هل تنقل المصارف الاستثمارية سوريا من الإغاثة إلى البناء

  • 2025/10/13
  • 2:28 م
تدريب على الوساطة بين المستثمرين والشركات في سوق دمشق للأوراق المالية ـ 8 تشرين الأول 2025 (سوق دمشق للأوراق المالية/ فيسبوك)

تدريب على الوساطة بين المستثمرين والشركات في سوق دمشق للأوراق المالية ـ 8 تشرين الأول 2025 (سوق دمشق للأوراق المالية/ فيسبوك)

enab_get_authors_shortcode

عنب بلدي – وسيم العدوي

بعد أكثر من 15 عاما على صدور قانون إحداث المصارف الاستثمارية، أعلن مصرف سوريا المركزي إعداد مشروع التعليمات التنفيذية للقانون رقم “56” الصادر عام 2010، التي تسمح بإحداث مصارف استثمارية برأسمال 20 مليار ليرة سورية على الأقل، بهدف تمويل المشاريع الاستثمارية لجهات القطاع العام الاقتصادي والخاص.

المصرف المركزي قام بإعداد مشروع التعليمات التنفيذية، علمًا أنه ليس مخولًا بفعل ذلك بموجب نص القانون ذاته، الذي يبيّن في إحدى مواده أنها “تصدر بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح مجلس النقد والتسليف”.

السماح بتحويل القطع الأجنبي إلى الخارج

تقر المادة “25” من نظام مصارف الاستثمار السورية، بحق مصرف الاستثمار في إجراء تحويلات خارجية من حساباته بالقطع الأجنبي الناتجة عن عملياته المصرفية المشروعة، استنادًا إلى ميزانيته المصدّقة أصولًا.

ويأتي هذا النص ليؤكد استقلالية المصرف في إدارة موارده الأجنبية ضمن إطار رقابي رسمي، مع الحفاظ على التوازن بين الانفتاح المالي وضبط حركة القطع الأجنبي.

وتشمل بنود التحويلات المسموح بها ما يلي:

  • الأرباح والفوائد السنوية للمساهمين العرب والأجانب والسوريين المقيمين إقامة دائمة خارج القطر، بشرط أن تكون مساهماتهم بالقطع الأجنبي.

ومن شأن هذا البند تعزيز ثقة المستثمرين الخارجيين بالمناخ المصرفي السوري عبر ضمان حرية تحويل العوائد المحققة، مما يدعم تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى سوريا، وفقًا لما قاله الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم قوشجي، في حديث إلى عنب بلدي.

  • المكافآت والتعويضات لأعضاء مجلس الإدارة غير المقيمين، والسوريين المقيمين إقامة دائمة في الخارج.
  • تحويل جزء من أجور وخدمات الخبراء والفنيين الأجانب بنسبة 50% من صافي الأجور والمكافآت، و100% من تعويضات نهاية الخدمة.

وهذا الأمر، بحسب قوشجي، يشجع على استقطاب الكفاءات المصرفية الدولية ويسمح بهيكل إداري متنوع يواكب المعايير المصرفية العالمية، ويعكس توجّهًا موازنًا بين تشجيع توظيف الخبرات الأجنبية والمحافظة على استقرار سوق القطع الداخلي.

  •  سداد الالتزامات الخارجية المستحقة على المصرف بالقطع الأجنبي.

وأشار قوشجي إلى أن هذا البند يضمن التزام المصرف بتعهداته الدولية، مما يعزز تصنيفه الائتماني ومصداقيته مع المصارف المراسلة والمؤسسات المالية الخارجية، مبينًا أن هذه المادة تعكس توجه السياسة النقدية السورية نحو إدارة مرنة للقطع الأجنبي مع ضوابط محاسبية دقيقة، بما يتيح لمصارف الاستثمار العمل بفعالية في البيئة المالية الإقليمية.

أنشطة وصلاحيات واسعة

تحدد المادة “26” من القانون المذكور، النشاطات المسموح بها والضريبة لمصرف الاستثمار السوري، حيث يخضع لضريبة دخل بمعدل 25% على الأرباح الصافية لجميع نشاطاته، بما في ذلك أنشطة التنمية المستدامة.

ويوفّر هذا الإطار الضريبي، بحسب قوشجي، توازنًا بين متطلبات الخزينة العامة وتشجيع نمو المصارف الاستثمارية الناشئة، مع الحفاظ على جاذبية البيئة الاستثمارية المالية في سوريا.

ومن الأنشطة المصرح بها للمصارف الاستثمارية حسب المادة ذاتها:

  • الخدمات الاستشارية والمالية: تقديم استشارات مالية وإدارية وقانونية واقتصادية للقطاعين العام والخاص.
  • المساهمة في عمليات الدمج والاستحواذ، وإعادة هيكلة الشركات.
  • تطوير الخدمات المصرفية.
  • تمويل المشاريع الاستثمارية بأنواعها، بما فيها مشاريع “BOT”.
  • المساهمة في تأسيس الشركات وصناديق الاستثمار (حتى 15% من رأس المال).
  • إصدار شهادات الإيداع والكفالات طويلة الأجل.
  • السماح بأعمال التسنيد والتوريق بموافقة مجلس النقد.
  • الاستثمار في الأوراق المالية وفق ضوابط المركزي.
  • تقديم خدمات الوساطة المالية عبر شركات تابعة مرخصة.
  • تأجير الخزائن الحديدية.
  • فتح حسابات لصناديق التقاعد والنقابات.
  • الاحتفاظ بودائع لدى المصارف الأخرى.

ويرى الخبير الاقتصادي أن هذه الصلاحيات الواسعة الممنوحة للمصارف الاستثمارية تدل على الدور التمويلي طويل الأجل للمصرف، وتشير إلى توجهه نحو دعم المشاريع التنموية والبنية التحتية مع إمكانية تنويع أدوات التمويل، وتمثل خطوة نحو تطوير السوق المالية السورية وتعزيز أدوات التمويل غير التقليدية، مما يرفع كفاءة تخصيص الموارد في الاقتصاد الوطني.

وتضع الأنشطة المتاحة، المشار إليها، المصرف في موقع شريك استراتيجي للتطوير المؤسسي، وليس مجرد ممول تقليدي، ما يعزز دوره كمحفّز للنمو الاقتصادي، أضاف قوشجي، وتمثل هذه الخدمات قاعدة تشغيلية داعمة تسهم في تنويع مصادر الدخل وتحسين السيولة التشغيلية.

ويرى الخبير المصرفي أن قانون تأسيس المصارف الاستثمارية يسهم في:

  • خلق مناخ استثماري منفتح تدريجيًا ضمن ضوابط محددة.
  • تعزيز دور مصارف الاستثمار كأداة تمويل تنموي لا كمؤسسات تجارية بحتة.
  • ضمان انضباط التحويلات الخارجية دون الإضرار باستقرار سوق الصرف.

من مرحلة الإغاثة إلى البناء

اعتبر الدكتور قوشجي أن إصدار التعليمات التنفيذية للقانون “56” لعام 2010، الآن، ليس ترفًا تشريعيًا بل ضرورة وطنية ملحّة، مؤكدًا أن سوريا أمام مرحلة انتقال من الإغاثة إلى البناء، وهذه المرحلة تتطلب آليات تمويل متخصصة وطويلة الأجل، لا توفرها المصارف التجارية التقليدية، (الخاصة والعامة).

ويرى أن المصارف الاستثمارية يمكن أن تسهم في إعادة إعمار سوريا من خلال:

  • تمويل البنية التحتية الكبرى عبر قروض طويلة الأجل وصيغ تمويل مبتكرة مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص والصكوك التنموية.
  • إدارة مشاريع إعادة الإعمار بتقييمات جدوى دقيقة، وهيكلة مالية متوازنة، وإشراف تنفيذ مهني يضمن الكفاءة والشفافية.
  • إعادة هيكلة الشركات والمؤسسات العامة المتعثرة عبر صيغ تمويلية واستثمارية تدعم الاستدامة المالية وتشجع الخصخصة الجزئية المنظمة حيث يلزم.
  • تمويل سلاسل القيمة للقطاعات الإنتاجية، خصوصًا الإسكان والطاقة والنقل والزراعة، ما يعيد التشغيل ويخلق فرص عمل دائمة.
  • إطلاق أدوات سوق مالية محلية (سندات، صكوك، صناديق استثمار) لامتصاص المدخرات المحلية واستقطاب رأس المال الخارجي الشرعي والمقنن.

التحديات أمام تأسيس المصارف

أبرز التحديات في تأسيس مصارف استثمارية في سوريا حاليًا، وفق قوشجي:

  • غياب بيئة رقابية متينة وواضحة لتطبيق المعايير الدولية للحوكمة وإدارة المخاطر.
  • غياب سوق مالية هادئة، ونقص البنية التحتية للسوق الذي يجعل تداول الأدوات ورؤية السيولة محدودتين.
  • شح الكوادر المتخصصة في التقييم الاستثماري، وإدارة مشاريع البنية التحتية، وأسواق رأس المال.
  • ضعف الثقة بسبب التجارب السابقة والبيئة السياسية والاقتصادية غير المستقرة.
  • قيود على تحويل الأموال وإشكاليات مصرفية دولية ترفع تكلفة التمويل الأجنبي وتعقّد مشاركة المستثمرين الأجانب.

مخاطر المساهمات الأجنبية في رأس المال

حول تأثير السماح بمساهمة الأجانب بنسبة تصل إلى 49% على السيادة المالية لسوريا على المصرف الاستثماري، قال قوشجي، إن السماح بهذه النسبة يمثل توازنًا عمليًا بين جذب رأس المال والخبرة الأجنبية وبين الحفاظ على السيطرة الوطنية.

واعتبر أن 49% تعطي عنصر جذب قوي للمستثمرين دون سيطرة كاملة على القرار، ولكن حماية السيادة المالية لا تقاس بنسبة الملكية وحدها، بل بـ:

  • الضوابط المؤسسية والالتزامات الرقابية.
  • قواعد الملكية الأجنبية في قطاعات استراتيجية.
  • سياسات التعامل مع المخاطر النظامية.
  • ضمان قدرة الدولة على اتخاذ قرارات اقتصادية مستقلة.

وأكد أن النسبة مقبولة، إذا رافقها إطار تنظيمي صارم يقيّد النفوذ الأجنبي على السياسات والسيادة النقدية.

الحكومات السابقة لم تكن مهتمة بالتنمية

أكد الخبير الاقتصادي قوشجي، أنه إذا نُفذت العناصر السابقة بجدية، فإن المصارف الاستثمارية لن تكون مجرد بنوك جديدة، بل محركات إعادة الإعمار وبناء الثقة الاقتصادية الوطنية، لأن عقود المصارف الاستثمارية طويلة الأجل، وحجم التمويل كبير، وسوريا اليوم بحاجة لهذا التمويل.

وحول رأيه بأسباب تأخر إصدار التعليمات التنفيذية للمصارف الاستثمارية، قال قوشجي، إن كل الجهاز المصرفي التجاري والإسلامي والتخصصي، كان دوره (سابقًا) ثانويًا ومجمدًا، ولم تكن الحكومات السابقة تهمها عملية تنمية حقيقية للاقتصاد السوري، متسائلًا، “كم من قوانين أنجزت وتم تجاوزها أو إفشالها، وكم من المؤسسات انحرفت عن أداء واجبها الحقيقي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.

مقالات متعلقة

  1. "المركزي السوري" يعد تعليمات تنفيذية لقانون صدر قبل 15 عامًا
  2. إقراض بالعملات الأجنبية في سوريا.. تحريك العجلة من خزائن المصارف الخاصة
  3. "المركزي السوري" ينفي ترخيص مصارف جديدة
  4. حاكم "المركزي" يحث المصارف الأمريكية على العمل في سوريا

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية