في جامعة “جيهان” بالعراق والدكتور بالاقتصاد الدولي، نوار السعدي، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن استئناف الحديث عن إعادة تأهيل وتشغيل خط أنابيب كركوك- بانياس يحمل أبعادًا استراتيجية عميقة، قد تعيد رسم خريطة تدفقات النفط الإقليمية، وتؤثر على التحالفات الاقتصادية في المدى المتوسط والبعيد، لكن هذا الاحتمال مرهون بشروط أمنية وسياسية وتقنية ليست سهلة التحقق.
وحول الآثار الاستراتيجية، أوضح أن فتح منفذ صادرات على البحر المتوسط عبر سوريا، سيمنح العراق منفذًا بديلًا عن المواني المطلّة على الخليج، والمرور عبر مضيق هرمز أو الاعتماد على خطوط العبور الحالية نحو تركيا، فهذا التنوع في مسارات التصدير لا يحسّن فقط مرونة بغداد في تسويق خامها، بل يمنحها ورقة تفاوضية جديدة في علاقاتها مع شركاء التصدير والنقل، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة ترتيب بعض التحالفات الاقتصادية الإقليمية لجهة دول تسمح أو تدعم المرور، وبالتالي تحويل معيار النفوذ من مجرد ملكية الحقول إلى سيطرة مسارات التصدير، بحسب السعدي.

تأثير إقليمي ودولي

أما على مستوى ميزان القوى النفطي بين الدول الكبرى والمصدّرين، فقال مدير مركز البحوث في جامعة “جيهان” بالعراق، إن إمكانية ضخ مئات آلاف البراميل يوميًا إلى المتوسط من شأنها أن تغيّر ديناميكية العرض الإقليمية، خصوصًا إذا كانت الكميات المصدّرة عبر المتوسط موجهة إلى أسواق أوروبية تبحث عن تنويع مصادر الإمداد بعيدًا عن بعض الممرات التقليدية، وهذا ما يضع الموردين الأوروبيين والغرب في معادلة جديدة.

قدرة العراق على الالتفاف على قيود الطرق التقليدية وتوسيع خيارات المشترين الأوروبيين لا تنطبق على التأثير في الأسعار العالمية، فهي تبقى محدودة إذا ظل الإنتاج العراقي في نطاق مئات الآلاف من البراميل مقارنة بالإنتاج العالمي، لأن اللاعبين الكبار كالولايات المتحدة والسعودية وروسيا لديهم قدرة أعلى على التأثير، بحسب السعدي.
بينما يرى الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “حلب” الدكتور حسن حزوري، خلال حديث إلى عنب بلدي، أن تصدير النفط العراقي عبر مرفأ بانياس ومن ثم المواني السورية ومنها إلى أوروبا، سيعطي مزيدًا من المرونة لسوق النفط في أوروبا، خصوصًا إذا كانت خطط الاستيراد من الشرق الأوسط تتأثر بالسياسة أو العقوبات، وهذا قد يقلل من الاعتماد الأوروبي على بعض الموردين التقليديين أو المسارات الراهنة.
ويستطيع العراق أن يتفاوض بصلابة أكبر مع الدول التي تمر عبرها خطوط الأنابيب أو المواني (تركيا، دول الخليج)، ومن الممكن أن يطالب بخفض رسوم العبور أو المشاركة في عائدات النقل أو ضمانات أمنية، بحسب حزوري.

تحديات التمويل ورهانات العائدات

الجدوى الاقتصادية تحتاج إلى قراءة متأنية، لأن تكاليف التأهيل قد تكون مرتفعة جدًا نتيجة أعطال بنية تحتية قديمة، ومتطلبات أمنية عالية لتأمين خط طوله قرابة 800 كيلومتر عبر مناطق حساسة، بحسب مدير مركز البحوث في جامعة “جيهان” بالعراق، نوار السعدي.

