
اجتماعات صندوق النقد الدولي في واشنطن بمشاركة سوريا لأول مرة منذ أكثر من عقد - 13 تشرين الأول 2025 (صندوق النقد الدولي)

اجتماعات صندوق النقد الدولي في واشنطن بمشاركة سوريا لأول مرة منذ أكثر من عقد - 13 تشرين الأول 2025 (صندوق النقد الدولي)
عنب بلدي – وسيم العدوي
شهدت سوريا مؤخرًا خطوات مهمة نحو إعادة إدماج مؤسساتها المالية في النظام المالي الدولي، أبرزها الاجتماعات التي عقدها وزير المالية السوري، محمد برنية، وحاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، في واشنطن مع مسؤولي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووزارة الخزانة الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي وبنك “JPMorgan Chase”، والعديد من المؤسسات والأجهزة المنضوية تحت البنك والصندوق.
وتركزت الاجتماعات حول “تحديث السياسات المالية والضريبية، وتعزيز الحوكمة والمصداقية المؤسسية، وضمان بيئة شفافة وجاذبة للاستثمارات الأجنبية، بعد سنوات من العقوبات والعزلة المالية”.
كما تم بحث آليات الربط التدريجي مع النظام المالي الدولي عبر “SWIFT” والمنصات الإقليمية العربية مثل “بُنى”، لتجريب التحويلات المالية بطريقة آمنة مع سوريا، قبل الانفتاح الكامل.
المسؤولون الأمميون والأمريكيون شددوا خلال الاجتماعات مع المسؤولين السوريين في واشنطن على أهمية تنفيذ معايير الامتثال والحوكمة، للتأكيد للشركاء الدوليين على جدّية سوريا في الالتزام بالمعايير العالمية، وبالتالي تمكين المصارف السورية من استعادة علاقاتها بالمراسلة الدولية، وفتح حسابات بالدولار الأمريكي تدريجيًا.
ويظهر الانفتاح المالي السوري إمكانية عودة تدريجية للعلاقات مع المؤسسات المالية العالمية، خصوصًا بعد تخفيف العقوبات الأمريكية وتصريحات البيت الأبيض بالعزم على إلغاء قانون “قيصر” مستقبلًا.
مع ما سبق، يبقى الانفتاح مرتبطًا بتحقيق متطلبات تطوير البنية التحتية الرقمية والمالية، وتمكين المصارف من عمليات تحويلات آمنة وشفافة، بحسب خبراء.
بحث برنية والحصرية في محادثات كشف عنها “مجلس الأعمال الأمريكي- السوري” (ولم يفصح عنها كلاهما)، مع كبار المسؤولين التنفيذيين في بنك “JPMorgan Chase”، مسار الإصلاح المالي وخطط إعادة إدماج المؤسسات المالية السورية بالنظام المصرفي الدولي، وتحديث السياسات المالية، وإعادة بناء المصداقية المؤسسية، وتعزيز الشفافية بالقطاعات المصرفية والتأمينية، بما يتيح جذب الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب مراجعة الأطر الضريبية وتحديثها بما يتوافق مع المعايير الدولية.
ويرى خبير الإدارة المالية والتدقيق البنكي السوري الدكتور علي محمد، أن هذا التحرك يمثل “خطوة إيجابية نحو تعزيز الحوكمة، وإن لم تصل بعد إلى مستوى التطبيق الكامل”، معتبرًا أن “وجود إطار تنظيمي واضح مثل القرار 489 لعام 2009، الصادر عن مصرف سوريا المركزي والمتعلق بالحوكمة، يشكل قاعدة متينة لتشكيل مجالس إدارة ولجان رقابة ومخاطر داخل المصارف وشركات التأمين، والمؤسسات المالية عمومًا”.
وقال الخبير محمد لعنب بلدي، إن “تعزيز الشفافية ونشر تقارير الحوكمة السنوية سيزيد من قدرة المؤسسات السورية على جذب الشركاء الدوليين تدريجيًا، كما يتيح للمستثمرين تقييم مدى الجدية في الالتزام بالمعايير المالية والإدارية العالمية”.
يمثل القرار “489” الصادر عن مصرف سوريا المركزي عام 2009 “دليل الحوكمة” للمصارف السورية التقليدية والإسلامية، ويحدد المعايير والمبادئ اللازمة لتطبيق الحوكمة الرشيدة في هذه المصارف.
وينص الدليل على العديد من البنود أهمها:
الاجتماعات السورية مع مسؤولي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تناولت أيضًا العديد من القضايا، على رأسها تعزيز معايير الامتثال في المؤسسات المالية والمصارف السورية، لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CTF)، وضمان الامتثال الكامل لالتزامات سوريا تجاه المؤسسات المالية العالمية، كشرط أساسي لإعادة بناء العلاقات المصرفية الدولية مع سوريا.
يرى الخبير محمد أن مشاركة سوريا بوفد عالي المستوى بالاجتماعات مع المصرفين الدوليين، يعكس “إلى حد ما” رغبة الحكومة السورية في تعزيز الثقة لدى البنوك المراسلة الأجنبية، مضيفًا أن “المؤسسات المالية السورية مستمرة في تطبيق القرارات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لكن ما زالت هناك حاجة لتطوير الأنظمة الإلكترونية وتدريب الكوادر على أحدث البروتوكولات”.
تحدد التعليمات التنفيذية للقانون رقم “28” لعام 2001، الخاص بالالتزامات الواجب تنفيذها من قبل المصارف المرخصة في سوريا لتطبيق المعايير العامة للامتثال وأبرزها:
منذ أن بدأ تخفيف العقوبات الأمريكية والأوروبية عن سوريا بداية العام الحالي، بدأ الحديث الفعلي عن إعادة سوريا إلى نظام التحويلات المالية العالمي (SWIFT)، بعد انقطاع دام أكثر من عقد، وتركزت الجهود على اختبار آليات الربط التدريجي مع المصارف العالمية، مع الاعتماد على منصات إقليمية مثل منصة “بُنى”، لإجراء عمليات تقاص وتسوية بالعملات الخليجية والعربية، كمرحلة انتقالية قبل الانفتاح الكامل.
ويتيح هذا التدرج للمصارف السورية، حسب محمد، اختبار أنظمة الرقابة الداخلية، وإثبات الالتزام بالمعايير الدولية والإقليمية، إضافة إلى تمكينها من إدارة المخاطر المالية بشكل فعلي، قبل العودة للتعامل المباشر بالدولار الأمريكي مع البنوك المراسلة العالمية.
ويرى أن “استخدام المنصات الإقليمية يتيح للمصارف السورية اكتساب خبرة عملية قبل الانفتاح الكامل”، وهذه المرحلة الانتقالية ضرورية لإقناع الشركاء الدوليين بأن سوريا قادرة على تنفيذ التحويلات المالية بطريقة آمنة وشفافة”.
شهدت الأشهر الأخيرة خطوة مهمة تمثلت في إعلان وزارة الخزانة الأمريكية تخفيف معظم لوائح العقوبات على سوريا، مع إبقاء بعض القيود الفردية، وقد فتح هذا المجال أمام إمكانية فتح حساب لمصرف سوريا المركزي لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، شرط الالتزام بمعايير أمنية وتقنية ومحاسبية عالية.
ويعكس السماح للمركزي السوري بتقديم طلب لفتح حساب لدى الفيدرالي الأمريكي، رغبة واشنطن في إعادة إدماج سوريا تدريجيًا ضمن النظام المالي الدولي، وإعادة الثقة للمستثمرين والبنوك المراسلة، مع الحفاظ على آليات المراقبة لضمان الالتزام الكامل.
وأكد الخبير الدكتور علي محمد، أن رفع العقوبات خطوة مهمة لكنها ليست كافية، إذ يجب أن يقترن ذلك بضمانات حوكمة وامتثال قوية، تشمل تحديث الأنظمة الإلكترونية، ومراقبة العمليات المالية، وتدريب الكوادر على المعايير الدولية”.
وأضاف أن “ربط مصرف سوريا المركزي بالاحتياطي الفيدرالي خطوة تحولية، ستعيد لسوريا جزءًا من مكانتها الائتمانية، لكنها لن تؤدي إلى تدفقات مالية فورية، فالأمر يحتاج إلى وقت وصبر”.
وأشار إلى أن “تحسن البيئة الاستثمارية وفتح الحسابات الدولية سيكون تدريجيًا، وقد يمتد إلى عامين، قبل أن تصبح التحويلات الدولية اعتيادية ومستقرة”.
وعقب لقاء الرئيسة والمديرة التنفيذية لغرفة التجارة الأمريكية، سوزان كلارك، مع وزير المالية السوري، محمد برنية، في واشنطن منذ أيام، أرسل نائب رئيس الغرفة، جون مورفي، رسالة إلى مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين طالب فيها بإلغاء “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا بشكل كامل ودائم، لأنه مع سقوط نظام الأسد وتسلم الحكومة السورية الجديدة الحكم لم يعد القانون يحقق هدفه”، وفقًا لما جاء في الرسالة.
تناولت الاجتماعات السورية في واشنطن قضايا تتعلق بـ”تحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر، خصوصًا في القطاعات الحيوية مثل الطاقة، والبنية التحتية، والزراعة، والقطاع المالي، لتسريع تعافي الاقتصاد المحلي، وتم التباحث حول تقديم ضمانات تشريعية وقانونية للمستثمرين، بما يضمن بيئة مستقرة وآمنة للاستثمار”.
“الاجتماع مع بنك (JPMorgan Chase) خطوة استشرافية وليس اتفاقًا ماليًا مباشرًا، إذ تقيّم كل المصارف الاستثمارية حجم المخاطر وجودة البيئة الاستثمارية قبل اتخاذ قرارات التمويل”، بحسب الدكتور علي محمد، مشيرًا إلى أن “المرحلة المقبلة من الانتعاش والتنمية ستكون تدريجية، مع بدء تمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة قبل الانتقال إلى مشاريع أكبر، لتعويض خسائر البنية التحتية وتعزيز القدرة الإنتاجية للقطاع الاقتصادي”.
ويرى أن سوريا “تسير في طريق الانفتاح المالي بخطوات محسوبة ومدروسة”، حيث تم التركيز على الحوكمة، والامتثال، وتطوير أنظمة الدفع والتحويلات، قبل الانفتاح الكامل على البنوك المراسلة العالمية.
وخلص الخبير الدكتور علي محمد إلى أن مرحلة بناء الثقة هي الأهم، وستحدد سرعة وتيرة الانفتاح، مؤكدًا أن “سوريا أمام فرصة نادرة لإعادة بناء موقعها المالي الدولي، مع التزامها الصارم بمعايير الشفافية والحوكمة والامتثال”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى