حلب – محمد ديب بظت
تتكرر شكاوى سكان حي صلاح الدين في مدينة حلب من انقطاع المياه وضعف ضخها، رغم الوعود المتواصلة بتحسين الخدمة.
وبينما أعلنت مؤسسة مياه حلب عن تنفيذ مشروع جديد لاستبدال وإصلاح الشبكات بالتعاون مع منظمة “يونيسف”، يأمل الأهالي أن يكون المشروع خطوة فعلية نحو إنهاء معاناتهم اليومية مع المياه.
ورصدت عنب بلدي معاناة سكان الحي اليومية مع ضعف ضخ المياه وانقطاعها المتكرر، إذ يعتمد معظمهم على خزانات وصهاريج منزلية لتأمين حاجاتهم الأساسية.
عبء مالي على السكان
منذ بداية الصيف الماضي، بات شراء المياه من الصهاريج أمرًا شبه يومي لتلبية احتياجات التنظيف والاستحمام، وسط ارتفاع الأسعار التي تشكل عبئًا إضافيًا على الدخل المحدود، وفق ما قاله محمد بكري، وهو أحد سكان الحي- شارع الشرعية، إذ يواجه صعوبة في الحصول على المياه بشكل منتظم.
وذكر محمد لعنب بلدي أن الحصول على المياه أصبح يشكل عبئًا ماليًا عليه، إذ يحتاج أسبوعيًا إلى دفع نحو مئة ألف ليرة سورية مقابل تعبئة خزان منزله بسعة ألف ليتر.
ومع ذروة الحرارة خلال الصيف، كان يضطر لتعبئة الخزان كل ثلاثة أيام، ما زاد من تكلفة تأمين المياه وأثقل كاهل الأسرة.
في محيط جامع “أويس القرني”، تواجه أسرة جمال مللي مشكلة انقطاع المياه بشكل متكرر، وتضطر الأسرة لتوزيع المياه بعناية بين احتياجات الطهو والغسل والاستحمام.
وقال جمال، إن المياه لا تصل أحيانًا إلى الطوابق العليا سوى لساعات قليلة فقط خلال اليوم، ما يجعل الاعتماد على مضخات منزلية أمرًا ضروريًا لتعبئة الخزانات.
كما تعاني فاطمة سرحان، وتقطن في شارع الـ15، من تفاوت توزيع المياه داخل الحي نفسه، إذ تصل المياه بشكل كافٍ إلى الشوارع الرئيسة، بينما تواجه الأبنية الخلفية انقطاعًا شبه كامل.
واضطرت أسرة فاطمة إلى شراء مضخة صغيرة لتغطية جزء من احتياجاتها، إلا أن المضخات غالبًا ما تتوقف عن العمل بسبب ضعف التيار الكهربائي، ما يضاعف من معاناة الأهالي ويزيد من تكاليفهم الشهرية.
ويشير السكان التي التقت بهم عنب بلدي إلى أن الانقطاعات المفاجئة للضخ تزيد الوضع تعقيدًا، إذ يؤدي ذلك أحيانًا إلى أضرار في المضخات المنزلية وتسرب الهواء داخل الأنابيب، ما يؤثر على كفاءة الضخ ويجعل المياه أقل ضغطًا عند وصولها إلى المنازل.
مشروع جديد بالتعاون مع “يونيسف”
شكاوى الأهالي المتكررة إلى مؤسسة مياه حلب لم تؤدِّ إلى تحسن ملموس، والمشاريع السابقة أو التصريحات الرسمية لم تُترجم إلى واقع ملموس على الأرض.
وبحسب رصد عنب بلدي، فإن هذه المعاناة اليومية تؤثر على حياة السكان بشكل كامل، حيث يضطر كثيرون لإعادة جدولة أنشطتهم اليومية مع أوقات وصول المياه، في مشهد يعكس مدى هشاشة البنية التحتية للشبكة في حي صلاح الدين.
وفي محاولة لتحسين الوضع القائم، أعلنت مؤسسة مياه حلب عن تنفيذ أعمال استبدال القساطل القديمة بأخرى جديدة بقطر 100 مم في محيط جامع “أويس القرني” وشارع الشرعية، بالتعاون مع منظمة “يونيسف”.
وأوضحت المؤسسة أن المشروع يهدف إلى تحسين تدفق المياه في الحي وتلبية احتياجات السكان بشكل أفضل، مضيفة أن فرقها تتابع العمل بشكل يومي لاستكمال استبدال الخطوط المتضررة من الشبكة القديمة.
ووفق ما رصدته عنب بلدي، ترافقت أعمال الحفر في بعض الشوارع مع انقطاع مؤقت للمياه، ما أثار تذمر بعض الأهالي الذين يأملون أن ينعكس المشروع إيجابيًا على خدمة الضخ بعد الانتهاء منه.
كما أشارت المؤسسة إلى أن القساطل الجديدة ستسهم في تقليل الفاقد الناتج عن التسربات والانسدادات المتكررة، ما قد يؤدي إلى استقرار الضخ وتحسين الضغط في الخطوط الفرعية.
رئيس دائرة الشبكة في مؤسسة مياه حلب، سامر حرصوني، صرح لعنب بلدي أن ورشات المؤسسة تعمل على استبدال الخطوط القديمة المتضررة في عدد من الأحياء، والتي تتنوع بين أنابيب حديدية مهترئة وقساطل (أنابيب)، كانت تسبب انسدادات متكررة وضعفًا في ضخ المياه، خاصة أن معظمها بأقطار صغيرة (60 مم) وتمر ضمن الأرصفة وتحت الأشجار، مما يضيف ضغطًا إضافيًا على الشبكة.
عمليات الاستبدال تهدف إلى تحسين الخدمة ورفع الغزارة لتلبية احتياجات الكثافة السكانية العالية، إذ يتم استبدال الخطوط بأقطار أكبر، رغم الصعوبات الكبيرة في التنفيذ بسبب العمق الكبير والموقع الحساس لهذه الخطوط، بحسب حرصوني.
وأضاف أن المؤسسة سبق أن نفذت مشاريع مشابهة في عدة مناطق، مثل الغزالي والشهباء والجزماتي وصلاح الدين، بالتعاون مع المنظمات الدولية مثل “UNDP”.
وبحسب حرصوني، فقد لاحظ الأهالي تحسنًا ملحوظًا بوصول المياه إلى الطوابق العليا، خاصة في منطقة الشرق- الشرعية، وهو ما انعكس إيجابًا على رضا السكان وشكرهم للفرق الفنية بعد انتهاء الأعمال.
رئيس دائرة الشبكة في مؤسسة مياه حلب، أكد أن ورشات المؤسسة، بالتعاون مع منظمة “يونيسف”، تواصل تنفيذ أعمال استبدال القساطل القديمة في حي صلاح الدين، وتشمل الأعمال شارع الشرعية وجن وشقران، بالإضافة إلى خط رئيس بقطر 150 مم قرب جامع “الخضر”.
وأشار إلى أن العمل مستمر بوتيرة جيدة لتلبية احتياجات الأهالي وضمان استقرار وصول المياه.
ولفت إلى أن المؤسسة، بدعم من منظمة “يونيسف”، تنفذ مشاريع استبدال القساطل القديمة في عدد من أحياء المدينة، مع التركيز على المناطق التي يعاني سكانها من ضعف شديد في ضخ المياه، خصوصًا تلك التي تحتوي على خطوط من الحديد القديم المهترئ وذات أقطار صغيرة.
أولويات الاستبدال، وفق حرصوني، تم تحديدها استنادًا إلى كثافة الشكاوى والحاجة الملحة، وقد بدأت النتائج بالظهور، حيث شهدت المناطق التي جرى فيها الاستبدال تحسنًا ملحوظًا في غزارة المياه ووصولها إلى الطوابق العليا دون الحاجة لاستخدام مضخات منزلية.
ولفت حرصوني إلى أن الأعمال الأخيرة شملت عدة أحياء، منها صلاح الدين وطلعة دار الأفراح وجبل بدرو، في حين تستمر المشاريع تدريجيًا لتشمل باقي المناطق مثل حي التضامن ودوار كسر الحر، بالتعاون مع منظمات أخرى مثل “DRC” و”UNDP”.
مشكلة أوسع من “صلاح الدين”
تواجه أحياء مدينة حلب عمومًا مشكلات مشابهة في مياه الشرب، نتيجة تضرر شبكات التوزيع خلال سنوات الحرب وقدم البنية التحتية، خاصة في المناطق التي تعتبر عالية مثل حي الإذاعة والزبدية، البعيدة عن مركز المدينة.
وتحتاج نسبة كبيرة من الخطوط إلى استبدال أو صيانة دورية، خاصة في الأحياء الشرقية التي كانت تعرضت لضرر في البنية التحتية نتيجة القصف المدفعي والبراميل المتفجرة خلال سنوات.
ورغم تنفيذ المؤسسة عدة مشاريع بالتعاون مع منظمات دولية خلال الأشهر الماضية في أحياء مثل الأنصاري وبستان القصر، فإن مشكلة التوزيع لا تزال قائمة.
بانتظار نتائج ملموسة
حتى الآن، يترقب سكان حي صلاح الدين اكتمال أعمال المشروع المعلن عنه على أمل أن يتحسن تدفق المياه إلى منازلهم، لكن تجربتهم الطويلة مع الوعود السابقة تجعلهم أكثر حذرًا في التفاؤل.
ويؤكد الأهالي أن الحلول الجزئية لن تغير واقعهم اليومي، ما لم تعالج الأسباب الجذرية المرتبطة بتقادم الشبكات وضعف الضخ المركزي، فالحل لا يقتصر على استبدال القساطل الفرعية، بل يتطلب إعادة تأهيل شاملة للخطوط الرئيسة ومحطات الضخ والخزانات.
كما أن الانقطاع المتكرر للكهرباء يجعل من أي تحسن في الشبكة محدود الأثر ما لم يتم تأمين تشغيل مستقر ودائم.
وبينما تؤكد المؤسسة استمرارها في العمل لتحسين الخدمة بالتعاون مع المنظمات الدولية، يبقى أمل السكان أن تتحول هذه المشاريع من بيانات ميدانية وصور ورشات إلى تحسن فعلي في منازلهم، يعيد الثقة بقدرة المؤسسة على استعادة واحدة من أبسط الخدمات الأساسية في المدينة.