انتهاء عُقدة "الترسيم المزدوج"

افتتاح معبر “البوكمال” ينعش الحركة التجارية

مدخل معبر البوكمال شرقي دير الزور على الحدود مع العراق - 28 تشرين الأول 2025 (عنب بلدي/ مروان المضحي)

camera iconمدخل معبر البوكمال شرقي دير الزور على الحدود مع العراق - 28 تشرين الأول 2025 (عنب بلدي/ مروان المضحي)

tag icon ع ع ع

دير الزور – مروان المضحي

شهد معبر “البوكمال” في ريف دير الزور الشرقي على الحدود السورية- العراقية، مؤخرًا، عودة نشطة للحركة التجارية، وازديادًا ملحوظًا في إقبال التجار، ما يعكس تحولًا اقتصاديًا في المنطقة بعد سنوات من الاعتماد على طرق بديلة وأكثر تكلفة.

وتمثل عودة هذا الشريان الحيوي خطوة نحو تعافي الأسواق المحلية، وتوفير فرص عمل طال انتظارها لأبناء المنطقة، متجاوزة بذلك تعقيدات الإجراءات الجمركية السابقة.

وكانت هيئة المعابر والمنافذ البرية والبحرية السورية أعلنت، في 12 من حزيران الماضي، عن افتتاح معبر “البوكمال” الحدودي مع العراق.

نهاية زمن “الترسيم المزدوج”

أثقلت التحديات الاقتصادية كاهل تجار المنطقة، خاصة فيما يتعلق باستيراد البضائع.

ومع توقف الحركة على معبر “البوكمال” لأسباب متعددة، اضطر التجار إلى الاعتماد على معبر “سيمالكا” الحدودي في الشمال الشرقي، وهو ما كان يفرض عليهم عبئًا ماليًا مزدوجًا وغير مستدام، بحسب تجار قابلتهم عنب بلدي.

أحمد العصب، سائق شاحنة، قال لعنب بلدي، إن التجار كانوا يجدون أنفسهم مضطرين لدفع رسوم “ترسيم” مرتين على البضائع المستوردة، مرة لـ”الإدارة الذاتية” وهي الذراع الحوكمية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تسيطر على شمال شرقي من سوريا، ومرة أخرى للحكومة السورية التي تسيطر على الجانب الآخر من مناطق التماس.

تحصيل الرسوم على الجانبين كان يُترجم مباشرة إلى ارتفاع في تكلفة البضاعة النهائية على المستهلكين، وتقلص في الأرباح، ما أضعف من قدرة السوق على المنافسة والنمو.

ومع إعادة فتح معبر “البوكمال” وعودة انسيابية الحركة التجارية إليه، تم تجاوز هذه العقبة بشكل جذري، وفق ما لفت إليه السائق.

وأصبح التجار قادرين على جلب بضائعهم مباشرة، ما يجنبهم دفع الرسوم المزدوجة، ويوفر عليهم جزءًا من التكلفة اللوجستية والمالية.

هذا التوفير ينعكس إيجابًا على الأسواق، ومن شأنه أن يؤدي إلى استقرار أو انخفاض في أسعار بعض السلع الأساسية، بحسب ما يراه السائق.

إقبال وحركة جيدة

الإقبال التجاري لا يقتصر على مجرد استئناف الروتين، بل هو تدفق يعكس “تعطش” السوق المحلية لهذه العودة، وفق مدير العلاقات في المعبر، عمار الدليمي.

وأكد أن هذه الحركة النشطة تشير إلى أبعاد أوسع لهذه العودة.

الدليمي قال لعنب بلدي، إن المنطقة بدأت فعليًا بالتعافي من إرث النظام السابق وتداعيات السنوات الماضية.

وأضاف أن المعبر سيلعب دورًا محوريًا في تنشيط حركة الأسواق، معتبرًا في الوقت ذاته أن التعافي ليس اقتصاديًا فحسب، بل هو اجتماعي أيضًا.

وشرح ذلك بأن الحركة التجارية المتزايدة تخلق طلبًا مباشرًا على خدمات النقل والتخزين والعمالة.

شركات جديدة

شهد محيط المعبر والمدن القريبة منه ظهور عدد من الشركات الجديدة المتخصصة في تقديم الخدمات اللوجستية والجمركية، حيث افتتحت عدة شركات للتخليص الجمركي و”الترانزيت” (النقل بالعبور) أبوابها أمام التجار.

أحمد الزرزور، صاحب شركة تخليص جمركي، قال لعنب بلدي، إن هذا التطور يدل على أن القطاع الخاص يستجيب بسرعة للاستقرار النسبي والحركة الاقتصادية الواعدة، ما يزيد من كفاءة العمليات ويقلل من زمن انتظار البضائع.

وأضاف أن هذه الشركات الجديدة لا توفر فقط السرعة في التخليص، بل هي بحد ذاتها مؤشر على بيئة استثمارية ناشئة، حتى لو كانت على نطاق ضيق في الوقت الحالي.

وأشار إلى أنها توفر وظائف ذات طابع إداري وفني، وهي نوعية مختلفة من فرص العمل عما هو متوفر عادة في مناطق النزاع.

تنشيط للأسواق المحلية

يعد الأثر الاجتماعي الأكثر أهمية لعودة الحركة على المعبر عبر مساهمته في مكافحة البطالة، التي تعد من أخطر التحديات التي تواجه سكان دير الزور.

وكان النشاط الاقتصادي توقف لسنوات طويلة، ما دفع بالعديد من الشباب للنزوح أو البحث عن مصادر دخل غير مستقرة، بحسب أهالٍ قابلتهم عنب بلدي.

مدير العلاقات العامة في المعبر، الدليمي، أشار إلى أن هذا التنشيط سيساعد على توفير فرص عمل كثيرة لأبناء المنطقة.

وهذا لا يقتصر على وظائف التخليص الجمركي والسائقين والعمال، بل يتجاوز ذلك ليشمل قطاع النقل وزيادة الطلب على الشاحنات وسائقيها وورشات الصيانة والأسواق والمحال التجارية.

وقال إن انخفاض تكلفة البضائع يعني قدرة أكبر على بيعها، وبالتالي تنشيط حركة البيع والشراء في الأسواق الرئيسة بدير الزور وريفها.

وتحتل سوريا موقعًا استراتيجيًا يجعلها ممرًا مهمًا بين آسيا وأوروبا ودول الخليج، وتاريخيًا كانت الطرق البرية السورية أساسية في حركة التجارة بين هذه الدول، وكانت حركة “الترانزيت” تدر إيرادات من الرسوم الجمركية ورسوم العبور على خزينة الدولة.

تخضع البضائع العابرة وفق هذا المصطلح لإجراءات جمركية خاصة تعرف باسم “الترانزيت الجمركي”، بينما لا يفرض عليها أي ضرائب أو رسوم داخلية باستثناء ذلك، كما تتطلب بنية تحتية مناسبة مثل الطرق السريعة والسكك الحديدية والمواني.

تبرز أهمية “الترانزيت” من الناحية الاقتصادية بأنها توفر دخلًا للدول الوسيطة عبر رسوم العبور، ولوجستيًا تقلل تكاليف النقل وتعزز الربط بين الأسواق الدولية، فيما تجعل الدولة الوسيطة لاعبًا محوريًا في التجارة الإقليمية والدولية، وهنا تبرز أهميتها من الناحية الجيوسياسية.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة