عنب بلدي – محمد ديب بظت
شهدت السنوات الأخيرة توجه عدد من الشباب السوريين المتابعين لكرة القدم العالمية نحو منصة رقمية مرتبطة بالدوري الإنجليزي الممتاز، تُعرف باسم “الفانتازي” كمصدر للترفيه والتفاعل.
مع كل موسم جديد للدوري الإنجليزي الممتاز، يزداد نشاط اللاعبين السوريين، سواء عبر مجموعات على الإنترنت أو من خلال “دوريات” محلية صغيرة.
اللعبة تتيح للشباب اختبار مهاراتهم في اختيار الفرق وتحليل المباريات ومنافسة الأصدقاء، كما تشهد مشاركة ملحوظة من الفتيات، ما يعكس اتساع رقعة التفاعل الاجتماعي الافتراضي في المجتمع السوري.
المجتمع الافتراضي.. ملاذ مؤقت
غياب دوري سوري منظم، وقلة النشاطات الرياضية والترفيهية، دفعت الشباب، بحسب ما أشاروا إليه لعنب بلدي، للجوء إلى منصات افتراضية.
تضم مجموعات على “واتساب” و”فيسبوك” الأصدقاء لمتابعة النتائج وتبادل النصائح، وتحليل أداء اللاعبين ضمن “ليغات” أسبوعية صغيرة.
محمد حبال (26 عامًا)، خريج معهد إدارة أعمال من جامعة “حلب”، ذكر لعنب بلدي أن التفاعل في هذه المجموعات يمنحه شعورًا بالانتماء، إذ يوفر مساحة للتواصل الاجتماعي ضمن ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة يعيشها في الوقت الحالي.
وأشار إلى أن اللعبة أصبحت أيضًا فرصة للتواصل الاجتماعي، فهي تتيح له البقاء على اتصال مع أصدقائه حتى المغتربين منهم ومتابعة نشاطاتهم، ما يخلق نوعًا من الانتماء إلى مجموعة، حتى لو كان هذا الانتماء افتراضيًا.
هذه المجموعات تتطور أحيانًا إلى منافسات أسبوعية، تشمل الرهانات الرمزية بين الأصدقاء، لمن يحقق أعلى النقاط، وتصبح مساحة للتحدي والمشاركة الجماعية.
هروب من الفراغ
اللعبة تمثل متنفسًا مؤقتًا للشباب السوريين الذين يواجهون صعوبات اقتصادية كبيرة، مثل البطالة المستمرة، وتراجع فرص العمل، وتعطل بعض المصانع والمشاريع الصغيرة.
هذه الظروف تجعل من الصعب على الشباب إيجاد نشاطات جماعية ممتعة أو مستمرة، فتتحول الألعاب الرقمية إلى مساحة متاحة يمكنهم السيطرة عليها نسبيًا.
فراس الكفري (25 عامًا) عاطل عن العمل حاليًا، ذكر لعنب بلدي أن “الفانتازي” تمنحه شعورًا بالتحكم والإنجاز الرمزي، إذ يمكنه اتخاذ قرارات استراتيجية وتشكيل فريقه الخاص، ما يخلق إحساسًا بالمسؤولية والنجاح رغم صعوبات الواقع.
وأضاف أن الفوز في الجولة أو صعود الترتيب يمنح شعورًا بالإنجاز ولو كان قصير المدى، ويسهم في تخفيف الإحباط النفسي الناتج عن الضغوط اليومية والفراغ الاجتماعي.
مواجهة الإخفاق الافتراضي
لا يحصل كل اللاعبين على نتائج عالية أسبوعيًا، فكما في الحياة الواقعية، هناك فترات أداء ضعيف أو نقاط قليلة.
بعض اللاعبين يلاحظون شعورًا بالإحباط أو الإحساس بأن خططهم لم تنجح، بينما يستخدم آخرون هذه اللحظات كفرصة للتعلم وإعادة تقييم استراتيجيتهم في الجولة التالية.
محمد حبال ذكر أنه أحيانًا يشعر بالضغط النفسي عند انخفاض نقاط فريقه، لكنه يحاول التعامل مع ذلك بالتحليل والتخطيط للجولات المقبلة.
وأضاف أن المنافسة بين الأصدقاء تجعل هذا الإحباط مؤقتًا، إذ تتحول النقاط القليلة إلى موضوع نقاش وتحدٍّ لتحسين الأداء، ما يعكس جزءًا من التفاعل الاجتماعي داخل اللعبة.
بهذه الطريقة، تصبح اللعبة مساحة لتجربة الانتصار والفشل ضمن حدود افتراضية، مع إمكانية تحويل التجربة الافتراضية إلى تعلم وتنمية مهارات اتخاذ القرار، دون أن تؤثر على الحياة الواقعية بشكل سلبي.
اللعبة تدفع بعض المستخدمين إلى متابعة إحصاءات اللاعبين وأخبار المباريات بشكل أكثر دقة، مع التخطيط الأسبوعي للتشكيلة، ما يعكس التحول من متابعة عاطفية للمباريات إلى تحليل استراتيجي للفرق واللاعبين.
في هذا السياق، قال فراس الكفري، إن التحول يتيح له تطوير مهارات محدودة في التخطيط واتخاذ القرار ضمن إطار اللعبة الافتراضي، لكنه لا يعكس بالضرورة قدرات أو نتائج في الحياة الواقعية.
رغم ارتباط اللعبة غالبًا بالشباب الذكور، فإن شابات سوريات انخرطن فيها أيضًا.
نجود الهاشم (22 عامًا)، خريجة كلية الآداب من جامعة “حلب”، ذكرت لعنب بلدي أن اللعبة تسمح للنساء بالمشاركة في النقاشات والتحليل، والتحديات ضمن المجموعات الافتراضية، ما أضاف بعدًا اجتماعيًا جديدًا، لكن هذا النشاط يظل ضمن حدود اللعبة الافتراضية ولا يعكس مشاركة واقعية كاملة في الحياة الرياضية أو المجتمعية.
“إنجاز افتراضي”
علا حريري، خريجة قسم علم الاجتماع من جامعة “حلب”، قالت إن الألعاب الإلكترونية بالمجمل بما فيها “الفانتازي” تظل ضمن الحدود الطبيعية للترفيه الرقمي، وتولد شعورًا مؤقتًا بالانتصار واللذة.
وأشارت لعنب بلدي، إلى أن الانغماس الطويل في اللعبة وقضاء وقت في اختيار التشكيلة، قد يجعل اللاعبين يعتمدون على العالم الافتراضي لتجربة النجاح والإنجاز، بدل خلق تجارب حقيقية في الحياة الواقعية.
ونوهت إلى أن جزءًا من اللاعبين ينغمسون بشكل مبالغ به في محاولة الوصول إلى المراكز الأولى طمعًا بالجوائز العالمية، رغم إدراكهم أن عدد المشاركين الضخم (أكثر من 11 مليون لاعب حول العالم) يجعل فرص الفوز ضئيلة جدًا.
وأشارت إلى أن هذا النمط قد يستهلك وقت الشباب وجهدهم في إنجازات افتراضية صعبة المنال، بدل استثمار طاقتهم في تطوير مهارات واقعية أو تحقيق تقدم مهني وشخصي يمنحهم شعورًا حقيقيًا بالإنجاز.
وترى أن المشكلة لا تكمن في اللعب بحد ذاته، بل في تحوله إلى بديل وهمي عن النجاح الفعلي في حياة مليئة بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية.
وأوصت في هذا السياق، بأن يظل استخدام اللعبة محدودًا، مع ضرورة إيجاد نشاطات حقيقية تنقل شعور الانتصار واللذة إلى ممارسات واقعية مفيدة، مثل الرياضة أو المشاركة الاجتماعية.
بهذا الإطار، تبدو “الفانتازي” ظاهرة اجتماعية، مع التأكيد على أنها نشاط افتراضي محدود، وضمن سياق الترفيه الرقمي فقط.
انتشار اللعبة وعدد اللاعبين
تعد لعبة “فانتازي بريمير ليغ” واحدة من أكثر ألعاب شهرة عالميًا، حيث يشارك فيها أكثر من 11.4 مليون لاعب حول العالم، بحسب الإحصائية المنشورة عبر موقع اللعبة الإلكتروني.
هذه الظاهرة العالمية تعكس شعبية اللعبة وانتشارها بين مختلف الأعمار والجنسيات.
اللعبة تسمح بالانضمام إلى منافسات عالمية أو إنشاء “ليغات” صغيرة بين الأصدقاء والعائلة، ما يجعلها نشاطًا اجتماعيًا افتراضيًا واسع الانتشار، لكن يظل ضمن حدود العالم الرقمي.
بالنسبة لسوريا، لا يتيح الموقع معرفة العدد الكلي للاعبين في دولة واحدة، لكن تنظيم “ليغات” محلية تجمع لاعبين من مختلف المدن السورية للمنافسة الأسبوعية، يعكس اهتمامًا واضحًا باللعبة داخل المجتمع المحلي.
ما “الفانتازي”؟
لعبة “Fantasy Premier League” منصة إلكترونية مرتبطة بالدوري الإنجليزي الممتاز، تتيح تكوين فريق افتراضي مكون من 15 لاعبًا حقيقيًا ضمن ميزانية محددة (100 مليون جنيه إسترليني افتراضي).
كل أسبوع، يختار اللاعبون 11 لاعبًا أساسيًا، ويعينون قائدًا للفريق ليحصل على نقاط مضاعفة.
تُحسب النقاط بحسب أداء اللاعبين الواقعي في المباريات، وتشمل الأهداف والتمريرات الحاسمة، ونظافة الشباك ودقائق اللعب.
وتوفر اللعبة أدوات إضافية، مثل “الكابتن المضاعف” التي تتيح مضاعفة نقاط اللاعب المختار، و”البنش بوست” التي تتيح حساب نقاط اللاعبين الموجودين على الدكة وتحسب مع النقاط العامة للاعبين الأساسيين.
كما تتيح ميزة “الفري هيت” التي تتضمن تغيير التشكيل لجولة واحدة فقط، إلى جانب ميزة “الوايلد كارد” التي تتيح إعادة تشكيل الفريق بالكامل.
تقدم لعبة “فانتازي” الدوري الإنجليزي الممتاز مجموعة من الجوائز تشجع اللاعبين على المنافسة والتفوق.
ووفقًا لموقع اللعبة، تشمل الجوائز هذا الموسم رحلات إلى المملكة المتحدة لحضور مباريات الدوري، وأجهزة إلكترونية، وألعاب فيديو، وملابس ومستلزمات رياضية، بالإضافة إلى حزم تذكارية من اللعبة.
ويختلف توزيع الجوائز حسب ترتيب اللاعبين، على أن تشمل فقط أصحاب المراكز العشرة الأولى، إلى جانب بطل كأس “الفانتازي” ووصيفه.
