عنب بلدي – وسيم العدوي
مع سقوط النظام السوري في كانون الأول 2024، سارع الاتحاد الأوروبي إلى الترحيب بهذا التحول السياسي، معتبرًا إياه خطوة نحو تحقيق تطلعات الشعب السوري للحرية والعدالة، وفي الأسابيع الأولى من العام الحالي، نشطت حركة الوفود الأوروبية، وأعادت دول أوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا، فتح سفاراتها في دمشق بعد إغلاق دام أكثر من عقد، في مؤشر واضح على رغبة الاتحاد في إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا.
على الصعيد المالي والإنساني، أعلن الاتحاد الأوروبي، في آذار الماضي، تخصيص مبلغ 2.5 مليار يورو لدعم سوريا خلال عامي 2025 و2026، ويشمل هذا الدعم عملية الانتقال السياسي، وتعزيز التعافي الاجتماعي والاقتصادي، وتلبية الاحتياجات الإنسانية داخل سوريا وفي الدول المجاورة التي تستضيف اللاجئين السوريين، مثل الأردن ولبنان والعراق وتركيا.
جاء هذا الإعلان خلال مؤتمر “بروكسل” التاسع الذي انعقد تحت عنوان “الوقوف مع سوريا”، وأكد فيه الاتحاد الأوروبي التزامه بدعم عملية انتقال شاملة وسلمية بقيادة سورية، ثم كثّف الاتحاد من لقاءاته مع الحكومة السورية الانتقالية، لمناقشة مستقبل سوريا، مع التركيز على ضمانات أمنية، وإصلاحات سياسية، واحترام حقوق الإنسان، وكل ذلك يعكس حرص الاتحاد الأوروبي على أن تكون سوريا شريكًا مستقرًا في المنطقة، دون أن تتكرر أخطاء الماضي.
رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في سوريا، ميخائيل أونماخت، في مقابلة خاصة مع عنب بلدي، تحدث حول عدد من القضايا المتعلقة بمدى استعداد الاتحاد الأوروبي للمساهمة في إعادة إعمار سوريا، وحجم وشكل هذه المساهمة، إضافة إلى ما قدمه من دعم منذ بداية العام الحالي، وتقييم الاتحاد للتغيرات السياسية بعد زوال النظام، وإمكانية ممارسة دور أكثر فاعلية، إلى جانب أولويات البعثة الأوروبية في دعم العملية السياسية، بما يشمل تأسيس الأحزاب والعدالة الانتقالية والتشاركية.
كما ركز السفير الأوروبي أونماخت على مسائل تقييم الاتحاد الأوروبي للواقع في مناطق مثل السويداء والساحل ودرعا، وموقفه من التدخلات الإسرائيلية في الجنوب، إضافة إلى السياسات الأوروبية تجاه مناطق شمال شرقي سوريا، واتفاق 10 من آذار بين الحكومة و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، فضلًا عن رؤيته لعمل منظمات المجتمع المدني والرسائل الموجهة للشعب السوري في هذه المرحلة.
وفيما يلي نص المقابلة:
“إعادة بناء سوريا مسؤولية جماعية”
- تعاني سوريا من اقتصاد مدمّر وبنية تحتية متهالكة، وهناك حديث عن حاجة البلاد لما يزيد على 216 مليار دولار لإعادة الإعمار، وفق تقديرات البنك الدولي. هل سيسهم الاتحاد الأوروبي في خطة الإعمار، وما حجم المساهمة المتوقعة وشكلها؟ وماذا قدم الاتحاد (منذ بداية العام الحالي) من دعم؟
أونماخت: قرأت هذه الدراسة للبنك الدولي، وينبغي ألا ننتظر حتى تتوفر هذه الأموال لإعادة إعمار سوريا، ولكن يجب توفير المعلومات وقواعد البيانات حول الاحتياجات للإعمار في المرحلة الحالية.
الاتحاد الأوروبي يخطط للمساهمة بشكل فعال، وهذه الجهود لم تكن منذ بداية العام الحالي فقط، بل كانت موجودة قبل ذلك عبر المجتمع السوري.
إعادة البناء وظيفة كبيرة لكل السوريين والحكومة والمجتمع المدني والاقتصاد، ولكن أظن بعد 14 عامًا من الثورة في سوريا، وأكثر من 50 عامًا من النظام الدكتاتوري، تحتاج سوريا ليس فقط إلى المساعدات، بل إلى الدعم والاستثمارات من الخارج وأصدقائها في العالم، والاتحاد الأوروبي جاهز لذلك.
وسبق أن عقد مؤتمر في بروكسل في آذار الماضي، وقرر الاتحاد الأوروبي تقديم دعم للسوريين داخل سوريا وخارجها بأكثر من مليارين و500 مليون يورو لكل الإجراءات، متضمنة إعادة البناء والمساعدات الإنسانية والتعاون في قطاعات الصحة والتعليم.
هناك رغبة قوية لدينا في الاتحاد الأوروبي بالاتصال مع السلطات السورية بشأن كيفية تقديم هذا الدعم من الجهات الأوروبية والدول الأعضاء.
إن تحديد الأولويات هو قرار السلطات السورية لأنها على معرفة جيدة بالأوضاع في سوريا، ثم يتم التنسيق مع الجانب الأوروبي.
الدمار في سوريا كبير جدًا، وقد زرت الكثير من المدن والمناطق في الغوطة الشرقية، ومن الواضح أننا نحتاج إلى مساعدات قوية ومشاريع جيدة وتنسيق بين أصدقاء سوريا والسلطات السورية لمعرفة الاحتياجات والأولويات من قبل الحكومة السورية، وما الذي يحتاج إليه الناس في سوريا، وليس الغوطة فقط، فهناك حمص وحماة والساحل.
أعتقد أن 14 عامًا من المشكلات في سوريا تسببت بأوضاع صعبة جدًا وتحديات كبيرة لكل من يحكم في سوريا والسلطات الانتقالية، ونحن نرغب بمساعدتهم في ذلك.
الرئيس السوري أحمد الشرع يلتقي مفوضة المساواة والاستعداد وإدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي حاجة لحبيب ورئيس بعثة الاتحاد بدمشق ميخائيل أونماخت – 17 كانون الثاني 2025 (رئاسة الجمهورية السورية/تلجرام)
“لا ازدهار اقتصادي دون استقرار أمني”
- هل تعتبرون أن جميع العقبات التي كانت تحول سابقًا دون قيام الاتحاد الأوروبي بممارسة دوره بقوة في سوريا قد زالت بعد زوال نظام الأسد؟ وما تقييمكم لهذا التغيير؟
أونماخت: إن إسقاط النظام كان أمرًا مهمًا، بل هو من أفضل ما مر في التاريخ السوري. 50 عامًا من النظام الدكتاتوري تكفي.
ولكن رحل الأسد، ولم ترحل معه المشكلات والتحديات من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، ومن الناحية الاستثمارية نحتاج إلى إجراءات في كل القطاعات.
وهكذا، الاتحاد الأوروبي كان من البداية، من أول أيام إسقاط النظام، يحاول مساعدة السلطات الجديدة.
وطبعًا، رفع العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي مثّل خطوة مهمة، لأن هذا مكّن الاقتصاد السوري من الحصول على بعض الطاقة والحيوية، ولكن ذلك لم يكن كافيًا.
ثم رأينا لاحقًا قرار الولايات المتحدة برفع بعض العقوبات، وحتى الآن نحن نحتاج إلى إنهاء كامل للعقوبات على سوريا، باستثناء العقوبات الفردية ضد المجرمين، وخاصة النظام السابق.
وهذا لا يكفي، فنحن نحتاج في الاتحاد الأوروبي إلى أن نلعب دورًا إيجابيًا، وكذلك الدول المجاورة ودول الخليج وتركيا والولايات المتحدة لدعم سوريا الجديدة، كي يكون الانتقال السياسي ناجحًا.
وهذه هي الإرادة الأوروبية: أن تساعد برفع العقوبات وتقديم المساعدات الإنسانية والتعاون الاقتصادي.
ولكن كما قلتم سابقًا، أكثر من 200 مليار دولار نحتاج لإعادة بناء سوريا، ولا أحد يستطيع تقديم هذا المبلغ، ولذلك نحتاج إلى مساعدة جميع السوريين والسوريات في ذلك، من الخارج والداخل، وكل أصدقاء سوريا، وهذا لا يمكن أن يتم بين يوم وليلة.
نحن حاليًا في فترة انتقالية يتم خلالها بناء المؤسسات مجددًا، وهناك حكومة انتقالية، وأصبحت لدى سوريا قوى تشريعية تبشر بتشكيل برلمان جديد يمكن أن يلعب دورًا أساسيًا في بناء الدولة.
أنا متفائل بمستقبل سوريا، وسنرى تطورات إيجابية، وخاصة أعتقد أننا نحتاج إلى إصلاح بعض القوانين، ودون جذب استثمارات من الخارج لن نرى ازدهار الاقتصاد السوري. ولذلك نحتاج إلى الانفتاح وإلى قاعدة قانونية ثابتة واستقرار أمني، وهذا من أهداف الحكومة الحالية والشعب السوري، وهذا يحتاج إلى وقت وتفاؤل من الكل وروح إيجابية لحل المشكلات الموجودة من الجميع.
500 منظمة مجتمع مدني في “يوم الحوار”
- هل من أفكار واضحة أو تغيير في التوجهات خلال فعاليات المؤتمر الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي بدمشق في 15 من تشرين الثاني الحالي؟ وماذا عن “يوم الحوار” مع المجتمع المدني السوري؟
أونماخت: يوم الحوار مع المجتمع المدني السوري كان جزءًا أساسيًا من مؤتمرات “بروكسل” منذ بداياتها، وكان لقاء بين الاتحاد الأوروبي والمجتمع المدني السوري.
وطبعًا، الاتحاد الأوروبي في ذلك الوقت كان يعمل مع المجتمع المدني، ولكنه لم يكن يعمل مع نظام الأسد البائد، حيث كنا ضد الحكومة.
وفي مؤتمر “بروكسل” التاسع، كنا مع الحكومة السورية، وكنا ننسق الجهود معًا للوصول إلى حلول لكل المشكلات الموجودة في سوريا.
يوم الحوار بدأ بفكرة، وتم بالاتفاق بين كل قوى المجتمع المدني والحكومة السورية والاتحاد الأوروبي لإطلاق هذا اليوم في دمشق أو سوريا عمومًا، لأنه لم يكن ممكنًا سابقًا اللقاء مع المجتمع المدني السوري.
وهذا سيحدث لأول مرة بدمشق في 15 من تشرين الثاني الحالي، منذ إطلاق مؤتمر “بروكسل” لدعم الشعب السوري.
وستشارك في المؤتمر نحو 500 منظمة غير حكومية ومؤسسات المجتمع المدني، وطبعًا الحكومة جزء أساسي من الحوار، وهي كانت مشاركة في “بروكسل 9”. وسيتم إجراء محادثات بين الجميع والخروج بأفكار جديدة لمستقبل سوريا.
دور المجتمع المدني كان أساسيًا في الـ14 سنة الماضية، وكان صوته مهمًا في سوريا.
ولم تكن الحكومة السابقة تمثل الصوت الحقيقي للسوريين، ولم تكن تمثلهم، أما الحكومة الحالية فتمثل الشعب، ولكننا نحتاج أيضًا إلى أصوات من المجتمع المدني لتعزيز قيم المشاركة وحرية التعبير لكل الأفراد في سوريا، والحوار بكل صراحة ومناقشات بين كل الأطراف لأهم الأسئلة التي تواجه المجتمع السوري في هذا الوقت.
“منظمات المجتمع المدني ركيزة التقدم”
- هل سيشارك الاتحاد الأوروبي في الحوار مع منظمات المجتمع المدني أم سيرعى الحوار بين هذه المنظمات والحكومة السورية؟
أونماخت: دورنا لن يكون أساسيًا في الحوار، بل سيكون أساسيًا في التنسيق مع الحكومة، وتقديم المساعدة المالية لإقامة هذا المؤتمر. ولكن الحل لن يكون أوروبيًا، أعتقد أن لدى السوريين والسوريات القدرة على التفكير، وأن يواجهوا التحديات الموجودة.
ومن المهم بالنسبة لنا أن يشارك الجميع في سوريا وخارجها، من المنظمات التي ما زالت في الخارج وترغب في العودة إلى سوريا، ودورنا ليس أن نكون وسيطًا، بل أن نكون عاملًا مساعدًا بشكل عام في سوريا الجديدة.
- ما تقييمكم لواقع عمل هذه المنظمات ودورها المستقبلي؟
أونماخت: في مجتمعات الدول الأوروبية، هناك دور أساسي لمنظمات المجتمع المدني، لأن الدولة لوحدها لا تستطيع أن تعطي أجوبة لكل المشكلات، نحتاج إلى المساعدة والعمل الخيري، والمؤسسات الخيرية، ومؤسسات المجتمع المدني لتحقيق التقدم.
شاهدنا في سوريا بعض الحملات لجمع المال للمساعدة في إقامة مشاريع بالمحافظات أو في مدن معينة، وهذا دليل على دور المجتمع المدني في هذا البلد، فالمواطنون والمواطنات في سوريا يشاركون في بناء الثقة وبناء الدولة الجديدة في سوريا، وهذا أمر جميل.
أولويات الاتحاد الأوروبي في المرحلة الانتقالية
- ما أولويات بعثة الاتحاد الأوروبي في المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا؟ وخطة العمل في الأشهر المقبلة؟
أونماخت: في الماضي، لم نكن نعمل مع الحكومة السورية، بل ضدها، باستثناء المساعدات الإنسانية، وحاليًا نريد العمل مع الحكومة والشعب السوري وتعزيز العلاقات معهما، وهذا من أولوياتنا في الأشهر المقبلة، ولدينا برامج لمساعدة سوريا، وهذا القرار متخذ من جانبنا.
وحاليًا نريد تغيير نظام عملنا السابق، والعودة إلى نظام العمل العادي الموجود في كل العالم، فإذا أردنا تأمين تعاون اقتصادي أو استثماري في بلد ما، فهذا يتم من خلال تبادل الأفكار مع السلطات في هذا البلد قبل أي قرار بتقديم المساعدات.
بدأنا مع الحكومة ووزارة الخارجية السورية والوزارات الأخرى ليكون لدينا فهم للأولويات والتحديات، لمعرفة كيفية تقديم المساعدة.
التنسيق مع الدول المانحة أمر مهم جدًا، وهذا ما بدأنا به بالتعاون مع الحكومة والسلطات السورية والمجتمع المدني، وهذا من أولوياتنا في الأشهر المقبلة.
- هل يمكن أن يتضح بشكل أكبر دور الدول المانحة بالمؤتمر الذي سيعقد في 15 من تشرين الثاني الحالي؟
أونماخت: المؤسسات والمنظمات الدولية تقدم دورًا أساسيًا في دعم سوريا، ولكن أهم ما سيتم في مؤتمر 15 من تشرين الثاني الحالي هو تبادل الحوار السوري- السوري.
وهناك قضية المفقودين ينبغي العمل عليها بشكل كبير، لأن هناك الكثير فقدوا في الـ14 عامًا الماضية، وهذا يحتاج إلى تسجيل المعلومات والبيانات كي يتسنى للحكومة ومنظمات المجتمع المدني الاستفادة من هذه المعلومات.
وللوصول إلى نتيجة نهائية، نحتاج إلى الحوار والتعاون والتفاهم بين الجميع.
رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في سوريا ميخائيل أونماخت في مقر البعثة بدمشق – 4 تشرين الثاني 2025 (عنب بلدي/نور حمزة)
“العدالة الانتقالية بوابة السلم الأهلي”
- هل سيكون هناك دور محدد للاتحاد في دعم العملية السياسية بجميع مفرداتها، مثل تأسيس الأحزاب والتشاركية والعدالة الانتقالية؟
أونماخت: الاتحاد جاهز لتحقيق ذلك لأنه أمر مهم جدًا لبناء مستقبل أكثر ازدهارًا لسوريا، ولكن الاتحاد الأوروبي لا يمتلك هذا القرار، نحن نقدم الإمكانيات لفعل ذلك.
أظن أن العدالة الانتقالية مهمة جدًا للسلم الأهلي في سوريا، وهناك مؤسسات سورية تعمل على تحقيق ذلك، وبرأيي من الواضح والطبيعي أن تستفيد الحكومة من تجارب هذه المؤسسات.
وأيضًا هناك منظمات دولية، سواء من الأمم المتحدة أو دول أخرى، لديها خبرة ومعرفة وملفات وأرقام موجودة، ومن المهم على الحكومة السورية الاستفادة من ذلك، ولذلك نحتاج إلى تبادل المعلومات والأفكار.
