عودة السوريين من ألمانيا وعواقبها على سوق العمل

  • 2025/11/08
  • 10:52 ص
مهمون للنقل والخدمات اللوجستية: لاجئ سوري يعمل في قطار بمدينة هامبورغ (Christophe Gateau/dpa/picture alliance)

مهمون للنقل والخدمات اللوجستية: لاجئ سوري يعمل في قطار بمدينة هامبورغ (Christophe Gateau/dpa/picture alliance)

enab_get_authors_shortcode

تنشر هذه المادة في إطار شراكة إعلامية بين عنب بلدي وDW


يزداد الجدل في ألمانيا حول إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. فمع سقوط نظام الأسد ونهاية الحرب الأهلية في سوريا، انفجر النقاش في ألمانيا حول ضرورة مراجعة وضع إقامة السوريين، وتسريع عمليات الترحيل خصوصا بين مرتكبي الجرائم، وحول تشجيع العودة الطوعية. من المعروف أنَّ ألمانيا من أهم الدول المضيفة للاجئين السوريين. فقد لجأ منذ عام 2015 نحو مليوني شخص من سوريا إلى ألمانيا وبنوا فيها حياة جديدة.

مطلوبون ومستخدمون: السوريون في سوق العمل

ويقول هربرت بروكر، رئيس قسم أبحاث الهجرة في معهد أبحاث سوق العمل والتوظيف: “كل من يعمل يُساهم”. ويضيف أنَّ: “اللاجئين السوريين يساهمون مساهمة مهمة في سوق العمل الألماني بنحو 300 ألف موظف ونحو 20 ألف شخص يعملون لحسابهم الخاص”. ومع ذلك فإنَّ نسبتهم من حيث الكمية ضئيلة مقارنة بنحو 45 مليون عامل في ألمانيا، كما يؤكد بروكر في حوار مع DW.

لكن في ذات الوقت، يقول بروكر إنَّ معظم السوريين يعملون في مهن عليها طلب مرتفع وتعاني من نقص في الكوادر: في قطاع الرعاية الصحية، والفنادق والمطاعم، والنقل، والخدمات اللوجستية، والحرف اليدوية. وإذا اختفت هذه المجموعة، فلن يكون هناك أي بديل عنهم في وظائف كثيرة. “وستكون النتيجة نقصًا في الإمدادات والتوريد، وكذلك ارتفاعًا في الأسعار”، كما يوضح بروكر.

وبحسب معلوماته يعمل نحو نصف اللاجئين الأجانب كمهنيين، ونحو 10 بالمائة منهم كمتخصصين أو خبراء، ونحو 45 بالمائة منهم في قطاع المساعدة. وهؤلاء العمال مطلوبون جدًا في ألمانيا. وذلك لأنَّ “التغيير الديموغرافي يؤدي إلى ارتفاع الطلب على الخدمات البسيطة التي لا تتطلب شهادة ثانوية عامة أو مؤهلات مهنية”، كما يقول باحث سوق العمل بروكر، ملمحا إلى التحول الديموغرافي العميق الذي تشهده البلاد نحو الشيخوخة. وهذا ما يجعل استقطاب العمالة ضرورة اقتصادية.

العودة إلى سوريا: واقع أم سيناريو مستقبلي؟

منذ عام 2012 توقفت عمليات الترحيل إلى سوريا بسبب الوضع الأمني المصنّف إلى غاية اللحظة بأنه “غير آمن”. لكن النقاش المحتدم اليوم يسعى إلى تغيير هذا التصنيف وبلورة آليات جديدة لتسريع عمليات الترحيل إلى سوريا.

وبحسب وزارة الداخلية الألمانية غادر ألمانيا حتى نهاية آب/أغسطس 2025 نحو 1900 سوري بشكل طوعي وبدعم من الدولة. ومن غير المنتظر أن نشهد موجة عودة أكبر من ذلك. وفي حال تمّ تشديد الخناق على الجالية السورية، فقد نشهد حتى عودة أولئك الذين شغلوا وظائف عالية. وعلى سبيل المثال، هناك نحو 7 آلاف طبيب سوري يحملون جوازات سفر سورية ويعملون في المستشفيات الألمانية، بحسب أرقام غرفة الأطباء الألمانية.

“من يشعر بالترحيب يبقى”

في هذا الصدد يقول طبيب القلب الدكتور أنس جانو، وهو كبير أطباء في مستشفى جامعة يينا: “الأطباء السوريون وغيرهم من الأطباء الأجانب يمثلون إثراءً كبيرًا لألمانيا بسبب الحاجة إليهم”. لقد درس جانو في دمشق وأكمل تدريبه في جامعة الرور بمدينة بوخوم الألمانية. وبحسب تقديراته فإنَّ ثلث أو ربع الأطباء في ألمانيا اليوم ينحدرون من خارجها.

وبشكل عام لقد تحقق الكثير في السنين الأخيرة. “منذ عام 2012 يستطيع الأطباء الأجانب الحصول على ترخيص رسمي، أي ترخيص مهني دائم لمزاولة مهنة الطب”، كما قال جانوا في حوار مع DW. وأضاف أنَّ ذلك سهّل اندماجهم بشكل كبير، وبات بإمكانهم “العمل بشكل دائم، والحصول على الجنسية الألمانية، والمساهمة في استقرار نظام الرعاية الصحية في ألمانيا”.

ولكن جانو ينظر بقلق إلى المزاج العام ويقول: “من يعمل هنا، ويكوّن أسرة ولديه أطفال، يريد الأمان والقبول. ولكن عندما يتم الحديث باستمرار حول “السوريين المجرمين”، على الرغم من أنَّهم أقلية صغيرة فقط، يشعر الكثيرون بأنه غير مرحب بهم”. وبالتالي يفكرون في العودة، لأن “هذا لا يتعلق فقط بالوظائف أو التراخيص، بل يتعلق أيضًا بالشعور بالأمان والتقدير. فعندما يشعر الناس بالترحيب، سيبقون”.

وردّاً على سؤال حول مسؤولية الكوادر المتخصصين في إعادة إعمار وطنهم، أجاب جانو: “جميعنا نتحمل المسؤولية لأننا وُلدنا ونشأنا هناك”، في سوريا. ولكن هذا لا يعني بالضرورة العودة “بشكل دائم”. يتابع جانو بأنه  يمكن القيام بذلك “عن بُعد” – من خلال المحاضرات، والدعم المالي، أو نقل المعرفة. وأضاف: “يمكننا نقل أفكار من نظام الرعاية الصحية الألماني إلى الزملاء السوريين”. ولكن العودة “لا تمثل” حاليًا أي خيار بالنسبة للكثيرين، وذلك بسبب الوضع الذي “لا يزال غير مستقر” في سوريا.

العمالة الماهرة

يعمل في ألمانيا نحو 60 بالمائة من السوريين في مهن ذات أهمية نظامية وضرورية لسير المجتمع والحياة اليومية – وهي نسبة أعلى بكثير من نسبة العاملين الألمان التي تبلغ 48 بالمائة، بحسب معهد أبحاث سوق العمل والتوظيف. ومع ذلك فإنَّ الكثيرين منهم لا يستطيعون استغلال مؤهلاتهم. فغالبًا ما يعمل المهندسون كفنيين، وتعمل الطبيبات كمساعدات تمريض. وكثيرًا ما يعود ذلك إلى عدم الاعتراف بشهاداتهم أو افتقارهم إلى الخبرة المهنية.

عطفا عن ذلك، يوجد نحو 700 ألف سوري عاطلين عن العمل؛ ومنهم مسجلون كباحثين عن عمل. وعدد منهم يواجهون صعوبات في الدخول إلى سوق العمل بسبب عقبات بيروقراطية أو نقص في فرص التدريب.

ويمكن من خلال الدعم الموجه استغلال إمكاناتهم بشكل أفضل وفي ذات الوقت سدّ الثغرات في سوق العمل، كما ينتقد باحث سوق العمل هربرت بروكر، قائلا: “يمضي وقت طويل جدًا من إجراءات اللجوء إلى مرحلة الاندماج في سوق العمل”. ويضيف أنَّ ضمان الأمن القانوني أمر حاسم: “الشركات لا تفضّل توظيف الأشخاص الذين لا تعرف عنهم إن كانوا يستطيعون البقاء هنا أم لا. ولهذا السبب فإنَّ إتمام إجراءات اللجوء أمر مهم جدًا”.

إجماع عالمي: ألمانيا تفقد جاذبيتها

ولكن الاندماج في سوق العمل لا يمثل سوى جانب واحد: إذ إنَّ جاذبية ألمانيا العامة كبلد مقصد تؤثر أيضًا على عدد العمال المهرة الذين يبقون هنا بالفعل أو يأتون لاحقًا. ويحذّر بروكر – على غرار طبيب القلب السوري أنس جانو – من أنَّ: “ما يستهان به كثيرًا هو أنَّ التحول في المزاج العام يحدث تأثيرًا كبيرًا في ألمانيا”.

وهكذا فقد حدث في السنين الأخيرة انخفاض حاد في هجرة العمال الماهرة إلى ألمانيا، ويقول بروكر بهذا الصدد إنه و”بحسب استطلاع عالمي أجرته مؤسسة غالوب العالمية حول بلدان المقصد المفضلة فقد تراجعت ألمانيا بشكل ملحوظ خلال العامين أو الثلاثة أعوام الماضية”.

مقالات متعلقة

  1. شركات ألمانية تطالب بمنع ترحيل اللاجئين المندمجين في سوق العمل
  2. إدماج اللاجئين سيسهم بالحد من عواقب شيخوخة السكان في ألمانيا
  3. ألمانيا تفتتح مكتب اللجوء والترحيل للاجئين المرفوضة طلباتهم
  4. ألمانيا: لن نرحّل أي لاجئ سوري حاليًا

حياة اللاجئين

المزيد من حياة اللاجئين