دير الزور – عبادة الشيخ
تشهد مناطق ريف دير الزور الغربي الواقعة تحت سيطرة “الإدارة الذاتية”، الذراع الحوكمية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، تزايدًا ملحوظًا في الإقبال على نمط البناء القديم باستخدام الطين (اللبِن)، في ظل التحديات الاقتصادية الصعبة وارتفاع أسعار مواد البناء الأسمنتية.
هذا التحول ليس مجرد عودة إلى إرث معماري قديم، بل يعتبره الأهالي حلًا اقتصاديًا يتيح لهم فرصة تأمين مأوى بتكاليف بسيطة، وسط استمرار التدهور الاقتصادي في المنطقة.
ويُعد الفارق في التكلفة الدافع الأبرز خلف الموجة الجديدة من البناء الطيني، إذ أصبح بناء منزل بمواصفات أساسية باستخدام الأسمنت ومواد البناء الحديثة عبئًا على أغلبية السكان.
“بساطة” وتكلفة منخفضة
“ارتفاع أسعار مواد البناء الأسمنتية دفع كثيرين للعودة إلى النمط الذي يجمع بين البساطة والتكلفة المنخفضة”، قال إسماعيل الياسين، أحد أهالي بلدة الصعوة بريف دير الزور الغربي، الذي انتقل إلى البناء الطيني.
وأشار إسماعيل إلى الفرق “الكبير” بين نمطي البناء، إذ تبلغ تكلفة المنزل الطيني، المكوّن من غرفتين وصالون ومطبخ، ما بين 1000 و1500 دولار أمريكي.
بينما تصل تكلفة بناء المنزل الأسمنتي بالمواصفات ذاتها إلى نحو 5000 أو 6000 دولار أمريكي.
التكلفة البسيطة للمنزل الطيني مقابل الأسمنتي الذي يزيد بأربعة أضعاف، يجعل الأول الخيار الوحيد المتاح أو المفضل لكثير من العائلات في المنطقة.
محمد العربي قال لعنب بلدي، إنه لجأ للبناء الطيني لتكملة غرفة في منزل عائلته ببلدة حوايج البومصعة، كحل أوفر وأسرع، إذ بلغت تكلفتها حوالي 250 دولارًا أمريكيًا، مشيرًا إلى أنه لو أراد بناءها بالأسمنت قد تصل تكلفتها إلى 1000 دولار أمريكي.
اللبِن.. مهنة الأجداد
تعتمد صناعة اللبِن، وهي المادة الأساسية في البناء الطيني، على مواد أولية متوفرة محليًا تشمل التراب والماء والقش، وبأثمان زهيدة، ما يسهم في خفض التكاليف الإجمالية بشكل كبير.
إبراهيم الأحمد، وهو صاحب ورشة لقطع اللبِن (الطوب الطيني)، أشار إلى أن صناعة اللبِن تعتمد على “التراب الحُرّي” الممزوج بالقش، وهي تقنية قديمة تُعطي المادة قوة ومتانة طبيعية.
وبمقارنة لأسعار مواد البناء الأساسية، تبلغ سعر اللبِنة الواحدة ما بين 500 و1000 ليرة سورية، في حين أن سعر قطعة “البلوك” الأسمنتي الواحدة تبلغ نحو 4500 ليرة سورية.
ويبلغ سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي 11700، بحسب موقع “الليرة اليوم”.
وأكد إبراهيم وجود إقبال على شراء اللبِن، ما يعكس تحولًا فعليًا في خيارات البناء لدى السكان.
ولفت إلى أن الصناعة لها مزايا عديدة، بعيدا عن المزايا الاقتصادية، إذ إنها لا تقتصر على الجانب المادي فقط، بل تحمل هذه البيوت ميزات بيئية وتراثية مهمة تتلاءم مع طبيعة المنطقة.
وأشار إسماعيل الياسين إلى خاصية أساسية تميز هذه البيوت، تتمثل بالعزل الحراري الطبيعي، إذ تتميز البيوت الطينية بأنها باردة في الصيف ودافئة في الشتاء، ما يوفر بيئة مريحة للسكان ويقلل من الحاجة إلى وسائل التدفئة والتبريد المكلفة.
كما تعد البيوت الطينية إرثًا ثقافيًا قديمًا في منطقة الجزيرة السورية، وخاصة في دير الزور، وهي جزء أصيل من هويتها المعمارية.
تشكل 70% من البيوت
أكد إبراهيم الأحمد أن هذا التحول إلى البيوت الطينية أصبح ظاهرة واسعة النطاق في المنطقة، فقد وصلت نسبة الإعمار بهذا النمط في ريف دير الزور الغربي حاليًا إلى نحو 70%.
من جهته، قال فاروق العقيل، تاجر مواد بناء، إن نسبة الطلب على مواد البناء مثل الأسمنت و”البلوك” والرمل والبحص تراجعت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة بسبب الارتفاع في أسعارها، ولجوء الأهالي لبدائل أخرى مثل الطين أسهم بتراجع الحركة الشرائية في الأشهر الأربعة الأخيرة.
ووصل سعر طن الأسمنت إلى 120 دولارًا أمريكيًا، وسعر قطعة “البلوك” إلى 4500 ليرة سورية (نحو 38 سنتًا).
ولا يقتصر الأمر على دير الزور، فالاعتماد على طوب الطين كبديل اقتصادي ومستدام، موجود في معظم المناطق الريفية شمال شرقي سوريا.
ويعد بناء المنازل باستخدام طوب الطين من أقدم طرق البناء في المنطقة، لكن العودة إليه اليوم أصبحت نوعًا من الاستجابة للتحديات الاقتصادية، وتلبية الحاجة إلى حلول أكثر انسجامًا مع البيئة المحيطة شديدة الحرارة صيفًا والبرودة شتاء.
