كيف يقيّم الحقوقيون التحقيق مع وسيم الأسد ورفاقه

  • 2025/10/06
  • 5:20 م
وسيم الأسد يمثل أمام قاضي التحقيق لتلقي التهم بحقه - 30 أيلول 2025 (وزارة العدل/ لقطة شاشة)

وسيم الأسد يمثل أمام قاضي التحقيق لتلقي التهم بحقه - 30 أيلول 2025 (وزارة العدل/ لقطة شاشة)

enab_get_authors_shortcode

ينشد السوريون، وخاصة المتضررون من النظام السوري السابق، من الناجين من المعتقلات أو ذوي الضحايا والمفقودين، البدء الحقيقي لمسار العدالة الانتقالية، عبر محاسبة الرموز الذين كانوا سببًا في مأساتهم، طوال سنوات حكم الأسدين، حافظ وبشار.

بالمقابل، ترتبط هذه المحاسبة بوضع أسس تضمن حقوق السوريين، وسط قوانين وصفها حقوقيون بـ”القاصرة”، إذ لا تتضمن القوانين السارية، توجيه تهم تتعلق بـ”جرائم الحرب” أو “جرائم ضد الإنسانية”، في حين توجه لهم تهم جنائية، مثل القتل العمد والتحريض على الحرب الأهلية.

ويخضع عدد من رموز النظام السابق إلى التحقيق، بعد أن ألقت القوى الأمنية في الحكومة السورية، القبض عليهم في فترات متفرقة.

أبرز هؤلاء: وسيم الأسد، أحد أقارب الرئيس المخلوع بشار الأسد، والمفتي السابق أحمد حسون، ووزير الداخلية الأسبق محمد الشعار، والرئيس الأسبق لإدارة المخابرات الجوية إبراهيم حويجة، وعاطف نجيب الذي تسلم إدارة الأمن العسكري خلال فترة انطلاق الثورة السورية، والذي يتهم بالتسبب بإشعال شرارتها عبر اعتقال عدد من الأطفال وتعذيبهم.

أحدثها وسيم الأسد

القضية أثيرت مجددًا، بعد أن بثت وزارة العدل تسجيلًا مصورًا، معلنة تحريك النائب العام الدعوى ضد وسيم الأسد، والذي وجه تهمًا للأخير بتشكيل وتمويل مجموعات مسلحة رديفة لـ”الفرقة الرابعة” ضمن الجيش السابق، التي قامت بـ”جرائم قتل” إضافة إلى تورطه بتجارة المخدرات واستغلاله قرابته بالرئيس المخلوع ضمن الدوائر الحكومية، لصالح أشخاص بمقابل مادي.

وأعلن النائب العام، ضمن التسجيل الذي عرضته الوزارة، في 30 من أيلول الماضي، إحالة وسيم الأسد إلى قاضي التحقيق، بعد تحريك دعوى الحق العام، بتهم القتل العمد والتمهيد للجناية والتسهيل لها، والقتل قصدًا والتحريض والاشتراك فيه، والاعتداء الذي يستهدف إثارة الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي، وإثارة النعرات المذهبية والعنصرية، والحض على النزاع بين الطوائف، وصرف النفوذ مقابل منفعة مادية، وتجارة المخدرات.

ودعا النائب العام، المتضررين من وسيم الأسد إلى تقديم الأدلة والبيّنات، لضمها إلى ملف التحقيق.

وكانت الوزارة بثت تسجيلًا، في آب الماضي، تضمن توجيه قاضي التحقيق، تهمًا مماثلة لكل من حسون وحويجة والشعار ونجيب.

المدير التنفيذي لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني، قال إن المتهمين الخمسة هم الآن في النيابة والتحقيقات قائمة بحقهم ويمكن أن يبقوا إلى فترات طويلة ضمن الحجز، حتى يحالوا، فيما بعد، إلى المحكمة.

ومن الممكن محاكمتهم وفق القانون العقوبات السوري الحالي، إذ ارتكبوا الكثير من “الجرائم”، ومن الممكن التعديل على القانون، بعد تشكيل مجلس الشعب، حتى يشمل “جرائم ضد الإنسانية” و”جرائم الحرب”.

ولفت إلى أن المجلس التشريعي، المزمع تشكيله، يمكن أن يشكل محكمة خاصة، لتحاكمهم وفق قوانين تشمل “جرائم الحرب”، و”جرائم ضد الإنسانية”.

“قصور” في القانون السوري

منصور العمري، حقوقي سوري يحمل درجة ماجستير قانون في العدالة الانتقالية والصراع، قال إن وزارة العدل لم توجه تهمًا ضمن إطار “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية”، بل استنادًا إلى مواد القانون السوري.

واعتبر العمري، في حديثه إلى عنب بلدي، أن هذا “خلل كبير” ونتيجة طبيعية لما وصفه بـ”قصور القانون السوري”، وعدم تضمنه تعريفات لهذه الجرائم، مستثنيًا حالة حويجة، بحسب تاريخ ارتكاب التهم الموجهة إليه.

وبحسب العمري، سينعكس هذا الخلل بشكل سلبي، وله تداعيات جدية في عدة مستويات، منها العدالة الجنائية، وأركان العدالة الانتقالية، بما فيه جبر الضرر، والسردية التاريخية وذاكرة السوريين.

وأوضح أن توثيق الجرائم بمسماها الحقيقي هو ركن أساسي في بناء السردية التاريخية للنزاع، وهو جزء لا يتجزأ من العدالة الانتقالية.

وأشار إلى أن عدم استخدام التوصيف الحقيقي سيؤدي إلى تحريف الذاكرة الجماعية، وعدم الاعتراف القانوني بمدى “فداحة هذه الجرائم”.

تشير الجرائم ضد الإنسانية إلى جرائم معينة تُرتكب كجزء من هجمات واسعة النطاق أو ممنهجة ضد السكان المدنيين، وهي تصدم ضمير البشرية نفسها.

عُقدت أول محاكمة استخدمت هذا المصطلح عندما تمت محاكمة القادة النازيين في نورنبيرغ في القرن الماضي، ردًا على “أهوال الهولكوست”.

منظمة العفو الدولية

ما النتائج السلبية؟

بحسب منصور العمري، يمكن أن يفلت وسيم الأسد من تهم محتملة لـ”جرائم الحرب” أو “الجرائم ضد الإنسانية”، نتيجة “قصور” القانون السوري، وبالتالي الإجراءات القضائية الحالية تمنحه البراءة من هذه التهم.

ووفق الحقوقي، المتخصص بقضايا العدالة الانتقالية، إذا تمت إدانة وسيم الأسد بالتهم الموجهة إليه بما فيها القتل، بدون محاكمته على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ستكون من النتائج:

  • إن قال أحد الضحايا إن وسيم الأسد مجرم حرب أو ارتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو اتهمه بذلك، يحق لوسيم الأسد مقاضاة الضحية بتهم التشهير والقدح والذم وربما الافتراء عليه بموجب القانون السوري.
  • إن ورد في أي خبر أو نص أو تقرير صادر عن هيئة العدالة الانتقالية بأن وسيم الأسد ارتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، أو كان حلقة في سلسلة هذه الجرائم، سيحق لوسيم الادعاء على هذه الجهة ومقاضاتها وربما المطالبة بالتعويض.
  • بالتالي، ستضطر هيئة العدالة الانتقالية لإخفاء الحقيقة عن الضحايا والسوريين لتفادي ارتكابها جرائم التشهير والذم والقدح وربما الافتراء.

يُعرّف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جرائم الحرب، من بين أمور أخرى، على أنها “الإنتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على النزاعات الدولية المسلحة” و”الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي”.

منظمة الصليب الأحمر الدولي

وقال إن هذه واحدة فقط من التداعيات “الخطيرة والمخلة” بعمل “هيئة العدالة الانتقالية” التي تقوض أسس عملية العدالة الانتقالية، خاصة فيما يتعلق بحق الضحايا في معرفة الحقيقة، وتدوين السردية التاريخية.

“الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية” هي هيئة مستقلة أعلن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تشكيلها ضمن المرسوم رقم “20”، وتعنى بكشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي تسبب بها النظام السابق، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وترسيخ مبادئ عدم التكرار والمصالحة الوطنية.

