عصر الحرية و”السوشيال ميديا”

  • 2025/10/12
  • 9:50 م
خطيب بدلة

خطيب بدلة

enab_get_authors_shortcode

خطيب بدلة

في عصر الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، صار الحديث في السياسة، والشأن العام، متاحًا لكل الناس، كل من يمتلك كمبيوترًا محمولًا، أو هاتفًا جوالًا موصولًا بشبكة الإنترنت، يستطيع أن يقول ما يشاء، في أي قضية، حتى ولو كانت عويصة، وبعيدة عن اختصاصه، نعم، إنه يبدي رأيه حتى بالصور التي نشرتها وكالة “ناسا” عن الكون، والفضاء الخارجي!

كنت، في السابق، أرى هذا الأمر ضارًا بمجتمعاتنا التي تعاني من التخلف، وزعمت أنه يشتت الحوار، ويخلط الحابل بالنابل.. ولكن صديقي العزيز، الجنرال المتقاعد غازي أبو عقل، خالفني الرأي، موضحًا أن هذا انتقال كبير، من عصر احتكار المنابر الإعلامية، إلى عصر الحرية بمعناها الواسع. قلت له، ذات مرة: لكن، في ناس، عم يستغلوا هالحرية، ويسبونا. فقال لي بشيء من النزق: خلي يسبونا يا خطيب. المهم يصير عندنا حرية!

اليوم، بعد مرور عقدين من الزمن على هذا الحديث، أصبحت أرى هذه الحرية غير المحدودة، جيدة بالفعل، فقد صرنا نقرأ، ونسمع حكايات وتفاصيل لم يكن تداولها، في السابق، واردًا، وبضمنها أحداث طريفة، ومسلية. فمثلًا، ابتكر نظام الأسد، في الشهور الأولى للثورة، طريقة ديماغوجية، شعبوية، لكسب تأييد الشعب في قتل السوريين المنتفضين، وهي: أن يقوم بعض الأهالي برش حبات من الرز على الآليات المصفحة، في أثناء عودتها من مهامها القمعية.

المهم، أرسل إليّ أحد الأصدقاء، تفاصيل موقف متوتر، جرى بين رجل من ديرتنا، وأرملة شقيقه المتوفى، فالأرملة كانت تؤيد النظام، وتكره الثوار، وذات يوم، اقتحمت قطعة عسكرية إحدى القرى، وفي أثناء انسحابها وقفت تزغرد لرتل المدرعات، وترش عليها حبات من الرز. وبما أن الرجل كان ثائرًا، معاديًا لنظام الأسد، فالمتوقع أن يكون خلافه مع أرملة أخيه سياسيًا، ولكن ما أزعجه، وأخرجه عن طوره، أن أيتام أخيه، شكوا إليه، أكثر من مرة، أنهم يشتهون أكلة “رز بحليب”، ووالدتهم لا تلبي طلبهم، بحجة أن الرز مرتفع الثمن، وهي لا تمتلك فائضًا من المال لشرائه!

قبل سنة 2011، كان الشائع بين الأشخاص الذين امتلكوا أجهزة خليوية، أن يرسل بعضهم إلى أصدقائه، عبر “البلوتوث”، مقاطع صوتية مضحكة، منها أن رجلًا اتصل بواحد غشيم، وراح يتغالظ عليه بأسئلة وحكايات بائخة، فاعتقد الرجل الغشيم أن هناك مَن يحول عليه مكالمات غريبة، من أشخاص مجهولين، وصار يسب ويشتم، ويقول: مين عم يحول علينا المكالمات بهالشكل؟ مين عم يحول؟

بعد سنة 2012، تطورت عمليات قمع الثورة، من قبل نظام الأسد، وأصبح الطيران الحربي يشارك في العمليات، وفي سنة 2016، صار يوجد في أجواء الشمال السوري طيران سوري، وطيران روسي، وكان ثمة رجل “مسخرجي”، اسمه أبو برهو، اعتاد، مثلما اعتاد معظم الأهالي، على القصف، وصار يحول أخبار القصف، حتى المؤلمة منها، إلى طرائف مضحكة.. وذات يوم، كان أبو برهو جالسًا على بيدر القرية، وإذ جاء شخص مذعور، يتلفت إلى الأعلى والوراء، ويصيح: اهربوا. أجاكم الحربي. فقال له أبو برهو، ببرود: مين عم يحول علينا هالطيران؟ مين عم يحول؟

مقالات متعلقة

  1. الحرية التي صارت عندنا
  2. شرب عيران وطائرات مسيّرة
  3. مجلس اعزاز لا تكن كالأسد
  4. أين كنت يا بدلة لما جاهدنا؟

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي