رسالة للإعلام.. من لم يسمع “الجيل Z” اليوم سيسمع منه غدًا

  • 2025/10/26
  • 2:18 م
الصحفي علي عيد
enab_get_authors_shortcode

علي عيد

يلهم “الجيل Z” في المغرب أقرانه في العالم، لا في المنطقة العربية فقط، وهو ما يظهر قوة سياسية ناشئة وليست في الحسبان، ما يفرض إعادة قراءة في المشهد السياسي الاقتصادي عمومًا، والإعلامي خصوصًا.

يعيش الإعلام العربي اليوم أزمة ثقة عميقة مع “الجيل Z”، الذي وُلد في حضن التكنولوجيا، ولا يرى العالم إلا من شاشة مضيئة. جيل لا ينتظر نشرة التاسعة، بل يصنع نشرته بنفسه من فيديوهات وصور وأخبار مقتضبة على منصات التواصل، مثل “إنستجرام” و”فيسبوك” و”تيك توك” و”ريلز” و”يوتيوب شورتس”.

في سوريا، تتعقد الصورة أكثر، إذ تشير بيانات “DataReportal” 2025، حول الحالة الرقمية، إلى أن مستخدمي الإنترنت فيها بلغوا تسعة ملايين (بنسبة 35.8% من السكان)، فيما تصل خطوط الهواتف الخلوية إلى 19.5 مليون (77%)، لكن السرعة المحدودة (12.7 ميغابت/ث موبايل) و(3.4 ميغابت/ث ثابت) تجعل الفيديو القصير هو الشكل المهيمن للمحتوى.
الإعلام السوري الرسمي والخاص يواجه عزوفًا واضحًا من الجيل الجديد الذي يرى فيه تكرارًا للوجع لا انعكاسًا للأمل.

هذا الجيل يريد قصصًا عن مستقبله لا عن ماضيه، ويريد مساحة للقول لا قوالب خطابية جاهزة.
هو جيل لا يحتاج إلى وساطة ليفهم العالم، ولا يقبل وصاية لتفسيره. لذلك يجد الإعلام التقليدي نفسه في صراع مع جمهور جديد يمتلك لغته، وسرعته، ومنصاته، ومرجعياته الخاصة.

وفق قاعدة بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن ربع سكان العالم (نحو ملياري إنسان) دون سن 14 عامًا، وهم يقتربون من تشكيل أغلبية فاعلة في المشهد الاجتماعي خلال عقد واحد مقبل.

أما على صعيد السلوك الرقمي، فتشير دراسة “Common Sense Media” عام 2023، إلى أن 48% من الأطفال في العالم دون سن ثماني سنوات شاهدوا مقاطع قصيرة على وسائل التواصل.

كما أن 40% من الأطفال بعمر سنتين لديهم جهاز لوحي خاص (Tablet)، و58% من الأطفال بعمر أربع سنوات يمتلكون واحدًا، وبعمر ثماني سنوات يمتلك طفل من كل أربعة هاتفًا محمولًا.

وتبيّن الدراسة أن 51% من الأطفال دون ثماني سنوات لديهم جهاز محمول شخصي (هاتف أو تابلت).
وتدل هذه الأرقام على ملامح مستقبل الجيل القادم، ما بعد “Z”، الذي تربى على الاكتشاف لا التلقّي التقليدي، وعلى النقد وليس الخضوع.

الإعلام العربي، الذي لا تزال مراكزه تُدار بمعظمها من جيل أسبق، لم يدرك بعد أن “الخبر” لم يعد يُستهلك بنفس الطريقة.

وبينما يتحدث المنظرون والمسؤولون عن “الوطنية” و”المصداقية”، يتحدث “الجيل Z” عن “الشفافية” و”المشاركة”، إذ لا يريد من يخبره بل من يسمع قصته.

لم تعد وسائل الإعلام التقليدية ملائمة للجيل، وتظهر دراسة “Morning Consult” 2024، أن 63% من “الجيل Z” يعتمدون على وسائل التواصل أسبوعيًا للحصول على الأخبار، مقابل 27% فقط يتابعون التلفزيون.

ويؤكد تقرير معهد “رويترز” للأخبار الرقمية 2025، أن أكثر من 60% من الفئة 18-24 عامًا حول العالم يعتمدون على المنصات الاجتماعية كمصدر أول للأخبار.
وفي العالم العربي، تظهر دراسة “ASDA’A BCW” 2024 أن 80% من الشباب يعتبرون وسائل التواصل الاجتماعي مصدرهم الأكثر ثقة مقارنة بالإعلام التقليدي، فيما يستخدم تسعة من كل عشرة شباب إحدى المنصات الاجتماعية يوميًا.

من المغرب جاءت أحدث الإشارات في أواخر أيلول الماضي، إلى قدرة “الجيل Z” على تحويل العالم الافتراضي إلى قوة سياسية.
قاد شباب مغاربة في عمر 18-25 عامًا احتجاجات سلمية تحت شعار #GenZ212، انتشرت من الإنترنت إلى الشوارع للمطالبة بتحسين التعليم والصحة ومحاسبة الفساد المالي المرتبط بالمشاريع الرياضية.
نُظّمت التحركات عبر منصة “Discord” التي تجاوز عدد أعضائها 200 ألف، وبتنسيق واسع على “تيك توك” و”إنستجرام”، مع هتافات مثل “الملاعب هنا، لكن أين المستشفيات؟”.

وهو أول حراك عربي واسع تقوده فعليًا أدوات “الجيل Z”، عبر “الهاشتاغ” والبث المباشر، بعيدًا عن الإعلام الرسمي، في نموذج يمكن أن تلهم تجربته شباب المنطقة بأسرها.

تقول التحليلات، إن هذه التعبئة لم تأتِ من الأحزاب أو النقابات بل من جيل رقمي يخطط من هاتفه ويحتج بلا قائد مركزي.

إذا كان شباب المغرب قد استخدموا “ديسكورد” و”تيك توك” للتعبئة، فماذا يمنع الإعلام السوري وغيره من استخدام الأدوات ذاتها للتفاعل، لا للدعاية.
“الجيل Z” لا يبحث عن مذيع، بل عن مشارك.

ويريد محتوى يمكنه التعليق عليه، وإعادة نشره، أو حتى نقده، وأن يرى صحفيين يشبهونه في اللغة والجرأة والاهتمامات.
حين يتحدث الإعلام معه بعقل مفتوح لا بخطاب أبوي، فإن “الجيل Z” قادر على منحه شرعية جديدة. لكن عندما يُعامَل كـ”طفل رقمي”، سيتركه ويصنع منصاته بنفسه.

لقد تغيّر المشهد، والسؤال ليس كيف نعلّم “الجيل Z” بل كيف نتعلّم منه؟ ومن لا يسمعه اليوم، سيسمع عنه غدًا.. وللحديث بقية.

مقالات متعلقة

  1.  الإعلام والجيل "Z".. ماذا عن سوريا؟
  2. كيف يغيّر الجيل "Z" عالم التكنولوجيا
  3. المتفوق الأكثر تحرّرًا وقوّة.. ماذا نعرف عن "الجيل Z"
  4. عنب بلدي – العدد 583 – الأحد 23 نيسان 2023

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي