
الصورة التي استخدمها المحققون لتعقب العميد السابق خالد الحلبي في بودابست - 13 تشرين الثاني 2025 (نيويورك تايمز)

الصورة التي استخدمها المحققون لتعقب العميد السابق خالد الحلبي في بودابست - 13 تشرين الثاني 2025 (نيويورك تايمز)
وجّه الادعاء العام في فيينا اتهامات رسمية إلى العميد السابق في النظام السوري خالد الحلبي، البالغ من العمر 62 عامًا، والمعروف بـ”جنرال التعذيب”، وهو أرفع مسؤول أمني سوري يُتهم في أوروبا بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات ممنهجة ضد متظاهرين ومدنيين خلال الأعوام الأولى من الثورة السورية في مدينة الرقة.
وأعلن الادعاء، وفق ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، الخميس 13 من تشرين الثاني، أن الحلبي يخضع للاحتجاز لدى السلطات النمساوية منذ كانون الأول 2024، بعد سنوات طويلة من الاختفاء امتدت لأكثر من عقد، تمكّن خلالها من التنقل بين مدن أوروبية مستخدمًا هويات مختلفة، وساعد في القبض عليه صورة نشرها على وسائل التواصل تظهره على جسر في بودابست.

الصورة التي استخدمها المحققون لتعقب العميد السابق خالد حلبي في بودابست – 13 تشرين الثاني 2025 (نيويورك تايمز)
وأكد الادعاء أن الاتهامات تشمل ارتكاب التعذيب والمعاملة الوحشية في أثناء توليه رئاسة فرع أمن الدولة 335 في الرقة بين عامي 2011 و2013، وهي الفترة التي شهدت تصاعد الاحتجاجات الشعبية واتساع حملات الاعتقال.
وشملت لائحة الضحايا 21 شخصًا أدلوا بشهاداتهم حول تعرضهم للضرب المبرح والصعق الكهربائي، بعضهم داخل مكتب الحلبي نفسه وفق ما وثّقته المنظمات الحقوقية.
كما اتهم القضاء النمساوي الضابط السابق مصعب أبو ركبة، البالغ من العمر 53 عامًا، في القضية بوصفه المسؤول الثاني المتهم إلى جانب خالد الحلبي بارتكاب انتهاكات واسعة خلال قمع الاحتجاجات في الرقة بين عامي 2011 و2013.
وعمل أبو ركبة رئيسًا لقسم التحقيقات الجنائية في فرع الأمن الجنائي، ووردت شهادات لضحايا قالوا إنه شارك مباشرة في عمليات التعذيب داخل مكاتب الفرع، بما في ذلك ضرب المعتقلين بالهراوات والأنابيب لانتزاع اعترافات، وفق ما وثّقه محققو المنظمات الحقوقية.
إلا أن أبو ركبة لم يتم اعتقاله حتى الآن، بحسب ما قال محاميه لمراسلي الصحيفة.
وكان أبو ركبة أعلن انشقاقه في 18 من آذار 2012 برفقة 22 عنصرًا في مدينة الرقة.
وبعد وصوله إلى النمسا وتقديمه طلب اللجوء، وتقديمه معلومات مهمة حول ودوره ومهامه التي تقلدها في سوريا، أخفى عناصر المخابرات أيضًا الحقيقة القانونية بأن مصعب أبو ركبة أصبح شاهدًا حسب أصول المحاكمات الجنائية، وبالتالي أخفوا حقيقة وجود المتهم والشاهد.
تولى الحلبي في 2008 منصب رئيس فرع أمن الدولة رقم 335 في الرقة، وعندما بدأ الوضع العسكري في سوريا يتغير مع تقدم فصائل المعارضة عام 2013، سارع الحلبي إلى الهروب، وعبر إلى تركيا ثم بعد أشهر سافر إلى الأردن، قبل أن يصل إلى باريس حيث اعتُبر آنذاك منشقًا يمكنه المساعدة في توثيق جرائم النظام.
ولكن الأدلة التي جمعها محققو “لجنة العدالة والمساءلة الدولية” غيّرت الصورة، إذ بدؤوا يشكون في أن العميد السابق أشرف بنفسه على تعذيب السوريين في فرعه الأمني بالرقة، مما جعله يتحول من شاهد إلى متهم رئيس، بحسب التقرير.
وبحسب مدعٍ عام نمساوي، اختفى الحلبي فجأة من باريس في 2015، وكشفت التحقيقات لاحقًا أن المخابرات الإسرائيلية (الموساد) ساعدت في تهريبه برًا عبر أوروبا بمساعدة نظرائهم من المخابرات النمساوية، حتى وصل إلى فيينا.
وحملت العملية الاستخباراتية التي جمعت أجهزة المخابرات النمساوية والإسرائيلية لحماية وتخبئة خالد الحلبي، اسم “الحليب الأبيض”.
وحصل في النمسا على اللجوء بمساعدة مسؤولين في جهاز المخابرات الداخلي النمساوي، وأُسكن في شقة موّلها “الموساد”، حسب التقرير.
حكم العدالة في “جمهورية الموز”.. قضية تهريب وحماية خالد الحلبي
أظهرت تطورات الملف لاحقًا وجود شبكة حماية مكّنت خالد الحلبي من البقاء داخل النمسا لسنوات دون أن يُكشف أمره.
في عام 2016، قدّم محققو “لجنة العدالة والمساءلة الدولية” (CIJA) نتائج بحثهم إلى وزارة العدل النمساوية، لتبدأ السلطات هناك البحث عنه رسميًا، قبل أن تتصاعد شبهات حول تورط جهاز الاستخبارات الداخلية النمساوي نفسه في توفير الحماية له.
وفي نيسان 2023، مثُل خمسة نمساويين أمام القضاء، أربعة منهم من مسؤولي جهاز الاستخبارات الداخلي السابقين، إضافة إلى موظف سابق في هيئة اللجوء، بتهم تتعلق بإساءة استعمال مناصبهم لتسهيل حصول الحلبي على اللجوء.
وبحسب لائحة الادعاء، فإن رئيس الجهاز النمساوي آنذاك كان قد زار إسرائيل عام 2015 وأبرم اتفاقًا ينص على نقل الحلبي إلى النمسا، قبل أن يقوم عناصر من الجهاز وموظفو الهجرة بترتيب أوراق لجوئه وتأمين مسكن له.
ورغم تبرئة أربعة من المتهمين لعدم كفاية الأدلة، وفشل حضور الخامس لأسباب صحية، فقد أتاح هذا المسار القضائي للمرة الأولى ظهور الحلبي علنًا كشاهد، وقابله بعض الضحايا من السوريين الذين قام بتعذيبهم في أثناء وجودهم في الرقة.
كانت عنب بلدي نشرت مقالًا للمساعدة القانونية للمحامية الموكلة عن ضحايا وناجين قدموا ادعاء ضد الحلبي وأبو ركبة، في 16 من نيسان 2023، بشأن تعاطي المخابرات النمساوية مع قضية الحلبي وأبو ركبة.
وبحسب المقال، فإن سلوك الطريق القانوني الصحيح كان سيجبر موظفي إدارة اللجوء في النمسا على ترحيل الحلبي إلى فرنسا أو رفض طلب لجوئه، بسبب كونه مجرم حرب فارًا من العدالة، الأمر الذي يؤسس لمسؤولية النمسا في فتح تحقيق ضده ومنحه فقط حق البقاء لأسباب إنسانية، بسبب عدم إمكانية الترحيل إلى سوريا حيث يوجد خطر حقيقي على حياته.
ونص الاتفاق المخابراتي بين إسرائيل والنمسا على نقل الحلبي إلى النمسا والتدخل في ملف لجوئه، لضمان منحه حق اللجوء بأسرع وقت، وحمايته من الملاحقة في فرنسا، حيث كانت هناك تحقيقات جنائية جارية ضده. قام “الموساد” الإسرائيلي بتحويل مبلغ قدره خمسة آلاف يورو شهريًا متكفلًا بالتكاليف كافة، من سكن ومأكل وتأمين صحي.
وقد حجز موظفو المخابرات النمساوية مكانًا للحلبي في دورات تعلم اللغة الألمانية، ووصلوا الإنترنت لمكان سكنه، وخدمات أخرى ليست من واجبات عناصر المخابرات عادة.
تواصلت “لجنة العدالة والمساءلة الدولية” (CIJA) في 2023 بشكل مباشر مع وزارة العدل النمساوية، وعرضت تقديم ملفات وأدلة تثبت مسؤولية الحلبي الجنائية عن جرائم تعذيب في سوريا.
يشترط القانون النمساوي وجود المشتبه به على الأراضي النمساوية بشكل دائم لبدء تحقيقات استنادًا إلى الاختصاص العالمي، ولا يكفي فقط وجود سجلات رسمية له.
وبناء على ذلك، لم يكن من الممكن بدء التحقيقات ضده بسبب تدخل عناصر المخابرات وتغطية الحقائق عن موظفي وزارة العدل، ومنعهم من معرفة مكان الحلبي الحقيقي.
وهذا يُظهر مجددًا إصرار هؤلاء الموظفين الأربعة على خرق القانون لحماية الحلبي، ليس فقط من الترحيل إلى فرنسا، بل أيضًا لحمايته من الملاحقة القانونية، فمن خلال عدم مشاركة المعلومات التي يمتلكونها عن مكانه، عرقلوا العدالة مستغلين نفوذهم كموظفي دولة.
كل عنصر مخابرات يتقلد في ذات الوقت دور شرطي تحقيق جنائي، ما يلزمه قانونًا بتوصيل المعلومات التي يمتلكها لمكاتب الادعاء لبدء التحقيقات من هذا النوع.
وعلى عكس ما قد يتوقعه البعض، بأن المخابرات النمساوية ستقدّر عرض منظمة “CIJA” لتقديم أدلة ومعلومات، الأمر الذي تفرح لأجله أي وحدة استخباراتية في العالم، فقد رفض النمساويون تسلّم هذه المستندات، وقاموا من دون اللجوء إلى السلطات الهولندية بالتجسس وجمع معلومات وصور حول منظمة “CIJA” ومكتب عملها في لاهاي بهولندا.
لم يكن الدافع وراء هذا الفعل واضحًا بالنسبة لمكتب الادعاء العام. وقد يحلو للبعض الظن أن المخابرات النمساوية قامت بذلك بهدف معرفة ما إذا كانت “CIJA” على استعداد لمشاركة هذه الأدلة مع دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا أو فرنسا مثلًا، ما قد يكشف عمليتهم السرية “الأنيقة”، على حسب وصف أحدهم ضمن الرسائل التي صادرها مكتب الادعاء العام من هاتفه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى