عنب بلدي – موفق الخوجة
تبادل للزيارات، واجتماعات للتسليم والاندماج، تعيد اتفاق 10 من آذار، بين الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، إلى المربع الأول، بعد تصعيد عسكري دق ناقوس الخطر، وأشار إلى احتمال حرب مفتوحة، وفق معطيات دلّت على ذلك.
وفي حين تشير هذه الزيارات إلى احتمال تقارب واندماج مرتقب في الشمال الغربي، تنقض “قسد” وعودًا سابقة في الشرق، وتتراجع عن تصريحات بتسليم مدينة دير الزور للحكومة، تمهيدًا للاندماج.
بين حلب والطبقة
في 21 من تشرين الأول الحالي، زار وفد من وزارة الداخلية في الحكومة السورية، برئاسة قائد فرع الأمن الداخلي في حلب، محمد عبد الغني، حيي الأشرفية والشيخ مقصود، اللذين تسيطر عليهما “قسد”، بعد نحو أسبوعين من تصعيد عسكري وقصف واشتباكات متبادلة.
الزيارة جاءت برفقة قياديين من “قسد”، في جولة وصفت رسميًا بأنها “زيارة أمنية ميدانية”، بحسب ما أعلنت “قوى الأمن الداخلي” (أسايش) عبر “فيسبوك“، التي قالت إنها هدفت إلى “تعزيز التنسيق الأمني وحماية الاستقرار في حيي الأشرفية والشيخ مقصود”، دون الإشارة إلى أي ترتيبات أو تفاهمات جديدة.
وقال المكتب الصحفي لمديرية الأمن الداخلي في حلب، لعنب بلدي حينها، إن الزيارة جاءت في إطار متابعة تنفيذ البنود المتبقية من اتفاق نيسان الماضي.
اتفاق مطلع نيسان الماضي نص على خروج قوات “قسد” العسكرية والفصائل التابعة لها، مع بقاء عناصر “الأمن الداخلي” (أسايش) التابع لها تمهيدًا لانضمامهم إلى وزارة الداخلية.
وُصف الاتفاق حينها بأنه “بالون اختبار” للاتفاق العام بين الحكومة و”قسد” في آذار الماضي، ونص على اندماج الأخيرة في مؤسسات الدولة بأجنحتها المدنية والعسكرية، تمهيدًا لاتفاقات في مدن أخرى.
وكان من المتوقع أن ينفذ الاتفاق خلال شهر من التوقيع، إلا أن “قسد” لم تنفذ كامل البنود، وما زالت بعض قواتها العسكرية موجودة في حيي الأشرفية والشيخ مقصود، فضلًا عن عمليات وصفتها الحكومة ومقربون منها بـ”الاستفزازات”.
ما دلالات الزيارات؟
سبقت زيارة الوفد الحكومي إلى حيي الأشرفية والشيخ مقصود زيارات إلى مدينة الطبقة في محافظة الرقة، في 20 من تشرين الأول، في خطوة تهدف إلى مناقشة التوترات القائمة بحيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب، وسبل معالجتها بالطرق السلمية لضمان أمن واستقرار المدنيين وتجنب أي تصعيد ميداني، بحسب بيان “قسد”.
وأكدت “قسد” خلال الاجتماع التزامها بالحلول السلمية والحفاظ على الاستقرار، مع التركيز على حماية المدنيين في جميع المناطق، في إطار مساعيها لتخفيف حدة التوتر وفتح قنوات للحوار البنّاء.
المكتب الصحفي لوزارة الداخلية في حلب، أوضح لعنب بلدي أن هذه الاجتماعات تجري بشكل متكرر بين الطرفين، وتبحث عددًا من القضايا.
الصحفي السوري عقيل حسين قال إن دلالات هذه الزيارات واضحة، لما أسماه “كسر الجليد” بين الجانبين، خاصة بعد الأحداث التي شهدتها مدينة حلب، في 6 من تشرين الأول الحالي، في حيي الأشرفية والشيخ مقصود.
هذه الأحداث دقت ناقوس الخطر، ودفعت الدول المهتمة بالملف السوري إلى جمع كل من الحكومة و”قسد” في دمشق من أجل تنفيذ اتفاق 10 من آذار، الذي تحاول “قسد” تعطيل تنفيذه، وفق حسين.
وبعد ليلة غير مسبوقة شهدتها حلب، وقع وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، اتفاقًا آخر لوقف إطلاق النار، مع ممثلي “قسد” وعلى رأسهم عبدي.
“لتعزيز الثقة”
في زيارة الوفد إلى الطبقة، قالت “قسد” إنها تقدمت ببادرة حسن نية، من خلال تسليم عدد من المعتقلين من عناصر قوات حكومة دمشق، الذين جرى توقيفهم خلال الفترة الماضية في أماكن مختلفة، في سياق الحرص على تعزيز الثقة بين الطرفين.