كما أن المخاطر السياسية والأمنية في سوريا، وطبيعة العلاقات الإقليمية تشكّل مخاطرة مرتفعة للمستثمرين وقنوات التمويل الدولية، علاوة على الحاجة لقرارات سيادية واضحة بشأن رسوم العبور والتوزيع وإدارة الشحنات، لذلك فإن الجدوى الاقتصادية لا تُحسم بمجرد القدرة التقنية على نقل النفط، بل بقدرة الأطراف على ضمان استدامة التشغيل، وخفض مخاطر الانقطاع إلى مستوى مقبول لتبرير الاستثمارات المطلوبة.
وبحسب السعدي، يمكن أن يكون لخط كركوك- بانياس أثر إقليمي بخفض أقساط الشحن، والتأمين لبعض الأصناف العراقية، ومنح المشترين الأوروبيين مصدرًا بديلًا، ما قد ينعكس على فروق الأسعار الإقليمية أو على شروط العقود طويلة الأجل، لكن ليس بالضرورة أن يدفع السعر العالمي إلى هبوط كبير ما لم يكن مصحوبًا بتغييرات كمية أكبر أو تباطؤ طلب عالمي ملموس.
من جانبه، ذكر الدكتور حسن حزوري، أن التكاليف قد تصل إلى حوالي ثمانية مليارات دولار لإعادة تأهيل الخط، لاستيعاب طاقة تصدير تقارب 700 ألف برميل يوميًا، وهناك تقديرات أقل إذا كانت عمليات التأهيل جزئية فقط.

الإيجابيات على الاقتصاد المحلي

بالانتقال للحديث عن الأثر الاقتصادي غير المباشر للمشروع، أشار مدير مركز البحوث في جامعة “جيهان” بالعراق، إلى أنه سيكون ملحوظًا في القطاعات المحلية المرتبطة بالنقل والخدمات اللوجستية، إذ إن هذا النوع من المشاريع يولّد طلبًا واسعًا على خدمات الصيانة والأنابيب والطرق والمرافئ والاستقدام وتطوير مرافق التكرير، والتخزين في السواحل السورية والعراقية.
ويخلق هذا نشاطًا استثماريًا في المدن والمواني المتصلة بالخط، ويعزز التوظيف المحلي، طالما أن عقود التأهيل مرتبطة بشروط شفافة وتشغيلها تم تنظيمه بشكل يعيد قيمة مضافة للاقتصاد المحلي بدلًا من أن يصبح مجرد عبور يدر عائدات هزيلة للدولة الوسيطة، كما يجب توقع تكاليف أمنية وتشغيلية إضافية قد تثقل ميزانيات البلدين اللذين سيخدمهما الخط، وفق مدير مركز البحوث في جامعة “جيهان” بالعراق.

العائدات المالية وتأثيرها على أسعار النفط

التأثير على الأسعار العالمية مثل برنت أو خام الشرق الأوسط بشكل عام، سيبقى محدودًا ما لم يكن هناك ضخ كميات ضخمة جدًا (مئات آلاف البراميل يوميًا) وبشكل مستمر، بحسب الدكتور حسن حزوري.
وإذا خرج نفط إضافي إلى الأسواق (خاصة الأوروبية) من العراق بكمية كبيرة، وأصبح منافسًا للطرق الحالية، قد يُسهم في خفض تكاليف النقل وتخفيض بعض الفروق السعرية أو العمولات، ما قد يُخفض أسعار النفط الخام العراقي في بعض العقود على المدى المتوسط.

وحول العائدات المحتملة، بيّن حزوري أن إيرادات العبور السنوية لسوريا بين 150 و200 مليون دولار تقريبًا، بناء على بعض التقديرات.
وسيوفر الخط تكاليف تصدير للعراق، لأن المسار عبر سوريا يعد أرخص من الطرق القائمة (مثلًا عبر تركيا أو الجنوب إلى الخليج)، فالتوفير يمكن أن يكون كبيرًا على المدى المتوسط والطويل.

منفذ استراتيجي نحو أوروبا

يرى الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق”، والخبير الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس، أن المشروع يأتي في وقت تشهد فيه الأسواق الأوروبية نقصًا في إمدادات الطاقة، لأن أكبر المصدّرين هما السعودية وإيران، ولكن بسبب العقوبات المفروضة على إيران فهي لا تصدّر إلا للصين.

ويعتبر أن إعادة تشغيل الخط قد تندرج ضمن تحالفات دولية جديدة، تتيح للعراق منفذًا نحو المتوسط عبر سوريا، ما يمنح دمشق دورًا محوريًا كممر للنفط العراقي، ويُعزز مكانة موانيها في العلاقات الاقتصادية مع أوروبا، خاصة في ظل سياسات استقطاب الاستثمار الأجنبي التي تنتهجها الحكومة السورية حاليًا.

خط أنابيب نفط كركوك بانياس – 28 أيلول 2025 (كوردستان 24)

شروط نجاح المشروع

المشروع يمكن أن يكون مجديًا، بحسب الدكتور حسن حزوري، إذا تحققت عدة شروط هي:

  • ضمانات أمنية مستقرة.
  • استثمار أولي كبير من طرفين (العراق وسوريا، وربما شركاء دوليين).
  • تأكيد عدم وجود عقوبات تمنع المشترين الأوروبيين.
  • عقود شراء مطمئنة لفترات طويلة.

لكن إذ كانت الفجوة بين التكاليف والمخاطر من جهة، والعائدات المحتملة من جهة أخرى كبيرة، فإن الجدوى قد يكون مشكوكًا بها.

ويعتقد مدير مركز البحوث في جامعة “جيهان” بالعراق، أن المشروع يحمل فرصة استراتيجية للعراق، لأنه يسعى لتنويع مسارات التصدير، لكنه ليس حلًا سحريًا ولا بديلًا عن الإصلاحات الداخلية الضرورية، إذ لا يكفي فتح أنبوب ليصبح للعراق اقتصاد أقوى، بل يتطلب الأمر تأمينات سياسية طويلة الأمد، واستراتيجيات تمويل واضحة، وقدرة على إدارة المخاطر الأمنية، فضلًا عن عقود تشغيلية شفافة تضمن مردودًا قوميًا حقيقيًا، فالمردود السياسي والاقتصادي للمشروع سيعتمد على ما إذا كانت بغداد قادرة على فرض قواعد لعب واضحة تحمي المال العام، وتستثمر العائدات في تنمية منتجة بدلًا من استنزافها أو تركها رهينة صراعات إقليمية.

وتوضح أحدث بيانات وحدة أبحاث الطاقة أن واردات سوريا من النفط الخام المنقولة بحرًا قفزت لأكثر من 56 ألف برميل يوميًا خلال تموز الماضي، مقابل 13 ألفًا في الشهر نفسه من عام 2024.

ومع ذلك، تراجع متوسط واردات البلاد من الخام خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي إلى 38 ألف برميل يوميًا، مقابل 41 ألفًا في الفترة نفسها من العام الماضي.

وتظهر محاولات إحياء خط أنابيب النفط كركوك- بانياس أن المشروع لا يزال يحتفظ بأهميته الاستراتيجية رغم كل الظروف، فبالنسبة للعراق يمثل خطًا حيويًا لتنويع طرق تصدير النفط، بينما يفتح لسوريا فرصة لاستعادة دورها كمعبر للنفط، إضافة إلى حصولها على النفط العراقي بصورة مباشرة بسعر أرخص، ما يسهم بدوره في خفض فاتورة الاستيراد.

مقالات متعلقة

  1. العقوبات وتكاليف التأهيل تعرقلان تشغيل خط نفط كركوك- بانياس
  2. مصفاة بانياس تبدأ تحديثات واسعة لتحسين الإنتاج والأداء
  3. اجتماع سوري- عراقي لبحث تعزيز التبادل التجاري
  4. تحديات أمام خطة أمريكية لدعم الطاقة في سوريا

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية