تحفظات تبطئ إعادة رسم العلاقات السورية- العراقية

  • 2025/10/26
  • 1:09 م
لقاء جمع الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني ورئيس جهاز الاستخبارات حينها (وزير الداخلية حاليًا) أنس خطاب مع رئيس جهاز المخابرات العراقية حميد الشطري - 26 كانون الأول 2024 (رئاسة الجمهورية السورية)

لقاء جمع الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني ورئيس جهاز الاستخبارات حينها (وزير الداخلية حاليًا) أنس خطاب مع رئيس جهاز المخابرات العراقية حميد الشطري - 26 كانون الأول 2024 (رئاسة الجمهورية السورية)

enab_get_authors_shortcode

عنب بلدي – محمد كاخي

تشهد العلاقة بين العراق وسوريا في مرحلة ما بعد الأسد تداخلًا معقدًا بين إرث من المظالم وهواجس أمنية من جهة، وفرص التعاون الاقتصادي والتحديات الجيوسياسية من جهة أخرى.

تشعر سوريا بعد سقوط نظام الأسد المخلوع بالقلق من علاقات العراق المتنامية مع إيران، التي تعدّها تهديدًا لحكمها الجديد، ومن جانبه، يتشكل موقف العراق الحذر تجاه سوريا نتيجة الضغوط الجيوسياسية الخارجية، المتمثلة بحاجة العراق لموازنة علاقاته مع إيران، والحفاظ على علاقات إيجابية مع الولايات المتحدة، وتجنب التحول إلى ساحة للصراعات بالوكالة بين القوى الإقليمية، مثل إيران والولايات المتحدة وإسرائيل.

وهو ما دفع الجارين إلى التحفظ في الإسراع بخطوات إعادة العلاقات السياسية بينهما، والسير ببطء نحو بعض التفاهمات الأمنية والاقتصادية بين البلدين، بحسب دراسة صادرة عن مركز “حرمون للدراسات”.

التأثير الإيراني في القرار العراقي

تمارس إيران تحكمها بالقرار السياسي العراقي عبر تكتل سياسي يُعرف بـ”الإطار التنسيقي”، ويضم هذا التكتل أبرز الأحزاب الإسلامية الشيعية الموالية لإيران، إلى جانب التمثيل السياسي للميليشيات الرئيسة المدعومة منها، وعلى رأسها “قوات الحشد الشعبي”.

وشكل هذا التكتل محور النفوذ الإيراني داخل الدولة، مستخدمًا أدواته البرلمانية والسياسية لتأمين مصالح طهران. وبالرغم من تراجع هذا النفوذ بعد الضربات التي وجهتها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لإيران وحلفائها في المنطقة، والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران، فإن قوة النفوذ الإيراني لا تزال تؤثر في القرار العراقي.

وبما أن إيران كانت من أكبر الداعمين للنظام السوري السابق، فسيبقى من الصعب على العراق، بحسب الباحثين، حسم موقفه حيال شكل العلاقة السياسية مع الحكومة السورية الجديدة.

الباحث والمحلل السياسي معن طلاع، يرى أن على الدولة العراقية أن تقرأ التوجه الأمريكي الجديد في المنطقة الذي يذهب إلى تمكين التعامل مع الدول، وإقصاء مرحلة التعامل مع “فواعل ما دون الدولة” التي يجب أن تنخرط في ديناميات الدولة، وإعادة بناء الدولة من خلال استراتيجيات الدمج وإعادة الهيكلة، التي تقضي بسحب الأسلحة وإعادة الدمج والتأهيل.

الدعوة الأمريكية التي نقلها وزير الخارجية، ماركو روبيو، للعراق بضرورة نزع سلاح “الحشد الشعبي” خير دليل، فأمريكا اليوم، بعد تحولات “طوفان الأقصى”، تعيد ترتيب علاقاتها الدولية “التقليدية”، سواء مع تركيا أو سوريا أو الخليج، تابع طلاع.

وأضاف الباحث، في حديثه إلى عنب بلدي، أن إيران تنظر إلى بغداد كخاصرة تساعدها في ترتيب أوراقها في المنطقة من جديد، في وقت يجب فيه على العلاقة العراقية مع إيران أن تكون محل اختبار لشراكة استراتيجية قائمة على الندية وليس على التحكم، واستغلال فرصة ما تعرضت له إيران من خسارات داخلية وخارجية، لتمكين منعها من التفكير بالمناطق التي تقع خارج مركزها، كسلال تفاوض مع المجتمع الدولي.

في المقابل، لا يعتقد الباحث القانوني والسياسي فراس حاج يحيى، أن النفوذ الإيراني يشكل عائقًا أمام بناء علاقة سورية- عراقية جديدة قائمة على المصالح المباشرة، لا على الوصاية الإقليمية، إذ إن الحكومة العراقية الحالية تحاول التوازن بين الحفاظ على التنسيق الأمني مع دمشق، وتجنب الظهور وكأنها تدور في الفلك الإيراني.

يوافقه في ذلك الباحث السياسي أيمن الدسوقي، إذ يرى أن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، يحاول تعزيز دور بغداد كوسيط إقليمي، إلى جانب تعزيز بعده العربي، ويمكن لما سبق منح العراق إمكانية لعب أدوار أكثر استقلالية تجاه سوريا، مرتبطة بمصالح العراق الخاصة.

 

يرتبط تطور العلاقات السورية- العراقية بثلاثة مؤشرات، إذا ظهرت ستدفع لبلورة علاقة مثلى، وإلا فإننا نذهب لعلاقة باردة، وفي حال انتفائها سنذهب باتجاه توتر العلاقة.

الأول وضوح مكافحة الإرهاب، والثاني وضوح مؤشرات الدولة المركزية (وهذا لا يعني عدم تبني اللامركزية)، والأخير تجاوز الخطاب الأيديولوجي، وعدم استخدام الاحتقانات، تجنبًا للتفسخ الاجتماعي، فنحن بحاجة لسلسلة من الإجراءات للمصالحة بين المجتمعين العراقي والسوري، وكلما تأخرت هذه المؤشرات ذهبت العلاقة باتجاهات سلبية.

معن طلاع

باحث ومحلل سياسي

 

ضبط الحدود هواجس الطرفين

تمتلك سوريا حدودًا مشتركة مع العراق بطول 618 كيلومترًا، وفي 29 من أيلول الماضي، قال مدير إعلام قيادة الحدود العراقية، حيدر الكرخي، إن بلاده تنفذ مشروع بناء جدران “كونكريتية” على الحدود مع سوريا بإشراف قيادة قوات الحدود.

وأكد الكرخي في حواره مع وكالة “رووداو“، أن الخطة تقضي بتحصين كامل المثلث الحدودي بين العراق وتركيا وسوريا بجدار “كونكريتي” من حدود “ربيعة” إلى معبر “فيشخابور”.

ولدى الطرفين مخاوفهما الخاصة المتعلقة بالحدود، فالطرف السوري يخشى من الميليشيات المدعومة من إيران، والتي قاتلت سابقًا في سوريا بجانب النظام السوري السابق، بالإضافة إلى الخوف من ضباط وجنود سوريين هربوا بسلاحهم وذخائرهم إلى العراق إبان سقوط النظام السوري في كانون الأول 2024.

من جانبه، يخشى العراق من استغلال تنظيم “الدولة الإسلامية” الهشاشة الأمنية وسوء الأوضاع السائدة في سوريا للعودة إلى تنظيم نفسه وشنّ عمليات داخل الحدود العراقية، بالإضافة إلى مخاوف متعلقة بعمليات تهريب المخدرات إلى العراق.

لذا سعى الطرفان إلى تعزيز التنسيق الأمني لضبط ملف الحدود، وفي 16 من شباط الماضي، كشفت مصادر دبلوماسية تركية، لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، عن اتفاق بين تركيا وسوريا والعراق والأردن على تشكيل آلية للتحرك المشترك ضد تنظيم “الدولة”، والعمل على إعداد خطة تعاون شاملة في مجال الحرب ضد التنظيم.

خبير الشؤون الميدانية في مركز “عمران للدراسات” نوار شعبان، قال لعنب بلدي، إن الوضع على الحدود السورية- العراقية لا يزال غير مستقر بحكم الإرث الإشكالي بين البلدين، إلا أنها لم تشهد ما شهدته الحدود اللبنانية من اشتباكات وعمليات تهريب وخطف، ويبقى الترقب والحذر موجودًا من الطرفين لإدراكهما وجود نشاط خلايا تنظيم “الدولة” التي تحاول أن تستثمر في طول الحدود.

وأضاف شعبان أن أدوات إيران لا تزال موجودة في العراق، ولا تزال لغة هذه الأدوات تهديدية نحو سوريا، لكن هناك توجهًا داخليًا نحو ضبطها، ووضع ضوابط لتحركاتها، إلا أن خطورتها مستمرة.

البيئة الحالية لا تسمح لتلك الأدوات بالتحرك، بحسب شعبان، وتنتظر أي هشاشة أمنية للتحرك، بمساعدة أذرعها داخل الحدود السورية، وهذا يتطلب جهدًا أمنيًا واسعًا من الحكومة السورية لمراقبة وضبط الحدود.

“تحالف الضرورة”

يؤمن البلدان بضرورة تسوية الخلافات القديمة والتطلع إلى المستقبل، فسوريا لا تحتاج إلى المزيد من التوترات والمعارك مع الجار الاستراتيجي، والعراق ينظر إلى سوريا كفرصة استثمارية واعدة في مجال الطاقة، وإعادة الإعمار، وطريق بري نحو المتوسط.

وتبادل مسؤولو البلدين تصريحات إيجابية خلال الأشهر التي تلت تعيين القائد السابق لـ”هيئة تحرير الشام” أحمد الشرع، كرئيس للمرحلة الانتقالية في سوريا. ففي لقائه مع الرئيس السوري، في 24 من شباط الماضي، قال رئيس المخابرات العراقية، حميد الشطري، إن بلاده لم تقف دائمًا مع نظام الأسد بل كانت متضررة من وجوده.

وتوقع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، من الإدارة السورية الجديدة تجاهل أخطاء الماضي، كما تجاهلها العراق، مشيرًا إلى وجود تشابه بين ما حدث في سوريا وما حدث في العراق بعد 2003.

من جهته، قال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في زيارته الأولى إلى العراق في 16 من أيار الماضي، “أمننا مشترك مع العراق ولدينا تنسيق عالٍ منذ تحرير سوريا”.

وأضاف الشيباني أن التنسيق بين سوريا والعراق لن يكون على المستوى الأمني فقط، بل في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية.

وفي اجتماع رعته دولة قطر بين الرئيس السوري أحمد الشرع، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ناقش الطرفان ملف أمن الحدود المشركة، واتفقا على تعزيز التنسيق الميداني والاستخباراتي بين البلدين.

وفي الجانب الاقتصادي، ناقش الجانبان آليات تفعيل العلاقات التجارية، وتسهيل حركة البضائع والأفراد عمر المعابر الحدودية، وتشجيع الاستثمارات المتبادلة، بما يسهم في خدمة المصالح الاستراتيجية للبلدين.

يرى الباحث القانوني والسياسي فراس حاج يحيى، أن هناك رغبة حقيقية لدى الحكومتين في طي صفحة الفتور السابق، خصوصًا مع تحسن البيئة الإقليمية بعد الهدوء النسبي في الملفين السوري واليمني.

كما أن التعاون الأمني والاقتصادي أصبح ضرورة ملحّة للطرفين، فالعراق يحتاج إلى حدود آمنة وتدفقات تجارية مستقرة عبر الأراضي السورية، وسوريا تحتاج إلى دعم إقليمي لتجاوز العقوبات وإعادة تأهيل ممرها البري نحو المتوسط.

وتمثل الزيارات المتبادلة بين الطرفين “تحالف ضرورة” يأخذ شكلًا سياسيًا ودبلوماسيًا متقدمًا، وقد يتطور لاحقًا إلى شراكة اقتصادية حقيقية.

ويرى الباحث والمحلل السياسي معن طلاع، أن العقل السياسي العراقي لا يزال يعوّل على تغيير أو تحول في سوريا، وبالرغم من الزيارات المتبادلة بين الطرفين، فإنها لا تشي بعد بالذهاب نحو الانخراط في علاقات استراتيجية سياسية، إلا أن ما جرى من زيارات حتى الآن جيد ويمكن البناء عليه مستقبلًا.

ومن المفترض أن تسارع الدولة العراقية نحو التوصل إلى تفاهمات أمنية واقتصادية مع الجانب السوري، لأن الطابع العام للمنطقة اليوم هو الاستقرار والتنمية، بحسب طلاع.

مقالات متعلقة

  1. تركيا وروسيا تلتقيان في سوريا ضد إيران والأكراد!
  2. الكاظمي بين خمس عواصم.. أين ترسو سفينة العراق
  3. العراق يدافع عن الأسد ويريد الاستغناء عن القوات الأمريكية
  4. الكاظمي في زيارات مرتقبة للخصمين السعودية وإيران

سوريا

المزيد من سوريا