الأمم المتحدة لديها وصول إلى كل دول العالم، وهناك منظمات تتبع لها مثل “UNDP” و”UNICEF” تمتلك الخبرة، وأعتقد أن من الواضح واللازم أن تستفيد سوريا من هذه الخبرة الدولية، وكذلك الأمر لدينا في الاتحاد الأوروبي الإمكانيات والخبرة، ولكننا لا نمتلك الحل، بل الإرادة القوية للمساعدة، ولكن الحل يجب أن يكون سوريًا- سوريًا.
“العدالة الانتقالية تحتاج إلى سنوات”
- هل تقصد أن دور المنظمات الدولية فيما يتعلق بقضية مثل العدالة الانتقالية يمكن أن يكون أكبر من دور دول الاتحاد الأوروبي التي مرت بتجربة مماثلة لما حصل في سوريا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؟
أونماخت: لا، هذا يمكن أن يتم بالتعاون، يعني مثلًا إذا تحدثنا عن العدالة الانتقالية أو ملف المفقودين، فهما تجربة جديدة لسوريا، ولكن هناك بعض الدول الأخرى لديها تجارب، بعد الحرب العالمية الثانية كان هناك ملف للمفقودين، وكذلك في إسبانيا بالسبعينيات، وأمريكا الجنوبية، والمكسيك، ورواندا، كانت هناك حاجة للعدالة الانتقالية.
وقد قام الاتحاد الأوروبي بتمويل زيارة اللجنة الجديدة للمفقودين واللجنة الجديدة للعدالة الانتقالية إلى البوسنة والهرسك، لأن لديهم تجربة مماثلة لسوريا ومؤسسات، ومن الممكن أن نتعلم من التجارب في دول أخرى.
ولكن هذا صعب أحيانًا، ولهذا نريد في الاتحاد الأوروبي أن نساعد في الربط بين الاثنين عن طريق الزيارات، وفي كل هذه الملفات نحتاج إلى التعاون بين المنظمات الدولية المتخصصة في ذلك، مع اللجان السورية المتخصصة، مع الدول المانحة، وغيرها من الدول التي لديها تجارب مماثلة.
الاتحاد الأوروبي لديه تجربة مماثلة، وبالنسبة للسلطات السورية إذا عملت كل مؤسسة لوحدها، لن يتم تحقيق نتيجة.
ملفات العدالة الانتقالية والمفقودين مؤلمة جدًا، وهناك صعوبات تعترضها، وهذا أمر واضح، وبعض الدول كانت لديها ضرورة لتحقيق العدالة الانتقالية، مثل رواندا والبوسنة والهرسك، وهذا الأمر يحتاج إلى سنوات، وأحيانًا إلى عشرات السنوات لتحقيق نتيجة في هذه الملفات.
“ندعم وحدة سوريا ضد أي انفصال”
ما تقييمكم للواقع في محافظة السويداء والساحل؟ وما الدور الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي في هذا الموضوع؟ خصوصًا ظروف الشرائح المجتمعية الأكثر احتياجًا داخل محافظتي السويداء ودرعا (التي نزح إليها كثير من أهالي السويداء)؟
أونماخت: زرت السويداء في بداية تموز قبل الأحداث الأخيرة فيها، وما حدث في السويداء، كان بالنسبة لي مهمًا، الاتحاد الأوروبي سياسيًا مع الوحدة السورية وضد أي انفصال، فهذا أمر غير ممكن.
هناك سيادة كاملة لسوريا، وننادي باحترام ذلك من كل الأطراف، وما حدث قد حدث، ونحن نحتاج إلى لجنة تحقيق سورية، ولجنة تحقيق دولية (موجودة منذ أكثر من عشرة أعوام)، ومن المهم أن يشاركوا في التحقيقات في السويداء.
وهذا جزء فقط، حيث نحتاج إلى حل سياسي، وهناك جهود مبذولة من قبل الأردن والولايات المتحدة الأمريكية في هذا الملف، وهناك خريطة طريق للوصول إلى الحل، ونحتاج إلى تحقيق وتنفيذ الخريطة، وإلى الحوار بين الكل، وهذا الأمر صعب حاليًا، ولكننا في الاتحاد الأوروبي نشجع كل الأطراف على الدخول في المشاورات والمفاوضات بروح إيجابية، وقبول الآخر واحترامه.
هذه رسالتنا عندما نتحدث مع الناس في السويداء، وهذه رسالتنا للآخرين، وطبعًا لا نتحدث فقط عن السويداء، فهناك نازحون في درعا، وفي الاتحاد الأوروبي، هناك مؤسسات معنا في البعثة تقدم المساعدات الإنسانية، وهي مؤسسة “إيكو”، وكانت تشارك في الإجراءات للمساعدة الإنسانية، وزاروا السويداء قبل أسبوعين أو ثلاثة، وشاركوا في الحملة الإنسانية، وهذا دور آخر.
وسياسيًا، هناك دور للولايات المتحدة في سوريا والأردن، ولا نريد أن ننافسها في هذا الدور، ولكن نريد أن نعطي الدعم لهذه المبادرة، ولكن ذلك يحتاج إلى الوقت والروح الإيجابية، ونأمل أن يحدث ذلك بكل الإجراءات.
ونشدد على أن الاتحاد الأوروبي مع وحدة الأراضي السورية، ونطلب من الكل احترام السيادة السورية، ولكن الحوار هو الحل.
“خارطة الطريق والسلم الأهلي أساس الخروج من الأزمة”
- هل كان هناك وصول للمنظمات الإنسانية المنضوية ضمن بعثة الاتحاد الأوروبي إلى السويداء؟
أونماخت: نعم، حدث ذلك قبل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، بالتنسيق مع الهلال الأحمر السوري، الذي كان يلعب دورًا أساسيًا في الاستجابة الإنسانية لأزمة السويداء، وزملائي من مؤسسة “إيكو”، التي تتبع إداريًا للاتحاد الأوروبي وتقدم المساعدات الإنسانية، كانوا في السويداء يشاركون في إيصال المساعدات، وزاروا درعا أيضًا لإغاثة النازحين إليها من محافظة السويداء، وهذا هو الرد الإنساني لأزمة السويداء.
وبالنهاية، الحل يجب أن يكون سياسيًا، بتنفيذ خارطة الطريق وتحقيق السلم الأهلي، ومبدئيًا، دون إيصال المساعدات الإنسانية إلى السويداء ودرعا، سيكون الوضع أصعب.
“الجولان أرض سورية وندعم سيادة سوريا”
- هل تعتبرون ما تقوم به إسرائيل في الجنوب السوري مبررًا؟ وهل يؤثر على تعافي البلاد وخططها للاندماج في التنمية ومحاربة الإرهاب؟
أونماخت: الاتحاد الأوروبي يقف دائمًا مع سيادة الدولة السورية، وكانت السلطات السورية منفتحة جدًا على التعايش مع كل جيرانها، وهذا أمر إيجابي جدًا.
ونسمع حاليًا عن مفاوضات جديدة بين سوريا وإسرائيل بدعم من الولايات المتحدة، نشجع ذلك طبعًا، ولكن نطلب من كل الأطراف احترام سيادة السوريين على أراضيهم.
سوريا تحتاج إلى هدوء واستقرار أمني، ونريد من الجميع فهم ذلك، لأن ذلك شرط أساسي للتنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي في سوريا.
- منذ سقوط النظام ازداد حجم التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية، ومؤخرًا تم نصب حاجز ثابت في ريف محافظة القنيطرة بعمق الأراضي السورية، وهناك تدخلات يومية. وكان السؤال: هل ترى أن هناك مبررًا لمثل هذه التدخلات في الأراضي السورية؟
أونماخت: إن شاء الله سنرى نهاية لذلك، وأظن أن الحكومة السورية كانت واضحة باحترام اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 للفصل بين القوات في الجولان. وسياسيًا، الاتحاد الأوروبي يرى أن الجولان جزء من سوريا، ومن جهة القانون الدولي نطلب من الكل احترام السيادة السورية، وأظن أن هذا كان واضحًا، وطبعا هذا مهم جدًا للتقدم في سوريا.
مشاركة سوريا في التحالف ضد الإرهاب
- بالنسبة للوضع في شمال شرقي سوريا، ما سياسات الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن؟ وهل تشجعون على تنفيذ اتفاق 10 من آذار بين الحكومة في دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وعلى أي أساس؟
أونماخت: نحن نشجع على تنفيذ الاتفاق بين الحكومة السورية وقسد، وطبعا اتفاق 10 من آذار الماضي كان عامًا ويجب أن تتم مناقشة التفاصيل، وهناك حاليًا مفاوضات جدية بين الطرفين لتحقيق ذلك، ونشجع على تحقيق النجاح بسرعة في ذلك.
ونحن مع وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، ومع حقوق الإنسان والحقوق الثقافية للكل، إذًا ليس هناك شق أمني فقط للمفاوضات، ولكن هناك شق سياسي أيضًا، وإذا كانت هناك إرادة جدية وروح إيجابية سنرى تقدمًا.
كل الدول، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، تشجع على ذلك للوصول إلى حل في شمال شرقي سوريا، وهناك خطر ماثل أيضًا هو “داعش”، ما زال موجودًا، وإذا كانت هناك مشكلات بين السوريين، فهذا لن يصب إلا في مصلحة تنظيم “داعش”.
وسنرى قريبًا إعلانًا لمشاركة سوريا في التحالف الدولي ضد الإرهاب، وهذا خبر إيجابي جدًا ونحن نشجع على تحقيقه.
زيارة الشرع إلى واشنطن
- فيما يتعلق بالاتفاق الذي ذكرته لانضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب، هل ترى أن هذا الاتفاق سيزيد من حضور سوريا في المجتمع الدولي؟
أونماخت: إن سوريا مقبولة في المجتمع الدولي، ورأينا سابقًا قبول الولايات المتحدة لسوريا، وزيارة الرئيس السوري، أحمد الشرع، للولايات المتحدة تمثل خطوة إضافية لتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا.
وإن شاء الله سيكون هناك تقدم في ملف عقوبات “قيصر”، لإلغاء هذه العقوبات كليًا، ونأمل أن تسهم زيارة الشرع إلى واشنطن في أن يتخذ أصحاب القرار هذه الخطوة، لأن التقدم والتنمية الاقتصادية أساسيان لمستقبل سوريا، وسنرى آثارًا إيجابية لذلك.
“متفائل بمستقبل سوريا وأحب الشعب السوري”
- ما الرسالة التي يود الاتحاد الأوروبي توجيهها للشعب السوري في هذه المرحلة؟
أونماخت: أنا متفائل بمستقبل سوريا وأحب الشعب السوري.
سبق أن عشت في سوريا قبل 30 عامًا، وكنت أزور سوريا مرارًا، باستثناء الفترة بين عامي 2010 و2024.
الشعب السوري لديه القدرة على العمل في ظل التحديات الحالية، ورأينا دور المجتمع المدني في هذا البلد.
طبعًا نحتاج إلى أن تكون هناك خطوات إضافية، وتقدم اقتصادي واستثمارات، ولكن رأينا مشكلات مثل أحداث الساحل والسويداء، وهذا أمر مؤسف جدًا ومؤلم للناس، ولكن السوريين بأكثريتهم الكبيرة متعايشون، ولا يرون بديلًا للتعايش، وهذه أيضًا إرادة الحكومة باندماج الكل واحترام كل مكونات الشعب السوري، ورأينا طبعًا تحقيق التقدم في ذلك.
وأكرر تفاؤلي، ورسالتي للجميع بأننا يجب أن نؤمن بمستقبل سوريا، وأغلبية السوريين أيضًا متفائلون، أحيانًا هناك خيبة أمل، وهذا طريق صعب، ولكن نهاية النظام الدكتاتوري في سوريا خبر جيد، وقريبًا سيمر عام تقريبًا على إسقاط النظام.
في ألمانيا مثلًا، لم نرَ تقدمًا اقتصاديًا قبل مرور الذكرى الأولى لنهاية الحرب العالمية الثانية، ورأينا التقدم والتنمية بقوة بعد عدة سنوات.
بين سوريا والاتحاد الأوروبي علاقات عميقة جدًا، خاصة بعد لجوء أكثر من مليون سوري إلى دول الاتحاد الأوروبي، وكلهم لديهم إمكانية لعب دور في تعزيز العلاقات. ولكن السوريين في الخارج سيلعبون أيضًا دورًا أساسيًا في بناء سوريا الجديدة، ونريد أن نساعد في تحقيق ذلك.
