العلاقات التركية- الإسرائيلية في ضوء المرحلة الانتقالية

  • 2025/10/12
  • 6:16 م
لمى قنوت

لمى قنوت

enab_get_authors_shortcode

لمى قنوت

منذ 7 من تشرين الأول 2023 (تاريخ عملية طوفان الأقصى)، ومع سياسة الإبادة الجماعية التي مارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة لمدة تجاوزت العامين، وسعيه الحثيث لتوسيع إطار هيمنته على المنطقة، تصاعد الاشتباك السياسي والاقتصادي بين إسرائيل وتركيا، وخاصة بعد الإطاحة بنظام الأسد ووصول “هيئة تحرير الشام” بقيادة أحمد الشرع إلى سدة السلطة. وكلما كانت تتضح آفاق التعاون العسكري بين تركيا وسوريا، قبل أن تفضي إلى توقيع اتفاقية عسكرية مشتركة بين البلدين في 13 من آب الماضي، كانت التصريحات الإسرائيلية تتصاعد محذرة من هذا التعاون، وتجلت ذروتها في الهجوم الإسرائيلي على ثلاث مطارات سورية في 2 من نيسان الماضي، مطار “4T” العسكري وهو أكبر المطارات العسكرية، ومطار “القصير” العسكري أو ما يطلق عليه مطار “الضبعة” العسكري، والمطار الثالث هو قاعدة “الشعيرات” الجوية، وذلك إثر معلومات استخباراتية عن دخول فرق عسكرية تركية وشاحنات إلى قواعد عسكرية وبضمنها مطار “4T”، والحديث عن أن تركيا مهتمة بتركيب أنظمة دفاع جوي من أجل استخدامها، وتحويله إلى قاعدة للطائرات دون طيار.

إسرائيليًا، ذكر تقرير لجنة “فحص ميزانية الأمن وبناء القوة” المعروفة بلجنة “ناغل”، وهي لجنة أنشئت لصياغة توصيات بشأن احتياجات الاحتلال الإسرائيلي في بناء قواته والميزانية الأمنية في العقد المقبل، وبأنه يستعد لإمكانية أن تصبح تركيا تهديدًا استراتيجيًا، وحذر التقرير من أن المشكلة ستتصاعد “إذا أصبحت القوات السورية فعليًا (وكيلًا تركيًا)، كجزء من طموح تركيا لاستعادة نفوذ الحقبة العثمانية. يمكن أن يؤدي وجود القوات التركية أو وكلائها في سوريا إلى زيادة خطر حدوث مواجهة مباشرة بين إسرائيل وتركيا”، وحدد جيش الاحتلال بأن تقسيم سوريا إلى كانتونات بمستويات متفاوتة من الحكم الذاتي هو النتيجة الفضلى له، وهو نهج تعارضه أنقرة.

في المقابل، تصاعد القلق التركي بعد الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، والتي بدأتها الأولى في 13 من تموز الماضي، وذكرت أكاديمية الاستخبارات التركية (MIA) عبر تقرير أصدرته في 1 من آب بعنوان: “حرب الأيام الـ12: الدروس المستخلصة لتركيا” بعد تحليل موسع لهذه الحرب، أنها قدمت دروسًا في القدرة على تنفيذ عمليات متعددة الأبعاد، تضمنت استخدام البعدين السيبراني والكهرومغناطيسي اللذين يحددان نتائج الصراعات، وكيف شلت السيطرة الإسرائيلية على الطيف الكهرومغناطيسي الدفاعات الإيرانية، وكان لها أثر نفسي في الحرب، وأن اعتماد طهران على بنية دفاعية مركزية غير مرنة، أدى إلى شلل منهجي أمام هجمات مركبة، وأن فقدان إيران لحلفائها التقليديين أضعف موقفها، وأشار التقرير إلى أن حيادية الدول تجعلها هدفًا سهلًا، وبلا سند، وأن الردع العسكري لا يكفي إذا لم يصاحبه ردع سياسي واقتصادي وتكنولوجي، وأوصى التقرير من جملة ما أوصاه، بضرورة بناء أنظمة إنذار مبكر وإنشاء ملاجئ مؤهلة في المدن الكبرى.

وفي إطار سعي إسرائيل لفرض هيمنتها على المنطقة وتقويض قدرة منافسيها الإقليميين، وبضمنها محاصرة تركيا، عززت إسرائيل علاقتها الاستراتيجية مع قبرص، ومدتهم بنظام دفاع جوي إسرائيلي “باراك إم إكس” من أجل توفير “مظلة رقمية” تغطي جزءًا واسعًا من المجال الجوي في جنوبي تركيا، وتعترض الطائرات المسيّرة والقتالية والصواريخ على مدى بعيد، إضافة إلى منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية التي سبق أن زودتهم بها. ولاحتواء التوتر بين البلدين و”منع الاحتكاك” بينهما على الأراضي السورية، توصلتا في 9 من نيسان الماضي في أذربيجان- باكو إلى تفاهمات بشأن أنشطتهما العسكرية داخلها.

سوريًا، تتعدد وتتشابك التحديات الداخلية والخارجية، من انعدام الأمن والاستقرار، وتجذر التصدع المجتمعي بعد مجازر الساحل والعنف الدامي في السويداء، وجرائم الاحتلال الإسرائيلي المتزايدة، من احتلال المزيد من الأراضي السورية، وتدمير حوالي 80% من القدرات العسكرية السورية وانتهاك اتفاقية فض الاشتباك الموقعة في سنة 1974، وإنشاء العديد من النقاط العسكرية، وبضمنها في حوض اليرموك المائي على الحدود السورية- الأردنية، والضغط لفرض منطقة الجنوب منزوعة من السلاح الثقيل، والمطالبة بفتح ممر من الجولان المحتل إلى السويداء، وإنشاء ممر “داود” لربط “تل أبيب” بأماكن وجود قوات “قسد” في الشمال السوري، مرورًا بالمحافظات السورية الجنوبية، وتحويل الأجواء السورية إلى مساحة مفتوحة لتشن إسرائيل هجمات على دول أخرى.

وأمام كل تلك التحديات، تسير المرحلة الانتقالية في غياب عقد اجتماعي، واحتكار للقرار الوطني وترسيخ ثقافة التعيين، وتقريب الثقات وتوزيع المناصب والمزايا عليهم، وتفسير التشاركية والتعددية بتعيينات رمزية، واختيار أعضاء وعضوات لمجلس الشعب دون إقرار لقانون أحزاب، وبعيدًا عن تنافس برامجها، وتجاهل المطالبات الحثيثة التي تنادي بانعقاد مؤتمر وطني جامع، وقوننة تغييب مساءلة السلطة التشريعية للرئيس الانتقالي، وإعطائه أوسع الصلاحيات. كما تعالج السلطة الانتقالية كل التحديات الجسيمة المذكورة أعلاه، وبضمنها مشاريع الإكراه الصهيونية والتنافس والاشتباك التركي- الإسرائيلي بعقلية تاجر المفرق، كل تحدٍ على حدة، بمعزل عن ترابط القضايا وتشابكها وأهمية التوافق عليها مع القوى السياسية والمدنية والمجتمعية تحت مشروع وطني جامع، وهي أزمة بنيوية تسلطية عنونت المرحلة الانتقالية.

مقالات متعلقة

  1. عثرات وتجاوزات
  2. سوريا و"خطة درع إبراهيم"
  3. الحذر الإيراني بعد مقتل رئيسي
  4. الهجوم الإيراني في الحسابات العسكرية- السياسية

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي