عنب بلدي – كريستينا الشماس
لمس سكان العاصمة دمشق وريفها مع بداية تشرين الأول الحالي تحسنًا في واقع التغذية الكهربائية مقارنة بالسنوات الماضية، إذ تراوحت ساعات الوصل في بعض مناطق العاصمة ما بين 10 و12 ساعة يوميًا، بينما تراوحت في ريف دمشق بين 4 و8 ساعات.
هذا التحسن النسبي، الذي وصفه مواطنون تحدثوا لعنب بلدي بأنه “الأفضل منذ أعوام”، جاء بعد فترات طويلة من الانقطاعات المتكررة التي وصلت سابقًا إلى ست ساعات قطع مقابل ساعة وصل فقط.
ورغم التحسن، يترقب المواطنون بقلق ما ستؤول إليه التغذية الكهربائية مع دخول فصل الشتاء، إذ تتزايد الأحمال بشكل كبير نتيجة اعتماد معظم الأسر على الكهرباء لأغراض التدفئة، في ظل غياب خطة واضحة من وزارة الكهرباء تبيّن آلية التقنين أو جدولة التغذية خلال الأشهر المقبلة.
مخاوف من عودة الانقطاعات الطويلة
واقع الكهرباء تحسن خلال الشهر الحالي بشكل ملموس، بحسب ما قاله سامر هريرة، الذي يعيش في منطقة باب شرقي بدمشق، لعنب بلدي، موضحًا أن عدد ساعات الوصل ارتفع إلى نحو ثلاث ساعات متواصلة مقابل ثلاث ساعات قطع، على اختلاف السنوات الماضية.
ورجح سامر أن يكون سبب هذا التحسن انخفاض الضغط على الشبكة، نتيجة اعتدال الطقس وتراجع استخدام المكيفات والمراوح، وأعرب عن أمله بألا تتراجع ساعات التغذية مع بداية الشتاء.
وفي منطقة الصناعة وسط دمشق، أوضحت رنا المصري، من سكان المنطقة، أن الكهرباء تأتي لفترات غير منتظمة، وغالبًا ما تكون لساعتين أو ساعة ونصف وصل مقابل أربع ساعات قطع، مضيفة أن الوضع ما زال غير مستقر، وأنها تخشى من عودة التقنين القاسي بمجرد انخفاض درجات الحرارة.
وبدا الوضع أكثر صعوبة في منطقة صحنايا بريف دمشق، إذ تحدث غسان محفوض، من سكان المنطقة، أن الكهرباء تصل في بعض الأحيان لساعة واحدة فقط، وأحيانًا ساعة ونصف، مقابل خمس ساعات من الانقطاع، مشيرًا إلى أن الوضع في الريف يختلف كثيرًا عن العاصمة، معبرًا عن قلقه من شتاء قاسٍ في ظل هذه التغذية “الضعيفة”، بحسب وصفه.
أوفر من البدائل للتدفئة
أجمع المواطنون، الذين تحدثوا لعنب بلدي، على أن الكهرباء، رغم ضعفها وانقطاعها المتكرر، تبقى الخيار المفضل للتدفئة في فصل الشتاء، في ظل ارتفاع أسعار البدائل وصعوبة الحصول عليها.
فبحسب رصد عنب بلدي لأسعار السوق الحالية، بلغ سعر عشرة ليترات من المازوت نحو 111 ألف ليرة سورية، أي أن شراء 50 ليترًا يحتاج إلى نحو 550 ألف ليرة، وهي كمية لا تكفي لشهر واحد في برد الشتاء.
أما الطاقة الشمسية، التي لجأ إليها بعض الأهالي في السنوات الماضية، فلا تُعد خيارًا فعالًا للتدفئة، نظرًا إلى انخفاض الإشعاع الشمسي خلال فصل الشتاء، ولأن منظوماتها مصممة أساسًا لتشغيل الإنارة أو الأجهزة الخفيفة.
ويعد الاشتراك بـ”الأمبيرات” خيارًا متاحًا فقط لمن يملكون قدرة مالية مرتفعة، إذ تتراوح تكلفة الاشتراك الأسبوعي بين 200 و400 ألف ليرة في الأسبوع الواحد، في حال استخدم لتشغيل وسائل التدفئة الكهربائية.
تحدث غسان محفوض أنه اضطر العام الماضي للاعتماد على “الأمبيرات” لتشغيل المدفأة والسخان، إلا أن التكلفة الأسبوعية تجاوزت 500 ألف ليرة حينها، وهو مبلغ لا يمكن تحمله على المدى الطويل.
ويأمل غسان أن تستقر الكهرباء خلال الشتاء المقبل، لأن أي تراجع سيعني “شتاء قاسيًا ماديًا ومعيشيًا”، بحسب تعبيره.
ألواح للطاقة الشمسية على أسطح أحد الأبنية السكنية في منطقة المزة فيلات شرقية بدمشق – 13 آذار 2025 (عنب بلدي/كريستينا الشماس)
مخاوف “مبررة”
اعتبر المدير العام للمؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، خالد أبو دي، في حديث إلى عنب بلدي، أن مخاوف المواطنين من واقع الكهرباء خلال فصل الشتاء “مبررة” إلى حد كبير، نظرًا إلى عدة عوامل فنية وتشغيلية متراكمة.
وأوضح أبو دي أن الطلب الكبير على الطاقة خلال فصل الشتاء يعود بالدرجة الأولى إلى الاعتماد الواسع على الكهرباء لأغراض التدفئة، نتيجة انخفاض أسعارها مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى كالمازوت والحطب، في ظل تراجع توفر هذه المواد خلال السنوات الأخيرة.
وأضاف أن هذا الارتفاع في الطلب، يتزامن مع تهالك البنية التحتية للمنظومة الكهربائية، نتيجة ضعف أعمال الصيانة والتأهيل خلال السنوات الماضية، ما يجعل الشبكة عُرضة للأعطال والانقطاعات المتكررة، خاصة خلال فترات الذروة.
وأشار إلى أن الحلول المؤقتة التي تم اعتمادها في مراحل سابقة، أسهمت في استمرار الخدمة، لكنها زادت من الضغط على الشبكة العامة، الأمر الذي يستدعي اليوم تنفيذ إجراءات فنية مستدامة لتحسين كفاءة المنظومة وتقليل الأعطال.
خطة لمواجهة التحديات
قال المدير العام للمؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، خالد أبو دي، إن المؤسسة تعمل حاليًا على خطة شاملة للحد من هذه التحديات، تتضمن:
- تأمين كميات إضافية من الوقود (غاز وفيول) لزيادة القدرة التوليدية وتلبية الطلب المتنامي.
- توسيع شبكة النقل والتوزيع، من خلال إحداث مراكز تحويل جديدة وتحديث القائم منها.
- تحسين توزيع الأحمال فنيًا، لتحقيق توازن واستقرار أكبر في التغذية الكهربائية.
كما أشار أبو دي إلى أن المؤسسة تدرس حاليًا تعديل التعرفة الكهربائية بهدف تحقيق توازن أكبر بين تكلفة الإنتاج وسلوك الاستهلاك، بما يسهم في ترشيد الاستخدام والحد من الاعتماد المفرط على الكهرباء في التدفئة المنزلية.
خطة “خمسية”
فيما يتعلق بالرؤية المستقبلية، أوضح أبو دي أن المؤسسة تعمل وفق خطة خمسية، تهدف إلى رفع القدرة الإنتاجية إلى نحو 12–15 ألف ميجاواط، بالتوازي مع إعادة تأهيل شبكة النقل وإنشاء خطوط جديدة لتصريف الاستطاعة المنتجة.
المؤسسة تعمل على بناء منظومة كهربائية متكاملة وموثوقة بحلول عام 2030، قادرة على تلبية الطلب المحلي بشكل مستقر ومستدام، بما يواكب خطط التعافي الاقتصادي والتنمية الوطنية.
خالد أبو دي
المدير العام للمؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء
وأضاف أن مشروع التحول إلى العدادات الذكية والمسبقة الدفع قيد التنفيذ حاليًا، بما يسهم في رفع كفاءة الجباية ومراقبة الاستهلاك بدقة.
وأكد المدير العام أن الخطط المستقبلية لا تقتصر على الغاز والفيول فحسب، بل تشمل أيضًا الطاقات المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، مبينًا وجود عروض تقنية لتوليد الكهرباء من مياه البحر، عبر الاستفادة من الرواسب المعدنية فيها.
