تسببت الاشتباكات التي شهدتها مدينة حلب، في 6 من تشرين الأول، بين قوات الحكومة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شلل شبه كامل داخل منطقة “البلليرمون” (الليرمون) الصناعية شمالي المدينة.
ومنذ صباح اليوم الأربعاء، 8 من تشرين الأول، تجمع مئات العمال عند مداخل المنطقة بانتظار السماح لهم بالدخول إلى معاملهم، بينما بقيت أغلب الورش مغلقة نتيجة الإجراءات الأمنية.
توقف بعد عودة
مدير منطقة الليرمون الصناعية، حسني طراب، أكد لعنب بلدي أن المنطقة لا تزال مغلقة بشكل كامل، ولا يسمح بدخول أو خروج أي عامل.
وأوضح أن هذه الإجراءات تأتي في إطار الأوضاع الأمنية الراهنة، معتبرًا أن “الموضوع خاضع للقرار العسكري حصراً”، دون أي إمكانية لتجاوزها في الوقت الحالي.
وعن موعد السماح بالعودة إلى العمل أو فتح المداخل، أشار طراب إلى أنه “لا يوجد جواب محدد حتى الآن”.
كثير من العمال أفادوا بأنهم لم يتلقوا أي توضيح رسمي، واكتفوا بانتظار “إشارة الدخول” التي لم تصدر إلى الآن.
العامل أحمد طه (22 عامًا) يعمل في إحدى ورشات الخياطة، قال لعنب بلدي إن يوم العمل المهدور يعني خسارة مباشرة في رزقه اليومي.
وأوضح أن معظم العاملين في المنطقة يعتمدون على أجورهم اليومية، وأن أي توقف في العمل يجعلهم عاجزين عن تأمين احتياجاتهم الأساسية.
وأضاف أن المنطقة الصناعية عادت أخيرًا لتدب فيها الحركة بعد فترة ركود طويلة، لكن الاشتباكات الأخيرة أوقفت كل شيء فجأة.
وأشار إلى أن أصوات إطلاق النار التي سمعت مساء الاثنين أثارت مخاوف العمال من اقتراب المواجهات من المنطقة.
من جانبه، أوضح الصناعي معين بودقة، صاحب معمل للنسيج، أن توقف الإنتاج ليوم واحد فقط كفيل بإلحاق خسائر فادحة بالمصانع الصغيرة، خصوصًا تلك التي تعتمد على مواد تحتاج إلى مراقبة دقيقة في أثناء التصنيع.
وقال بودقة، لعنب بلدي، إن كثيرًا من الصناعيين اضطروا إلى وقف تشغيل المعدات للحفاظ على سلامة العمال والآلات في حال تفاقم الوضع الأمني.
وأكد بودقة أن الليرمون كانت دائمًا تعاني من الإهمال ونقص الخدمات، ومع ذلك حاول الصناعيون إعادة تشغيل المصانع رغم الظروف، لكن لا يمكن لأي قطاع أن يتعافى في ظل انعدام الاستقرار.
ولفت إلى أن المعامل كانت بالكاد بدأت باستقطاب عمال جدد خلال الأسابيع الماضية، ما يظهر هشاشة التعافي الاقتصادي في المدينة.
كما يخشى من أن يؤدي استمرار التوتر إلى نزوح المزيد من العمال نحو مناطق أكثر أمانًا أو إلى توقف الاستثمارات الصغيرة التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد المحلي.
العامل محمد بلال، الذي يعمل في ورشة للخياطة، ذكر أن الجهات الأمنية منعت العمال من الدخول “لإجراء تدابير احترازية ولضمان السلامة”.
وأضاف لعنب بلدي أن كثيرًا من العمال يتفهمون هذه الإجراءات، لكنهم يأملون أن تستأنف الأعمال قريبًا حتى لا تتفاقم معاناتهم المعيشية.
نزوح الأهالي
في المقابل، شهد حيّا الشيخ مقصود والأشرفية حركة نزوح متزايدة منذ صباح الثلاثاء، إذ غادرت عشرات العائلات منازلها باتجاه أحياء أكثر هدوءًا مثل السريان الجديدة والجميلية.
محمد جمعة، أحد سكان حي الأشرفية، خرج من منزله برفقة أسرته صباح الثلاثاء 7 من تشرين الأول.
وقال لعنب بلدي إن أصوات الاشتباكات والانفجارات أجبرت الأهالي على ترك منازلهم بشكل عاجل.
وأوضح أن معظم العائلات لجأت إلى بيوت أقاربها، بينما بقي البعض في الأقبية خوفًا من تدهور الأوضاع.
ورغم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الحكومة السورية وقسد، لا تزال حالة القلق تسيطر على السكان في الأحياء الشمالية من مدينة حلب.
ويشهد حيّا الشيخ مقصود والأشرفية حركة نزوح مستمرة للأهالي نحو مناطق أكثر هدوءًا.
ويعزو السكان هذه الخطوة إلى غياب الثقة بمدى التزام الأطراف بالاتفاق، وإلى المخاوف من تجدد المواجهات في أي لحظة.
الليرمون سنوات من الصعوبات
ويعبّر توقف حركة المنطقة الصناعية مع حركة النزوح عن تأثير مباشر للتوترات الأمنية على الواقع المعيشي في حلب.
كما أن استمرار الوضع الحالي سيقوض ما تبقى من النشاط الصناعي في منطقة الليرمون، ويعيدها إلى مرحلة الجمود التي عاشتها خلال السنوات الماضية، في وقتٍ لا تزال فيه حلب تحاول التعافي من آثار الحرب والانقسام الأمني الممتد منذ أكثر من عقد.
وتعد منطقة الليرمون الصناعية واحدة من أهم المراكز الاقتصادية في حلب، إذ تضم عشرات المعامل والورش في قطاعات مختلفة أبرزها النسيج، غير أنها تعاني منذ سنوات من ضعف البنية التحتية وتكرار انقطاع الكهرباء وصعوبة تأمين المواد الأولية.
وتقع المنطقة الصناعية في الجهة الشمالية الغربية من مدينة حلب، وتعد قريبة من حي الشيخ مقصود من الجهة الشرقية، ومن حي الشقيف من الجهة الشمالية.
بينما تحدها من الجنوب منطقة الخالدية، ومن الغرب طريق الكاستيلو الذي يشكل أحد الفواصل الأساسية بين مناطق سيطرة الحكومة السورية ومناطق سيطرة “قسد”.