بالمقابل، لا يعتبر الصحفي عقيل حسين أن هذه الزيارات تسهم بتعزيز الثقة بمفردها لأن الطرفين يتبادلان الزيارات قبل ذلك، ولكن كثافتها تراجعت في الآونة الأخيرة، ومع ذلك، لم تحقق الزيارات السابقة الثقة المطلوبة.
وعلل ذلك بأن الملفات العالقة لا تحلها جلسات السمر أو طاولات الغداء، إذ هي ملفات تتعلق بالوطن والدولة والمؤسسات والجيش والأمن، وبمناطق سيطرة ونفوذ.
وتحتاج هذه الملفات إلى إرادة جادة ومصداقية لتنفيذ الاتفاقيات المبرمة، وفق حسين.
بوادر جديدة لسحب “القوات” في حلب
عقيل حسين لفت إلى أن الاتفاق المبرم في مطلع نيسان الماضي، ينص على سحب قوات “قسد” العسكرية، ودمج من يريد من عناصر “أسايش” ضمن وزارة الدفاع، إلا أن ذلك لم ينفذ بالكامل.
وكان مصدر عسكري خاص، أكد لعنب بلدي أن الزيارة جاءت في سياق اجتماعات مكثفة تتم منذ أيام بين ممثلين عن الحكومة السورية وقياديين من “قسد”، لعقد مباحثات وترتيبات أمنية جديدة، من المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ خلال الأيام القليلة المقبلة.
وبعد هذه الزيارة، أعادت “أسايش” فتح الطرقات المغلقة إلى بقية أحياء حلب، بالتعاون مع الأمن العام، كما فعّلت الحواجز المشتركة بين الجانبين على مداخل الأشرفية والشيخ مقصود.
وبحسب المصدر، الذي تحفظ على نشر اسمه لأنه غير مخول بالتصريح للإعلام، يجري العمل على أن يتسلم جهاز الأمن العام التابع لوزارة الداخلية مهام الانتشار في الدوارين “الأول” و”الثاني” في حي الأشرفية، تمهيدًا لتوسيع نطاق وجوده تدريجيًا في المنطقتين.
وأضاف المصدر أن “قسد” ستسحب جزءًا من قواتها العسكرية إلى مناطق شرق الفرات، ويأتي ذلك بالتوازي مع انضمام نحو 250 عنصرًا من قوى “أسايش” إلى جهاز الأمن العام السوري.
وأشار المصدر إلى أن حي السكن الشبابي، الواقع شمال حلب، والمربوط حاليًا بنقاط سيطرة تابعة لـ”قسد”، سيعاد تسليمه للإدارة المدنية في المرحلة الأولى من الاتفاق.
الصحفي عقيل حسين، اعتبر أن الوعود التي تتحدث عن سحب جزء جديد من القوات، هي جزء من المماطلة، فالمفترض أن تسحب كل القوات دون الإبقاء على جزء آخر.
وقال إن نجاح اتفاقية حلب، يتعلق بنجاح الاتفاقات في بقية المناطق بأرياف حلب أو حتى في منطقة الجزيرة السورية.
الكرة الآن بملعب “قسد”، والأجواء تشير إلى أن الأمور تسير نحو الإيجابية، لكن هذا لا يكفي، فالحكم بالنهاية على ماذا يطبق على الأرض.
في دير الزور.. نسف تصريحات سابقة
في حين يجري الترتيب لدخول الأمن العام حيي الأشرفية والشيخ مقصود، وفق ما أشار إليه المصدر العسكري، كمنطقة اختبار لعمله هناك، كانت ترتيبات أخرى تبحث في دير الزور، إلا أن تصريحات لقادة في “قسد” نسفت بوادر اندماج مماثل شرقي سوريا.
في 19 من تشرين الأول، عقدت كوادر من المجلسين المدني والعسكري التابعين لـ”قسد”، اجتماعًا موسعًا مع عدد من وجهاء وأهالي بلدة مراط بريف دير الزور الشرقي، ناقشوا خلاله تطورات الوضع السياسي ومستقبل الإدارة في المنطقة، وفق ما أفاد به مصدر عسكري من “قسد” عنب بلدي حينها.
وقال المصدر إن الاجتماع تناول قضايا تتعلق بمقترحات “الإدارة المشتركة” والاندماج ضمن الخطط التنظيمية الأخيرة التي تطرحها “قسد” في مناطق سيطرتها شرق الفرات، إلى جانب التطورات السياسية والعسكرية في سوريا.