ولاقت “الهيئة” ترحيبًا دوليًا، إلا أنها تلقت انتقادات في المقابل، منها تحذير منظمة “العفو الدولية الدولية” من أن الصلاحية المحدودة تقوّض مصداقيتها وتقصي العديد من الضحايا.

“هيئة العدالة الانتقالية”.. ترحيب تشوبه تحفظات حول التشاركية

إيقاف المحاكمات

طالب الحقوقي، العمري، بإيقاف أي محاكمات بحق المتهمين، من رموز النظام السابق، ريثما يناقش القانون الحالي، داعيًا إلى تعديله أو تشكيل محكمة هجينة تعتمد القانون الدولي والوطني، ويتضمن نظامها الداخلي “جرائم الحرب” و”الجرائم ضد الإنسانية”، لحماية الحقوق والعدالة الانتقالية بتعريفها الواسع.

ومنذ سقوط النظام، توالت عمليات القبض على شخصيات ارتبط اسمها بارتكاب انتهاكات بحق السوريين، إلا أنها لم تعلن، حتى اللحظة، عن أي محاكمات بحقهم، مكتفية بتوجيه التهم من النائب العام، أو جمع الأدلة والتحقيق.

كما لم تشر الحكومة، ومن ضمها وزارة العدل، إلى تشكيل محاكم خاصة لمحاكمة مرتكبي الانتهاكات، خلال فترة حكم النظام السابق، أو أنها ستحاكمهم وفق القوانين السارية.

ووفق المادة “44” من الإعلان الدستوري المؤقت، “تنشأ المحاكم وتحدد اختصاصاتها بقانون، ويحظر إنشاء المحاكم الاستثنائية”، ما يشير إلى ارتباطها بعقد مجلس الشعب المقبل.

وتوجهت عنب بلدي إلى المكتب الاعلامي لوزارة العدل للسؤال حول إمكانية إنشاء محكمة خاصة، إلا أنها لم تتلق ردًا حتى لحظة تحرير التقرير.

ما حقيقة الحكم بالإعدام

نفت وزارة العدل، في 2 من تشرين الأول الحالي، صدور أحكام بالإعدام بحق عدد من المسؤولين في نظام الأسد، بعد أن تداول مستخدمون في مواقع التواصل الاجتماعي إشاعات تتعلق بالمسؤولين السابقين.

وأفادت الإشاعات بصدور أحكام بحق حسون وحويجة والشعار ونجيب.

وقال المكتب الإعلامي في وزارة العدل لوكالة الأنباء الرسمية (سانا)، إن الأسماء المذكورة لا تزال قيد التحقيق والمحاكمة، ولم يصدر بحقها أي حكم قضائي حتى تاريخه.

وأوضح المكتب أن ما تم تداوله من معلومات لا يستند إلى أي مصدر رسمي، مشددًا على ضرورة تحري الدقة والموضوعية في نقل الأخبار القضائية، والاعتماد على البيانات الصادرة عن الجهات الرسمية.

وأثارت هذه الإشاعات، التساؤلات حول إمكانية تطبيق حكم الإعدام بالأسماء المذكورة.

الحقوقي منصور العمري، قال إن العقوبات بما فيها الإعدام يحددها القانون المعتمد في سوريا، مشيرًا إلى أن العقوبة ليست محظورة في القانون الدولي، ولكن بعض المحاكم لا تجيز الإعدام، مثل المحكمة الجنائية الدولية.

وأضاف أنه إذا تم اعتماد القانون الوطني للمحاكمة، فالإعدام جائز، مؤكدًا في الوقت ذاته أنهم لن يحاكموا بتهم “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية”.

مقالات متعلقة

  1. "قضاة الإرهاب".. خيط للكشف عن مصير المفقودين في سوريا
  2. لا تقتلونا مرتين.. خطوات تربك طريق العدالة في سوريا
  3. "الشبكة السورية" تقدم رؤيتها لـ"العدالة الانتقالية"
  4. العدالة الانتقالية.. خطوات لنزع الفتيل

معتقلون وسجون

المزيد من معتقلون وسجون