مخرجات الاجتماع جاءت عكس ما تحدث عنه قائد “قسد”، مظلوم عبدي، في اجتماع مماثل، عقده في 27 من تموز الماضي، بهدف الاتفاق على انسحاب “قسد” من كامل ريف دير الزور، تمهيدًا لتسلّم الحكومة السورية إدارة المدينة وريفها بالكامل.
ونفى القيادي في “مجلس دير الزور العسكري”، نوري الخليل، خلال الاجتماع الأحدث، دخول أي قوات تابعة للحكومة السورية إلى مناطق دير الزور الواقعة تحت سيطرة “قسد”.
وقال في الاجتماع، بحسب المصدر الذي حضره، إن “المنطقة لا تزال تحت إدارة (قوات سوريا الديمقراطية)، ولم نسلم دير الزور للحكومة السورية، ولم يدخلوا شبرًا واحدًا من أراضيها”.
تستمر في المماطلة
الصحفي والمحلل السياسي باسل المحمد، يرى أن “قسد” تسعى إلى إطالة أمد التفاوض مع دمشق واستثمار عامل الوقت لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، بينما تُفضّل الحكومة السورية اتباع سياسة النفَس الطويل لتثبيت سيادتها دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مباشرة، مستندًا في رأيه إلى مجمل التطورات الميدانية والسياسية الأخيرة.
وقال لعنب بلدي، إن المشهد ذاته يتكرر منذ توقيع اتفاق آذار، مشيرًا إلى أن “قسد” تطرح وعودًا متناقضة في كل جولة من لقاءاتها مع وجهاء المنطقة.
ولفت إلى أن “قسد” في اجتماعها الأول أعلنت نيتها تسليم الإدارة المحلية للحكومة السورية، ثم عادت في اجتماع لاحق لتتحدث عن صيغة إدارة مشتركة، ما اعتبره تناقضًا واضحًا يعكس غياب الإرادة الحقيقية لتسليم السيطرة.
ما يجري في دير الزور يعبّر عن مماطلة محسوبة من جانب “قسد”، هدفها إبقاء أوراق التفاوض بيدها، واستثمار الضغط الأمريكي والتركي المتعارض لابتزاز دمشق سياسيًا.
إنها مناورة مزدوجة: إظهار استعداد شكلي للاندماج، مع المحافظة على السيطرة الفعلية على الأرض.
باسل المحمد
صحفي ومحلل سياسي
ما يجري في دير الزور يعبّر عن مماطلة محسوبة من جانب (قسد)، هدفها إبقاء أوراق التفاوض بيدها، واستثمار الضغط الأمريكي والتركي المتعارض لابتزاز دمشق سياسيًا.
إنها مناورة مزدوجة: إظهار استعداد شكلي للاندماج، مع المحافظة على السيطرة الفعلية على الأرض.
باسل المحمد
صحفي ومحلل سياسي
دمشق.. خطوات حذرة
في المقابل، تتحرك دمشق بخطوات محسوبة، بحسب باسل المحمد، قائلًا إنها تدرك أن المواجهة العسكرية في دير الزور قد تفتح جبهة معقدة عشائريًا ودوليًا في آن واحد.
لذلك، تُبقي دمشق الباب مفتوحًا أمام المسار السياسي وتعمل على توسيع نفوذها الإداري والأمني بهدوء، مدفوعة بترتيبات محلية وبغطاء قانوني مستمد من اتفاق آذار، الذي ترى فيه مدخلًا لاستعادة تدريجية لسيادة الدولة شرق الفرات، وفق المحمد.
وضع مختلف في حلب
الصحفي باسل المحمد، اعتبر أن الوضع مختلف في حلب من حيث المعطيات والموقع، مشيرًا إلى أن وجود “قسد” في حيي الأشرفية والشيخ مقصود استثنائي داخل مدينة خاضعة فعليًا للحكومة السورية.
ومع تصاعد التوترات الأمنية على أطراف الحيين، تبدو “قسد” أكثر براجماتية هناك، مدركة أن استمرارها في قلب المدينة غير قابل للاستدامة، وأن الاندماج أو التفاهم التدريجي مع دمشق خيار واقعي لا مفر منه.
وتسيطر “قسد” على حيي الأشرفية والشيخ مقصود، قبل دخول “إدارة العمليات العسكرية” إلى حلب في 30 من تشرين الثاني 2024، إذ بقيت في الحيين بالرغم من خروج المعارضة من أحياء حلب، أواخر عام 2016.
ويمتد تاريخ سيطرتها إلى ما قبل تاريخ التأسيس، حيث كانت “وحدات حماية الشعب” و”وحدات حماية المرأة”، وهما عماد “قسد” العسكري، تسيطران على الحيين منذ عام 2013.
